أكد محمد بشير الراشدي رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، “أن رقم معاملات الفساد يتراوح فيما بين 1500 و2000 مليار دولار أي ما يعادل 3 إلى 4 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي. وأن أفريقيا تقدر خسارتها بأكثر من 88 مليار دولار تخرج من القارة كل عام على شكل تدفقات غير مشروعة لرؤوس الأموال.
قال محمد بشير الراشدي رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أنه ” بات من المسلم به أن الفساد يوجد في مقدمة العوامل التي تقوض أسس سيادة القانون، وتؤدي إلى انتشار مختلف أشكال الشطط في استعمال السلطة، وتكريس الامتيازات والزبونية والمحسوبية؛ بما يساهم في عرقلة التنمية، والحد من المبادرة وكبح الطاقات، مما يدعو إلى التساؤل بشأن مبادئ تكافؤ الفرص والوصول العادل إلى الوسائل والشروط التي تضمن مشاركة أفضل في إنتاج الثروة، والتي تضمن كذلك توزيعًا أكثر عدالة لهذه الأخيرة”.
وأوضح في كلمته الافتتاحية للندوة الدولية التي افتتحت أشغالها صباح اليوم الثلاثاء (24أكتوبر)بالرباط وتمتد إلى غد الأربعاء، تحت شعار “اثنتا عشرة سنة على إعلان مراكش: تعبئة إفريقية لتعزيز دور الوقاية من الفساد”. ويحضرها ممثلي الدول الإفريقية والمنظمات الدولية -أوضح- “إن مختلف التقارير الإقليمية والدولية تثير الانتباه بشكل مستمر إلى الآثار والتداعيات المترتبة عن الفساد وتدعم ذلك بأرقام تبين مدى انتشاره وتفشيه.
وقال الراشدي موضحا ذلك، “على سبيل المثال أن صندوق النقد الدولي يحدد رقم معاملات الفساد فيما بين 1500 و2000 مليار دولار أي ما يعادل 3 إلى 4 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي. مردفا أن “تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية حول التنمية الاقتصادية في أفريقيا المنجز سنة 2020 قدر أن أكثر من 88 مليار دولار تخرج من القارة كل عام على شكل تدفقات غير مشروعة لرؤوس الأموال، وهو مستوى يتجاوز حجم المساعدات العمومية للتنمية والاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تتلقاها القارة”.
وكانت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا، قد قدرت بدورها قبل عدة سنوات أن الفساد يكبد إفريقيا ما يزيد عن 6 في المائة من الناتج الإجمالي القاري، يضيف رئيس رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.
وإنه من المؤسف، يقول الراشدي،” أن هذا الواقع المسنود بالأرقام لا يتجه نحو الانخفاض، بل على العكس من ذلك يتفاقم أكثر في سياق يشهد تطورا للشبكات المالية، والمنظمات والتكنولوجيا التي يتم استغلالها في تعقيد وتطوير ممارسات الفساد وغسل الأموال والجرائم المالية”.
إن تعقد ظاهرة الفساد وتعدد أشكاله وتمظهراته، يشير محمد بشير الراشديإلى أن ” إحداث تغييرات جذرية في سياساتنا، من خلال مقاربات شمولية واستراتيجيات متعددة الأبعاد تضمن الالتقائية والتناسق القويين بين أنشطة مختلف الهيئات والمؤسسات المعنية، وتضمن كذلك إشراك الفاعلين وممثلي القطاع الخاص والمجتمع المدني”.
و في هذه السياق، يضيف الراشدي”تتحرك افريقيا اليوم لتعزيز الدينامية على مستوى القارة، بشكل أكثر شمولية للمشاركة في المجهود العالمي بشأن التفكير وتنفيذ ومواكبة العمل من أجل مكافحة الفساد، الذي يهدف إلى تحديد وحصر الرهانات المطروحة، والاستفادة من الأدوات التي من شأنها تمكين بلداننا، فرديا أو جماعيا، من القضاء على الفساد، وتمهيد الطريق نحو تنمية قوية ومُدمجة ومستدامة قادرة على الاستجابة للآمال والتطلعات المشروعة لمواطنينا، من الأجيال الحالية والقادمة على السواء”.
طموحات واستراتيجيات
من الواضح أن هذه الطموحات تتطلب استراتيجيات شمولية على المدى القصير والمتوسط والبعيد، متعددة الأبعاد تجمع في الوقت ذاته بين التربية والتوعية والوقاية وتعزيز الحكامة، بالإضافة إلى كشف وردع وزجر أفعال الفساد.
وإذا كانت هذه المقاربة يشير الراشدي “تفرض نفسها باعتبارها الوسيلة الوحيدة لمواجهة تفاقم وتعقد ظاهرة الفساد وتمظهراته، فإنه لابد من التأكيد على أن الوقاية تعتبر المحور المركزي والأساسي الذي تقوم عليه هذه الاستراتيجيات. إن الوقاية المهيكلة، المندرجة في صلب السياسات العمومية، هي وحدها القادرة على تهيئة الشروط اللازمة لتجفيف بؤر الفساد، ومنع انتشار الممارسات غير المشروعة، والتي تسمح تبعا لذلك بإعطاء الأبعاد الأخرى المتعلقة بالتربية والتوعية والكشف والزجر مصداقيةً وفعاليةً”.
و أكد محمد بشير الراشدي، على “التداخل” و”الترابط” بين أبعاد مكافحة الفساد وعلى الدور المحوري للوقاية، الذي “يغذي ويتغذى طبيعيا” من الدعامات الأخرى التي ذكرتها سابقا، في إطار مسار بناء دينامي ومتحرك.
للوقاية دور محوري
يقول رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، ” إن هذا الدور المحوري للوقاية هو الذي جعل المجموعة الدولية تتبنى إعلان مراكش خلال الدورة الرابعة للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي انعقدت بالمغرب سنة 2011. وبعد اثني عشر (12) عاما، فإن هذه القناعة نفسَها ترسخت أكثر، وهي التي دفعتنا جميعا للتعبئة ولتوحيد قوانا والاستفادة من رؤى وتجارب كل منا لإعطاء دفعة جديدة وعمق أكبر لروح إعلان مراكش؛ تعبئةٌ مطبوعة بحضور إفريقي وازن وقوي تجد جذورها في العزم الذي تعزز أكثر خلال السنوات الأخيرة من أجل مكافحة الفساد في القارة، وتم وضعه في أجندة إفريقيا 2063 ويحظى بدعم الدول الأطراف في اتفاقية الاتحاد الإفريقي للوقاية من الفساد ومحاربته”.
وأضاف أن”سنة 2018 كانت “سنة مكافحة الفساد في أفريقيا”، حيث ركزت خلالها الدول والمنظمات المعنية تفكيرها على تقييم المقاربات المعتمدة حتى الآن لمكافحة الفساد في القارة، وعلى الإجراءات التي ينبغي اتخاذها لتعزيز فعاليتها وجعل مكافحة الفساد التزامًا للتحول بالقارة”.
هذا إضافة، يوضح الراشدي “أن مؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، اعتمد في دورته الحادية والثلاثين التي عقدت في 2018، إعلان نواكشوط بشأن السنة الإفريقية لمكافحة الفساد. متوقفا عند الرسالة الملكية التي وجهها الملك محمد السادس إلى المشاركين في المؤتمر أكد فيها أن الفساد يساهم “في الانحراف بقواعد الممارسة الديمقراطية، وفي تقويض سيادة الحق والقانون؛ كما يؤدي إلى تردي جودة العيش، وتفشي الجريمة المنظَّمة، وانعدام الأمن، والإرهاب […]. ومن ثَم، تستدعي مكافحة هذه الآفة الاستفادة من جميع التجارب والخبرات، في إطار رؤية موحدة ينخرط فيها جميع الشركاء […] وبالتالي، ينبغي أن نضع محاربته في صميم أولوياتنا، طالما أنه يشكِّل أكبر عقبة تعيق جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحد من طموح شبابنا “.
ولابد هنا من تثمين التزام العديد من الدول الافريقية، يقول الراشدي “من خلال اعتماد استراتيجيات لمكافحة الفساد، مكنت من تحقيق بعضها لتقدم ملموس في المؤشرات الدولية، مُسجِلة تنقيطا أعلى من المتوسط بل أعلى أحيانا من الدول المتقدمة في هذا المجال، ومنها على سبيل المثال رواندا، بوتسوانا، الرأس الأخضر، جزر سيشيل”.
وخلال السنوات الخمس الأخيرة، عرف المغرب الذي أطلق بدوره استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد سنة 2015، تغييرات عميقة على مستويات عدة خاصة على المستوي التشريعي حيث تم تسجيل تقدم كبير تمثل بشكل خاص في المصادقة على عدة نصوص قانونية ودخولها حيز التنفيذ، من بينها القانون 46.19 المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها الذي وسع وكرس المهام الدستورية لهذه المؤسسة.
المؤتمر فرصة لتعزيز الجهود
يضيف الراشدي في كلمته الافتتاحية “إن المؤتمر الذي نشارك فيه اليوم، يهدف إلى أن يكون فرصة لتعزيز هذه الجهود، من خلال المشاركة والإثراء المتبادل، وذلك بتعميق التفكير في المحاور الكبرى المهيكلة لإعلان مراكش ولمختلف القرارات التي تم اعتمادها للتتبع والتنفيذ. وهي المحاور التي تهم موضوعات هامة منها؛
- تعزيز دول الحق والقانون من خلال المقتضيات المؤسسية والقانونية والتنظيمية التي تجعل من الوقاية من الفساد رافعة حقيقية.
- الاستثمار المنتج والشامل، الذي لا يمكن أن يستفيد من كل الإمكانات التي يتوفر عليها بلد ما، الا بتحرير الطاقات وضمان الأمن والثقة على المدى الطويل، من خلال تدابير الوقاية والملاءمة في مجال مكافحة الفساد والتي يجب تطويرها ودعمها بإشراك القطاع الخاص.
- أن مستقبل بلد ما هو شبابه، الفاعل في المجتمع المدني والمنخرط في الأوراش المجتمعية والاستراتيجية. ومن بين أهم هذه الأوراش ورش الوقاية من الفساد وترسيخ قيم النزاهة والحكامة المسؤولة الذي يعد أحد أهم ركائز التنمية والتماسك الاجتماعي.
- أخيرا، فإن التعقد المؤكد لظاهرة الفساد وتمظهراته، يفرض أن يكون موضوع البحث والابتكار، في هذا المجال، في قلب انشغالاتنا، لكي تكون مقاربات وسياسات الوقاية من الفساد ومكافحته مؤسسة وفي مستوى الرهانات المطروحة.
إن هذه المواضيع نفسها هي التي تشكل الخيط الناظم لأشغال هذه الندوة، التي سنقوم من خلالها بجرد حصيلة السنوات الأخيرة في مجال الوقاية من الفساد، للاستفادة من التقدم المحرز والإنجازات، وتحديد سبل التقدم نحو دينامية أقوى ومؤثرة”.
دعم مشترك لقرار”إعلان الرباط”
إن العمل الذي تم القيام به حتى الآن والأدبيات المتاحة، يقول الراشدي، “ولا سيما تلك التي أنتجها الشركاء المشاركون في الإعداد لهذه الندوة، تشكل مادة غنية، وسيتم بالتأكيد تعميقها وإثراؤها أكثر بالنظر إلى نوعية وخبرة المتدخلين والمشاركين في مختلف الجلسات وورشات العمل التي سيتم عقدها خلال هذين اليومين.” مردفا، “إن طموحنا، الذي يتجاوز مدة هذه الندوة المنفتحة على العالم، وبمشاركة أفريقية قوية، هو خلق روابط وتقارب بين الجهات الفاعلة المعنية، بهدف إبقاء هذه المواضيع حاضرة على المدى الطويل وإعطائها العمق اللازم الكفيل بمساعدة صناع القرار في بلداننا”.
ويبدأ هذا الطموح، يضيف الراشدي، “بدعم اقتراح مشترك لقرار جديد ” إعلان الرباط” يأخذ المشعل من “إعلان مراكش” بهدف العمل على اعتماده خلال الدورة العاشرة لمؤتمر الدول الأطراف المقرر عقدها في دجنبر المقبل في أتلانتا. ونأمل أن يكون هذا القرار قويا وقادرا على خلق دينامية حقيقية في الاستراتيجيات الوطنية والتعاون الدولي في مجال مكافحة الفساد والدور الذي يلعبه ذلك في تنمية الدول والاستقرار في العالم. دينامية شاملة مدعومة من قادة الدول، ومعبِّئة للفاعلين السياسيين والاقتصاديين، والمجتمع المدني والمنظمات الدولية المنخرطة في هذا المجال”.