القارة الإفريقية وتحديات تغيرات المناخ والتنمية المستدامة
اختتم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اجتماعاتهما السنوية في مراكش بالمغرب يوم الأحد الماضي، حيث نجح المؤتمر في إحراز بعض التقدم نحو زيادة موارد الإقراض، لكن العالم يواجه أزمة اقتصادية جديدة في ظل الصراع القائم بين إسرائيل وغزة.
وقد وافق مجلس إدارة البنك الدولي على بيان رؤيته الجديد المتمثل في “خلق عالم خال من الفقر على كوكب صالح للعيش”، فضلاً عن مهمته الجديدة لمعالجة تغير المناخ، وقد أيد خطوات جديدة للسماح باستخدام رأس المال الهجين الشبيه بالديون، ومنصة جديدة لضمان حافظة القروض، في سبيل تحقيق ما يصل إلى 100 مليار دولار في قروض جديدة على مدى عقد من الزمن.
في خطابه في قمة تغير المناخ في نيروبي، ذكر أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، أن إفريقيا مسؤولة عن 4% فقط من الانبعاثات العالمية، في حين تنتج أغنى 20 دولة في العالم 80% من الانبعاثات الكربونية المُسببة لتغير المناخ.
ونظراً للتأثيرات واسعة النطاق للتغيرات المناخية فإن هذه القارة التي يزيد عدد سكانها عن 1.3 مليار نسمة تفقد ما بين 5% إلى 15% من نمو ناتجها المحلي الإجمالي سنوياً. وتوجد في إفريقيا سبع عشرة دولة من أصل عشرين دولة الأكثر تضررًا من تغير المناخ.
وفي قمة قادة مجموعة العشرين التي استضافتها نيودلهي في غشت الماضي، حيث التزمت دول المجموعة بتسريع إجراءاتها لمواجهة الأزمات والتحديات البيئية، بما في ذلك تغير المناخ، كان هناك شعور واضح بالحاجة الملحة إلى مكافحة ارتفاع درجات الحرارة وتغير المناخ.
وقد أكد تصريح نيودلهي الذي وافقت عليه مجموعة العشرين على مواصلة الجهود الإضافية لخفض متوسط ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى ما دون 1.5 درجة مئوية. وقد تقررت مواصلة وتعزيز الإجراءات الرامية إلى مضاعفة إنتاج الطاقة المتجددة ثلاثة أضعاف على الصعيد العالمي من خلال استخدام الأهداف والبرامج الحالية، فضلاً عن دعم الأهداف المماثلة للتكنولوجيات الخالية ومنخفضة الانبعاثات، وفقا للظروف الوطنية بحلول عام 2030.
ونظرًا لتقاسم الصعوبات، تعمل البلدان على تحديد الأهداف والعمل معًا على تحقيقها. يُعد هذا التقدم مُشجعًا، ولكننا بحاجة إلى نظام متعدد الأطراف فعال يتلاءم مع تغير المناخ والسلام والتنمية والتضامن والأمن، لأنه كلما زاد عدم استقرار المناخ زاد عدم الاستقرار العام، وهذا ما تم تناوله في الجمعية العامة الأخيرة للأمم المتحدة، حيث استكشف زعماء العالم حلولاً للتحديات العالمية المتشابكة لتعزيز السلام والأمن والتنمية المستدامة.
ووفقا لدراسة جديدة نشرها فريق أبحاث “المرصد العالمي للطقس”، شهدت العديد من البلدان الإفريقية مؤخرًا، بما فيها المغرب والجزائر وموريتانيا وتونس ومنطقة الساحل، ارتفاعًا غير عادي وغير مسبوق في درجات الحرارة.
وخلال فصل الصيف، تأثرت مدن شمال إفريقيا بموجة الحر، حيث تجاوزت درجات الحرارة 44 درجة مئوية في بعض المدن، مثل تلمسان في الجزائر ومدينتي مراكش وتارودانت في المغرب، حيث تسبب زلزال مدمر في وفاة أكثر من 3000 شخص وترك الآلاف بلا مأوى. وتُعاني جميع بلدان العالم من تراجع التنمية، مع تزايد الجوع والحرمان. إن البنية التحتية المُدمَرة، والأنظمة المُنهكة، كلها تفاقمت بفعل الفوضى المناخية.
وتواجه البلدان الإفريقية منذ عدة سنوات موجات جفاف شديدة ألحقت أضرارًا جسيمة بالمحاصيل الزراعية التي كانت مُعرضة للخطر بالفعل بسبب زيادة ندرة المياه الناجمة عن تغير المناخ وزيادة الاستهلاك. إن الضعف المستمر، الذي تفاقم بسبب تغير المناخ، هو السبب وراء الأزمة الغذائية في منطقة وسط الساحل الإفريقي.
وعلى نحو مماثل، أدى تغير المناخ الناجم عن أنشطة بشرية إلى زيادة حدة موجات الجفاف في منطقة القرن الإفريقي وتفاقم هطول الأمطار الغزيرة، الأمر الذي أدى إلى فيضانات شديدة في المجتمعات المحلية المُستضعفة في غرب إفريقيا. فقد تسببت الفيضانات الأخيرة التي شهدتها ليبيا في مقتل أزيد من 11300 شخص وفقدان الآلاف، حيث جرفت أحياء بأكملها ودمرت العديد من المنازل.
علاوة على ذلك، تُعد إفريقيا الأكثر تضررًا جراء حرائق الغابات التي تتسبب في تدمير 4.23 مليون كيلومتر مربع سنويًا. ففي الصيف الماضي شهدت بلدان شمال إفريقيا ظروفا جوية قاسية تسببت في اندلاع حرائق غابات خطيرة وأجبرت الآلاف من الأشخاص على مغادرة منازلهم.
وتبذل البلدان الإفريقية جهودًا جبارة وشاقة لمواجهة هذه التحديات. على سبيل المثال، خصص المغرب ميزانية ضخمة تبلغ 14.5 مليار دولار لمعالجة العواقب الضارة الناجمة عن الجفاف ونقص المياه. ويجري على وجه الخصوص تنفيذ مشاريع بناء محطات لتحلية مياه البحر، واتخاذ تدابير طارئة لمكافحة آثار نوبات الجفاف المُتعاقبة، وتعزيز إمدادات مياه الشرب لحماية المناطق القروية المُتضررة. ومن المخطط أيضًا إنشاء عشرين سدًا جديدًا لزيادة القدرة التخزينية البالغة 6.6 مليارات متر مكعب من المياه العذبة.
كما يتم بذل العديد من الجهود في منطقة القرن الإفريقي الكبرى، حيث تمثل السدود الضخمة لتوليد الطاقة الكهرومائية في إثيوبيا وكينيا والسودان أكثر من 85% من إنتاج الكهرباء في المنطقة من مصادر متجددة. ويتم تنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في المغرب وتونس ومصر. وتحصل موزمبيق على إجمالي طاقتها تقريبًا من مصادر متجددة ومراعية للبيئة. وقد عمد جنوب السودان إلى بناء منشآت ضخمة للطاقة الشمسية. ولتحقيق أهداف الأمم المتحدة المحددة المتعلقة بتغير المناخ نحتاج إلى تنفيذ سياسات وإجراءات فورية ومتوسطة الأجل، مع تعزيز التعاون بين الشمال والجنوب والشراكة بين بلدان الجنوب.
وفي البيان الختامي للقمة الإفريقية حث زعماء العالم على “دعم الاقتراح الخاص بنظام عالمي لفرض ضرائب الكربون، بما فيها ضريبة الكربون على صادرات الوقود الأحفوري، والنقل البحري، والطيران”.
مازال بوسعنا تجنب أسوأ آثار تغير المناخ، ولكن يتعين اتخاذ إجراءات سريعة ومُتسقة لتحقيق هذه الغاية.
أولاً، من أجل الحد من آثار ارتفاع درجات الحرارة يتعين علينا تكثيف جهودنا في مجال المناخ واتخاذ خطوات سريعة. كما ينبغي لدول مجموعة العشرين التوقف عن الاعتماد على الوقود الأحفوري والاستثمار في عملية انتقالية عادلة نحو مصادر الطاقة النظيفة.
ثانيًا، يتعين على البلدان الصناعية تقديم خريطة طريق واضحة وموثوقة لإصلاح النظام المالي العالمي بحلول عام 2025 كخطوة أولى نحو تخصيص ما لا يقل عن 50 في المائة من إجمالي التمويل للتكيف مع المناخ. ومن أجل مساعدة الدول النامية (الإفريقية) في خلق اقتصادات مستدامة حقًا فإن الأمر يتطلب إنشاء آلية فعالة لتخفيف عبء الديون تُمكن من تعليق سداد القروض، وتوفير فترات أطول للسداد بأسعار فائدة أقل.
ثالثًا، يجب علينا أن نجعل إفريقيا رائدة عالميًا في النمو المراعي للبيئة ومصادر الطاقة المتجددة. إن إمكانيات الطاقة المتجددة في القارة وفيرة، إذ تتمتع إفريقيا بنحو 30% من الاحتياطيات المعدنية اللازمة للتكنولوجيات المتجددة ومنخفضة الكربون مثل الطاقة الشمسية، والسيارات الكهربائية، وتخزين البطاريات.
ورغم توفر إفريقيا على 60 ٪ من أفضل موارد الطاقة الشمسية على مستوى العالم إلا أنها لم تتلق سوى 2 ٪ من جميع الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة خلال العقدين الماضيين.
رابعًا، يجب على الدول الإفريقية مواصلة الاستثمار في الاقتصادات الخضراء المُتطورة التي تعتمد على الطاقة المتجددة. يمكن أن تعمل مصادر الطاقة المتجددة على تحسين الاقتصادات المراعية للبيئة بشكل كبير، وخلق فرص العمل، ودفع عجلة التنمية إذا تمكن الأفارقة من الحصول على الموارد المالية الكافية والدعم التكنولوجي بأسعار معقولة، خاصة من خلال تزويد نحو 600 مليون شخص في إفريقيا بالكهرباء التي يفتقرون إليها حاليًا.
سيُقدم القادة الأفارقة إعلان نيروبي في قمة “كوب 28″، المقرر عقدها في الإمارات العربية المتحدة أواخر نوفمبر المقبل. ومن المتوقع أن يزيد هذا المؤتمر من الوعي بضرورة اتخاذ إجراءات جادة لمكافحة تغير المناخ ومساعد الدول النامية في انتقالها إلى الاقتصادات الخضراء المدعومة بمصادر الطاقة المُتجددة.
**نُشر هذا المقال حديثا باللغة الإنجليزية على موقع مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الإستراتيجية بواشنطن.