الرعي و طلب العلم و صلة الرحم
عاش ” ابرايم ” حياة قاسية باحواز اكادير بمنطقة تاغزوت حيث تقادفته فاقة و عوز الاسرة خارج ابواب الاعدادية ، متنقلا بين زرائب ماعز المنطقة يعمل راعيا للماعز بمنطقتي اورير و تاغازوت ، تواجده بمنطقة واقعة بالقرب من شاطىء تاغزوت مطلة على المحيط الأطلسي و بجانب المخيم السياحي الدولي ، دفع فضول الكثير من السياح الاجانب خصوصا الالمان المسنين الذين يتوافدون على المنطقة خلال الفترة الممتدة بين شهر شتنبر و شهر دجنبر والتي تتميز بجوها المعتدل المتميز ، كانت قطعان الماعز المتسلقة لشجر الاركان للرعي تشكل لوحة فنية تجذب السياح لالتقاط الصور التذكارية و تشكل فضاء مناسبا ل ” ابرايم ” لاكتشاف مجال جديد للكسب و الحصول على الطعام واللباس و احيانا الهدايا ، انساه كل هذا تعب و مشقة الرعي ، عالم جديد ولجه ” ابرايم ” الذي اتقن بعض مفردات التواصل مع مختلف الجنسيات من السياح.
ملازمة ” ابرايم ” للمكان لسنوات مكنه من نسج علاقات مع سياح اعتادوا كل سنة زيارة الجنوب المغربي و الاقامة بالمخيم السياحي الدولي لتغازوت وركن قافلاتهم به .
اتقن ” ابرايم ” لغة التعامل و تسويق منتوجه السياحي المعتمد على تمرين قطعان الماعز المتسلقة لاشجار الاركان بالوانها الذهبية البنية و البيضاء و السوداء التي تجذب قافلات السياح المتقاعدين التمتع بتلك المناظر الجميلة التي توظف خضرة الاشجار و زرقة المحيط لاضافة لمسات فنية رائعة على المكان .
حسن ” ابرايم ” من مظهره و تعاملاته و اسعفته ذاكرته و لسانه في اتقان فنون الارشاد السياحي والترويج لمنتوجه السياحي الخاص به خصوصا بعد استفادته من دورات في تعلم اللغة الالمانية و الارشاد السياحي المنظم من طرف غرفة التجارة و الصناعة و الخدمات ، اصبح ” ابريم ” معروفا لدى سلطات و ساكنة المنطقة ، خلق ديناميكية بالمحيط مكن ساكنة المنطقة من ترويج بعض المنتجات المحلية واحداث مآوي جبلية لإعداد الشاي المغربي و الوجبات المغربية لبعض السياح .
اعتادت اسرة المانية مكونة من سائح و زوجته وابنتها على زيارة المكان و طلب خدمات ” ابرايم ” الذي اصبح بدوره يتحكم في تنظيم عملية رعي الماعز بالمنطقة و الاستفادة من الترويج السياحي ويستفيد من نصيبه مما يقدمه السياح للرعاة من اجر عن اخد صور مع قطعان الماعز المتسلقة لاشجار الاركان او من توجيهه السياح للمآوي السياحية المتواجدة بالمداشر المجاورة.
خلال الاحتفالات باعياد نهاية السنة الميلادية زارت ” اليزا ” البنت الالمانية رفقة صديقة لها المغرب وتواصلت مع ” ابريم ” وطلبت منه مصاحبتهن خلال رحلة لهن لمدينتي مراكش و ورزازات وافق على طلبها ، كانت رحلة ممتعة تركت اثرا ايجابيا لدى ” ايليزا ” وصديقتها وكانت فرصة ل ” ابرايم ” و ” ايليزا ” لتعارف اكثر ، كانت ” ايليزا ” دكتورة في مجال البتروكيماويات بإحدى الكليات العلمية بفرانكفورت ، ولعل ارتياحها لشخصه دفعها ان تقترح عليه امكانية زيارته لألمانيا وهي من ستتكلف بكل الاجراءات وافق على طلبها مرة اخرى و دون ادنى تردد ، قبل مغادرتها لألمانيا مكنها ” ابرايم ” من الوثائق اللازمة ونسخ مترجمة للغة الالمانية .
عند عودة ” ايليزا ” لفرانكفورت بالمانيا قامت بإنجاز الوثائق اللازمة لطلب تاشيرة المانيا وارسلتها و مصاريف تذكرة السفر ل ” ابرايم ” الذي حصل على التأشيرة وحجز تذكرة الطائرة و حدد موعد السفر بعد اسبوعين .
حل ” ابرايم ” بمطار فرانكفورت خلال احد آيام الآحاد صباحا وجد في استقباله ” ايليزا ” ، نقلته الى غرفة للاقامة المؤقتة باحد فنادق المدينة بعد ان مكنته من بعض الأغراض الضرورية ، غادرت الفندق حيث كان تمر عليه خلال فترة الوجبات الغذائية اليومية لتحمله لاحد المطاعم المجاورة.
بعد مرور اسبوع من وصول ” ابرايم ” لفرانكفورت كانت ” ايليزا ” قد سجلته في احد المدارس لدراسة اللغة الالمانية في افق انتسابه لإحدى الكليات المحلية المتخصصة في اعداد التأهيل في ميدان الصناعة البترولية ، كان هنالك شيء مهم يدور في خلد ” ايليزا” ربما اكتشفت امرا مهما في شخصية ” ابرايم ” صقله الفقر و الحاجة و الرعي و الاحتكاك بالسياح او ان ذكائه الحاد و سرعة بديهته كانا وراء اعجاب ” ايليزا ” ب ” ابرايم ” ، لعلها اشياء الزمن رهين بالكشف عليها .
اهتمت ” ايليزا” كثير ب ” ابرايم ” منحته من وقتها و حياتها الشيء الكثير و انجذبت لشخصيته اكثر من اللازم ، واكبته في تعلمه للغة الالمانية و ساعدته في ولوج معهد تعلم التقنية التأهيلية في علوم البترولية كأن شيئا يدفعها لذلك وتمكن ” ابرايم ” بمساعدتها من الحصول على شهادة الاقامة .
اصبح ” ابرايم ” و ” ايليزا ” يقطنان بنفس الحي بعد ان دبرت له صديقته شقة صغيرة ” استوديو” بنفس العمارة التي تقطن بها ، تابع دراسته التقنية بنجاح بعد حصوله على دبلوم اللغة بالتفوق ، بعد سنتين اتفقا على عقد قرانهما .
واصل “ابرايم ” دراسته بنجاح دافعه الاساسي هو تحقيق الذات و الخروج من دائرة الجهل والعتمة و ركوب قطار المجد و الشهرة .
حصل بعد تخرجه من معهد التأهيل التقني المعادل لشهادة الباكالوريا على تسجيل بكلية العلوم شعبة “البترول و المعادن ” و خلال دراسته كانت ” ايليزا ” تمكنه من تداريب ميدانية بالشركات المتعاملة مع المختبر الذي تشتغل به .
حصل على الباكالوريوس المهنية و سجل بالماجستير ” تخصص معالجة و تصفية البترول الخام ” .
حصلت ” ايليزا ” على بعثة للمملكة العربية السعودية للعمل بشركة ارامكو التي تسيرها اطر امريكية والواقعة بمدينة الظهران بشرق السعودية ، اقترحت على زوجها ” ابرايم ” امكانية مرافقتها لكون الشركة ستتكلف بكل شيء حتى مكان اقامتهما و نفقات السفر مع امكانية التدريس بجامعة البترول و المعادن بنفس المدينة .
تم ترتيب اجراءات السفر ، هاجر الزوجان للسعودية ، حصل ” ابرايم ” على عمل بمختبر الجامعة بدعم من شركة أرامكو و كانت فرصة لتسجيله بسلك الدكتوراه كمنتسب للجامعة بشعبة ” هندسة البترول ” و ساعده على الاندماج بالوسط الجديد ثقافته المشرقية و كدا تأقلمه مع الثقافة الغربية .
اصبح ” ابرايم ” شخصية علمية مرموقة بالمملكة، يدير بعض الندوات العلمية برحاب الجامعة خصوصا وان اغلب الطلبة من الدول العربية و افريقيا و اسيا .
حصل ” ابرايم ” على درجة الدكتوراه بامتياز و اضحى استاذا مساعدا بجامعة البترول و المعادن بالظهران رفقة زوجته التي التحقت بتاطير الطلبة بمختبر الجامعة .
خلال دورة تدريبية بنفس الجامعة تعرف ” محمد ” المغربي على ” ابرايم ” الذي بدا في سنه الذي تجاوز الستين ، تغيرت لكنته الامازيغية و العربية التي غلبت عليها الانجليزية و تغيرت ملامحه العربية ، رتب له ” محمد ” عند عودته للوطن لقاء بأسرته بتاغازوت التي بقي منها عمه وخالته واولادهم بأورير .
و بدا فعلا انه لولا ابناء الفقراء لضاع العلم و انه لولا التواصل لانقطع الرحم .
الجديدة في 2022/10/12