أخبارالرئيسيةتقارير وملفات

ملحمة الݣرݣرات..قواعد إشتباك جديدة تُحَصنُ الإستقرار الإقليمي

القَدَرُ التاريخي الإمبراطوري للمغرب – كدولة أمة – يثير الكثير من التساؤلات و يخلق العديد من المخاوف لدى أغلب مراكز الأبحاث و الإستشراف و معاهد الدراسات المستقبلية و كذا الدوائر المغلقة في مختلف العواصم الدولية المحيطة بالرباط العاصمة، المتتبع لتاريخ الأمة المغربية منذ فجر التاريخ إلى اليوم يدرك جيدا طبيعة هذا الشعب المنتصر بشكل دائم و المحافظ على خصوصياته الثقافية و الدينية و المجتمعية و طبيعة نظامه السياسي العريق القائد لإنتصارات حضارية شكلت منعطفات كبرى للشعوب في منطقة غرب المتوسط و شمال و غرب إفريقيا.

إلتفاف الشعب المغربي عبر التاريخ حول المؤسسة الملكية – بإعتبارها القيادة التاريخية و الشرعية – لنضال المغاربة من أجل التحرر و الحفاظ على إستقلالية و سيادة القرار الوطني يجعلها مستهدفة بشكل دائم بحملات إعلامية مشبوهة تمولها جهات و دوائر معروفة بعداءها المستمر للمغرب و الشعب المغربي سواء بإستخدام أدواتها من تجار الأزمات وطريطورات الإحتجاج و الإعلام المشبوه المتخاذل و مرتزقة المواقف و الطابور الخامس من العناصر الإنفصالية، أو بالمواجهة المباشرة عن طريق إتخاذ مواقف سياسة تضر بالأمن القومي و سيادة و المصالح العليا للشعب المغربي.

هذه الدوائر و الجهات تدرك جيدا أن الخط الأول و الأخير للدفاع عن وحدة و إستقرار و أمن و أمان هذا الوطن و حرية هذا الشعب هو النظام الملكي و العرش العلوي المجيد بشرعيته التاريخية و الدينية و الدستورية، و بالتالي فالهجمات البئيسة المستهدفة لصورة الملك و محاولة الإساءة إليه و إلى رمزيته في المخيال الشعبي المغربي ستظل هدفا دائما للمتربصين بالمغرب و إستقلاله و إستقراره و وحدته.

بقلم : شادي عبد السلام البراق

الطبيب و المؤرخ الإستعماري الفرنسي لويس آرنو إنتبه إلى الدور المحوري للمؤسسة الملكية في كتابه “زمن “لمحلات” السلطانية – الجيش المغربي وأحداث قبائل المغرب ما بين 1860 و 1912 ” حيث أورد تعريفا للدولة المغربية على لسان الصدر الأعظم للدولة العلوية باحماد في خيمة السلطان مولاي الحسن الاول بعيد وفاته أمام كبار رجال الدولة متسائلا و مجيبا : ” – ماهو المخزن ( الدولة ) ؟ – إنها خيمة كبيرة شبيهة بهاته، فمن أجل بنائها وتدعيمها ضد العواصف والرياح فلا بد لها من دعامات. وإن العمود المحوري وصارية الخيمة التي ترفعها هو السلطان. “انتهى الإقتباس

” المسألة المغربية ” ظلت طوال قرون ملفا مطروحا أمام الدوائر الإستعمارية و الإمبريالية من أجل إخضاع المارد المغربي وتركيعه، لإدراكهم بأن هذه الأمة قدرها أن تتمدد في كل إتجاه ممكن طالما تحقق الإستقرار في ظل قيادة كاريزماتية قوية هي ” المخزن الشريف“.

هذه الحقيقة التاريخية عاشها المغاربة مع باكوس في عهد الممالك المورية العريقة عندما إستطاع أن يحافظ على إستقلال مملكته في مواجهة المد الروماني و جنب الشعب الموري المغربي العريق الإذلال و الإحتلال، أيضا عايشها المغاربة عندما أسسوا نموذجهم الخاص في الحكم بإختيارهم إمامة مولاي إدريس الأول في مواجهة الخلافة العباسية و خليفتها الأسطوري هارون الرشيد مرة أخرى عايش المغاربة هذه القدر الإمبراطوري مع يوسف بن تاشفين و تذوقوا حلاوة النصر في معركة الزلاقة ضد الزحف الصليبي الإيبيري في الأندلس، ثم عايشوه في معركة الأرك في عهد الخليفة الموحدي يعقوب المنصور عندما أسس المغاربة إمبراطورية كبرى تمتلك أسطولا بحريا حول البحر المتوسط لبحيرة مغربية خالصة في زمن الحملات الصليبية.

أيضا عايشها للمغاربة في عهد المرينيين و معركة الدوندونية عندما كانت القوات المغربية مرابطة في نواحي غرناطة لحمايتها من الإحتلال القشتالي لأكثر من قرن في مايسمى كتيبة شيخ الغزاة، ثم مع الإنتصار التاريخي بمعركة وادي المخازن في عهد الدولة السعدية عندما أعاد المغاربة ترتيب المشهد العالمي و إلغاء الإمبراطورية البرتغالية من الوجود لأكثر من سبعين سنة.

ثم عاش المغاربة قرونا من المجد و العزة في عهد الدولة العلوية المجيدة مع ملاحم تحرير الثغور و بناء الدولة القوية في عهد السلطان مولاي إسماعيل و سيدي محمد بن عبد الله و إحياء مؤسسة ” المخزن الشريف ” في عهد السلطان مولاي الحسن الأول و ثورة الملك و الشعب في عهد بطل التحرير محمد الخامس و عبقرية الكفاح السلمي و ملاحم الحرب المقدسة في الصحراء المغربية في عهد الراحل الحسن الثاني ثم مسيرة التنمية و البناء في عهد جلالة الملك محمد السادس عندما غير المغرب تفاهمات المواقف الجيوسياسية الإقليمية بفرض قواعد إشتباك جديدة رسخها إنتصار الكركرات حيث إنتزع المغرب بذكاء الحجرة التي حاول النظام العسكرتاري الجزائري خدمة لأجندات إستعمارية أن يضعها في الحذاء المغربي!

القوى الإمبريالية مستندة إلى مخرجات مؤتمر برلين الإستعماري 1884 و في سياق سياسة “التدافع نحو إفريقيا ” و الإتفاقات السرية بين مختلف القوى الأوروبية لحل ” المسألة المغربية ” أبرزها الإتفاق الودي البريطاني الفرنسي 1904وذلك على حساب ألمانيا، حيث تنازلت من خلاله فرنسا على حقوقها في مصر لصالح بريطانيا مقابل إعتراف هذه الأخيرة بحق فرنسا في فرض الحماية على المغرب ثم مخرجات مؤتمر الجزيرة الخضراء 1906 و نتائج أزمة أكادير 1911 بين ألمانيا و فرنسا و بريطانيا، هذه القوى الإستعمارية قامت بتقسيم الدولة العلوية المجيدة إلى مناطق نفوذ إستعمارية متعددة من نهر السينغال جنوبا إلى البحر المتوسط شمالا مرورا بالصحراء الشرقية المغربية حيث قامت بإقتطاع ملايين الكيلومترات المربعة تدخل في نطاق الحدود التاريخية للإمبراطورية المغربية و ألحقتها بمستعمراتها الإفريقية.

الصحراء المغربية في إطار عملية التطويق الإستراتيجي الذي قامت به مدريد للمغرب في نهاية القرن التاسع عشر كانت من نصيب مملكة إسبانيا لتلحقها فيما بعد إلى المنطقة الخليفية شمال المغرب حيث كانت السلطة الإسمية في تطوان تدار بإسم السلطان العلوي من خلال خليفته السلطاني على شمال المغرب و الساقية الحمراء و ووادي الذهب.

تطويق المغرب من الجنوب ظل هدفا دائما لكل الإمبراطوريات الإستعمارية التي حاولت تركيع المغرب أو فرض السيطرة عليه، كما أن العقل الإستراتيجي المغربي ظل دائما يدرك أهمية الأقاليم الجنوبية في خلق التوازن الجيوسياسي مع المحيط الإقليمي ، في عهد السلطان المنصور الذهبي تم إتخاذ قرار جيوسياسي تاريخي بالزحف نحو السودان الغربي حيث سيطر المغرب على أغلب دول و أقاليم غرب إفريقيا و تتأسس باشوية تمبوكتو كولاية مغربية ظلت تابعة للمخزن الشريف إبتداءا من 1591 إلى غاية 1887 مع دخول الإستعمار الفرنسي.

السلاطين العلويين كالسلطان مولاي إسماعيل و سيدي محمد بن عبد الله و مولاي الحسن قامو بمحلات سلطانية و حركات عسكرية لتثبيت الحكم المغربي على الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية سواء في توات، أوغادين و تيرس أو بلاد شنقيط حتى حدود نهر السينغال.

إخضاع المغرب للحماية إبتدأ أولا بإقتطاع بلاد شنقيط و تأسيس مستعمرة فرنسية بها حيث كانت و لازالت بلاد شنقيط أو موريطانيا تشكل العمق الإفريقي للمغرب، المؤرخ المغربي شهاب الدين أحمد بن خالد السلاوي يتحدث عن حركة السلطان مولاي إسماعيل التي وصل فيها إلى بلاد شنقيط، ويصف لنا مدى الحفاوة التي استقبل بها الشناقطة سلطان المغرب فيقول:( غزا السُّلطان الْمولى إِسماعيل صحراء السوس فبلغ آقا وطاطا و تيشيت وشنكيط وتخوم السودان فقدمت عليه وفود الْعرب هنالك من أهل السَّاحل والقبلة ومن دليم و بربوش والمغافرة وودي ومطاع وجرار وغيرهم من قبائل معقل وأدوا طاعتهم وكان في ذلك الوَفد الشَّيْخ بكار المغفري والد الْحرَّة خناثة أم السُّلْطان الْمولى عبد الله بن إِسْماعيل فأهدى الشَّيْخ الْمذْكُور إِلى السُّلْطان ابنته خناثة المذكورة وكانت ذات جمال وفقه وأدب فتزوجها السُّلْطان رحمه الله وبنى بها وجلب في هذه الغزوة من تلك الأقاليم أَلفين من الحراطين بأولادهم فكساهم بمراكش وسلحهم) الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (58/ 7).

المؤرخ الفرنسي دولا شابيل، يذكر أن حَرْكَات السلاطين العلويين لم تتوقف من أجل الدفاع عن الأقاليم الجنوبية للمغرب حتى نهر السينغال خاصة منطقة وادان عام 1665 و أدرار عام 1678 و تاكانت عام 1730 عن طريق ماسة وواد نون والساقية الحمراء وترشيت عام 1689.

كما أرسل السلطان مولاي إسماعيل وحدات عسكرية من الجيش المغربي لدعم أمير الترارزة حوالي عام 1672، وحصل هذا الأمير على ظهير سلطاني بحكم منطقة الترارزة،ومنذ عهد السعديين وتعيين شيوخ الطوارق مندرج في اختصاصات باشوات المغرب في تنبوكتو وقد تجددت هذه التوليات في عهد سيدي محمد بن عبد الله وفي عهد مولاي الحسن الأول الذين صاهرو القبائل الصحراوية و هذا ما أكده جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه في حوار صحفي لإذاعة فرانس أنتير في 28 أبريل 1975 قائلا: ” فهذه الصحراء هي التي أعطتنا دولة المرابطين الصحراويين وجدتي خناتة زوجة المولى إسماعيل صحراوية، وأم سيدي محمد الله صحراوية، وثلاثة من أجدادي صحراويون من قبائل جنوب الصحراء عن طريق السلالة النسوية، فليست الصحراء مغربية بالأمس فقط، ولا المغرب صحراوي بالأمس، وفي الحقيقة هل نحن الذين سنرجع إلى الصحراء أم أن الصحراء هي التي سترجع إلى المغرب”؟ – إنتهى الإقتباس .

إعترف المغرب سنة 1969 بإستقلال موريتانيا حيث ظلت المملكة المغربية الشريفة حريصة على أمن و سيادة موريتانيا خاصة في مرحلة الحرب ضد ميليشيا البوليساريو عندما كان 6000 آلاف جندي يقومون بحماية مختلف المدن الموريتانية في إطار إتفاق التعاون المشترك في مجال الدفاع بنواكشوط يوم 12 ماي 1977 بين موريتانيا و المغرب.

الأطماع الإستعمارية لإقتطاع الأقاليم الجنوبية للمغرب و بتر صحراءه لم و لن تتوقف أبدا كما ان مجهودات المغرب لم تتساهل أبدا في الدفاع عن الوحدة الترابية، لذا فهذا الهدف البغيض يتناقل بين الأعداء و المتربصين بمختلف أشكالهم و أطماعهم و بالتالي إنتقلت هذه الفكرة بشكل تلقائي إلى الأنظمة الوظيفية التي خلفها الإستعمار لخدمة أجنداته الخفية فتطويق المغرب جيوسياسيا من الجنوب و قطع شريانه الإفريقي ظل هدفا مستداما للعقل البومديني في قصر المرادية المتشبع بالفكر التوسعي ونظرية القوة الإقليمية الضاربة المهيمنة على محيطها الجغرافي.

صديقي القارئ كان لابد من هذا المدخل التاريخي قبل التطرق لعملية تأمين المعبر الدولي الكركرات قبل ثلاث سنوات و محاولة إستقراء إنعكاسات عملية التأمين على الأمن الإقليمي و الكشف عن الأهداف الخبيثة لميليشيا البوليساريو و مشغليها لخلق نزاع مفتعل مع المغرب في منطقة تشكل شريانا تجاريا مهما بين الأسواق الأوروبية و أسواق إفريقيا الغربية.

كيف غير المغرب المعادلة الجيوسياسية في 14 غشت 2016 بتطهير المنطقة صفر (قندهار) بين الكركرات و بولنوار في موريتانيا و تجنب سيناريو معبر إسلام قلعة الحدودي بين أفغانستان و إيران عندما قامت الجماعات المتشددة بالسيطرة عليه في يوليوز 2021 و حولته لمنطقة أمنية فاشلة ؟ و كيف كرس المغرب سيادته الكاملة على معبر الكركرات و المنطقة العازلة إبتداءا 13 نونبر 2020.
كيف إستطاع المغرب بفضل التدبير الإستراتيجي و الهدوء الإنفعالي و التخطيط الرصين حل عقدة أزمة مفتعلة كان هدفها جر القوات المسلحة المغربية للدخول في مواجهة عسكرية مفتوحة مع مرتزقة الميليشيا في المسافة صفر و كيف كان التحرك المغربي في التوقيت المناسب بالمكان المناسب في عملية خاطفة و بإستخدام ذكي لكل المعطيات على الأرض على شكل رد إستراتيجي مفاجئ أفقد العدو توازنه على جميع المستويات مجنبا المنطقة خطر حرب إقليمية واسعة؟
كيف قامت الديبلوماسية المغربية بالتغطية السياسية والديبلوماسية لعملية أمنية تستهدف تطهير و تأمين معبر حدودي دولي من ميليشيات إرهابية عبر حشد الدعم الدولي في وقت قياسي لإجهاض كل التحركات المشبوهة في الأروقة الخلفية للمنتظم الدولي؟
كيف كانت الجزائر عبر إعلامها المشبوه تسوق لطريق تندوف – زويرات و معبر العقيد مصطفى بولعيد كبديل محتمل لمعبر الكركرات؟
ما علاقة طريق تزنيت – الداخلة كجسر لوجسيتكي عابر للقارات بين أوروبا و إفريقيا بالصراع الجيوسياسي في غرب إفريقيا و كيف ترد الجزائر عليه بإستثمار مليار دولار في صحراء شمال موريتانيا لبناء المحور الطرقي العابر للصحراء تندوف – زويرات؟
كيف وضع المغرب جمهورية موريتانيا الإسلامية أمام مسؤوليتها السيادية وحرر قرارها السياسي من وصاية ميليشيا تيندوف بأفضلية الإنتقال بين المحاور الإقليمية بكل سلاسة ؟ كيف قام المغرب بحماية الأمن القومي لموريتانيا و جنب البلاد أزمة تموين غذائية؟
ما علاقة إيران بمحاولة زعزعة الإستقرار الإقليمي و كيف يحاول الحرس الثوري بتواطئ مع الجزائر إستخدام الميليشيات الإنفصالية لخلق بؤرة صراع إقليمية لتحجيم دور إمارة المؤمنين في غرب إفريقيا و ما علاقة مسجد الكركرات بالموضوع؟
كيف إستطاعت المُسَيَّرَات المغربية قلب المعادلة الأمنية و العسكرية في المنطقة العازلة بتحويلها لمنطقة محرمة على عناصر ميليشيا البوليساريو التي كانت تعيث فيها فسادا و و تهريبا و إرهابا ؟ و أسقطت أسطورة الأرض المحررة ليتحول معبر الكركرات إلى عنوان للإستقرار الإقليمي؟
كيف تحولت السياسة المغربية في تعاطيها مع ملف الأمن الإقليمي من حماية السيادة الترابية إلى نشر القوة كإستراتيجية تندرج في سياق تحولات جيوسياسية دولية و قارية و ليست خطوة تكتيكية عابرة؟
كلها أسئلة سنحاول البحث على إجابتها في هذا المقال
طوال سنوات حرب الصحراء بين القوات المسلحة الملكية المغربية و مرتزقة البوليساريو بإسناد لوجيستكي و مالي من الجزائر و ليبيا و كوبا و سوريا و إيران و مجموعة دول المعسكر الشرقي كانت الإستراتيجية العسكرية المغربية تسير في إتجاهين متوازين: صد هجمات العدو و بناء و تعمير و تنمية مختلف مدن الصحراء المغربية.

لذا إعتمد المغرب على إستراتيجية خطوط الدفاع المتقدمة في الميدان مع ترك مساحات كبيرة من الصحراء الشاسعة للإشتباك مع العدو بشكل يجعل المدن و المداشر و المصالح الإقتصادية آمنة بشكل كامل، فالمنطقة المحرمة شرق الجدار الأمني العازل كانت إختيارا إستراتيجيا عسكريا هدفه تأمين الوحدات العسكرية و المدنيين و خطوط الإسناد بشكل فعال و ليس تكتيكا حربيا ظرفيا أو نتيجة نهائية للحرب مع ميليشيا البوليساريو.

العقل الإستراتيجي المغربي ترك مناطق للإشتباك مع ميليشيا البوليساريو الإرهابية التي كانت تعتمد على حرب العصابات مستغلة شساعة الأراضي الصحراوية و وعورة التضاريس للقيام بهجمات خاطفة و مباغتة من أجل إلحاق خسائر في وحدات القوات المسلحة الملكية المغربية، هذا التاكتيك واجهه الجيش المغربي بعمليات عسكرية نوعية نفذتها قوات النخبة خلف خطوط العدو مما كبدها خسائر فادحة في الارواح و العتاد.

إعتمدت الإستراتيجية العسكرية المغربية إبان حرب الصحراء 1976- 1991 رغم تميزها و تكامل عناصرها بإعتمادها روحا هجومية على إكتساب عمق إستراتيجي داخل مناطق تحرك العدو واعتناق مبدأ الحدود الآمنة مما وفر للمملكة المغربية عمقاً إستراتيجيا آمنا و بذلك أصبحت أي مواجهة قادمة مع ميليشيا البوليساريو ستكون شرق الجدار العازل حتى الحدود المغربية الموريتانية وداخل المناطق العازلة التي شكلها الجدار الأمني العازل في مراحل تشييده المختلفة مع الإعتماد بشكل متزايد على القوات الملكية الجوية لتتحول إلى “الذراع الطويلة” للمغرب بتوفيرها الإسناد و الدعم و التغطية للوحدات العسكرية المرابطة على الأرض مما أعطى للجيش الملكي المغربي الفرصة لتطوير و تنفيذ إستراتيجية هجومية آمنة تهدف إلى إمتصاص الهجومات الخاطفة التي تنفذها البوليساريو بإعتماد نهج حرب العصابات.

بكل وضوح المنطقة العازلة أو المنطقة المحرمة أو المناطق شرق الجدار الأمني هي قرار إستراتيجي عسكري مغربي له أهداف واضحة و مركزة و ليس نتيجة من نتائج الحرب، نقول هذا الكلام كرد على أكاذيب و ترهات ميليشيا البوليساريو التي تروج أسطورة الأرض المحررة و قصص وهمية عن مدن و مناطق و تشكيلات عسكرية لا توجد إلى في مخيلة قادتها من تجار البشر و مجرمي الحروب و محترفي التهريب تروجها آلات البروباكندا داخل مخيمات الذل و المهانة لتأجيل إنتفاضة المحتجزين و ليلة الهروب الكبير..

العبقرية العسكرية المغربية قامت بإنشاء جدار رملي عابر للصحراء المغربية عبارة عن ساتر رملي يلعب دور حائط للصد الإستراتيجي ضد هجمات عصابات البوليساريو حيث تم تزويد هذا الجدار الأمني بمعدات تكنولوجية متطورة و أسلحة نوعية و حقل ألغام متقدم و تغطية جوية على مدار الساعة لرصد تحركات العدو على مسافات آمنة و التعامل معها للحيلولة دون وصوله إلى القوات المرابطة داخله التي تقوم بحماية التراب الوطني و السيادة المغربية.

هذا الجدار الأمني هو دليل على صمود الشعب المغربي و إصراره على النصر و الإنتصار و حماية الأرض و العرض ضد كل معتدي خائن عميل حيث قامت هذه للمنشأة العسكرية بتجنيب المدن الآمنة و المدنيين العزل إرهاب ميليشيات البوليساريو و فرض قواعد إشتباك جديدة أدت بالميليشيا إلى قبولها صاغرة لإتفاقية وقف إطلاق النار تحت رعاية الأمم المتحدة و التي من أهم شروطها إعتبار المناطق شرق الجدار و جنوبه حتى الحدود الموريتانية مناطق محرمة دخولها على الآليات العسكرية و عناصر الميليشيا المسلحة و إلا أعتبرت إنتهاكا صريحا للإتفاق.

في نفس الوقت كانت وحدات من الجيش المغربي تقوم بعمليات تمشيط روتينية لمطاردة عصابات البوليساريو حيث سطرت هذه الوحدات ملاحم كبرى يحفظها التاريخ العسكري بمداد من الذهب تخلد شجاعة الجندي المغربي و تضحياته الجسام من أجل الذوذ عن المقدسات الوطنية بشعاره الخالد الله – الوطن – الملك.

و هو مأكده الأمر اليومي الذي وجهه جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله إلى أبناءه في القوات المسلحة الملكية المغربية يوم 14 ماي 1980 قائلا : ” بصفتكم وارثين لتقاليد عريقة في المجد ساهمتم بعزم وحزم في جميع الأحداث الكبرى التي طبعت مسيرات المملكة لتحقيق تطلعاتها المشروعة وبلوغ أهدافها السامية، وهكذا فإن مشاركتكم في استكمال الترابية بعودة اقليم وادي الذهب إلى حظيرة الوطن لتسطر لكم بمداد الفخر ملحمة بطولية جديدة على صفحات وحدة المملكة التاريخ.
إن الانضباط والتفاني والعزم الوطيد وما لكم من شعور بحتميات الواجب والشرف كل هذا ما فتئتم تبرهنون عنه في كل المناسبات وتسيرون على نوره قياما بالعمل اليومي بدون كلل ولا ملل لاحباط النيات الخسيسة الغادرة وافشال مؤامرات الذين تسيرهم اياد خفية، وتجهزهم بعتاد متطور كثيف، والذين يحاولون تقويض وحدة الصف بخلق البلبلة واشاعة الأباطيل ، إن انحدار قوات الشر في بئر انزران واسمارة والمسيد وبوكراع وبوجدور ليجسد ما لكم من عزيمة على الوقوف سداً منيعاً دون المتآمرين يقي البلاد مغبة المحاولات الدنيئة، وما عمليات التطهير الأخيرة بوركزيز ومنطقة الزاك الا دليل آخر على صلابة تصميمكم ووقوفكم في وجه جميع التحديات”.. إنتهى خطاب الملك.

▪️الكركرات جزء من تاريخ الأمة المغربية :

حسب الباحث في الشأن الأمازيغي الدكتور عبد الله بوشطارت فإن: أگرگر هو اسم مكان أمازيغي يطلق على المرتفع الصخري، الذي يوجد جنوب مدينة الداخلة، وهي المنطقة الشاسعة المطلة على الأطلسي، وتعج بأسماء أماكن أمازيغية، مما يدل على أنها كانت مواطن استقرار صنهاجة الصحراء، إيزناگن، مثلا أمليلي وهي منطقة يوجد بها ميناء تقليدي، وكذلك بير أگندوز، تم اضافة كلمة بير للاسم الاصلي، ثم منطقة أمهيريز، وكلها توجد ما بين الداخلة والگرگرات، بما فيها أوسرد، ومنطقة الكديلية / أكدال بضواحي مدينة الداخلة.

من خلال هذه الإشارة المقتضبة و في غياب بحث أكاديمي رصين تظهر من خلال طوبونوميا الأسماء الامازيغية أن منطقة الكركرات جزء لا يتجزء من التاريخ المغربي العريق بإمتداداته الأمازيغية العريقة و بالتالي فالمنطقة منذ عشرات الآلاف السنين و هي تلعب دورها المحوري في ربط المغرب مع عمقه الإفريقي و في مراحل معينة ربط شمال الإمبراطورية المغربية مع أراضيها في الجنوب.

معبر الكركرات الحدودي أعاد إكتساب أهميته الإقتصادية مع سنوات الإستقرار الطويلة التي فرضها الإرادة المغربية على الأقاليم الجنوبية وتزايد الجهد التنموي بها و زيادة الفرص التنموية بموريتانيا و إفريقيا الغربية و كذا إغلاق الحدود المغربية / الجزائرية و تصاعد المجهودات المغربية لمكافحة التهريب و تجارة المخدرات بإستخدام دروب ومسالك الصحراء الشاسعة.

في غشت 2016 قام السلطات المغربية بعملية تمشيط واسعة لمنطقة ” قندهار ” المحاذية لمعبر الكركرات و التي كانت مرتعا لتجار التهريب و تجار المخدرات.
إزدادت أهمية معبر الكركرات مع إنطلاق السياسة الإفريقية للمغرب بزيارات ملكية سامية لمختلف أقاليم القارة الإفريقية و دولها و خاصة دول غرب إفريقيا مع ضخ إستثمارات ضخمة و توقيع إتفاقيات هامة للتبادل التجاري.

هذه الإستراتيجية الإقتصادية المغربية في إفريقيا أزعجت مختلف الدوائر الإقليمية و الدولية و في محاولة لتحجيمها تم تحريك الانظمة الوظيفية التي تخدم القوى الإستعمارية عن طريق أدواتها من ميليشيا البوليساريو الإرهابية لتعطيل معبر الكركرات الحدودي و إعاقة إنسيابية البضائع و حركة تنقل الأشخاص بين المغرب و عمقه الإفريقي مما كبد الإقتصاد الوطني خسائر مادية كبيرة.

بعد أحداث إكديم إزيك و تفكيك خلية أمغالا الإرهابية و طبيعة الأسلحة النوعية التي حجزتها قوات إنفاذ القانون المغربية من راجمات صواريخ و مضادات للدروع و أسلحة كلاشينكوف و في إطار إستراتيجية المملكة المغربية لضبط الحدود و تأمينها و محاربة التهريب و المخدرات و مكافحة الإرهاب و الجماعات المسلحة قامت السلطات المغربية إبتداءا من غشت 2016 بعمليات تطهير واسعة لمنطقة قندهار الواقعة بين معبر الكركرات الحدودي و المعبر 55 الموريتاني ببولنوار إنتهت بطرد المهربين و تجار المخدرات و هدم أعشاشهم و السواتر الترابية التي أنشئت لعرقلة السير في المحور الطرقي بين المغرب و موريتانيا.

في الـ 26 من فبراير 2017 قرر المغرب الانسحاب بشكل أحادي من منطقة الكركرات على خلفية دعوة الأمم المتحدة البوليساريو إلى تجنب تصعيد التوتر في المنطقة داعيا الأمين العام للأمم المتحدة إلى العمل على العودة إلى الوضعية السابقة للمنطقة المعنية، والحفاظ على وضعها، وضمان مرونة حركة النقل البري الاعتيادية، والحفاظ على وقف إطلاق النار، وتعزيز الإستقرار الإقليمي.

في يونيو 2018 عرف المعبر مرة أخرى عملية عرقلة عندما أقدمت عناصر من قطاع الطرق منتمية لميليشيا البوليساريو بقطع الطريق و إعتراض سبيل الشاحنات المغربية و الدولية مما تسبب شلل في حركة السير و تعطيل مصالح عدد من التجار المغاربة و الأفارقة.

في بيان لوزارة الخارجية والتعاون المغربي أكد “أن البوليساريو ومليشياتها التي تسللت إلى منطقة الكركرات منذ 21 أكتوبر 2021، و قامت بأعمال عصابات هناك وبعرقلة حركة تنقل الأشخاص والبضائع على هذا المحور الطرقي، كما تقوم بالتضييق باستمرار على المراقبين العسكريين للمينورسو”.

هذه العمليات الإستفزازية قابلها المغرب بأقصى درجات ضبط النفس متسلحا بالهدوء الإستراتيجي حيث كانت إستفزازات اخرى تقوم بها عناصر تابعة للميليشيا في ضد العسكريين المغاربة في الجدار العازل.

بعد ضبط المعطيات وفهم دقيق للوضع و تهيئ كل الشروط الذاتية و الموضوعية قامت القوات المسلحة الملكية المغربية بأوامر من القائد الأعلى رئيس اركان الحرب العامة جلالة الملك محمد السادس لتقوم يوم 13 نونبر 2020 بعملية عسكرية دقيقة ببعد أمني صرف ترمي إلى تأمين المحور الطرقي بين المغرب و موريتانيا و طرد عصابات البوليساريو لتسطر ملحمة أخرى من ملاحم الجيش المغربي المنتصر و تنضاف إلى إنتصارات الشعب المغربي المتعددة.

▪️ تأمين الكركرات ملحمة من ملاحم الشعب المغربي المنتصر:

في يوم 21 أكتوبر 2020 ظهرت شرذمة من قطاع الطرق التابعين لميليشيا البوليساريو الإرهابية في المنطقة العازلة بين الكركرات و بولنوار يقومون بإستفزازات ضد سائقي شاحنات النقل الدولي مشهرين أسلحة بيضاء في حالة عدم إمتثالهم، ثم القيام بإغلاق المحور الطرقي و إنشاء مايشبه المعتصم المفتوح ثم لتظهر قيادات الميليشيا ممثلة في مجرم الحرب إبراهيم غالي و بطانته في المناطق الساحلية القريبة لأخذ صور إستعراضية لترويجها في المخيمات و ليقدموا دليلا ملموسا لقيادات النظام العسكرتاري بإتمام المهمة الدنيئة.

بعد أكثر من ثلاث أسابيع من وصول أفراد عصابات ميليشيا البوليساريو إلى منطقة الكركرات و عرقلتهم لسير تنقل الأشخاص و البضائع في محور طرقي له من الأهمية بمكان حيث انه يربط بين قارتين و يؤمن الإحتياجات الإقتصادية لجزء كبير من سكانهما بالإضافة أنه أصبح ممرا أساسيا و شريانيا مهما بين المغرب و عمقه الإفريقي فمنه تمر الإمدادات الغذائية المغربية لمختلف الأسواق الإفريقية و من بينها موريتانيا التي تضرر أمنها الغذائي بشكل كبير حيث تضاعفت فيها أثمنة المواد الغذائية لأرقام مهولة عجلت بعقد مجلس وزاري في موريتانيا لبحث هذه الإشكالات و إنتهت بتصريح لوزيرة التجارة والصناعة والسياحة الموريتانية، الناها بنت حمدي ولد مكناس التي أوعزت هذه الزيادات إلى ظروف خارجية.

صبيحة يوم 13 نونبر 2020 كانت ساعة الصفر المنتظرة و كان بيان القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية المغربية يفند كل الشائعات و الأكاذيب التي بدأت تروجها الصفحات الفاشلة للطرف الآخر حيث أكد البيان على أنه “وتنفيذا للتعليمات الملكية السامية للملك محمد السادس، تم تنفيذ عملية بتاريخ 13 نوفمبر 2020، وفق قواعد اشتباك واضحة تقضي بتجنب أي اتصال للقوات المسلحة الملكية مع الأشخاص المدنيين”، حيث نفذت القوات المسلحة الملكية المغربية عملية دقيقة تهدف إلى طرد ميليشيات البوليساريو و تطهير معبر الكركرات الحدودي من دنسهم بطريقة إحترافية غاية في المهنية و الإنظباط تؤكد على الخبرة التي راكمتها طوال عقود من العمل الميداني المباشر في ميدان الحرب عنوانه الحزم و الرد السريع الإستراتيجي حيث أورد البلاغ أنه “أطلقت ميليشيا “البوليساريو” المسلحة النار على القوات المسلحة الملكية التي ردت من جانبها وأجبرت عناصر الميليشيا على الفرار دون تسجيل أي أضرار بشرية”، لتنتهي العملية الخاطفة حسب البيان: “بتأمين ممر الكركرات بين المغرب وموريتانيا بشكل كامل، من خلال إقامة حزام أمني من قبل القوات المسلحة الملكية، بناء على تعليمات الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية”.

على مستوى آخر كان الجهاز الديبلوماسي المغربي يقوم بعمل نوعي بإجراء إتصالات عاجلة مع كل القوى الفاعلة و الأصدقاء و الأشقاء لتوضيح الصورة و رفع اللبس و تبيان حقيقة الموقف بعيدا عن التضليل و الترهات و نشر الأخبار الزائفة و بالفعل كان التجاوب العالمي الكبير لموقف المغرب الشرعي و حقه القانوني في حماية سيادته و تطهير أرضه من شرذمة من المرتزقة الخونة قاطعي الطرق.

توالت بلاغات الدعم و المساندة و المؤازة من مختلف المنظمات الدولية و القوى العظمى و الدول الشقيقة و الصديقة حيث صرح الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل على “ضرورة الحفاظ على انسيابية حرية التنقل والمبادلات عبر الحدود في منطقة الكركرات لطابعها الاستراتيجي للمنطقة المغاربية والساحل”، كما أعلنت كل من منظمة التعاون الإسلامي، و الإتحاد البرلماني العربي و مجلس التعاون الخليجي و منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الإيسيسكو عن تأييدها للإجراءات المتخذة من قبل المغرب لتأمين حرية العبور في منطقة الكركرات، كما صرحت وزارة الخارجية الإسبانية في بيانها الرسمي على «أهمية الاستقرار في هذه المنطقة الاستراتيجية، باعتبارها محورا رئيسيا بين إفريقيا وأوروبا»، جمهورية مصر العربية طالبت “بالامتناع عن أي عمل استفزازي وأي أعمال قد تضر بالمصالح الاقتصادية والتجارية في المنطقة” وأكدت «بأن مصر تتابع عن كثب تطورات الموقف في منطقة معبر الكركرات الحدودي في المغرب»، دولة البرازيل شددت “أن يتم ضمان تدفق حركة المرور والتجارة في ممر الكركرات دون عوائق”، كما أعربت الخارجية الفرنسية بتتبعها للأحداث الجارية في معبر الكركرات، معربة عن قلقها إزاء إغلاق نقطة العبور مؤكدة على أهمية حرية حركة البضائع والأشخاص في المنطقة، كما أضافت أنها على علم بالتدابير التي اتخذها المغرب مرحبة بالتزامه بوقف إطلاق النار، كولومبيا تدعو في بيان إلى السماح بحرية التنقل الحر للأشخاص والبضائع عبر معبر الكركرات الحدودي بالمغرب، رحبت وزارة الخارجية النمساوية عبر تغريدة لها على حسابها الرسمي على تويتر بموقف المغرب الملتزم بوقف إطلاق النار ، وزير الشؤون الخارجية الهولندي ستيف بلوك أكد أن «تدخلات الجيش المغربي يوم 13 نوفمبر هي رد فعل على إغلاق معبر الكركرات الحدودي»، وأكد على ضرورة إحترام وقف إطلاق النار، والحفاظ على حرية الحركة والتجارة عبر الحدود في منطقة الكركرات، صرحت وزارة الشؤون الخارجية البرتغالية أنها أبلغت بالتطورات المتبعة من قبل المملكة للحفاظ على حركة المرور في الكركرات، وثمنت وزارة الخارجية والشرق الأوسط البرتغالية ضبط النفس والتزام المغرب بوقف إطلاق النار والسعي لإيجاد حل سياسي، أصدرت الخارجية السعودية بيانًا جاء فيه: «المملكة تؤيد الإجراءات التي اتخذتها المملكة المغربية لإرساء حرية التنقل المدني والتجاري في المنطقة العازلة للكركرات في الصحراء المغربية»، كما أعربت عن «استنكارها لأي ممارسات تهدد حركة المرور في هذا المعبر الحيوي الرابط بين المغرب وموريتانيا، عبّرت قطر في بيان رسمي «عن قلقها العميق من عرقلة حركة التنقل المدنية والتجارية بمعبر الكركرات الحدودي» كما عبّرت «عن تأييدها للخطوة التي قامت بها المملكة المغربية الشقيقة بالتحرك لوضع حد لوضعية الانسداد الناجمة عن عرقلة الحركة في المعبر»، أكدت الإمارات العربية المتحدة على تضامنها مع المغرب في حماية أراضيه، كما دعمت القرار «بوضع حد للتوغل غير القانوني بالمنطقة العازلة للكركرات التي تربط المغرب بموريتانيا بهدف تأمين الانسياب الطبيعي للبضائع والأشخاص بين البلدين الجارين»، أعربت مملكة البحرين عن تضامنها مع المملكة المغربية «في الدفاع عن سيادتها وحقوقها وسلامة وأمن أراضيها ومواطنيها في منطقة معبر الكركرات المغربية في إطار السيادة المغربية، ووحدة التراب المغربي، ووفقًا للشرعية الدولية» كما أعربت «استنكارها الشديد للأعمال العدائية التي تقوم بها ميليشيات “البوليساريو“، أيّدت الكويت «الإجراءات المغربية لضمان انسياب البضائع والأفراد بشكل طبيعي» بين المغرب وموريتانيا، كما جددت الموقف الكويتي الداعم لسيادة المغرب ووحدة ترابه واستفزازاتها الخطيرة و مواقف داعمة من الأردن و اليمن و تركيا و سلطنة عمان و فلسطين و إفريقيا الوسطى و الغابون و جيبوتي، زامبيا، غامبيا، والصومال، غينيا الإستوائية، غينيا بيساو، تشاد، جمهورية الكونغو الديمقراطية، ساحل العاجل، بوركينافاسو، السينغال، الشيلي.
هذا الدعم الديبلوماسي المنقطع النظير و إلتفاف العالم حول الرباط في مساعيها المشروعة لإنهاء الوضع الشاذ في معبر الكركرات هو دليل على الثقة الكبرى الذي تضعها دول العالم في نوايا المغرب الدائمة من أجل السلام و الحفاظ عليه من خلال ديبلوماسية ملكية رائدة داعمة لكل فرص السلام و السلم في العالم ثم تأكيد على ثبات الموقف المغربي و أحقيته البالغة في حماية سيادته الترابية ضد ميليشيا البوليساريو الإرهابية و يؤكد على الدور الهام الذي تلعبه المؤسسات السيادية و الأجهزة الديبلوماسية في الحفاظ على المصالح العليا للشعب المغربي و الأمن القومي للمغرب بدعم من الجبهة الداخلية الموحدة الصامدة القوية و الإلتزام الوطني الصادق من الجميع.

حالة الصدمة و الذهول التي عاشها العدو بعد العملية العسكرية بنتائجها الميدانية و السياسية الصاعقة أفقدته توازنه الميداني و النفسي ليتخذ مجرم الحرب إبراهيم غالي في محاولة لبعثرة الأوراق الإقليمية قرارا عبثيا بهلوانيا بإعلان حرب زائفة ضد المغرب عن طريق “أقصاف” وهمية ببلاغات كاذبة لذر الرماد على أعين الجوعى و المحتجزين في مخيمات تندوف و ترويج الوهم بإنتصارات هلامية و دفع المتمردين على قراراته إلى المنطقة المحرمة في عمليات عبثية حيث تنتظرهم المسيرة المغربية.

حاولت ميليشيا البوليساريو أكثر من مرة إختراق المنطقة العازلة للقيام بعمليات معزولة تستهدف القوات المغربية المرابطة على الجدار لكن كان الرد الحازم من المدفعية الملكية و المسيرات الجوية التي حولت المنطقة العازلة إلى منطقة محرمة بالنسبة لعربات و أفراد المخيمات و تحركاتهم المريبة.

و هو ما عبر عنه جلالة الملك محمد السادس في خطابه يوم 6 نونبر 2020 قائلا: أن المغرب سيظل «ثابتا في مواقفه، ولن تؤثر عليه الاستفزازات العقيمة، والمناورات اليائسة، التي تقوم بها الأطراف الأخرى، والتي تعد مجرد هروب إلى الأمام، بعد سقوط أطروحاتها المتجاوزة»…

▪️ الكركرات و مابعد الكركرات:

لا يمكن فصل أحداث الكركرات عن مايقع في المحيط الجيوسياسي للمملكة المغربية، فقد جاءت بعد سنة من جائحة كورونا و نجاح المغرب في الحجر الصحي و إلتزام الشعب المغربي بـ “أوامر” الدولة المغربية و قدرة الإقتصاد الوطني على تجاوز حالة الصدمة و خروجه بأقل الخسائر، في جانب آخر الموقف الجيوسياسي المرتبط بملف ترسيم الحدود البحرية في الأقاليم الجنوبية، فشل الجزائر في تمرير مقررات معادية للوحدة الترابية في الإتحاد الإفريقي كلها عوامل جعلت بعض الدوائر الدولية و الانظمة الوظيفية التابعة لها تنظر بإنزعاج لما يحققه المغرب وحيدا في مواجهة تحديات خارجية و داخلية، لذا كان المخطط بإشعال جبهاته الجنوبية بحرب إقليمية لتعطيل مساره التنموي، الكركرات كانت هي ساعة الصفر لإغراق المغرب في أذيال التبعية و الجمود، لكن العبقرية الإستراتيجية المغربية و الفهم الدقيق للوضع الجيوسياسي العالمي و فن إمتلاك المعلومة و ٱستخدامها في الزمكان المناسب حول “الكركرات” إلى عامل قوة في المسار التاريخي للمغرب الذي أعاد ترتيب المشهد الإقليمي بما يناسب توجهاته الداخلية بحزم و قوة.

تطهير معبر الكركرات، إعلان ميليشيا تندوف الحرب الوهمية، إغلاق موريتانيا الحدود الشمالية، إعلان الجزائر عن طائريتين عسكريتين محملتين بأطنان من المساعدات إلى مخيمات الذل و العار في إشارة أنها مستعدة لدعم لامحدود للميليشيا و تصاعد الدعم الإيراني لميليشيا البوليساريو عن طريق وكلاءها في حزب الله كلها إشارات إلى إستعداد محور الشر الإقليمي لإشعال المنطقة بحرب هدفها الأساس هو المغرب و وحدته الترابية و إستقراره.

إستفزازات و مؤامرات واجهها المغرب بالكثير من الثبات الإنفعالي و لتنجح الديبلوماسية الملكية المغربية في تحقيق نصر سياسي بعثر أوراق المتربصين و المتآمرين تمثل في الإعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية بنص واضح صريح غير قابل للتأويل، ليبدأ فصل جديد من فصول هذا النزاع المفتعل حيث تتعدد الإختيارات و التقديرات و يبقى الهدوء الإستراتجي و الثبات الإنفعالي سيد الميدان.

إرادة الإعمار و البناء تمثلت في تعليمات أمير المؤمنين بعد أسبوع من إنتهاء العملية العسكرية ببناء مسجد جامع كبير في منطقة الكركرات كدلالة على السيادة الروحية للمملكة المغربية على كامل التراب الوطني و كرسالة إلى كل من يهمه الأمر بأن إمارة المؤمنين كمؤسسة تحمي الأمن الروحي للمملكة تسير بثبات إلى جانب الحزم المغربي في حماية التراب الوطني ضد كل المؤامرات و الإختراقات المتطرفة لمخيمات تندوف حيث تنشط الجماعات الإرهابية التكفيرية و الميليشيات الشيعية بفكرها الصفوي التوسعي.

إنتصار المغرب في معركة الكركرات عسكريا و سياسيا يمكننا إعتباره هدية مجانية قدمها المغرب في طبق من ذهب لنظام الجنرال محمد ولد الغزواني، هذا الإنتصار حرر موريتانيا من تهديد البوليساريو للأمن الإقتصادي الموريتاني، كما أنه أعطى لموريتانيا حرية أكثر في الإنتقال بين المحاور الجيوسياسية في المنطقة لأن تأمين المغرب لمعبر الكركرات الدولي بعملية عسكرية هو تحرير لموريطانيا من وصاية ميليشيا البوليساريو الإرهابية.

و جاء كتذكير للجميع بأن المغرب كقوة سياسية و عسكرية له الكلمة العليا في الأقاليم الجنوبية شرق الجدار و غربه و لايمكن للجبهة الإنفصالية تهديد الأمن القومي للمغرب سواء في حدوده الأمنية أو حدوده التاريخية.

كلنا نتذكر التصريحات الإستعلائية من داخل موريتانيا لمجرم الحرب إبراهيم غالي عندما هدد الشعب الموريتاني بأنه سيدفع الثمن غاليا و أنه المتضرر الأول في حالة عودة البوليساريو لحمل السلاح و إندلاع حرب في المنطقة.

اليوم المغرب بعد أكثر من سنتين على تأمين المعبر الدولي الكركرات و إعلان البوليساريو العودة الوهمية للسلاح إقتنع العالم بأن المغرب يسيطر بشكل تام على حدوده الأمنية.

كما أن تحمل الجيش الموريتاني مسؤوليته بعدم السماح للعناصر الإرهابية الإقتراب من المعبر إنطلاقا من شمال موريتانيا تظهر لنا ملامح موقف موريتاني جديد يتشكل بهدوء و بروية قد ينتهي بمواقف أكثر براغماتية و أكثر واقعية.

هذه التطورات الميدانية و السياسية أصابت ميليشيا البوليساريو و مشغليها بالإحباط و السعار مما إستدعى التهديد و التلويح بإستخدام أسلحة نوعية متمثلة في أسلحة إيرانية و هو ما رد عليه المغرب بحزم من خلال تصريح السيد عمر هلال الممثل الدائم للمملكة المغربية بالأمم المتحدة بأن المغرب سوف سيفرض سيطرته على المنطقة العازلة بالكامل في حال إذا تم تسجيل إستخدام الطائرات المسيرة لمرة واحدة​ فقط و أكد أن ان عواقب وخيمة ستقع بالمنطقة مضيفا بان المغرب سيتصرف بقوة إذا تم استخدام الطائرات المسيرة من طرف البوليساريو.

المملكة المغربية حاليا تقوم بالعديد من المبادرات الرامية لربط الكركرات بالنسيج الوطني حيث تم ربطها بالشبكة الوطنية للكهرباء بالإضافة لقرار وزير التجهيز بربط الكركرات و الداخلة بطريق سريع كلها مؤشرات تدل على رغبة المغرب في تحويل المنطقة إلى مجمع لوجيستيكي عملاق للنقل البري بين قارتين و سوقين عالميين قد يتجاوز عدد سكانهما مليار و نصف نسمة.

عملية الكركرات حددت ملامح إستراتيجية مغربية واضحة الملامح في مايخص رؤية المغرب كدولة – أمة للنزاع في الأقاليم الجنوبية حيث إعتبرها الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 65 لثورة الملك و الشعب في 20 غشت 2022: ” أوجه رسالة واضحة للجميع : إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات.” انتهى الإقتباس .
هي رسالة مسؤولة واضحة من المملكة المغربية بأن قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية بالنسبة للمغرب في علاقاته المستقبلية و الحالية مع باقي دول العالم يحب أن تكون عابرة للمواقف و لا تتأثر بالظروف الإقليمية، ولا بالتطورات السياسية الداخلية أو التغيرات الجيوسياسية والإنتخابية للدول الشريكة و الصديقة أو تلك التي تريد الإنخراط في شراكات مستقبلية للمغرب .
الموقف من الوحدة الترابية للمملكة المغربية اليوم أصبح محوريا في السياسة الخارجية و عاملا أساسيا لطبيعة العلاقات الديبلوماسية بمختلف أشكالها للمغرب مع باقي دول العالم و “بشكل خاص من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل.” نص الخطاب الملكي .

المملكة المغربية كقوة إقليمية في منطقة غرب المتوسط و شمال غرب إفريقيا و الساحل وكشريك أساسي في الحفاظ على الأمن الإقليمي بتعدد المخاطر و التحديات تفرض رؤيتها الخاصة المرتبطة بسيادتها الكاملة و بأمنها القومي و الأمن الإقليمي ، و لن تسمح لأي جهة بالعبث معها أو التلاعب بموقفها من الصحراء المغربية لإبتزاز المغرب و فرض أجندتها الخاصة عليه .
مجموعة من الدول مطالبة اليوم بتقديم موقف واضح صريح و مسؤول بشكل جدي و بدون مواربة و غير قابل للتأويل حول الوحدة الترابية للمملكة المغربية لأنها أصبحت تشكل منعطفا أساسيا في ترسيخ المسار الديبلوماسي مع أي دولة في العالم ، المنطقة الرمادية أصبحت متجاوزة و المواقف المرتعشة غير مقبولة من طرف العاصمة الرباط ، اليوم هناك واقع جيوسياسي جديد تكرسه الوقائع على الارض تتمثل في نجاعة مسار ” دبلوماسية القنصليات ” التي أصبحت ورقة أساسية في ترافع المملكة المغربية من أجل الدفاع عن وحدتها الترابية.
جلالة الملك أكد على ضرورة تقوية الجبهة الداخلية من أجل الدفاع عن وحدتنا الترابية و لن يتأتى لنا ذلك إلا بالإنخراط الجدي و المسؤول للقوى الحية في المجتمع المغربي، من أحزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني، من أجل التعبئة الشاملة للتصدي لكل مناورات خصوم الوحدة الترابية.
ساعة الحسم السياسي مع ميليشيا البوليساريو الإرهابية أصبحت قريبة جدا ..و حقيقتها كجماعة إرهابية أصبح من الصعب إخفاؤها بالشعارات الرنانة و الأكاذيب و التضليل و الحروب الإعلامية الفاشلة ..
اليوم المملكة المغربية تقدم في الأقاليم الجنوبية نموذج تنموي رائد إنتقل بحواضر الصحراء المغربية من مداشر صغيرة و خيام في الصحراء إلى مدن عصرية ببنية تحتية متكاملة و مستدامة و موانئ و مطارات دولية تضع الإنسان كأولوية أساسية في التنمية حيث إستطاعت المملكة المغربية بعد ثلاث سنوات من عملية الكركرات الحفاظ على قواعد الإشتباك الإقليمية التي فرضتها بقوة الجدار المغربي المحافظ على الأمن القومي و المصالح العليا للشعب المغربي حيث يخطط المغرب إلى تحويل الصحراء المغربية إلى معبر لوجيستكي أطلسي عملاق عابر للقارات مما سيجعلها أحد الوجهات الإستثمارية الجذابة عالميا مستفيدا من إستقرار الأقاليم الجنوبية في ظل محيط إقليمي متقلب و هو ماعبر عنه جلالة الملك محمد السادس في في خطاب الذكرى 48 للمسيرة الخضراء 6 نونبر 2023 قائلا : ” غايتنا أن نحول الواجهة الأطلسية، إلى فضاء للتواصل الإنساني، والتكامل الاقتصادي، والإشعاع القاري والدولي.” إنتهى الإقتباس

أخيرا ملحمة الكركرات لم تكن فقط عملية عسكرية ببعد أمني و عملية تطهير و تأمين للمعبر الدولي الحدودي من شرذمة من المرتزقة من عناصر الميليشيا الإنفصالية، بل كانت معركة بين الخير و الشر ، بين إرادة الأمن الشامل و البناء و التنمية و دعوات الخراب و الدمار و الإرهاب، ملحمة الكركرات هي جزء من صيرورة نضالية خاضها الشعب المغربي بقيادة المؤسسة الملكية منذ آلاف السنين لتحصين وحدته و نشر قيمه و بناء حضارة مغربية متفردة بكل مكوناتها

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button