صداقة المنفعة
جمعهما كرسي الدراسة منذ القسم التحضيري الابتدائي الى حين الحصول على الاجازة ، شاءت الظروف ان يتعارف ” ادريس ” و ” ميلود ” أول وهلة داخل ساحة المدرسة في انتظار ان يدق جرس الدخول للفصل ، وقفا بجانب بعضهما بالصف امام فصل الدراسة في انتظار الاشارة للجميع بالدخول من طرف المعلم ، جلسا بنفس المقعد ودامت صداقتهما بالابتدائي و الاعدادي والثانوي وامتدت حتى للتعليم الجامعي حيث استقرا بالحي الجامعي وبنفس الغرفة و سجلا بنفس الشعبة بكلية الحقوق ، حصلا على الاجازة في القانون الخاص ، قدما للخدمة المدنية ، وكانت بداية مفترق الطرق ” ادريس ” عين بالمحكمة الابتدائية و ” ميلود ” بمقر عمالة الاقليم .
لكنهما استقرا بنفس السكن نظرا لتواجد مقرات عملهما بنفس المدينة .
بعد مرور مدة الخدمة المدنية ، حالف الحظ ” ميلود ” وتم ادماجه كمتصرف مساعد بوزارة الداخلية ، اما ” ادريس ” فلم يتم ادماجه لاسباب يعلمها المسؤول الاول بالمحكمة المعنية بايداع طلب الادماج .
ظل ” ادريس ” الذي فقد مصدر رزقه يقيم مع ” ميلود ” في انتظار تدبير اموره ، تعود على الجلوس بالمقهى المجاور للمنزل و كثيرا ما تحضر بذهنه النصائح التي طالما قدمها له زميله ” ميلود ” بخصوص الإفراط في التبدير حيث كان راتب ” ادريس ” لا يكفيه لتغطية مصاريف و نفقات الشهر وكثيرا ما يحتاج للاقتراض من ” ميلود ” .
اسمرت اقامة ” ادريس ” مع زميله ما يزيد على ثلاثة أشهر ، خلالها تقدم بملف اجتياز مباراة سلك القضاء وتم الاعلان عن نجاحه ، والتحق بالمعهد بالرباط قصد التكوين ، خلال هذه الفترة عقد ” ميلود ” قرانه بإحدى الموظفات التي تعمل بجانبه بنفس المصلحة .
ظلت علاقة التواصل مستمرة بين ” ميلود ” و ” ادريس ” .
انجب ” ميلود ” من ” الهام ” بنتا و استكمل ” ادريس” مرحلة التكوين و تخرج قاضيا ملحقا عين بنفس المحكمة التي قضى بها الخدمة المدنية .
بدعم من زميله تمكن ” ادريس ” من الحصول على شقة للسكن بجوار مقر عمله ، من حين لآخر يلتقي الصديقان بمقهى احد الفنادق بالمدينة لاسترجاع الذكريات و تبادل اطراف الحديث و قتل الوقت ، وكل جمعة بعد الصلاة يكون ” ادريس ” في ضيافة ” ميلود ” لتناول الكسكس التي تعده ” الهام ” وبنكهة دكالية .
استفاد ” ميلود ” من الترسيم بالوظيفة و تمت تسوية و ضعيته الادارية و المالية و اقتنى مسكنا مجاورا لمقر عمله بعد حصوله على قرض بنكي .
انتقل ” ادريس ” للاقامة بالسكن القديم الذي افرغه ” ميلود ” والذي كان افضل من الشقة المجاورة للمحكمة ، ترك ” ميلود ” بعض التجهيزات التي استغنى عليها بالبيت القديم ليستفيد منها زميله ” ادريس ” الذي لم تسو بعد وضعيته المالية .
بعد مرور سنة ، تمت تسوية وضعية ” ادريس ” المادية وتقرر تكليفه بمهمة بالمحكمة .
من حين لآخر كانت تزوره والدته واخته بالبيت وتظلا معه لبعض الايام ، وكان ” ميلود ” يستضيفهما ببيته كالعادة كل يوم جمعة لاكل الكسكس التي كانت تجيده ” الهام ” .
توطدت العلاقة بين زوجة ” ميلود ” و اسرة ” ادريس ” و اصبحت ” الهام ” تستضيفهم خلال نهاية الاسبوع وقت عطلتها الاسبوعية لكونها تظل مشغولة طيلة اوقات العمل الاداري ، حتى ان بنتها” اميمة ” تضعها صباحا بالحضانة لتاخدها نهاية الدوام الرسمي .
مع دخول فصل الخريف ، اصيب الاستاذ ” ادريس” بنزلة برد حادة الزمته الفراش ، كانت فرصة ليزوره ” ميلود” بالبيت ليطمئن على صحته و يساعده على ترتيب البيت و قضاء بعض اغراضه ، اثار انتباه ” ميلود ” ان المنزل ظل على حالته القديمة لم يتغير اي شيء ، الفراش و التجهيزات بقيت على حالها مع ان البيت يستقبل عائلة ” ادريس ” وان حالته لا تشرف ، وهذا طبع ” ادريس ” المجند المدني ، يبدر راتبه في اتفه الاشياء ويضطر للاقتراض لتتمة انفاق الشهر .
اقترح ” ميلود ” على ” ادريس” ضرورة الاهتمام بمظهر البيت لان تجهيزه لا يرقى لان يستقبل الاسرة ولا الاصدقاء وأشار عليه انه يتعامل مع احد اصحاب محلات بيع الافرشة و التجهيزات المنزلية و الذي يمكنه ان يقدم له تسهيلات في الاداء .
رحب ” ادريس ” بالفكرة وبعد مرور اسبوع اصطحب زميله لمحل بيع المفروشات و التجهيزات ، اختار ” ادريس ” بمساعدة ” ميلود ” الافرشة اللازمة المناسبة و كذلك التجهيزات ، قام ” الحاج لحسن ” صاحب المحل بوضع قائمة المشتريات و تحديد اثمنتها مع اعتماد خصم مهم ارضاء لزبونه الوفي ” ميلود ” ، قدم ” ادريس ” شيكا بنصف المبلغ ل ” الحاج لحسن” وطلب منه تقسيط المبلغ المتبقى على اثنى عشرة شهرا ، وافق صاحب المتجر ، طلب ” ميلود ” من ” ادريس ” تقديم شيكا ضمانة للمبلغ الباقي ، الا ان ” الحاج لحسن ” اشار ل ” ميلود ” بأن حضوره مع زميله يكفي ، احساس ” ميلود ” لم يطاوعه ولم يسمح له موقف صاحب المحل بالإلحاح على صديقه لتقديم الضمان خصوصا وانه رجل قانون ويعرف شروط ثبوت الدين .
تم نقل المشتريات الى منزل ” ادريس” بواسطة شاحنة ” الحاج لحسن ” .
بعد مرور سنة ، قل التواصل بين ” ميلود ” و “ادريس ” رغم تواجدهما بنفس المدينة لضغط العمل عند الاول الذي اصبح رئيسا للمصلحة التي كان موظفا بها و لمهمة الثاني الحساسة و صدور قرار تعينه قاضيا مكلفا بقضايا العقار بالمحكمة .
خلال عطلة عيد الفطر ، جاءت والدة ” ادريس ” واخته لزيارة ” الهام ” وحملت معها ” دمية ” هدية ل ” اميمة ” واخبرت زوجة ” ميلود ” ان ابنها سينقل الى مدينة بالاطلس الصغير للعمل هناك .
وصل خبر انتقال ” إدريس ” ل” ميلود ” عن طريق احد زملائه بالمحكمة ، التمس ” ميلود ” العذر لزميله بعدم توديعه كونه كان مستعجلا وانه سيفعل حين رجوعه لاتمام اجراءات الانتقال .
بعد مرور مايقارب السنة على انتقال ” ادريس ” التقى ” ميلود” بمسجد المدينة القديمة بعد اداء صلاة المغرب ب ” الحاج لحسن ” بعد التحية ، سأله ” ميلود ” عن تسوية الدين من طرف ” ادريس ” خصوصا وان مدة تسديده تجاوزت النصف سنة ، كان رد ” الحاج لحسن ” انه توصل فقط بمبالغ الاشهر الثلاثة الاولى ولم يعد يرى ” ادريس ” صدم ” ميلود ” واجاب ” الحاج لحسن ” بكلمة ” يكون خير سي الحاج ، لم تفعل الا الخير و لن يضيع رزقك بحول الله ” .
صباح اليوم الموالي اتصل ” ميلود ” بزميله هاتفيا دون رد ، عاود الاتصال عدة مرات دون جدوى ، انتقل الى كتابة الضبط بالمحكمة للحصول على الرقم الجديد لهاتف الاستاذ ” ادريس ” تمكن من ذلك واتصل بزميله ، مرة اخرى الهاتف يرن دون جواب ، التمس العذر لزميله كونه بإحدى جلسات المحكمة ولا يمكنه الرد ، وترك المبادرة لزميله الذي سيتصل به بمجرد تصفحة لذاكرة الهاتف بعد ارساله لبرقية ” سي ادريس تحية طيبة المرجو الاتصال بي عندما يسمح وقتك لامر هام صديقك ميلود ” .
مر على المكالمة و البرقية اسبوعا دون رد ، و نظرا لأهمية مبلغ الدين و ضرورة الحفاظ على سمعته وعلاقته بالحاج لحسن رغم يقينه بانه هو المخطىء عند عدم استلامه ضمان دينه ، وأمام التماس ” ميلود ” العذر لزميله لعل ظروفا طارئة حالت دون الوفاء بالتزامه ، سافر للقاء ” ادريس ” زاره بمكتبه ، كان الاستاذ مشغولا ، طلب ل ” ميلود ” كوب قهوة و اشار اليه بالعودة بعد الرابعة مساء ، ساعة انتهائه من جلسات المحكمة المبرمجة يومه لاصطحابه للمنزل .
تفهم ” ميلود ” ظروف زميله واخبره بسبب قدومه ، نزل رد الاستاذ كثقل جبال الهملايا على جسده ” اسي ميلود الا عندو شي حجة يمشي يدعيني ” ، كلام اخرس ” ميلود ” الذي غادر المكتب دون رد ولا كلام .
طول مسافة سفر العودة و اشياء كثيرة تخطر ببال ” ميلود ” ، يعيد شريط العلاقة الف مرة عله يجد مبررا او عذرا لزميله لكن لم تسعفه احداث ولا مشاهد الشريط في شيء .
مع نهاية الشهر الموالي حمل ” ميلود ” مبلغ الدفعة الرابعة ل ” الحاج لحسن ” موهما ان ” ادريس ” هو من ارسلها له ، و في انتظار اداء مبالغ الدفوعات الثمانية المتبقية .
صادف موعد اداء الدفعة الأخيرة ، تواجد زوجته بصحبته ، اندهشت من امر ” ميلود ” فسألته امام ” الحاج لحسن ” عن السبب فأجابها دون تفكير ” ادفع ثمن ثقتي العمياء ” سمعه ” الحاج لحسن ” وهو يكتب وصل الاداء ، فتوقف مندهشا وموجها سؤالا مباشرا ل” ميلود ” كالتالي ” سي ميلود داخلت عليك بالله قل لي الحقيقة ” ، صرح له ” ميلود ” بكل شيء ، اذ ذاك اتجه ” الحاج لحسن ” الى خزنة النقود واخرج مبلغ الدفوعات الثمانية و اضاف لها مبلغ الدفعة الأخيرة مناولا اياها ل ” ميلود ” و هو يقسم بالثلاث ان ياخدها ” ميلود ” وعند الله يقع الاختصام …
وحسب الاخبار الواردة ان حادثة خطيرة وقعت ل” ادريس ” ضاع فيه احد اقاربه و انه تم لاحقا عزله من سلك القضاء بعد عمليات تفتيش متكررة وقفت على تورطه في فساد مالي …..
اكدال ، الرباط 2022/10/3