الخطاب الملكي في إفتتاح الدورة الخريفية هو لحظة فارقة في التاريخ المغربي المعاصر حيث يأتي هذا الخطاب بعد فاجعة زلزال الحوز و تارودانت التي هزت الكيان المغربي و أكدت أن المغرب القوي الصامد بمرجعياته الوطنية الجامعة و في طليعتها المؤسسة الملكية بإعتبارها القائد التاريخي الأوحد و الوحيد لنضال و مسار الشعب المغربي عبر العصور من أجل الحرية و الكرامة و المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية ومقومات العيش الكريم في ظل العرش العلوي المجيد المعبر الوحيد لقيم الدولة – الأمة الحامية ذات السيادة و الكرامة .
خطاب إفتتاح الدورة الخريفية هو يؤرخ ليوم مجيد من أيام الأمة المغربية حيث أعلن أب الأمة و قائدها جلالة الملك محمد السادس نصره اللهإنتصار القيم المغربية الأصيلة في زمن الهزائم المجتمعية و الردة الفكرية و يحدد بتدقيق المرجعيات الكبرى المؤسسة للفكر الوطني المتشبع بالقيم المغربية الأصيلة في زمن التيه المرجعي و البؤس الإيديولوجي و هو ما أكد عليه جلالة الملك بقوله : ” تلك هي الروح والقيم النبيلة، التي تسري في عروقنا جميعا، والتي نعتبرها الركيزة الأساسية، لوحدة وتماسك المجتمع المغربي.” // إنتهى الإقتباس ، إعلان إنتصار الأمة المغربية و قدرتها على تجاوز إنعكاسات الأزمة و الفاجعة الكبرى لزلزال الحوز و تارودانت في مكان له رمزيته الدستورية و دلالته القوية في فهذه المؤسسة الإستراتيجية في هيكلة الدولة تمثل الإرادة الشعبية و أحد الساحات الوطنية لتكريس الديمقراطية التشاركية و فضاءا مفتوحا يجسد الإختيار الديمقراطي في إطار الملكية المواطنة الملتزمة بقضايا الشعب المغربي .
فالخطاب الملكي السامي شخص بكل وضوح و واقعية المرحلة الدقيقة الراهنة التي يعيشها الوطن بعد فاجعة الزلزال المدمر و أكد على إصرارنا الجماعي كأمة مغربية ذات تاريخ مجيد تعمل على إعادة الأعمار و البناء بسواعد بشرية مغربية ما تسبب الزلزال في هدمه وفقا للقدرة الإلهية ،كما ذكر بالجهود والتضحيات الضخمة التي بذلتها وتحملتها الدولة و مؤسساتها السيادية بكل شجاعة و نكران للذات و بثبات إنفعالي بمبادرة ملكية إستباقية لمواجهة ومحاصرة التداعيات الكارثية لزلزال الحوز و تارودانت و هو ما أكد عليه جلالة الملك قائلا : ” وإذا كان الزلزال يخلف الدمار، فإن إرادتنا هي البناء وإعادة الإعمار. “ إنتهى الإقتباس .//لذا كان التوجيه الملكي السامي بالإستمرار في الجهود التي بذلت على كل المستويات من أجل تقديم يد المساعدة و الدعم إلى المنكوبين و الضحايا بشكل مستمر في أفق تحقيق الأهداف المسطرة لإعادة إعمار تلك المناطق العزيزة على كل مغربي و مغربية .
هذه الفاجعة كانت لحظة أخرى لإعادة إكتشاف القيم المؤسسة لهويتنا الحضارية المتفردة و شخصيتنا الوطنية الجامعة فحدث الزلزال المدمر أظهر بوضوح قوة هذه القيم المغربية الأصيلة وتأثيرها في تجاوز الأزمات و الكوارث عبر التاريخ العريق للأمة المغربية فهذه القيم ما فتئت تشكل ركيزة أساسية للمجتمع المغربي وتمكنه من التصدي لكل التحديات الممكنة بكل ثقة و إيمان عميق بالمستقبل في داخل منظومة قيمية مغربية تعتمد على التوازن الفكري و الإعتدال الديني و التسامح بين كل المكونات و التعايش بين كل الروافد داخل بوتقة التنوع الديني والثقافي للأمة في إطار المذهب السني المالكي تحت الظل الوارف لإمارة المؤمنين و مؤسساتها التي تشكل الخط الأول للدفاع عن الأمن الروحي للشعب المغربي و إنها القيم التي تجعل المغرب نموذجًا تاريخيا رائدا للعيش المشترك بين أفراد المجتمع المغربي المسلمين و اليهود .
كما جدد الخطاب الملكي السامي التأكيد على القيم الوطنية بإعتبارها أساسًا للهوية المغربية الموحدة حيث أن هذه القيم تختزل بشكل مباشر في النظام الملكي و العرش العلوي المجيد الذي يشكل المظلة التي تجتمع فيها كل مكونات الأمة المغربية في ميثاق الوحدة الوطنية و التي تشكل محل إجماع شامل من قبل المغاربة بمختلف أطيافهم في إطار بيعة شرعية دستورية لأمير المؤمنين جلالة الملك في ظل الدولة العلوية المجيدة التي تعد من العناصر الأساسية و المحورية في تشكيل الهوية الوطنية المغربية الموحدة.
عندما نتكلم عن الدولة العلوية المجيدة فإننا نزيح الستار على تاريخ الأمة المغربية العظيم المتجدد عبر العصور، تاريخ ضارب جذوره في التاريخ الإنساني لعشرات الآلاف من السنين هذا التاريخ و هذه الحضارة و هذه العادات الأصيلة و التقاليد العريقة تتجلى في النظام الملكي فالدولة العلوية الشريفة هي التمثل الأخير و الأسمى للشخصية المغربية المتفردة في التاريخ الإنساني بتراثها و موروثها الحضاري و تاريخها العريق لأنها المظلة الجامعة للأمة المغربية العظيمة و القائد الوحيد لنضالات الشعب المغربي من أجل العيش الكريم و الإستقرار و الحرية ؛ فالدولة العلوية المجيدة قادت نضال الشعب المغربي عبر قرون في مواجهة الإستعمار و التقسيم الإمبريالي و الحماية الغاشمة و قنبلة الموانئ و الحصار و الأوبئة و الزلازل و المجاعات و القحط و الجفاف و الإنقلابات والهزات الإجتماعية و المؤامرات من الداخل و الخارج و الحروب المباشرة و حروب الوكالة و الحروب الإستخبارية المقيتة و الحملات التضليلية البئيسة ، كما قادت أمجاد هذه الأمة و إنتصاراتها عبر التاريخ بتحرير الأرض و الحفاظ على العرض و توحيد الوطن و البناء و الإزدهار و في العصر الحديث كانت الدروس الملحمية في مسيرة الإستقلال و الحرية مع بطل التحرير جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه و المسيرة الخضراء المظفرة و إنتصارات حرب الصحراء المقدسة في عهد المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني و المسيرة التنموية و الحضارية التي يقودها أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله و التي جعلت المملكة المغربية منارة الأمن الأمان و الإستقرار في محيط جيوسياسي متقلب .
الخطاب الملكي السامي وضع خارطة طريق متكاملة للورش الإستراتيجي المتعلق بالنهوض بأوضاع الأسرة المغربية سواء في شقها القانوني أو في شقها الإقتصادي و الإجتماعي بشكل يضمن كرامة الإنسان و تلاحم الأسرة و إنسجامها في النسق الوطني العام فهذا هذا الورش الملكي يهدف على تعزيز دور الأسرة في الارتباط بقيم المواطنة الإيجابية والفاعلة وتقوية الشعور بالانتماء للأمة و دعم حضور الرابط الاجتماعي والتضامن لاسيما تجاه الفئات الأكثر هشاشة فالأسرة هي الوحدة الأساسية في المجتمع وتلعب دورًا حاسمًا في تكوين القيم والمعتقدات وتربية الأجيال القادمة و من خلال تعزيز دور الأسرة و تفعيل منظومة القيم المرتبطة بها يمكن توفير بيئة آمنة وداعمة لأفرادها تساهم في بناء أجيال قادرة على السير قدما بالمسار الحضاري للأمة المغربية و هو ما أكد عليه جلالة الملك قائلا : ” ما فتئنا نعمل على تحصينها بالمشاريع والإصلاحات الكبرى. ومن بينها ورش تعميم الحماية الاجتماعية، الذي نعتبره دعامة أساسية، لنموذجنا الاجتماعي والتنموي.” .. //إنتهى الإقتباس .
فالهدف الأساسي للرؤية الملكية لتنزيل ورش الحماية الاجتماعية يتمحور حول توجيه كل الفاعلين لتحصينها وجعلها أولوية قصوى للسياسات العمومية من أجل العمل على بناء منظومة وطنية قوية للحماية الاجتماعية بهدف تجاوز الإختلالات البنيوية في المنظومات السابقة وتحقيق مقومات الشمول والإستدامة من خلال توفير حماية إجتماعية شاملة ومستدامة بوضع إستراتيجية متكاملة لتدبير رأس المال البشري وتحسين الإنتاجية و الحد من التفاوتات الإجتماعية والإقتصادية و إنهاء حلقات الفقر ومنع توارثها بين الأجيال و بناء القدرة على مواجهة الصدمات و الأزمات مما يساهم في دعم الإستقرار السياسي والسلم الإجتماعي عن طريق صون كرامة المواطنين وتحسين جودة حياتهم.
و هذا لن يتأتى إلا في إطار التشبث بقيم التضامن و التماسك الإجتماعي بين المغاربة فرغم الدور الإستراتيجي الذي تلعبه هذه القيم في الحفاظ على روح ” تمغربيت ” إلا أنه في الوقت الحاضر يشهد المجتمع المغربي كباقي المجتمعات في العالم تحولات سريعة وعميقة قد تؤدي إلى تراجع بعض المرجعيات والقيم في إطار الإنفتاح المعيب و الإرتكاز على مرجعيات بعيدة على طبيعة المجتمع المغربي و خصوصياته المتفردة لتنزيل برامج إجتماعية لها إرتباط مباشر بوجدان الشعب المغربي لذا فالخطاب الملكي السامي هو تذكير بأهمية مواصلة التشبث بتلك القيم وتعزيزها في جميع جوانب الحياة الإجتماعية والثقافية و إبراز القيم الإنسانية الأخلاقية في المجتمع بعيدا عن الصور النمطية المستهلكة ، و هنا كان التوجيه الملكي بشكل واضح و لا لبس فيه و غير قابل للتأويل و هو ما أكد عليه جلالة الملك محمد السادس في معرض خطابه السامي قائلا : ” وإننا ندعو إلى مواصلة التشبث بهذه القيم، اعتبارا لدورها في ترسيخ الوحدة الوطنية، والتماسك العائلي، وتحصين الكرامة الإنسانية، وتعزيز العدالة الاجتماعية. وخاصة في ظل ما يعرفه اليوم، من تحولات عميقة ومتسارعة، أدت إلى تراجع ملحوظ في منظومة القيم والمرجعيات، والتخلي عنها أحيانا.” إنتهى الإقتباس //.
حدث بارز عرفه البرلمان المغربي تمثل في حضور السيدة كريستالينا غورغييفا رئيسة صندوق النقد الدولي و السيد أجاي بانغا، رئيس البنك الدولي لإفتتاح الدورة الخريفية حيث تؤكد بالملموس على الاحترام والتقدير اللذين تحظى بهما المؤسسة الملكية لدى المؤسستين الدوليتين و باقي المؤسسات الإستراتيجية للدولة حيث تأكد بالملموس للمؤسستين الدولتين حرص الدولة المغربية بضمانات ملكية على قوة الإقتصاد المغربي و نجاعة سياساته المالية و تأكيد على أن المغرب والاقتصاد المغربي والمؤسسات المغربية مشهود لها بالحكامة، وبأنها تسير وفقا وطبقا للمعايير والضوابط التي تحكم عمل هذه المؤسسات المالية العالمية ، فحضور هاتين الشخصيتن الدولتين الرفيعتين المستوى في البرلمان المغربي هو رسالة إلى المحيط الإقليمي و العالمي و كل شركاء المغرب على صلابة البنية الإستثمارية و مرونة الإقتصاد المغربي في مواجهة الأزمات و الصدمات .
كما أن نص الخطاب الملكي السامي على إنخراط المغرب في المشاريع المهيكلة ذات البعد الاجتماعي التي يشدد عليها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حيث أشارت المؤسستان إلى ضرورة الحفاظ على التوازنات الاجتماعية بهدف تقليص دائرة الفقر والهشاشة في العالم وأكد جلالة الملك على أهمية تحصين الأسرة من خلال مشاريع وإصلاحات كبيرة بما في ذلك ورش الحماية الاجتماعية تجسيداً لقيم التضامن هذه القيم لم تتوقف المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي عن دعوة العالم إلى التمسك بها في ظل الأوضاع غير المؤكدة و حالة اللايقين الإقتصادسدي و التشرذم السياسي و صراع المحاور الجيوسياسية في العالم .
اليوم و نحن مقبلون على تحولات جيوسياسية كبرى يعيشها العالم بالإضافة إلى تداعيات جائحة كورونا و إنعكاسات الحرب في أوكرانيا و مع قرب إشتعال ساحة الشرق الأوسط من جديد في إطار مواجهات إقليمية بين المحاور الكبرى الفاعلة في العديد من الملفات المؤثرة على الديناميات المرتبطة بالأمن و السلام ، فالمطلوب حاليا منا كمغاربة هو ترصيص الجبهة الداخلية و التمسك بمنظومة القيم المغربية الأصيلة التي على أساسها يتمحور إرتباطنا كمغاربة بمقدساتنا الوطنية بعيدا عن التأثيرات الخارجية؛ فالمملكة المغربية المتفردة بتاريخها المجيد و مرجعيتها الدينية الوسطية المعتدلة و شعبها الأصيل و نظامها الملكي القائد لمسار هذا الشعب عبر العصور و التاريخ هي اليوم وطننا الآمن الذي يمر من مرحلة دقيقة في تاريخه الحديث حيث تتصاعد المؤامرات الخارجية خدمة لأجندات إمبريالة بائدة في ظل تحالفات كبرى فاعلة تنخرط فيها الدولة المغربية بكل مسؤولية حفاظا على حقوق الأجيال المقبلة في العيش بكرامة و حرية في ظل دولة قوية ذات سيادة غير قابلة للإنتهاك أو التصرف خدمة للمشروع الوطني ، في أفق 2030 مغرب آخر يتشكل و ملامح دولة جديدة تتشكل بفكر متجدد و قيم مغربية أصيلة يسطرها جلالة الملك محمد السادس نصره الله فالجهود التنموية و كل الأوراش الكبرى التي يعرفها الوطن جميعها تصب في خدمة الجانب الإجتماعي و الإقتصادي للمواطن البسيط بعيدا عن الأجندات السياسوية الضيقة و المهاترات الإنتخابوية الضيقة و الفرجة الإيديولوجية البئيسة و هو ما أكد عليه المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله بكل عبقرية و تبصر في رؤية إستشرافية للمستقبل في 18 أكتوبر 1964 قبل تسعة و خمسين سنة في نفس المكان أمام نواب الأمة في بدايات الإستقلال قائلا : ” فإذا خلصت نيات الجميع وصدقت العزائم وقدرتم المسؤوليات حق قدرها وآثرتم إعتبار المصالح العليا على كل إعتبار وإستبدلتم الشقاق والنفار بالتعاون و الوئام وجريتم في حلبة السباق و التنافس مستهدفين الخلق و الإبداع و الإبتكار وإنصرفتم عن المواقف السلبية إلى المواقف البناءة, وأحللتم القصد والإعتدال محل التطرف والمغالاة فلن تكتسب ديمقراطيتنا الفتية حقيقة قوة ومناعة فحسب بل سيكون في قيامها على هذه الأسس و المبادئ ما ينير سبل لعمل ويسهل علينا اختيار القيم و الإتجاه الصالح. “..//
و الله غالب على أمره .