بدء المواجهة الإقليمية لتحرير فلسطين على “بايدن” إيجاد حل للمستوطنين الذين سيغادرون الأراضي الفلسطينية
صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في حديثه للصحفيين بأن خطر تصاعد النزاع الفلسطيني الإسرائيلي إلى صراع إقليمي مرتفع للغاية.
كما رفض لافروف إلقاء اللوم على إيران في كل شيء، مشددا على أن روسيا تعتبر تلك المحاولات استفزازا، وترى أن القيادة الإيرانية تتخذ موقفا مسؤولا ومتوازنا إلى حد ما، وتدعو إلى منع هذا الصراع من الانتشار إلى المنطقة بأكملها والدول المجاورة.
على الجانب الآخر، وبسبب تصريحات بايدن المخزية التي يعلن فيها صراحة عن وقوفه إلى جانب مجرمي الحرب، وإرهاب الدولة، ويلقي باللوم في تفجير المستشفى المعمداني في غزة على الضحية لا على الجلاد، رفض الأردن استقبال الرئيس الأمريكي، تضامنا مع الشعب الفلسطيني، وهو موقف يستحق الاحترام والتقدير والتعبير عن العرفان، إلا أنه ليس أمرا غريبا على الأردن، حيث يربط الشعبان الأردني والفلسطيني أواصر الدم ويعتبران في واقع الأمر شعبا واحدا.
إن إلغاء القمة يأتي كتعبير صريح من قبل الأردن ومصر والرئاسة الفلسطينية عن رفضهم للسياسة المنحازة، والدور الخبيث الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في دعمها لإسرائيل في عملية التصفية الجسدية للشعب الفلسطيني، والتصفية المعنوية والسياسية للقضية الفلسطينية، ونسف حل الدولتين من أساسه.
ولولا ثقة القيادة الإسرائيلية في دعم إدارة البيت الأبيض لها ومشاركتها له في كل ما ترتكبه من جرائم ضد الشعب الفلسطيني، لما قامت بقصف المستشفى في غزة، وتدمير مركز التجأت إليه أفواج من سكان غزة الأبرياء مؤقتا للوقاية من الضربات المجرمة للجيش الإسرائيلي ضد الأطفال والنساء والشيوخ.
إن توقيت ضرب المستشفى قبل ساعات من وصول بايدن إلى المنطقة مدروس على نحو دقيق، ويحمل هدف تقوية وتعزيز مهمة بايدن في “إقناع” الفلسطينيين والعرب بعدم وجود خيار آخر سوى تنفيذ المخطط الإجرامي الذي تسعى إليه إسرائيل بتهجير سكان القطاع جنوباً، من أجل تفادي المزيد من الضحايا.
كان بايدن يود أن يطرح على القادة العرب في عمان أن يترك شعبنا الفلسطيني في غزة أرضه، ويتجه جنوباً نحو سيناء، وكان سيطلب من مصر والأردن توفير مناطق أخرى سواء في صحراء سيناء أو الأردن، وبذلك يدفع نحو تنفيذ أهداف صفقة القرن المشؤومة بالقوة، طالما فشلت عملية تنفيذها بالإغراء.
وبعد الجريمة التي ارتكبها بايدن، وإعلانه بكل وضوح عن مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الجريمة، فإن الولايات المتحدة قد فقدت كل ما تزعم الدعوة إليه من قيم أخلاقية وإنسانية، بينما لا تتردد في قتل آلاف الأطفال والنساء والشيوخ، بل ومستعدة للتضحية بالإسرائيليين أنفسهم في سبيل تحقيق أهدافها وحماية مصالحها. أكرر أن مشكلتنا الأساسية كفلسطينيين وكعرب هي الولايات المتحدة، وصراعنا معها بالذات.
لقد فقدت الولايات المتحدة أي احترام أو مصداقية كي تلعب دورا كلاعب رئيسي على الساحة الدولية وكذلك على الساحات الإقليمية، ومن الممكن أن تفقد قريبا أدوارها في ساحات أخرى كدول حلف “الناتو” أو الاتحاد الأوروبي. وهي تعي ذلك تماما، بينما يتجه العالم بسرعة نحو عالم متعدد الأقطاب، لذلك تقوم بمحاولات بائسة يائسة لاستعادة دورها من خلال ما أسمته يوما “إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا في أرض المعركة” من خلال ذراعها الأوكراني، وما تحاوله الآن من محاولات للتصعيد في الشرق الأوسط، من خلال ذراعها الإسرائيلي، بحيث تفرض ما تظنه “هيبة” إسرائيل في العالم العربي وإفريقيا.
إن قرار مصر والأردن والقيادة الفلسطينية إلغاء زيارة بايدن إلى عمان ورفض اللقاء معه بمثابة هزيمة منكرة للولايات المتحدة ودورها في التسوية الفلسطينية. إنه بمثابة ترجمة عملية لتصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن ما يحدث أمامنا اليوم هو تجسيد لفشل السياسة الأمريكية في المنطقة، ونتيجة لسنوات من عرقلة عمل الرباعية الدولية التي تشكلت بقرار مجلس الأمن الدولي (والتي تضم روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وهيئة الأمم المتحدة للعمل على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة) وسائر الآليات السياسية، والرغبة الأمريكية في احتكار التسوية.
إن الاشتباكات الجارية بين حزب الله والجيش الإسرائيلي تشي بدخول حزب الله صراعه المرتقب مع الصهيونية العالمية. ولولا حزب الله لكانت المحاولات الأمريكية المستمرة لجعل لبنان متممة لإسرائيل كقاعدة متقدمة للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، وعلى البحر الأبيض المتوسط. لهذا لم يكن من قبيل الصدفة أن تبني الولايات المتحدة عمليا أكبر سفارة لها في الشرق الأوسط بأصغر بلد (21 ملعب كرة قدم، و2.5 مساحة البيت الأبيض!).
إن حزب الله اليوم، وبمساندة إيران، التي يبدو أنها أيضاً ستدخل في الصراع بشكل مباشر، ولن استغرب دخول دول عربية أخرى، ما سيسفر عن هزيمة الولايات المتحدة كما حدث في أفغانستان وأوكرانيا، وسيتم تعطيل حاملتي الطائرات الأمريكيتين باستخدام ما لا يقل عن 20 ألف طائرة مسيرة ستنطلق مباشرة من أماكن متفرقة. قد لا تغرق هذه الطائرات المسيرة حاملتي الطائرات، إلا أنها ستعطل عملها وأدائها أيا من مهامها العسكرية. إلا أن الكارثة الأكبر التي يمكن أن تلحق بإسرائيل، هو إذا ما هيئت لها حماقتها استخدام رؤوس نووية في القتال، حينها سيكون هناك هدف على الأراضي الإسرائيلية سيتم استهدافه، وستكون نتيجته نفس ما يمكن أن تؤدي إليه القنبلة الذرية.
في الوقت نفسه، تعاني هيئة الأمم المتحدة من شلل عضال، ولا تأثير لها. وكان الأولى بالأمين العام للمنظمة أنطونيو غوتيريش ألا يكتفي بندائه لوقف إطلاق النار فحسب، بل أن يتضمن هذا النداء ذكر القضية التي لم يتم حلها منذ 75 عاما، حيث كان على الأمم المتحدة اتخاذ قرار يضمن حق الشعب الفلسطيني في التمتع بدولته المستقلة، وكان الأجدى به أن يذكّر المجتمع الدولي بذلك.
لقد اجتمع مجلس الأمن مؤخرا بطلب من روسيا والإمارات، وكان من الواضح أن الولايات المتحدة سوف تستخدم حق النقض “الفيتو” لأي مبادرة تهدف إلى مساعدة الشعب الفلسطيني، وبرغم أن الاجتماع لم يتوصل إلى أي قرار، بطبيعة الحال، إلا أنه ظل دليلاً دامغاً وساطع الوضوح أمام العالم أجمع على إصرار الولايات المتحدة على تصفية القضية الفلسطينية، وعدم احترام أي مبادرات، بما في ذلك من الدول العربية.
لكن القضية ستظل ماثلة أمام منصات الأمم المتحدة لتذكّر العالم بأسره بأن هناك شعب وحيد لم ينفذ بحقه قرار صادر منذ 75 عاما ينص على قيام الدولة الفلسطينية. بهذا الصدد، أعتقد أن غالبية الشعوب العربية تشاركني التقدير لتصريحات الرئيس بوتين، الذي أعلن بشكل واضح لا لبس فيه أن حل الأزمة الراهنة لن يكون سوى بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وتنفيذ كافة قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
في العالم الجديد الذي تبزغ شمسه الآن، العالم متعدد الأقطاب، سيتغير وضع الأمم المتحدة، وسيتم تعديل هياكلها ومؤسساتها بما يتناسب مع الآليات والتدابير والإجراءات وموازين القوى الجديدة، وسيكون للمنظمة قوانينها العادلة والمتوازنة والتي تساوي بين سيادة جميع الدول بصرف النظر عن حجمها. إلا أنني أتمنى أن يتم الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية قبل ذلك، لأن انتظار الشعب الفلسطيني قد طال، ودفع من دماء أبنائه الزكية الكثير، ليروي أرضه العطشى التواقة للحرية.
المجد والخلود لكل شهداء فلسطين، والتعازي الحارة لأسر الشهداء في غزة والضفة الغربية.