عندما يحيى الضمير
قضى عقوبة حبسية تجاوزت العشرين سنة بسبب الضرب و الجرح المفضي الى الموت دون نية احداثه ، كانت السنوات التي قضاها ” عبد الكريم ” وراء القضبان كافية للتغيير من سلوكه المندفع و الأناني ، مغادرته لجدران السجن و معانقته الحرية مكنه من إعادة صقل اسلوب حياته في تعامله مع الذات و مع الآخر ، قاموس سلوك جديد اصبح ” عبد الكريم ” ينهل منه و يجعله ناموسه في الحياة .
عالم جديد ، تنكر له الكل ، الزوجة استفادت من مسطرة التطليق ، الوالدين غادرا الى دار البقاء بفعل كبر السن و المرض المزمن و ضيق ذات اليد و صدمة سجن الابن الوحيد .
غادر ” عبد الكريم ” السجن ولا من يأتي لاستقباله بالبوابة سوى حراس امن باب السجن الذين خاطبه احدهم ” على سلامتك ” و ساعده في حمل حقيبته الى سيارة الاجرة بالشارع بمحاداة باب السجن .
خرج ” عبد الكريم ” من عالم معلوم الى المجهول ، وجد صعوبة حتى في تحديد وجهته المقصودة لسائق التاكسي و صعوبة حتى في تركيب المبلغ المطلوب من النقود لاداء واجب التنقل .
لا اسرة ، لا مأوى ، لا عمل ، لا اصدقاء ، حتى معالم المدينة تغيرت ، الحي الشعبي الذي كانت تقطن به الاسرة تمت هيكلته ونقل جزء كبير من ساكنته الى احواز المدينة .
توقف سيارة الاجرة امام المحطة الطرقية بالمدينة ، غادر ” عبد الكريم ” حاملا اغراضه سيارة الاجرة بعد ان ارجع له السائق بعض النفوذ المتبقية و خاطب ” عبد الكريم ” بكلمة ” الله ييسر امورك ” ، اتجه الى المقهى المجاور ، طلب فنجان قهوة و سجارة من نادل المقهى ، كان يرتشف القهوة و ينفث دخان السيجارة و يحاول ايجاد حل لوضعيته من مجموع حلول يقرؤها في دخان سيجاته الذي يعانق سماء الفضاء الملبد بالغيوم السوداء التي ينتظر غيتها فلاحو المنطقة الذين سئموا توالي سنوات الجفاف .
وقع فكر ” عبد الكريم ” على احد اصدقاء والده الذي كان يعمل مع والده حارسا بسوق الجملة للخضر و الفواكه بالمدينة ، ارتشف اخر رشفة قهوة بالفنجان بسرعة و أدى واجب القهوة و السيجارة للنادل و انطلق مترجلا في اتجاه سوق الجملة الذي كان بجوار المحطة .
تغيرت معالم المكان ، اصبحت منطقة للعمارات السكنية العمران 1 ، و عرف ان السوق تم ترحيله الى خارج المدينة و ان صديق والده ” امبارك ” توفي مند اربع سنوات نتيجة مرض عضال ، تبخرت افكار ” عبد الكريم ” كما تلاشى دخان سيجارته الاخيرة بالمقهى .
لجأ الى احد الفنادق التقليدية حجز غرفة وتوجه للميناء للعمل هناك ، تدبر شغلا في تنقية السمك بمساعدة احد ارباب المقاهي بالميناء ، استمر لمدة شهرين تدبر بعض الاموال و فكر في الانتقال إلى مسقط راس الاسرة بتادلة .
استقر بمسقط راسه ، تدبر عملا مؤقتا باحد المقاهي بمركز القرية ، بعد سنة من العمل توتقت علاقته بمالك المقهى، تزوج بابنته وانجب منها بنتا ، اصبح ” عبد الكريم ” هو المسير للمقهى ، احدى الليالي نشب خلاف بين احد زبناء المقهى ممن اعتادوا تدخين مخدر الحشيش نتج عنه تبادل الضرب و الجرح ، تدخل رجال الدرك المحلي و القي القبض على المتشاجرين و مسير المقهى ” عبد الكريم ” وتم حجز كمية من المخدرات .
تم تقديم المعنيين للعدالة وتمت إدانة ” عبد الكريم ” بستة اشهر حبسا نافذا .
بعد قضاء عقوبته السجنية ، رجع ” عبد الكريم ” الى مسقط رأسه ، تدبر اب زوجته مسيرا اخر للمقهى ، ظل ” عبد الكريم ” يبحث عن شغل لتغطية واجبات كراء غرفة يقطن فيها و زوجته وابنته التي بلغت السن الخامسة ، تدبرا عملا مؤقتا بإحدى المقاولات المتخصصة في بناء الطرق كحارس للورش و طلب منه تقديم نسخة من بطاقة تعريفه الوطنية التي تبين انه انتهت مدة صلاحيتها .
لجأ الى مركز الدرك من اجل انجاز شهادة السكنى لتجديد البطاقة الوطنية ، خلال حديث ” عبد الكريم ” مع قائد مركز الدرك المحلي الذي تعرف عليه عبر حديثه المطول معه ، تبين ان اسباب الادانات السابقة التي واجهها كان هو المخدرات و ترويجها ، فكان خطاب الدركي ل” عبد الكريم ” واضحا و مركزا ” تصور لو كان الضحية من ترويج سموم المخدرات هو فلذة كبدك ابنتك ماذا كنت فاعلا ” اجابه ” عبد الكريم ” دونما ادنى تفكير ” اقتل ” فجاء رد الدركي ” لكن انت لم يقتلك احد فقط واجهك القانون ” انهمر “عبد الكريم ” باكيا دون رد ، مكنه الدركي من شهادة السكنى وغادر .
بعد انتهاء اشغال بناء الطريق ، رحلت الشركة ، تدبر ” عبد الكريم ” شغلا قارا بمركز القرية ، وأنشأ رفقة ” نادية ” زوجته مشروعا لإعداد المأكولات السريعة بدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في إطار برنامج ادماج السجناء المعانقين للحرية و التحقت ابنتهما ” مارية ” بالمدرسة الوطنية للفلاحة لاتمام دراستها .
و تأكد ” عبد الكريم ” من ان المستقبل تتضرح معالمه عندما يحيا الضمير ..
السعيدية في 2022/10/9