الجزء الثاني. (الحلقة 15 )مع الدكتورة أحلام حسين غانم من ( سوريا ).
عربية الهوى واللسان ، سورية الجذور محمدية الانتماء
السلام عليكم أستاذتي الفاضلة.
أولا، أرحب بكم وأشكركم على تفضلكم بالموافقة عنلى الإجابة عن أسئلتي.
من هي أحلام حسين غانم؟
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قبل البَدْء أستاذة أمنة برواضي
أولا، اسمحي لي أستاذتي الفاضلة أن أتوجه لكِ بالشكر والتقدير على استضافتي عبر منصة الباحث العربي وفاتحة القول :
السلام على كُلِّ من سَمَّى بالله بَدْءاً وسَعَى للرحمن عملاً.
- من هي أحلام حسين غانم؟
يدفعني السؤال إلى التفكير في المسافة بين ما أتكئ عليه من حلم ، وما أحمله من اسم وما يؤول في الأحلام الإنسانية التي تعبر منه إليه؛ الحلم والواقع هما وجهان لحقيقة واحدة، إنهما جسم واحد لمرئي ولامرئي، ومن هنا كانت الكتابة / الحلم تجربة الوصل بين المرئي واللامرئي، فالحلم وسيلة لمعرفة المطلق، ووسيلة للاتصال بالمطلق وتجليته في حياتنا، لأن تفصيلات حياتنا وأحداثها تترجم هذه الأحلام.
لقد أخذت أحلام عن النَّحل التنظيم ، وعن النَّمل الصَّبر، وحرصًا على تلك المزايا ،توشحت بجدلية المجاز التي تقوم على لغة التشويق للبحث والسؤال ومعرفة المجهول والدخول في حركة اللانهاية.
هذا لا يعني أن الأحلام التي نظمتها هي التي تساهم في تشكيل هويتها الاستثنائية ، إنها فوضى الحواس وهي ترتدي ملح الأنوثة في تركيب لغوي ؛ وبقدر ما تقتربين من اللغة بقدر ما تعيدي تشكيل اسم أحلام وإنْ قمتِ بتدويره يمنحك أملاح التأويلات المفتوحة.
وبما أنَّ مفتاح الخَلْق هو الهيولى الأولى، و أساس الموجودات وحقيقة الطبيعة الإنسانية، والإنسان ابن الطبيعة؛ أحلام شاعرة بالفطرة؛ لأن الشعر هو الفطرة التعبيرية الأولى للإنسان .
ناهيك عن ذلك أحلام حسين غانم أم عربية الهوى واللسان ، سورية الجذور ، محمّديّة الانتماء ، موطنها الحب أينما كان .. تفكر وتكتب لكي تتقن لعبة البياض والسواد، تنشغل بطرح الأسئلة المنفلتة من أطر الزمان والمكان؛ قلمها حصانٌ أعمى لا يجيد الرؤية إلا في الليل، لكنه لا يصمّ أذنيه عن حاجات النهار الإنسانية، لأن الأديب ابن عصره وشعبه، وقلم الأديب يجب أن يكون خادمًا لحاجات الإنسانية، وذو فاعلية مزدوجة تكشف عن وجوه القصور والحجب أو الخداع والزيف في ما يقال او يعلن.
ورهان قلمي في ذلك هو فتح أفق تتجدد معه العدة الفكرية في وجه من الوجوه، ويحاول خرق الشروط واجتياز الحدود، ويشتغل بتفكيك الأجهزة الإيديولوجية أو القوالب المعرفية التي تصادر حرية التفكير أو تحاصر إرادة الفهم.
دكتورة أحلام، لكم حضور بارز في الساحة الثقافية العربية:
- عضو اتحاد الكتاب العرب
- عضو الاتحاد الدولي للأدباء والشعراء العرب
-عضو الهيئة العليا لحقوق المرأة
-عضو جامعة شعراء الأبجدية الدولية
-عضو فخري بمؤسسة بنياد الشهيد في جمهورية إيران الإسلامية . - منسقة دولية umpl لمهرجان الشعر الدولي /غانا / للجائزة الدولية للسلام ودفاع حقوق الإنسان برئاسة الشاعرة الكوبية – الإيطالية GERDA GARCIA HERNANDEZ
سؤال:
كيف يمكن تصنيف المشهد الثقافي العربي مقارنة بباقي الدول الأخرى؟
- ابتداء ينبغي التمييز بين ما هو مشهد ثقافي واقع وبين ما نريد، بين التطلعات وبين الحقائق ، حتى نتمكن مما نريد تحقيقه أولاً بأول، وأن الثقافة التي نريدها أن تتبلور في أذهان الناس وتتفاعل معها أرواحهم وعقولهم وتنعكس في أعمالهم وسلوكهم هي ثقافة البناء والتعمير، لا ثقافة الهدم والتدمير.
وبطبيعة الحال، مازالت تلك المقارنة هي هاجسنا، وما زال التطور العلمي والتقني، الذي انطلق بقوة وبتصاعد هندسي يزيد في تهميشنا، في هذا الزمن العنكبوتي المليء بالأحداث الجسام التي كانت السبب الرئيس في تغيير الكثير من المسلمات والبديهيات العلمية والاجتماعية والسياسية.
ومن البديهي أن يتمايز المشهد الثقافي من بلد إلى آخر، بالنظر إلى الخصوصيات الثقافية التي تميز كل بلد؛ ولنعترف بصراحة، الفن المعاصر فقير في موضوعاته وغامض في شكله، حتى أن المؤلف نفسه لا يعرف عن ماذا يكتب، ونراه يدور حول نفسه وينتهي في حلقة عنكبوتية مفرغة .
من هذا المنطلق وفي ظل الخراب الروحي الذي يصيب العالم بشكل عام، و الوطن العربي بشكل خاص قد لا أستطيع هنا أن أضع فروقًا واضحة أو معايير محددة لتصنيف المشهد الثقافي مقارنة بباقي الدول الأخرى .
لا سيّما معروف أنَّ مادة المشهد الثقافي هي الأدب بفرعيه من الشعر والنثر، وما امتد على كلِّ فرع من غصون مختلفة ، وبما أنَّ الأدب يخاطب العواطف، والتي يجللها الغموض إذ لا توجد مقاييس نقيسها بها ، ولا لدينا مختبرات ثقافية لم تدخلها الأيديولوجيات يمكن أن نحللها فيها .
فالأدب لا يكتفي بمخاطبة العواطف الإنسانيِّة، وإنْ كان يركّز عليها ، ولكنَّه يخاطب العقل الإنسانيَّ أيضًا .
لذلك ينبغي ان نتساءل: أي ثقافة نريد في هذا الزمن العربي المليء بالهزائم والانكسارات والهجوم الدولي بكل أسلحته وتقنياته لاحتوائنا والسيطرة على مقدراتنا، وتوجيهنا الوجهة التي تناسب أطماعه وخططه الفكرية؟
إلا أنه على الرغم من كل هذا البؤس يجب أن نؤمن ؛ كل فكرة حيّة أو خصبة هي رأسمال ثقافي بشري، بل هذا شأن كل رواية أو قصيدة أو لوحة تصدر عن تجربة فذة وتصاغ على نحو جمالي، إنما هي أيضاً لها بُعدها العالمي الخارق.
لكم العديد من الإصدارات النقدية والدراسات والأبحاث نذكر منها:
- فنتازيا المعنى /دراسات نقدية
-غزلان الشابي وبلاغة المعنى/ دراسات نقدية - دوائر الامتلاء والمثلث السيميائي / الشاعر العُماني سعيد الصقلاوي أنموذجاً.
_ بالإضافة إلى عشرات الدراسات النقدية لعدد من الأدباء في سورية والوطن العربي المنشورة في الدوريات اليومية والأسبوع الأدبي .
سؤال:
من موقعكم كناقدة ما هي الشروط التي تساعد على إرساء نهضة أدبية وثقافية شاملة في الوطن العربي ؟ - العالم العربي في حاجة ماسة إلى بيان ثقافي وفكري جديد متعدد الأبعاد ، يأخذ في الاعتبار أدوار المثقفين مع إنتاج أفكار ومعان توازي التحولات الاجتماعية والمتغيرات الحالية في قضايا الإصلاح ، الحداثة ، العولمة ، الديمقراطية والمواطنة .
- ولأن الوعي قبل السعي ، والإنسان قبل البنيان ؛ تقريب الثقافة والفكر يستدعي مداخل تواصلية بين المفكرين والمثقفين العرب، لصيانة الهوية والخصوصية الحضارية ومقاومة نزعات التطرف، العنف والاستبداد.
- في هذا الصدد يقود الانفتاح الثقافي من دون رؤية ولا هدف ولا مضمون ، أي من دون أن يكون مرتبطًا بمشروع مجتمعي واضح وواع للتنمية أو للتحديث ، إلى تشظّي البنية الثقافية وتعميق التشتت الفكري والنفسي والضياع، وتزداد بالقدر نفسه هجرة الكفاءات والكوادر الثقافية والعلمية التي تفتقر لأي آفاق في بلدانها الأصلية .
- وعليه ، بات من الضروري العمل على تغيير النظرة والمقاربات الشكلانية للمسألة الثقافية، وللهوية الدامجة لمختلف مكونات الأمة بتعبيراتها المتنوعة؛ من خلال الرصد الدقيق للمشاهد الإنسانية التي تشكل مرآةً ما للإنسان العربي
كيف ترى الدكتورة أحلام تأثير العولمة على الأدب العربي المعاصر؟ وما هي الرهانات التي يراهن عليها النقد العربي ما بعد الحداثة؟
- أثرت العولمة في الأدب العربي المعاصر تشكيلاً ورؤية، وأوجدت تحديات جديدة في آليات إبداعه وتلقيه، وأسهمت في ذيوع بعض إبداعاته وانتشارها، وأتاحت الفرصة لنمو ألوان أدبية جديدة في ظل ثورة المعلومات وهيمنة الشبكة العنكبوتية.
بلغ الأمر أن يتساءل صنف من الناس في استنكار صريح عن أهمية الأدب وعن دوره في الحياة، أو عن فائدة الشعر وجدوى الاهتمام به، فتبدو القيم الروحية والجمالية للأدب شبه مفقودة أو غائبة ومفهوم العولمة يتسع ليشمل كافة أشكال التلاقي والتعايش والتفاعل بين أنساق الوعي البشري في الأماكن المختلفة من الكرة الأرضية.
ومن زاوية أخرى هناك فريق آخر يحذرون من العولمة ويطالبون بمقاومتها لأنها حسب رأيهم وإن بدت براقة، إلا أنها لا تحمل في جوانبها قدسية البراءة فهي تعمق الفوارق وتضاعف من عجز الأقلام أمام ديكتاتورية المؤسسات الثقافية ؛ لا سيّما هناك حقيقة صعبة، وهي أن تأثير العولمة على نفسية الأديب العربي المعاصر وحشٌ من الصعب السيطرة عليه وترويضه.
في حين أن الرهانات التي تسعى إلى إبرازها هذه الحركة التحديثية تكمن في تخطي الحالة المتردية ،فمن الضروري أن نرى العولمة كإطار للتشارك الإنساني في حضارة واحدة، ومسائل مشتركة من الوعي الذي يحرر الإنسانية من البؤس والشظف والعناء، ربما كان ذلك الجانب الإيجابي الذي يتم استبعاده عن طريق النظرة السلبية للعولمة وهذا يقودنا إلى التساؤل المطروح ؛ ما هي الرهانات التي يراهن عليها النقد العربي ما بعد الحداثة؟
كيف لنا أن نراهن ما بعد الحداثة وما زال مفهوم الحداثة غامض في امتداده ، وغير مؤكد في فهمه. إنها مصطلح مرجعيته ذاتية ومثير للجدل (وهذا لا يعني أنها غير مجدية أو غير ضرورية).
وعليه ،البحث في أمر الحداثة هو أمر يصعب الإلمام به، ذلك أن القول في الحداثة أقوال، وهناك من مجالات الحداثة ما يثبت أن الحداثة حداثات، لذلك يتنوع النقد ما بعد الحداثة ثقافيًا؛ الرأي أن ما بعد الحداثة تفتقد للتماسك ومعادية لفكرة المطلق كفكرة الحقيقة.
و على وجه التحديد، يُعتقد أن ما بعد الحداثة لا معنى لها، تروّج للغموض المتعمد وتستخدم النسبويّة (في الثقافة والأخلاق والمعرفة) إلى المدى الذي تعيق فيه معظم مطالب الحُكم.
وإذا كان الأدب الغربي قطع أشواطاً طويلة في تحولاته التاريخية، فإنه يصعب في المقابل الاشتغال بالأدوات النقدية ذاتها المرتبطة به على أدب عربي عمره قصير.
من هنا ، لا مهرب من مراجعة حساباتنا وفتح ملف إنسانيتنا، وسط ما يمارس من عبث وجنون أو ما يحدث من عنف وخراب روحي، وبعد كل هذه الصدمات والتراجعات الأدبية والانهيارات الفكرية، يجب لا يُركن إلى ما يقوله أصحاب المشاريع والدعوات، أكانت قديمة أم حديثة.
لقد انتقلت الرهانات ما بعد الحداثة من نقد الذات الأخلاقية والتطرق الى الوعي الشقي ووهم اللغة ونقد العقل إلى تصدع الوعي وتفكيك الأسس وإذابة الذات وسيلان الوجود وإثْم الحياة وتراجيديا التاريخ وعبثية الحقيقة.
الأمر الذي يعني أن مفاهيمنا للعقل والتنوير والحرية، باتت مستهلكة، ساذجة، لا تشرح ولا تفسر، بل تموّه الحقائق وتطمس الوقائع.
من هنا حاجتها إلى النقد والتفكيك لفهم ما تفاجئنا به أفكارنا وأعمالنا، مما ندّعي محاربته من الفساد والاستبداد والإرهاب الفكري.
لذا لا مفرّ من نقد منتجات العقل من الصيغ والانسياق والقواعد، بالاشتغال عليها تحويلاً وتطويراً، وإلا تخلّى الواحد عن عينه النقدية، وتحول إلى تمثال حجري.
في أي حال إن الأزمة الكونية تعني أنه ما عادت مجدية إدارة الشأن البشري والكوكبي بالصيغ والمفاهيم أو القيم نفسها، وسط كل هذه التراجعات والصدمات والانهيارات.
الأمر الذي يقتضي مراجعة ما تكشفه العين الثالثة وتبصره عين الفؤاد الرابعة، وتلمسه الحاسّة السادسة وفي الأخص في ما يتعلق بمفهوم الإنسان الذي يحتاج إلى أن يوضع على مشرحة النقد والتحليل، وذلك من أجل إعادة النظر في المفردات التي صنعنا بها إنسانيتنا أو التي صنعتنا من حيث لا نحتسب ولا نعقل.
والرهان هو ابتكار قيم ونماذج ومفاهيم جديدة لإدارة العلاقات بين الناس:
ممارسة التواضع الوجودي، بحيث نخفض السقف الرمزي من الطوباويات والمتعاليات والقدسيات، لكي نشتغل بمفردات الحوار والاعتراف أو المداولة والشراكة.
إننا نعيش في حقبة مثيرة جداً من التاريخ ، لذلك أنا أرى بما قد رأى تولستوي :”أن الفن وسيلة توصيل من المبدع إلى المتلقي ، فهو لا يكتفي برسالة الفن التعبيرية ،وإنما يرى أن للفن رسالة توصيل للأفكار والانفعالات والمشاعر والعواطف ويقوم الفن بنقل رسالته بين الأجيال المتعاقبة، وليس فقط بين أبناء جيل واحد.”
ومن البديهي حين يحترم المجتمع الأدب والأدباء، وتُحترم حرية التعبير والإبداع، وتأخذ الأشياء أماكنها الطبيعية، والمنافسة الخلاقة تصبح سلوكاً للجميع، يتحول الكتاب إلى دورة اقتصادية فاعلة ومؤثرة في المجتمع.
هل تعتقدون أن هناك أدبا نسائيا وادبا رجاليا؟ أم أن الفرق الجوهري بين كتابة الجنسين يكمن في درجة الإبداع ومدى تحققها في العمل الإبداعي؟
- يصرّ بعض الكتّاب والنقّاد على أن يكون هناك ما يسمى بالأدب النسائي، إلا أنه في حقيقة الأمر، لا يمكن تجزئة الأدب إلى نسائي ورجالي ..
أعتقد أنه ينبغي التفريق أولاً بين النسائي والنسوي، فنحن نقول إن هذه الشركة نسائية عندما يكون كل العاملين بها نساء، وعندما نقول نسوي فهذا يعني أنه يوجد توجه ما، إذ ليس كل ما هو نسائي نسوياً..
لذلك ينبغي بعيداً عن تأنيث المفردة أو تأنيث النص ،وبلاغة الكلمة ،وقبل الدخول إلى خصائص التصنيفات المتحركة؛ يجب أن نحدد معيار التصنيف, أن نقول أدبًا نسائيًا هل هو تعبير معياره الأسلوب؟ أم الإبداع أم انتقائية المواضيع أم خصائص تبرز في الكتابة النسوية تجعلها مختلفة عن الأدب الذكوري أو الرجالي أو الآخر مهما كان؟
يبدو لنا أن مصطلح النسوية مازال يثير تساؤلات كثيرة، منها : هل هناك خصوصية في الخطاب النسوي؟ هل يعني استخدامه تمييزاً مطلقاً بين أدب ذكوري وأدب أنثوي؟
لن أدخل هنا في متاهة سؤال: هل يوجد هناك أدب نسائي وأدب رجالي؟
لا توجد كتابة تنشأ من لا شيء؛ فالإبداع يتكوّن نتيجة مطلب ضروري لحسم تناقض ما والتنافس يجب أن يكون على القيمة وليس على الشكل .
فالأمر غائم ومخلوط ومتداخل، وهذا الخلط وهذه الضبابية مقصودان لتهميش جزء مهم من أسرة التكوين الثقافي ؛ كي لا يصبح للأدب ولا للأديب مهمة واضحة، وكي لا يشعر الناس بالحاجة إلى وجود المبدع ويشغلهم تنافس التجنيس بعيدًا عن التكامل.
إنَّ سر الفنون الجميلة مسألة أعمق وأسمى من أن تلفها تجنيس الكتابة ؛برأيي هناك مدارس أدبية في العالم، وبين تلك المدارس لا يوجد مدرسة تدعى الأدب النسائي، وبالتالي يصنف الأدب الذي تكتبه المرأة في مدرسة من هذه المدارس الأدبية التي يشترك فيها النساء والرجال على حد سواء.
رغم أن هذا المصطلح يثير الحساسية والجدل عند فئة معينة ، مع أن المقصود من استخدام النسوية التعرف على الإبداع الذي تكتبه المرأة، وتلمّس مدى خصوصيته .
لذلك يجب الأخذ بالاعتبار ،لا يُقصد من استخدام هذا المصطلح الإشادة بتفوق جنس على جنس أو عزل الإبداع النسوي عن الإبداع الذكوري، وإنما الانطلاق من حقيقة الإبداع لا بد أن يكون من نبض المعاناة الخاصة أولاً ثم يكسوه الفنان حلة عامة.
فهدم ما كان سائدًا من أفكار ، أصبح ضرورة تتلاقح فيها مجموعة من الرؤى على أنها نماذج لعصرنة القصيدة النسوية ، وبث روح التفاؤل فيها.
ولا شك أن هذه المعاناة تتجلى عبر جماليات اللغة التي يمتزج فيها الفكر والشعور والتخيل، فيتجلى عبرها الشكل الفني، عندئذ على سبيل المثال لا الحصر نستطيع أن نلمس جماليات خاصة للرواية النسوية التي لخصتها بريجيت لوغار عبر أربعة محاور : “الجنس- إدراك الجسد-التجربة الحياتية-اللغة”.
وعليه، كما تنقسم كل ثمرة إلى قشرة ونواة، كذلك ينقسم العمل الأدبيُّ إلى شكلٍ ومضمون ، الشكل هو الوعاء ، والمضمون هو ما في داخل الوعاء . الشكل هو وسائل تجسيد الفكرة ، لأن الفكر هو المضمون , ولقد كانت وظيفة الأدب وما زالت المساهمة في تكوين جمال العالم الروحي للناس ، وتصعيد ميولهم الإنسانية، ودوافعهم النبيلة ، لأن الإنسان هو المادة الأساسية للأدب، وكل ما هو موجود في الحياة هو في خدمة الإنسان .
دكتورة أحلام لقد شاركتم الأديب المصري الباحث سعدني السلاموني في تأسيس منهج التعليم البصري في أكاديمية محو الأمية البصرية. هل لكم أن تحدثونا عن هذا المشروع؟ لكم الكلمة.
- يقوم مشروع محو الأمية بالتعليم البصري، على علم جديد وتعليم جديد ، والعلم هنا هو العلوم البصرية المكتشفة حديثاً، أما التعليم فهو التعليم البصري الذي يقوم بتدريس منتجات العين البصرية .
يدرس منتج البصر ، منتج البصيرة ، منتج بصيرة البصيرة؛ بداية من النقطة البصرية للياء البصرية .
وكل هذا يقوم على أول موسوعة بصرية مكتشفة، وهي موسوعة محو الأميّة البصريّة التي تتكون من خمسة أجزاء وهي :
( محو الأميّة البصريّة .. علم الخيال )
1- محو الأمية البصرية .. علم الخيال
2- علم التفسير البصري .. ما بعد العقل
3- الكتاب البصري .. ما بعد العقل
4- أذان العين .. ولسانها
5- كتاب الكتب .. ما بعد العقل
ومنها يستخلص المنهج البصري لكل المراحل الدراسية البصرية حيث أن اللغة البصرية هي الجسر الممتد بين الإنسان وأخيه الإنسان ، فهي لغة الإنسانية .
جملة القول : يقدم المشروع عقلا جديدًا يسمى العقل البصري الذي هو قاعدة أذان العين البصرية التي لم تكتشف بعد، ثم لسان العين البصري من خلال هذا المشروع؛ ولأن الذي لا يعرفه العلماء أن من قام ببناء الكرة الأرضية من حبة الرمل لعمارات ناطحات السحاب نهاية بمكوك الفضاء هو العقل البصري وأذان العين البصرية واللسان البصري.
من هنا سيقوم “المعهد العالي للتعليم البصري “على تخريج طالب يؤسس على أرقى العلوم البصرية، طالب يضيف لدولة الإنسانية البصرية العالمية .
و بحثي المشارك في منهج محو الأمية البصرية والموسوم “التكوين الثقافي والحقيقية الجوهرية البصرية “، كان عبارة عن محاولة للبحث والتنقيب وإذ يُدرج ضمن المنهاج لأهميته .
ويسرني أن أضع بين أعينكم بعض من استهلال بحثي المشارك :
(على سبيل البدء
لعل من نافلة القول ، لا يمكن نشوء شيء من فراغ مالم يكن هناك اطار معرفي ومرجعي يغلفه ويحتويه، وإذا كانت الكلمة المدوّنة روح الأدب وعنوان الثقافة؛ لأنها تحرك حاسة أو حاستين ، فالصورة هي لغة من نوع جديد وخطاب حديث له صفة المفاجأة، والمباغتة والتلقائية والسرعة الشديدة مع قوة المؤثرات المصاحبة وحديَّة الإرسال ، إذ تحرك جميع الحواس ،وتنطبع في الذهن في الوقت نفسه، وتبقى حيّة في الذاكرة .
التكوين الثقافي
ولما كان البصر حاسة تزود الإنسان بالمعلومات ، تسهم ـ إلى جانب السمع ـ في التكوين الثقافي للفرد ،كما تسهم في تشكيل قدرته على رؤية الأشياء، فهو أداة من أدوات المعرفة بدليل قوله تعالى في الآية الكريمة: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)[الإسراء:36].
القيم الذهنية
وفي إطار هذا الإعجاز العلمي واللغوي يتجه البصريون إلى استحضار القيم الذهنية وقدرتها على توحيد الأشياء على لوحة الواقع والتي يصعب على العين رؤيتها؛ لأن الفن ليس مجرد وسيلة لمداعبة العقل والحواس، وإنما وسيلة لاستزادة المعرفة، ورسم الأشياء كما يريدها العقل .
ربما كان الأسقف باركلي Barkely، أول من زعم بأن الرؤية مثل اللغة، وأصر على أنها لغة عالمية وليست لغة إقليمية أو محلية.)
أستاذتي الفاضلة، لكم إصدارات عديدة في الرواية والشعر والمسرح نذكر منها :
- قصائد لجلنار البحر
- رقص على رماد الجسد
- امرأة بكى في عينيها أوليس
- ومن الماء أنثى.
- الوسط البعيد.
- تيم البنفسج .
- وينكسر الغياب : مجموعة شعرية.
- رتاج الشمس : مجموعة شعرية.
- قداحة العشق ..
- هذا الذي كان.
-مرقد اليقين - رواية – في حضرة الرصاص
_ رواية : “حيث يسكن الياسمين”..
مسرحية…تحمل عنوان :”وأبحث عن آدم “ ملح أنوثتي – ديوان شعر .. بصفتكم ناقدة هل يكون النقد حاضرا أثناء عملية الإبداع ؟ - كي لا يأخذنا السؤال إلى جهات أخرى يجب الاعتراف أنَّ اللغة الشعرية أيقونية بامتياز ،لأنها قابلة للمزج بين الكلام والتشكيل لأغراض جمالية وإيديولوجية مقصودة ،و النقد ينمو في ظلّ الفنّ أو الأدب، والأديب هو الناقد الأوّل لأعماله؛ لأن العمل الإبداعي هو نفسه عمل نقدي .
لاسيّما الذات المبدعة هي ذات منشطرة فإذا نظرنا إلى الذات من وجهة نظر مارتن هيدجر “هي سمات الشخصية النفسية والاجتماعية وكذا العمليات الموحدة التي ينطلق منها الفرد في تعامله مع كل ما يحيط به من البيئة المحيطة وأي اختلاف أو بعد عن هذا الإطار الموحد السوي هو انشطار.
بكل شفافية أشعر الذات الشاعرة التي بداخلي ذات أخرى تختلف عنّي في الحالة العاديّة، و أثناء الكتابة تكتب وكأنها تعري ذاكرتها لتصل إلى الفراغ الذي يحررها من أي قيد ولتكون الذات التي لا تشبه أحدًا ، فتنشطر إلى ذوات وتعود لتوحد الحواس وتخضعها لمبدأ التراسل البناء، وتلتحم بشخصيتي، فأتحوّل معها إلى مرآة لتصبح العلاقة بينهما علاقة تقابل وانعكاس، تماماً كما يحصل بين الوجه (الذات) والمرآة .
فكما أن (الذات) الشاعرة حاضرة دائماً، وممثلة حضورها هذا في ما ترى من صور الأشياء، أو ترسم ما تتخيل فتجسد أو تعبر عن رؤيتها للوجود.. فالخيال مرايا منكسرة حيث صورة تعكس صورة إلى ما لانهاية؛ ينجم عن هذا الانكسار تناسل التشظيات والفوضى والمتاهات والتهويمات..
فإن (المرآة) هي المجال العاكس لكل ما هنالك من صور الأشياء ووجوه التعبير.. إذ تبقى (الذات) هي المركز، ومجال الإشعاع، والبؤرة.. وهذه المرآة هي الشعر، والنقد بآن واحد.
ومن هذا المنطلق لكي يكون المرء مبدعاً، لا يكفي أن يعرف كتابة الشعر والقصة والرواية، بل ينبغي له كذلك أن يكون ناقداً أثناء عملية الإبداع كي يتمكن من الدفاع عنها.
وعند النظر في كلا العمليتين ، سنجد أن العمليتين لا تختلفان عن بعضهما بعضا إلى الدرجة التي يظنها أصحابها، بل هما عمليتان مكملتان لبعضهما.
سؤال مرتبط بما سبق، هل أنصفكم النقد؟ وما حظ كتاباتكم من أقلام النقاد؟
- قبل الإجابة على السؤال لا بد من التأكيد ؛ الشعر هو النقطة الأولى التي يقف أمام محرابها النقد جاثيًا باحثًا عن تجلياته بلا جدوى؛ لأن الشعر وليد اللحظة الشعرية الفارقة والإحساس الروحي الصادق الذي لا يخضع للقواعد والقوالب والإملاءات .
ومن زاوية أخرى ؛ النقد مسألة مركبة جداً، وهو غربال الموهبة وثقافة ورؤيا، فنّ يشترك فيه الذوق والفكر والفهم العميق ؛ هو إبداع على إبداع العمل الأدبيّ، حسب بارث هو عمل مفتوح تصبح فيه القراءة النقديّة ضربًا من الإبداع والكتابة.
أما كتاباتي فقد كان حظها من أقلام النقاد قليلاً، وهي على قلتها لم تلامس جوهر الشعر عندي، وإذا ما التفت بعض النقاد بين الفينة والأخرى إلى هذه التجربة قدموا قراءات انطباعية وسطحية وعابرة غير مركزة وغير منهجية؛ بالمقابل كان لي حظ أكثر وفرة في كتاب الناقد العراقي الدكتور ” ناظم حمد السويداوي ” / جغرافيا الصوت الآخر / قراءات استنطاقية في الشعر النسوي المعاصر .. وأيضا الأديب الناقد العراقي حيدر عبد الرضا تناول تجربتي بنقد مبتكر وموضوعي تميزت بعمقها المعرفي وجدتها المنهجية، مجموعاتي الشعرية لا تقدم مفاتيحها بسهولة إلى النقاد، لكنها في الحين عينه، تتيح للقراء من فرص كي يلجوا عالمها الشاسع، والمتعدد الظواهر والتجليات والتآويل، ولعل هذا ما اعترف به لا تقدم الشاعر والأديب الناقد التونسي التونسي لطفي عبد الواحد عندما سبر أغوار تجربتي الشعرية والنقدية بكل شفافية ..
أنا مع النقد؛ لأنَّ قداسة المؤلّف قد ماتت، ماتت ملكيّته وأبوّته للنصّ فزالت سلطته..
في هذا الإطار يحضرني قول (فرانك كلارك) : “النقد مثل المطر ينبغي أن يكون يسيراً بما يكفي ليغذي نمو الإنسان، دون أن يدمر جذوره “.
فالنقد في الوطن العربي لم ينصف أحدًا حتى ينصفني، فنحن ليس لدينا حركة نقدية عربية يسيرة موازية للحركة الإبداعية ترى من أين يجيء الإنصاف النقدي؟
وتجدر الإشارة إلى أنَّ وجود الناقد المهني في المفاصل الإبداعية أمر ضروري جداً؛ لأن هكذا نوع من النقاد يستطيعون تشخيص نقاط القوة والضعف في العمل، وبالتالي يستفيد المبدع من رؤية الناقد، وبالتالي تكون العملية تضامنية، فالإبداع مساحته أكبر وبلا حدود ، إما الناقد يعمل على حدود وقواعد والعلاقة بينهما ليست علاقة خصم بخصم، وصورتاهما يضمهما إطار واحد، فالإبداع مادة النقد، سواء أكان ذلك النقد تنظيريًا أم كان تطبيقيًا، وإذا كان الإبداع نصًا فإن النقد نص آخر، أي أنه نص على نص.
لابد من تطوير آليات التلقي وإنتاج المعنى ، للتغطية على الهشاشة التي يعرفها نقدنا العربي؛ إن الوعي النقدي مسألة اجتماعية في الأساس لا يمكن تدعيمه دون فتح الأنساق المعرفية المغلقة للبحث، والمساءلة.
لذلك ينبغي على النقاد العرب: أن يتواضعوا ويؤمنوا بالحداثة عقيدة حياة ووعياً مستمراً بأدب يجدد ولا يقلد.
والناقد الحق هو الذي ينصف نفسه قبل أن ينصف غيره من الأدباء، حين يكون حارسًا لقيمه العليا، بوصفه ناقدًا قاضيًا عالمًا، وأديبًا متذوّقًا فنّانًا بامتياز
دكتورة أحلام مسيرتكم الإبداعية والنقدية كانت متوجة بالعديد من الجوائز مثل :
_ جائزة مهرجان همسة للآداب والفنون في جمهورية مصر العربية 2017 عن شعر التفعيلة.
_جائزة شاعر النيل والفرات ،الحصول على المركز الأول في مسابقة شاعر النيل والفرات في مصر عن كتاب “رتاج الشمس “
- الفوز بالمركز الأول بمسابقة الشعر لمجلس الثقافة والفنون بسويسرا للعام
2017 - ٍالحصول على جائزة أفضل إصدار لعام 2019 لمؤسسة النيل والفرات في مصر عن ديوان /قَدَّاحةُ العشق/
_ شهادة التفوق وإحراز المرتبة الأولى عن مخطوط ” شموس الثريَّا” بالمسابقة الدولية التي أقامتها جامعة الزهراء/ جمهورية إيران الإسلامية 2021 - إحراز المرتبة الأولى في مؤتمر /القدس لنا الدولي عن قصيدة” موكب الشمس” 2021
هل الجوائز بالنسبة لكم حافزا للمزيد من العطاء؟ وهل تعتبر كافية لتتويج المسيرة الإبداعية والنقدية للأديب والناقد؟
- في ظل ما صاحب تلك الجوائز من أزمات يجعلها محل جدل، ويجعلنا نحاول البحث عن الإجابة عن السؤال الشائك ؛ جوائز الإبداع لا تخلق مبدعاً وقطعا لا تصنع أي كاتب .
مما لا شك فيه إنَّ النصوص هي التي تمنح المبدعين قيمتهم. وهي التي تظل شاهدًا على انجازهم وعلى مدى ما أضافوه إلى الإبداع .
أميل من جانبي إلى تغليب حسن الظن، الجوائز قد تجذب قراءً جددًا للأعمال الفائزة، وتنشط الحوارات والمناقشات حول تلك الأعمال و تحفز التنافس المبدع والخلاق بين المبدع، مما يدفع العملية الإبداعية إلى الأمام و تعني استمرارًا وتشجيعًا معنويًا لا للجوائز قيمة تضاهيها قيمة معنوية، وأن الجهود المبذولة لا تذهب سدى إنما هي مقدرة ومرئية وهو شعور فارق مع المبدع أن هناك من يتعاطى ويتفاعل مع منتجه ومنجزه والجائزة إن لم توضع من قِبل المبدع في مكانها الطبيعي فستكون حينها كارثة على إبداعه ،لأنَّ الإبداع هو المعيار الحقيقي والثابت للمبدع.
دكتورة، ما هو المشروع النقدي الذي يشغل بالكم؟
- مشروعي النقدي هو طريقة في التفكير تتسع للأشياء كلها، لكل ما يمكن ان يكون مصدرًا لمعلومة، أيا كان نوعها وحجمها. وهو استعداد نفسي للتعامل مع الاشياء على اساس الانتباه والسؤال الذي يبحث بصدق عن معرفة.
استنادا إلى أن النقد حركة نصية رؤيوية واعية، و مكاشفة دائمة ؛اللبنة الأساسية لمشروعي النقدي هو الأساس المعرفي الفلسفي لأنه يشيّد المرجعية الضابطة للتفكير في قضايا النقد والأدب أسُّه “الصناعة” المعرفية لا الأهواء الذاتية، فالمعرفة هي القوة الناعمة لإنجاز القفزات النوعية في سلم النقد، ويحمل هذا المشروع أبعادًا ثلاثية:
إبداعية ونقدية وفكرية .
حاولت في مشروعي الاستفادة من أسرار البلاغة التي وضع فيها عبد القاهر الجرجاني أُسُسَه ومنهجَه في علم البلاغة، و”دلائل الإعجاز”، وهذا دعم مفهوم النص حسب تصوّري: هو حتمًا؛ نص متداخل، ولا يوجد للنص البريء الذي يخلو من المداخلات ، ولذا قالت ” جوليا كريستيفا “: إنَّ كل نص هو عبارة عن لوحة فسيفسائية من الاقتباسات، وكل نص هو تسرّبٌ وتحويل لنصوص أخرى “.
في هذا الإطار حاولتُ الاستفادة من بنيوية “رولان بارت ” ومن شعرية ” رومان جاكبسون ” ومن لسانيات ” فيردناد دوسوسير “.
القراءة الإبداعية للنص الأدبي تتجاوز مستواه الجمالي إلى النسق المضمر في ثقافته ؛ لأن النقد الثقافي هو معني بكشف لا الجمالي كما شأن النقد الأدبي، وإنما همه كشف المخبوء من تحت أقنعة البلاغي / الجمالي ؛ وكشف حركة الأنساق وفعلها المضاد للوعي وللحس النقدي .
فالقراءة الناجعة هي القراءة اللا منتهية أو القراءة اللا مكتملة؛ وهي القراءة القابلة للمحو التغيير ،أو هي التي تتقبل المحو التغيير ؛ أي هي القراءة التي يمكن أن تتطور ،ويمكن أن تتغير .
لذلك معظم كتاباتي تبقى في حوار وانفتاح وتصادم وتناقض، ،وإضافة ومحو ، فأنا لا أؤمن بناقد كامل ,
لا غرو أن يكون مشروعي النقدي ذو حساسية جمالية ، وإرادة واعية تتحسس الأشياء ،وتتشوف جوهرها من خلال حسن الاستشفاف الجمالي ، وحسن الرؤية، وعمق مخزونها الإبداعي، فالإبداع في أسمى تجلياته ثورة جمالية، وحساسية جمالية مرهفة، لا يمكن الوصول إليها إلا عبر مدلول جديد ، ورؤية ثاقبة تستشف ما خلف الكلمات .
هذا المشروع قابل للتطوير والتعديل والتوسيع تبعًا لما تعرفه التراكمات المعرفية والمنهجية من تطورات سريعة تمس طبيعة النص ووظيفته داخل المجتمع .
أعتقد أن أهمية المشروع متأتية من أنه لا يقف عند حدود النص الأدبي من خلال إيماني المطلق أن المشروع النقدي للناقد ، كما المشروع الإبداعي للمبدع لا يكتمل أبدًًا، لذلك مشروعي النقدي ليس خياراً ميتافيزيقياً، بل يعدُّ اختياراً معرفياً تحكمه المعرفة والفلسفة، وتقوّيه التجربة، وتدعمه الفطرة الشعرية و الموهبة النقدية.
قد يكون هناك سؤال أو أكثر تودون الخوض فيه والإجابة عنه، ولكنني لم أتطرق له، أرجو أن تضعوا السؤال وتتفضلوا بالإجابة عنه؟
- يبقى التساؤل المطروح ؛ ما هي أهمية الجواب إذا كانت مساحة السؤال تفوق مساحة الجواب ؟ كيف نسأل؟ كيف نعيد للسؤال عرشه المفقود ولفن السؤال أهميته الضائعة ..؟
ويكون السؤال المُلح: هل استطاعت النظرية النقدية بالفعل إنقاذَ العقل من نفسه؟ وهل استطاعت أن تقترب من هدفها الأساسي وهو تحرير إنسانية الإنسان وتأكيد فرديته المقهورة، وإبعاد أشباح اللاعقلانية الزاحفة عليه في عصرنا الحاضر بأشكال مختلفة؟
لذلك يجب الأخذ بالاعتبار ؛ العقل الناقد هو عقلٌ متقد يمحّص كل شيء يقع تحت بصره وبصيرته بالأسئلة باحثًا عن إجابات تصبح بدورها هي نفسها أسئلة فتتوسع آفاقه الذهنية باطراد.
القران الكريم يحث بشكل لا لبس فيه على إعمال العقل المتفكر المتسائل المتوثق وإطلاق ملكاته وعدم تقييده بإحكام موروثة أو مسبقة، ويفسح المجال لخيول الفكر لتعدو في الآفاق الكونية والذهنية تستقدح أنوار المعرفة وتنفض أغبرة الجهل والوهم.
وسيظلُّ النص القرآني موقظا للقلوب الجامدة ، ومحركًا للعقول الخاملة ، من خلال ما يصور التساؤلات الفكرية كنشاط عقلي بشري حظي بشرف ذكر الله له مثل (عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ) -النبأ ١-، و(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عنّي…) -البقرة ١٨٦-، و (وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَٰهُمْ لِيَتَسَآءَلُواْ بَيْنَهُمْ …) -الكهف ١٩- ، ووردت كلمة (يسألونك) خمس عشرة مرة في القرآن الكريم متبوعة بإجابات وبيانات إفهامية من العليم الحكيم، بل ويحث النص القرآني صراحة على السؤال (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)
من هنا كانت الأسئلة هي المفتاح الأصليّ لكلّ بحث واكتشاف، إذ تكمن مهمّتها في زعزعة المسلّمات وتفكيك شبكة المعلومات السّائدة في عصر ما، قصد فهمها واكتشاف أسسها.
شكرا لكم أستاذتي الفاضلة، وفقكم الله في مسيرتكم
الشكر الأكبر لكم أستاذتي الفاضلة “أمنة برواضي” ولهذا الحوار الذي يقدّمه مركز الباحث العربي إلى قرّائه الكرام من خلال (أسئلة الباحث العربي) الجزء الثاني ، محاولة لاستبيان الصراط الذي تسير عليه النفس الإنسانية في تشكّل المعارف ،و لتظهير مراتب المعرفة عند الناقد العربي وبيان الأسس التي يقوم عليها هذا النظام المعرفي ، وبذلك تكون تلك الأسئلة / الحركة حلقةَ الوصل بين الثابت والمتغيّر ، وبين المطلق والمحدود ؛ وأتمنى أن يجد الباحث الكريم في هذه الأسئلة ما يثير ميله إلى الاقتناع، أو رغبته في النقد وتجديد السؤال .
والله من وراء القصد .