الدهاء و جوار السلطة و المال و السياسة
بهضبة الفوسفاط و الفروسية و الارض المعطاء و الكرم و المقاومة و الأنفة و بقعة استيطان المستعمر الذي استنزف منها الخيرات لإعمار موطنه وضمان الأمن الغذائي لبني جلدته ، رأت النور ” لكبيرة ” بأسرة فقيرة تقيم و تشتغل بضيعة ” الحاج بوعزة ” أحد أعيان و فلاحي المنطقة و الذي يشتغل أخوه عونا للسلطة بالقبيلة ( شيخ ) عائلة خبرت اسرار كل شيء بالمنطقة لوجاهتها ، كان ” ميلود ” اب ” لكبيرة ” و امها ” منانة ” يعملان عند اسرة ” الحاج بوعزة ” منذ صغرهما ، الاب يشتغل بالأعمال الفلاحية و الام مكلفة ببعض الاشغال المنزلية ، عند بلوغهما سن الزواج اقترح الشيخ ” بوشعيب ” على اخيه ” الحاج بوعزة ” تزويجهما لضمان استقرارهما بحطة اولاد ” الحاج العدناني ” جدهما المعروف بالمقاوم الشرس للمستعمر الفرنسي بالمنطقة .
ارتبطت ” منانة ” بالزوج ” ميلود ” بعد قراءة الفاتحة تخللتها وليمة حضرها إمام المدشر وبعض معارف اولاد المرحوم “الحاج العدناني ” ، تم ترميم مسكن بجوار منزل اسرة ” الحاج بوعزة ” كان مخصصا لإيواء عمال جني غلة الزيتون بالضيعة لاستقبال العروسين .
استمرت ” منانة” و زوجها في خدمة حطة اولاد الحاج العدناني و خلفه من الابناء و الحفدة و الاسباط ، في ليلة ممطرة من ليالي الجمعة من شهر شعبان ، جاء المخاض ل ” منانة ” اضطر ” ميلود ” للخروج ليلا في عز المطر للبحث عن ” الحاجة عيدة ” القابلة بالدوار لاستقدامها بواسطة العربة المجرورة المملوكة ل ” الحاج بوعزة ” اسعف القدر ” منانة ” فانجبت في الليلة الكبيرة المباركة مولودا انثى ، اصر امام المدشر يوم عقيقتها تسميتها ” لكبيرة ” لكون يوم مولدها عظيما عند الله اغاث به الله الارض و الضرع بعد توالي ايام القحط و الجفاف ، وفعلا كانت التسمية تيمنا بيوم الجمعة من شهر شعبان .
ترعرعت ” لكبيرة ” بمنزل ضيعة ” الحاج بوعزة العدناني ” ولارتيادها بيت الاسرة الكبيرة و اختلاطها المستمر بأهل الدار و اهتمام ” الحاج بوعزة ” و زوجته الحاجة و اولادهم و بناتهم بها لدرجة أن كل من يزور البيت الكبير يخال له ان ” لكبيرة ” من اسرة اولاد العدناني .
عند بلوغ الطفلة ” لكبيرة ” سن الدراسة تكلف ” الشيخ “بوشعيب العدناني ” بتسجيلها بمدرسة المدشر التي كان ابنه يعمل بها مدرسا و زوج اخته مديرا لها .
ظلت التلميذة تذهب للمدرسة رفقة ابناء و بنات اهل الدار الكبيرة لا تختلف معهم إلا في لقبها العائلي ” لغليمي” ، تأثرت بسلوكهم و تصرفاتهم لدرجة انها تفضل البقاء معهم على الذهاب ليلا للبيت المعزول بالضيعة والذي يقطنه ” ميلود ” و ” منانة ” .
تفوقت ” لكبيرة “في دراستها على اقرانها و كانت ثاقبة الذكاء لدرجة ان الكل اصبح يلقبها ب ” الجنية ” خفيفة الظل و سريعة الاستجابة ، تتأقلم مع كل الوضعيات و بطريقة غريبة كانت صغيرة في بنيتها الجسدية لكن كبيرة في عقلها ، كانت أكبر من سنها ادراكا و ذكاء.
اصبح كبار البيت يطلبون خدماتها البسيطة لسرعة البديهة عندها لدرجة انها أضحت محط عداء اقرانها بالبيت الكبير وخصوصا البنات منهن حيت كانت تخاطبهن سيدة البيت ” للاكم لكبيرة حادكة اما انتن غير خبر ربي ” .
التحقت ” لكبيرة ” بالتعليم الاعدادي تم الثانوي ، حصلت على شهادة الباكالوريا و انتقلت الى الدار البيضاء لمتابعة دراستها الجامعية تخصص القانون و سكنت بمنزل ” الحاج بوعزة ” رفقة ابنته التي كانت تتابع دراستها بكلية الطب و الصيدلة و ابنة ” الشيخ بوشعيب ” التي التحقت بالمدرسة العليا للاساتذة وتكلفت احدى العاملات ببيت الشيخ بخدمتهن .
حصلت ” لكبيرة ” على دبلوم الدراسات الجامعية القانونية و اجتازت مباراة المحررين الاداريين المنظمة من طرف وزارة الداخلية حيث فازت فيها بتفوق و التحقت بمركز التكوين الاداري بالدار البيضاء ، بعد سنتين من التكوين تم تعيينها بعاصمة الاقليم مسقط راسها .
بعد سنة من العمل بالادارة الاقليمية ، لفتت شخصيتها و اسلوب عملها و تعاملها مسؤوليها مما دفعهم لاقتراحها لمنصب حساس بالادارة ، بذكائها و جاذبيتها اضحى لها نفوذ بمحيطها الاداري و المجتمعي واصبح إسم ” لكبيرة ” رقم مهم في معادلة المصالح و المنافع الإدارية ، خبرت دواليب الحياة بمدرسة الحياة الحقيقية بالدار لكبيرة و باحتكاكها ب ” الحاج بوعزة ” و ” الشيخ الحاج بوشعيب ” و من خلال حضورها للقاءات و للإجتماعات بيت الاسرة الحاضنة التي كانت مقرا للقاء أعيان و وجهاء المنطقة و مسؤوليها والتي اعتاد ” الحاج بوعزة ” ان يجلسها بجانبه و يعتبرها وجه خير و بركة على الاسرة وكانت هي صلة الوصل بينه و اهل الدار لتلبية حاجياته و طلبات الضيوف.
كونت الموظفة ” لكبيرة ” شبكة معارف مهمة في صفوف سلطات و منتخبي و أعيان المنطقة و فعاليات المجتمع المدني و الاقتصادي .
اثر تغييرات في هرم الادارة عرفتها المنطقة ابان الانتخابات التشريعية و الجماعية و المهنية صعدت اسهم ” لكبيرة ” لتتولى ادارة الكتابة الخاصة بديوان المسؤول الكبير بالمنطقة ، واصبحت تشارك بطريقة غير مباشرة في صياغة قرارات ذات اهمية نظرا لحسن اقناعها ووجاهة ارائها و قوة ترافعها ولما لا و هي خريجة مدرسة ” الحاج بوعزة ” و ” الحاج بوشعيب ” اللذان كانت لهما اليد الطولى في العديد من القرارات المصيرية في سياسة و اقتصاد و فلاحة المنطقة .
تمكنت بفضل منصبها الجديد من نسج علاقات مع اصحاب القرار بالمنطقة مكنتها من تحقيق منافع مادية و معنوية لها و للمتعاملين معها ، اصبحت الآمر و الناهي تتدخل في كل صغيرة و كبيرة حتى ارتبط اسمها ب ” عليك بلكبيرة و الحاجة مقضية ” .
ارتبطت باحد ابناء أعيان المنطقة الذي تعرفت عليه خلال زيارتها لبيت ” الحاج بوعزة ” الذي احتفى بقدومها لزيارتهم .
واستقرت ” لكبيرة ” الموظفة بفيلا زوجها ” هشام الغزواني ” بالمدينة و اقتنت سكنا اقتصاديا لوالديها اللذان تقدما في السن بالمدينة و بمساعدة احد المرتفقين تدبرت لهما خادمة لمساعدتهما حيث كانت تتكلف بمصاريف بيتهما و حاجياتهما .
مع حلول شهر رمضان الابرك الموالي لانتقال والديها للسكن الجديد بالمدينة تدبرت لهما رحلة للعمرة تحقيقا لرغبة ” منانة ” امها .
استمرت علاقة ” لكبيرة ” التي ادت فريضة الحج رفقة زوجها مع عائلة ” الحاج بوعزة ” و ” الحاج بوشعيب ” حيث كانت فرصة التلاقي بالدكتورة ابنة ” الحاج بوعزة ” و ابنة عمها الاستاذة و زوجيهما اثناء ادائها لفريضة الحج و اقاموا جميعا بنفس العمارة بمكة المكرمة و المدينة المنورة حيث ادوا المناسك جماعة.
اصبحت ” الحاجة لكبيرة ” الكاتبة الخاصة للمسؤول تدير ملفاته الخاصة والعائلية بعد ان حضيت بالثقة الكاملة بفعل تجربتها و فعالية تدخلاتها و كثمها للسر المهني ، مما دفع بالمسؤول الاداري طلب انتقالها للعمل معه بمنصبه الجديد بمدينة اخرى ، حيث وافقت مبدئيا في انتظار راي الزوج و تدبير امورها الخاصة .
عرضت فكرة الانتقال على الزوج الذي رفض مجرد التفكير في ذلك لارتباطاته بالمنطقة واستحالة مغادرتها و العيش بعيدا عن اسرته التي سترفض هي كذلك الفكرة خصوصا والده ” الحاج الغزواني ” و زاد من صعوبة الموقف كون ” الحاجة لكبيرة ” قامت باختبار طبي كشف انها حامل في اسبوعها الاول .
اصرار المسؤول و الاستعداد الداخلي ” للحاجة لكبيرة ” و تعنت زوجها ” هشام الغزواني ” نتج عنه خلاف بينها و بين زوجها لدرجة طلبها الطلاق دون مبررات تذكر ، استجاب له الزوج بضغط من اسرته خصوصا بعد علمهم بانتقال المسؤول القديم و الذي لا محالة سيكون سببا في افول نجم ” الحاجة لكبيرة ” مع تنصيب المسؤول الجديد .
تم تنصيب الوافد الجديد ومع بداية عمله بدأ التضييق على ” الحاجة لكبيرة ” و من يدور في فلكها ، كانت للمسؤول الجديد نظرة خاصة في تدبير الامور العامة كونه خريج مدرسة الطرق و القناطر وتقييمه للاشياء مبني على النتائج .
غير كل الاشياء ولا مكان عنده للمفاهيم التقليدية لا معرفة له بمصطلحات من قبيل ” الاعيان ” و ” ذوي النفوذ ” و ” البروتوكول ” و ” الولائم ” و اشياء اخرى مما خبرته ” الحاجة لكبيرة ” ، كل هذه المستجدات و طلاق ” الحاجة لكبيرة ” عجل موافقتها على الانتقال في انتظار وضع حملها الذي اصبح في شهره الخامس .
اصبحت ” الحاجة لكبيرة ” تقيم بمنزل والديها بالسكن الاقتصادي ، بعد اربعة اشهر و ضعت الحاجة مولودة انثى وبرعاية طبية من الدكتورة ” اكرام العدناني ” التي فتحت عيادة خاصة بالمدينة و بدعم مادي و معنوي من المسؤول القديم .
جاء ” الحاج بوعزة ” لزيارة ” الحاجة لكبيرة ” و مباركة المولودة الجديدة وهو مرفوقا بالحاجة زوجته واستقدما كبشا لآقامة عقيقة المولودة ، حيث فاتحت ” الحاج بوعزة ” في موضوع طلب الالتحاق بالمسؤول القديم للعمل معه فكان رايه مباركة الفكرة لكون عملها و خدمتها للمسؤول السابق كثر من اعدائها خصوصا في صفوف الموظفين .
بعد انصرام مدة رخصة الولادة ، جمعت ” الحاجة لكبيرة ” حقائبها و اصطحبت ابنتها ” نسرين ” و انتقلت على متن سيارتها الخاصة رفقة خادمتها لوجهة العمل الجديدة بعد ان رتب المسؤول القديم كل الامور الادارية المتعلقة بالانتقال و دبر لها مسكنا وظيفيا مجهزا بالضروريات .
استأنفت بعد خمسة عشرة يوما عملها الجديد ، وكل العيون تلاحقها كوافدة جديدة تحضى بعناية المسؤول الكبير ، الذي كان يطلبها باسم ” الحاجة ” ، كل الوثائق الادارية الموجهة للمسؤول تمر اجباريا وصولا و ذهاب عبر مكتب ” الحاجة ” كل هذا صعب من اندماجها داخل المنظومة الادارية الجديدة واصبح الكل يحتاط منها لكونها لسان حال المسؤول و عينه التي لا تنام ولا تغفل ، تمكنت بسرعة قل نظيرها في تكوين فريق عملها داخل و خارج الادارة وشبكة لمعارفها ، استفادت من أخطائها السابقة و اصبحت تفكر باسلوب براغماتي و سياسة رابح رابح ، فاستطاعت في وقت وجيز تاسيس مشاريع لها بجانب عملها الوظيفي ، اسست وكالة لكراء السيارات و وكالة للنقل السياحي و متجرا لبيع مستحضرات التجميل و صالون للحلاقة ، استعانت بخدمات بعض صديقاتها السابقات ممن ربطت معهن علاقات بالمدينة عاصمة مسقط راسها.
نشاطها التجاري جر عليها مشاكل في محيطها الوظيفي و كان موضوع اثارة انتباه من طرف المسؤول الاداري .
الحقت ابنتها ” نسرين ” بروض الاطفال التابع للبعثة الفرنسية بالمدينة و اقتنت شقة فاخرت بالمدينة الجديدة و احتفظت بالسكن المخزني الذي اصبحت تؤدي واجب كرائه الزهيد باسمها و أسندته لإحدى مساعداتها التي تشرف على مشاريعها والتي كانت من عائلتها من جهة امها .
بعد خمس سنوات من العمل بالادارة الجديدة تمكنت ” الحاجة لكبيرة ” مرة اخرى من التحكم في تدبير بعض قضايا الشأن المحلي من موقعها بالكواليس عبر سلطتها المبنية على معادلة ” رابح رابح ” مع ذوي النفوذ السياسي و الريع بكل اشكاله .
مع اقتراب احالة المسؤول الاداري على التقاعد ، فكرت في مغادرة دواليب الادارة و ركوب سفينة السياسة و بدعم من احد اعضاء المكتب السياسي لاحد الاحزاب السياسية الذي ربطت معه علاقة صداقة بحكم ترأسه لمجلس الاقليم الذي عملت به سابقا ، انخرطت في التنظيم النسوي للحزب بمباركة من رئيسها الذي رحب بمشروعها الجديد ، استفادت من التقاعد النسبي والتحقت بالعمل النسائي كناشطة باحد المجالس الجهوية للحزب.
ساعدتها شبكة علاقاتها في ترأس القطاع النسوي جهويا الشيء الذي فتح لها الفرصة للترشح للانتخابات الجهوية و تفوز بمقعد برلماني ، وانتقلت للإقامة بالعاصمة الادارية وباقتراح من احد زملائها بالحزب الذي يعمل استاذا للقانون بكلية الحقوق بالرباط ، تابعت دراستها الجامعية وبعد سنتين حصلت على الاجازة في القانون الخاص و قدمت للأهلية بالمحاماة بعد سنتين من التدريب بمكتب احد النقباء السابقين للهيئة المنتمين للحزب .
عرض عليها الزواج اكثر من مرة لكنها فضلت زواج المال و السياسة و الزي القانوني و تفرغت لرعاية ابنتها بعيدا عن ضيعة ” الحاج بوعزة ” و تخطيط ” الشيخ بوشعيب ” و اسلوب عمل” المسؤول الكبير ” و عقلية المستفيدين من اقتصاد الريع و استغلال النفوذ وحملت ” الاستاذة لكبيرة لغليمي ” مشعل الدفاع عن ضحايا العنف من بنات جلدتها .
الصخيرات في 2023/03/3