إعلان روسيا الأخير عن تقديم المساعدات الإنسانية في شكل حبوب للعديد من الدول الإفريقية يسلط الضوء على جهودها المكثفة لتعزيز العلاقات مع القارة، وبحسب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، سيتم إرسال شحنة كبيرة من الحبوب مجانًا إلى ست دول إفريقية قبل نهاية عام 2023.
عودة العلاقات التاريخية
عادت العلاقات بين روسيا والدول الإفريقية إلى حقبة الحرب الباردة عندما سعى الإتحاد السوفياتي إلى توسيع نفوذه الأيديولوجي والسياسي ضد الغرب، وفي المقام الأول الولايات المتحدة.
لجأت العديد من الدول الإفريقية، التي تسعى إلى الإستقلال ودعم حركات التحرير الخاصة بها، إلى الإتحاد السوفياتي للحصول على المساعدة العسكرية والتعليمية والاقتصادية.
أقامت روسيا علاقات دبلوماسية قوية مع دول مثل أنغولا وموزمبيق والعديد من الآخرين، الذين يدعمون بنشاط حركاتهم التحررية ضد الأنظمة الاستعمارية والإضطهاد الداخلي. وعلى الرغم من أن انهيار الاتحاد السوفياتي أدى إلى انخفاض مؤقت في التدخل الروسي في إفريقيا، إلا أن موسكو تحاول إحياءه منذ عدة سنوات.
وسلط إعلان روسيا الأخير عن تقديم المساعدات الإنسانية في شكل حبوب للعديد من الدول الإفريقية، الضوء على جهودها المكثفة لتعزيز العلاقات مع القارة.
وسيتم إرسال شحنة كبيرة من الحبوب مجانا وفقا لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلى ستة دول إفريقية قبل نهاية عام 2023، وهذه البلدان التي هي جزء من برنامج الغذاء العالمي، هي بوركينا فاسو، وزيمبابوي، ومالي، والصومال، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وإريتريا.
خلال القمة الروسية الإفريقية
ويأتي هذا الإعلان في أعقاب الإلتزامات التي تعهد بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في القمة الروسية الإفريقية في يوليوز الماضي. وأشار بهذه المناسبة إلى رغبة روسيا في إرسال ما بين 25 ألف إلى 50 ألف طن من الحبوب إلى العديد من البلدان الإفريقية خلال الأشهر المقبلة. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من انتهاء صلاحية اتفاقية الحبوب المعروفة بمبادرة البحر الأسود، أكد سيرغي لافروف أن تعليق هذه الإتفاقية لا يؤثر على الأمن الغذائي للدول النامية.
ويأتي هذا القرار الذي اتخذته روسيا في سياق جيوسياسي متوتر، يتسم بزيادة المنافسة مع الولايات المتحدة لتوسيع نفوذها. وتستمر القوتان الكبيرتان في تعزيز بيادقهما الإستراتيجية، وخاصة في إفريقيا، حيث تسعى روسيا إلى تعزيز وجودها.
وتحظى المساعدات الإنسانية التي تقدمها روسيا بالترحيب من قبل الجهات المتلقية، فمن الممكن أن ينظر إليها أيضا على أنها محاولة لتوسيع نفوذها في وقت بلغت فيه المنافسة الجيوسياسية مع الولايات المتحدة ذروتها.
التنافس الأمريكي الروسي في الخلفية
تجدر الإشارة إلى أن الجهود المتزايدة التي تبذلها روسيا في إفريقيا لم تكن تخلو من القلق، وخاصة من جانب الولايات المتحدة. وتجلى التنافس بين البلدين في مختلف المجالات، بما في ذلك العسكرية والتكنولوجية والطاقة.
وتخضع محاولات روسيا الأخيرة لتوسيع نفوذها في إفريقيا، لا سيما من خلال اتفاقيات مثل تلك التي أعلنها لافروف، للتدقيق من قبل واشنطن.
وتعرض من جانبها الولايات المتحدة على الدول الإفريقية اتفاقيات تعتبرها أكثر عدالة واستدامة.
يرى بعض المراقبين أن مبادرة روسيا لتقديم الحبوب إلى العديد من الدول الإفريقية ليست لفتة تافهة. ويجب أن ننظر إليها أيضًا في السياق الأوسع للمناورات الجيوسياسية بين القوى الكبرى على الساحة العالمية.
وسيحدد الوقت وحده كيف ستؤثر هذه المبادرات على الديناميكيات الجيوسياسية في إفريقيا وأماكن أخرى.