صحافة تنتظر جهدا كبيرا في ظل تحديات واستحقاقات وطنية كبرى
يحتفل الصحفيون المغاربة اليوم باليوم الوطني للإعلام في ظل مناخ مشحون بتصدع الجسم المهني الصحفي وتدني في جودة المنتوج الصحفي، مقابل وفرة وافرة في المحتوى الرديئ وفيض في الرداءة والتفاهة والاغراء بكل أشكاله وتفاصليه من أجل “لايكات” أضحت تسمن الجيب وتحيل على عيش رغيد، وتفقر الفكر وتفرغ الضمير وتخرب الإنسان باستفراغه من قيمه المثلى والتشويه بها أمام الملأ بعد التشريح والتوزيع على مختلف ألوان المنصات الرقمية.
يحتفل الصحفيون، أيضا في ظل مناخ سياسي واستراتيجي وطني وإقليمي ودولي يطرح على الجسم المهني تحديات كبرى لمواجهة ومسايرة هذا الفيض التكنولوجي الجارف الذي لا يؤمن إلا للأقوى والأذكى والاجدى، لا يؤمن إلا بالأحدث فالأحدث؛ والكلمة الحسم للاختراع الرقمي المتواصل الناقل للمعلومة في سرعة البرق والجامع للبشرية من كل بقاع الكون على منصات رقمية في زمن واحد.
فبلادنا اليوم تواجه تحديات تنموية و وطنية واستراتيجية كبرى، وهي مقبلة على استحقاقات دولية وإقليمية في مجالات متعددة، وفي مقدمتها الاستحقاقات الرياضية التي سيحتضن فيها المغرب كأس الأمم الافريقية(2026) وكاس العالم(2030). هذا إضافة إلى الاستحقاقات التنموية التي تشكل الهاجس الأبرز لبلادنا من أجل مواصلة التطور الذي يشهده المغرب منذ أزيد من عقدين على صعيد مختلف جهات المملكة وفي مقدمتها الأقاليم الجنوبية التي تسير فيها عجلة التنمية بوثيرة منضبطة و متصاعدة حولت العيون و الداخلة و كلميم والسمارة وطانطان وبوجدور خلال العشرين عام مضت من مناطق شبه صحراوية إلى حواضر كبرى بمعايير عالمية في بنيتها التحتية وفي جاذبيتها للاستثمارات الكبرى الوطنية والأجنبية، ما حول الصحراء المغربية إلى محور اقتصادي وتجاري ودبلوماسي جاذب واساسي للحصول على تأشيرة المرور إلى العمق الإفريقي.
ذلك ما عبر عنه الخطاب الملكي الأخير، بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، والذي صب اهتمامه كله نحو تنمية الساحل الأطلسي ليس للمغرب فقط، وإنما الساحل الغربي للقارة الافريقية نظرا للبعد الاستراتيجي التنموي لهذا الساحل المنفتح على أوروبا في الشمال كما ينفتح على الساحل الأمريكي شمالا ووسطا وجنوبا، وأيضا انفتاحه على الشرق الأوسط بالنظر إلى الموقع الاستراتيجي للمملكة المغربية الذي يربطها بالمنطقة العربية التي تتعزز يوميا بارتفاع منسوب التعاون في مختلف المجالات مع دول الشرق الأوسط.
هذه التحديات تفرض على الجسم المهني أن يكون في مستوى هذه التطلعات لمواكبتها بمحتوى جيد وبرؤية استراتيجية أيضا ترمي إلى تسويق بعد تجويد صورة المغرب خارجيا والتاثير في صناع القرار ليس محليا فقط وإنما إقليميا ودوليا وقاريا.
ولذلك، نسجل في هذا اليوم الوطني للإعلام، أن الجسم المهني كما هو عليه حاله الآن غير قادر على المواكبة والتاثير في كل هذه التحديات والتطلعات للمغرب، بالنظر إلى السرعة وإلى النجاعة والتأثير في صناعة القرار السياسي والاقتصادي والثقافي الذي يواصل به المغرب استراتيجيته التنموية والدبلوماسية والاجتماعية، وبالنظر أيضا، إلى استعمال الجسم المهني في أغلبه لآليات مهنية صدئة في التعامل مع الأحداث وفي تحليلها ومتابعتها، نظرا لانعدام الخبرة والدربة في هذا الميدان لكثير من”الصحفيين”، أو ما يسمون ب”الصحفيين” أو شاهري الهواتف يلتقطون اي شيء تافه يجلب لهم “لايكات” عقيمات، تصب الزيت على النار أكثر من أنها تبحث عن الماء لإطفاء النار، وزرع الأمل والحرص على تقويم الاختلالات بدل “النصب “على الاختلالات “بسوء نية” أحيانا و”بنقص” في الخبرة أحايين كثيرة.
فهل بهكذا جسم صحفي يمكن أن نواجه حدة التحديات التي تواجه بلادنا وثقل مسؤولية الاستحقاقات التي تنتظرنا….ذلك ما سنتطرق إليه غدا…(يتبع)