صحافة تنتظر جهدا كبيرا في ظل تحديات واستحقاقات وطنية كبرى
(2)
إن منظومة الصحافة المغربية التي ورثت عن المنظومة الفرنسية للصحافة التي ازدهرت إبان الحماية الفرنسية للمغرب، واستمرت تشتغل حتى بعد الاستقلال، تركت بصماتها وأسلوبها في التعامل مع مجرى الأحداث، التي كانت سلطات الحماية آنذاك تشتغل بأسلوب الترهيب والترويع سواء من خلال سن قوانين زجرية وقمعية لحرية التعبير بالنسبة للصحفيين المغاربة أنذاك، أو بالعنف المباشر وغير المباشر، ما ولد خوفا دفينا من التحكم في المعلومة وترويضها وفق منهج الحرية المطلوبة في الصحافة التي تعتبر مجالا لنقل المعلومة وإشاعتها بين الناس بصدق وموضوعية، وأيضا تتبع الاختلالات في تدبير الشأن العام الوطني أو المحلي أو حتى الدولي، والإسهام في التأثير على صناعة القرار.
هذا الموروث القمعي و التخويفي الاستعماري انتقل مع الجيل الذي تحمل مسؤولية العمل في المجال الصحافي، وغذته الدولة التي كانت بعد تُرمم أطرافها بعد جلاء المعمر الفرنسي، وهاجس الخوف والتخويف وسرية المعلومة مسيطر على فكر ونهج الدولة المغربية في مستهل إشراقة نور الحرية، فبالرغم من تدبيج حرية الصحافة والتعبير في القوانين المغربية في الستينات، إلا أنها بقيت مكبلة بقوانين زجرية جنائية تهدد سلامة الصحافيين، والأخطر من ذلك أن الأسلوب التخويفي الاستعماري استمر خلال هذه الفترة وإلى نهاية الثمانينات من القرن الماضي بعد نضالات قوية و مستميثة استطاع الجسم الصحفي أن يحقق بعض المكتسبات فيما يتعلق بحرية التعبير وحرية النشر من خلال نضالات النقابة الوطنية للصحافة المغربية.
هذا الأسلوب التخويفي غذته الظروف السياسية الغير مستقرة التي كان يعيشها المغرب في بداية مرحلة استرجاع حريته واستقلاله، والتي كانت تحت ضغط الحرب الباردة التي كانت تعيش تحت رحمة الصراع القطبي آنذاك، حيث المد الشيوعي والاشتراكي يعيش أوجه في حرب باردة مع القطب الغربي، وهو ما كان له تأثير كبير على محاولة زعزعة الاستقرار في المغرب في أكثر من مرة، ومن هنا كان توجس الدولة مطروحا أمام الاستهدافات والضغوطات التي مورست على الدولة المغربية، وبالأخص على الملكية في المغرب، في الوقت الذي سهل على النظام الاشتراكي القضاء على الأنظمة الملكية في الكثير من الدول العربية وتحويلها إلى “جمهوريات ملكية”، يخلد على عرشها رئيس الدولة على مدى الحياة، والأمثلة كثيرة هنا، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأيضا في القارة الافريقية.
إذن، أمام هذا الوضع الذي يبدو فيه مناخ الاشتغال في الصحافة بحرية تامة غير مكتمل عناصر الشفافية والأمن والاطمئنان والحرية، حال دون أن تكتمل الصورة الجميلة البهية لصاحبة الجلالة، أو السلطة الرابعة التي تعد ضرورية لكل تقدم وتطور تنشده أي دولة أو أمة، باعتبارها في نظري بمثابة الرئة التي تتنفس منها الدولة وهي المصفاة التي يمر منها تدبير الشأن العام.
ومن هذا المنطلق واصل الجسم الصحفي تحقيقه للمكتسبات موازاة مع ما حققه المغرب إلى الآن من تقدم في ترسانته القانونية خصوصا الوثيقة الدستورية الجد متقدمة والتي صوت عليها الشعب المغربي في العام 2011 بعد الهزات الاجتماعية التي عرفتها منطقة الشرٌق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تحولت إلى ثورات عربية أو “ربيعية”، أفسدت كل ما كانت تطمح إلى تحقيقه من حرية وعدالة اجتماعية من خلال انتخابات نزيهة وشفافة لا تبقي رئيس الدولة على “كرسي الخلود” جاثما على أنفاس الشعب على مدى حياته.
وبالرغم من هذا التطور الذي عرفه قانون مهنة الصحافة وما رافقه من تحقيق لمكتسبات أهمها إحداث المجلس الوطني للصحافة باعتباره مؤسسة تخص المهنيين، وإلغاء وزارة الاتصال مع الاحتفاظ بها كقطاع فقط، يدبر جزءا من المهنة المرتبط بمنح الدعم العمومي للصحف والمجلات والجرائد الالكترونية والمنصات الرقمية، إلا أنه ما يزال يجتر ويجر معه الأسلوب التخويفي الكولونيالي الذي اختفى إلا من ممارسة بعض من يتحملون المسؤولية في بعض المؤسسات المهنية، ومن لهم علاقة بحرية التعبير وحرية الصحافة الذين ما تزال الصحافة تشكل لهم هاجس خوف وتوجس…في نظركم هل باستمرار هذا التوجس يمكننا كصحافيين أن نواكب الاستحقاقات والتحديات الكبرى التي يشتغل عليها المغرب وفق ما يمكنه أن يسهم في تجويد تسويق صورة بلادنا؟ …(يتبع).