أخبارالرئيسيةثقافة و فن

فلسطين ما عادت معولمة

بقلم/ الباحث -د.الغزيوي أبوعلي

لقد أصبح مصطلح العولمة متداولا منذ التسعينيات وذلك بعد انهيار جدار برلين 1989، وسقوط الأنظمة الاشتراكية، وانتصار النظام الرأسمالي الغربي، فالعولمة جاءت من فعل عولم على صيغة فوعل، واستخدم هذا الفعل كصيغة عالمية تشمل الكل في الكل، ولذلك سميت بالكونية لذا اتخذت تصورات ومفاهيم جديدة سواء على مستوى القاعدة الجماهيرية أو على مستوى البناء السلطوي.

ويرى الجابري في هذا الصدد بأن العولمة هي العمل على تعميم نمط حضاري يخص بلدا بعينيه وهي الولايات المتحدة بالذات على بلدانه أجمع وانطلاقا من هذا الطرح المنهجي، فإننا نرى أنه العالم الذي نعيشه اليوم عالم يكتنفه الغموض والإبهام، وراح كل مجتمع أو حاكم يصنع العالم كما يحلو له، مثل البدوي الذي صنع إلاها من التمر، وعند ما عضه الجوع أكله، هكذا نحن العرب لا نعرف ما ذا نريد، وماذا نصنع لأن القرارات المهيمنة هي التي توجهنا وتدعونا إلى الانخراط في صياغة الحياة المؤمركة وذلك وفق القيم الاستعمارية والأنماط الغربية كل هذا إما بالترغيب أو بالترهيب فالعولمة هي نشر مبادئ الاقتصاد الرأسمالي لكي يكون الإنسان عبارة عن سوق تخترق فيه الحدود القومية، وانكسار جذر الدولة، ويبقى عنصر الشركات هي الرابحة والمهيمنة، فهذه الرؤية العالمية تنحو بالمجتمعات نحو التشابه الكلياني وتكوين الشخصية العالمية ذات الطابع الانفتاحي على ما حولها من مجتمعات وثقافات مختلفة. إذن نتساءل عن ماهية العولمة وهل العولمة انتهى التاريخ بحضور العولمة؟.

أسئلة كثيرة ومتنوعة جعلت المؤرخ يعيد الأسئلة انطلاقا من ماهية الماضي وفلسفة التاريخ المعولم، فهذا التصور لا يعبر عن جدوى السؤال المركزي بشكل عام، لأن القراءة تطلب منا ان نرى أنفسنا كموضوع ومدار الكائنات العاقلة، فلا معنى حينئذاك لموضوعية القرون الوسطى أو القديمة، ونلاحظ أنها تجري على الساحة العربية هو أمر يستخدم كخطأ اجتماعي ونفسي واقتصادي بدلا من استخدام المنطق الانساني وليس الأممي ومسائله، حيث تسير الحرب على فلسطين وعلى سوريا والعراق ولبنان، واليمن فهي تتخرج عن حدود العلم والمنطق، لأنه مثل هذا السؤال لا يثار ضمن إطار العلم وإنما سؤال فلسفي ومتعلق بفلسفة التأريخ لليهودي المنبوذ منذ مأتم هيرتزل وإلى نهاية الحرب الثانية، ولماذا لا نفكر في الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت عتبة الحرب والدمار والجوع والحصار فعلماء التاريخ المؤمركين ينكرون عادة فلسفة التاريخ الفلسطيني، ويرون أن التاريخ ليس سوى مجموعة من الوثائق ذات العلاقة بالأحداث الماضوية، ويصفون الشعوب العربية بأنها لا تتلاءم مع المعايير العلمية، ولا ينبغي الاهتمام بها كما يرى روجي غارودي، فالشعب الفلسطيني عاش الويلات والحروب، منذ سنة 1948 وسنة 1967 وسنة 1973 وعاش المذابح كصبرا وشتيلا، وحصار بيروت سنة 1982، واغتيال أبو عمار وأبو جهاد، وحرب إبادة جنينن ولا أحد تحدث ولا عارض، حيث صمت الحناجر، والتجأ البعد إلى نقض الفيتو، وإلى المناداة بالتدخل من طرف الجامعة العربية.

ورغم هذا وذاك، فلازالت الاغتيالات والموت يداهم كل الشيء، فنسمع الكلمات المخففة تخرج من احتقان الإنسان البسيط المقهور وإنسان الشارع العامين يشعر بشيء من الانتقام الوهمي ومن السلطة المغتصبة لحقوقه الإنسانية، لذا فهو يحس بمدن بلا شمس ولا فجر، الشوارع تتجاوب مع الظلام، والريح المسكونة تئن في قلب الوديع والأم الثكلى، رأيت وجهك في المرايا المحدبة وفي بلاد العجم، جنين يغطيها جليد الوصاص، اللغات تنزل من باخوس يتساءل لمن نصلي ونعبد؟ الليالي احتضرت، والخيول يغطيها القرار الأممي، الغاشم، أهكذا تمضي الأمور والفؤاد يعشق العمر الروماني، ونحن من منفى إلى منفى، ومن شبر أرض نذوب كالنرنابق في اليم .

تبيتين في الملاجئ ونسمي أنفسنا بالإنسانية والغياب يطارد النسيان، ونيرون يفتح عينيه انتشاء الحيفا، وجنين، والمزاهير تصغي للباكين، عشرات الأموات في الأسواق القديمة، وخطى الجندي الصهيوني يبث الريح من نغم البندقية، في ذلك الليل المهيمن والمصابيح تنطفئ لتسير الجثث في صمت الظلام بلا رفيق ولا مريد، جنين تمضي مثل الشريد، أنت فلسطين ملْك للانتظار في وقت الانتظار، قبليني وأنت على سرير الغياب، أنا يدك سوف تبقين لن تهربي ولا تهجريني، أنا الشاعر الذي يزرع الروح في الحروف والكلمات، روحك يهزها حب الجماهير. فلسطين ليتك لم يقتلك الخنزير، دمك عاد محار للمحاربين، أين أنت هل تسمعين؟ الجرح يعبر الطريق ليشم رائحة الزيتون والطيور ترقص لتضاجع الأزهار والأجساد ترنو على أوتارها لتكتب على الحجر، أنت الأم التي تدثرين أطفالك بالكفن وبالسحر الأزرق الدافئ، والجنود يبحثون عن قصائد الشهيد، لكي يكون وجبة للعربية،

جنين تصنع الأحساد والأشعار، ويدك عادت أوتار للحجر، نبحث خلف الجدار عن غلام في الدولار، تفرض الأشعار لكي نعبر الأنهار، سرقوا منك النور والحياة وأفسدوا المريدين بالتطبيع، جعلوا الماغول يكتبون التاريخ بالأوحال، جنين تحترق نوافذ الأمم، وتتدلى القرارات والأوراق لتأكل اللعنة اليهودية من أنتم لتكتبوا لنا التاريخ أنتم في بحار بلا سفينة، تسرقون الأشعار والخبز والفكر، ولون الدم يُزوَّرُ، حتى في التأبين رماديا، ويوافق كل الشعب، أو الشعب، وليس الحاكم الأعور، مظفر النواب رباعيات (الأعمال الكاملة) ص 496، كيف تسكنين من يضاجع ليلك ونهارك، ويمد يده بكل مكانه، أنت سيدة الدنيا لم يتلوث وطنك رغم أن البعض يبيع اليابس والأخضر، ويهرب من وجه قضيته، سأبول عليه، ثم أبول عليه، وأسعر ثم تبولين عليه، هكذا أن سيدتي، غدت بالنار التي من أجلها ولد ياسر عرفات وأبو جهاد، جرفت ذاكرة صهيون بالرماد، صلوات جنين ما عادت حين ليلى، بل دموع لكل الفيالق والمتطوعين، أنت شهرزاد لست حبيبة أغاميمنوند، تنسجين الأثواب للأموات في اد عبقر، والقمل والدود يشير إلى لعنة التاريخ المسيج بالقرارات، ويصعد من الزيتون نارا يسقط في تل أبيب، والسام ينفخ في الشياطين لكي تموت تلك اللؤلؤة العذراء، والجنود يموتون على سجادة المستحيل، وجنين تلغي زيارة ديان، وسرايا القدس يبنون غور الجراح في السماء لكي يصهل في سماء العذراء، إنها ضفادع تنقنق في وجه نيرون، وتطفو على بحر من دموع الموت، تشيخ في مهدها، تستضيف الخليفة الأبله لتستجدي بالفيتو، لكنها الأنهار في انتظارها ترقص فوق لهب المدافع والبنادق، يا جنين، يا خيول المحار والنار، مزقي الجدار والدوار وكلي من أوراق الغبار ولا تستسلموا يا ثوار لأشجار العولمة، جنين أنا منك في انتظار، قبلتك عبر الإذاعة والتلفاز، وأنت لم تعرفي حب الشباب أنت البعيدة والقريبة، اسمعي ورائك يلعنونك، قدماك سر الوجود وأنين المحارب، لا تبصر سوى جنين ويافا وحيفا أيها المحارب الفلاح يحدق في الزيتون والبرتقال بلغة الحديد والنار، جنين أن جمرة في جبين المحتل، تسردين لنا أنغام الطغاة لك جسد ترتد عنه النار والغياب وعينيك تصطادين لحوم الملعونين لا تموتي حين رعب العابرين، التاريخ يوحد مقلتيك، وحدك تكتبين القصص والروايات، لا حاكم قص قصة الذئب والغراب، ولا دعا ربه، هكذا بدأنا نلوك الأيام.

جنين ماذا ترين سوى الدم القاني، صرخات تأتي من الجاني، لا عودة سوى الموت وشحب الدجى نعش للكواكب المتساقطة فوق أجفان فلسطين، ألبسوك كفا، والزاني يرنو للشهوة، والكلام عشعش فيه الطين، لماذا سموك فلسكين، أنت الجمرة التي تحرق كل آت إليك لا يعرف الجلاد الوحشي كم أنت واقفة كالطود، والمسيح سقف أمام مسجد الأقصى يقرأ الاناجيل أمام الذين مزقوا أوراقه، وأحرقوا جسده.

يارب المسيح والأنبياء قد أعيانا الداء، في غربة دون سند ولا سكن ندعوك في الدجن، في ظلمات الموت أعباء ناء الفؤاد فارحمنا واملأ كأس المحتل بعسل العار،
فلسطين أنت موتي بعد موتاي أنت الفجر والصبح بين عرائش البرتقال، اسمك ذهب من فاتح ومجاهد ونبي، وأقصى وقسام، عربية أنت، أمتي دمها خير الدماء كما يقول أبي (السياب) ص 536-
فلسطين يا أودية الثورة، ويا إرث النضال قرأت اسمك على الألواح، وبين السطور تتنفس اللقالق، كما يجري الهمس بين الشطآن، دمك ميلاد المسيح وأيوب ولوط ونوح.

نمشي بين الأموات، والمحتل يكتب اليقين بالخطأ، وأدان الفجر يخبر الثوار، والقبور تعلو وتعلو فوق ماضينا، في كل صرخة ينزل الكلام من دم العبيد، والفقراء، وابتسامة في فم الوليد طهارة المعبود، يا قلعة الثوار لا تستسلمي للطغاة، أنت الحجر والنصر والقرار، تبعث فيك بالحياة بأموات الانتصار، وبابل تقضم العظام وتشرب من قلوب الضعفاء، عيناك موجه يخبئ الردى، نذكر التاريخ كلما سطع النور، من السحاب نسمع عزف الثوار، ترتعش الأرض تحت أقدام الوليد، والفلاح ينتظر الثوار ليسمح عار الاغتيال ليفتح باب النهر السائل،

فلسطين أنت العذراء وتاجك الأنوار، وشراع يتوهج في الليل صنعوا لك مندين الغرام، وفوقك قرص الشمس يحلم بالنصر المبين، والمحتل يبطن الغربة بالموت، وناره انطفأت فأوقد فانوس أم أمي هاشم، أيها القائر أنت الوجود، خبزك سلاح وجناحك ناي للحزين وللمحب،
يموت راعي الأمم في انتظاره ميتة النمرود، يأكل قرص الفيتو أورفيوس وعشتروت الألمانية تبكي على الأقصى تبحث في جيوب الأمم عن خاتم ضاع منذ أغنية تموز، يندب الفرنسي عن الصفصاف والزيتون، فيصبح القسام في هذا العالم السفلي وهو يشحذ البندقية، من الذي أتى بهذا العابر؟ القدس بلاد البعيد والقريب، وليست لقافية يتيمة اسمها “(حجر المبكى).

ما أنت أيها العابر المحتل تموت مثلك في باب وأشور ذابت معهم الأسوار والنقوش الشيطانية لا تأتي ولا تأتي والشيطان لم يعد يسبح إلا بوقود النار يا عروس الدنيا رفقا بالانتظار؛

افتحي الباب واتركيني أرى حب الدمار، اجعليني محبة للجرحى وغراما للعشاق نمشي على الجماجم لنمحو العار الذليل ندوس أشلاء الأمومة في الأنهار با الثوار أنتم حماة اعوف في الفؤاد تحملون الوصايا للدروب كالقضاة لست أعمى وقضيتي ليست ذكرى أنا أبصر راية فلسطين مشرقة ولا منفى لا أنسى رجولة صلاح الدين وأشعار درويش، لم نعد نلعق أرجل التاريخ عبر مواسم الأممية –نبصق سرفا المسروق من باب لمحتل لم نعد بالزمن الماضي، ولا نستشرق نحو آفاق مجهول، هكذا هو الإنسان العربي الذي لا يبحث في رحلة الإنسان خارج التاريخ وإحلال العلاقات الاقتصادية المادية محله، حتى لا يصبح هذا الكائن الحي شيئا من أشياء العولمة، تقاس قيمته بسلطة كمنفعته الذاتية، إنها دعوة وسعي إلى استعادة فلسطين المسلوبة، وتمتع الإنسان الفلسطيني بحياة حرة وكريمة.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button