التعلق كحالة نفسية واجتماعية
بقلم /الدكتور سدي علي ماءالعينين
تعلم ان حجم الصدمة في خسارة أمر او إمرئ يكون بحجم التعلق ، او حجم تعليق الآمال عليه . والحياة صدمات، فليس كل ما يتمناه المرء يدركه. خاصة إذا كان المتمنى عند غيرك وليس بين يديك وفي استطاعتك .
قد تكون صاحب وكالة للنقل ،و ترسل على رأس كل ساعة حافلة الى جهات ووجهات مختلفة ، لكنك واع ان الوصول والعودة ليس بيديك ،فلا انت بسائق ولا بمساعده ، ولا انت اعلم بالطريق وعواقبه ،وقد تكون زوجا او زوجة ، و بنيت أسرة ،وكونت عشا ، و انجبت اولادا ،لكنك مؤكد لا تضمن استمراره الى الابد ، فقد يتعب الرفيق كما الرفيقة في الطريق ، فيكون الطلاق والانفصال ، و تكون صدمتك بحجم عشرتك و طول زواجك .
وقد تكون موظفا مسؤولا على مصلحة افنيت فيها عمرك ،تعرفها وتعرف تفاصيل دهاليزها ، ويوم تفارقها تكون الصدمة على حسب ظروف الفراق ،فإن تقاعدت تكون صدمة الفراق مهيئ لها على انها امر محتوم ، لكن إذا ما تم الإستغناء عن خدماتك قبل التقاعد ،وبعد سنوات من العمل فإن حجم الصدمة يكبر.
فموضوع الصدمة لا يمكن تفكيك اسراره مالم يتم وضع التعلق في ميزان الحالات والظروف المحيطة بالصدمة . فتعلقنا بالامور و بالناس هو كنه العلاقات الإنسانية ،ومن لا يتعلق بما حوله لن يحس بالانتماء ،ومن لا يتعلق بغيره لن يكتشف الحب و المحبة.
وهناك حالات يكون فيها التعلق بما ليس لك ،او الإبقاء على التعلق بأمر كان بين يديك و اصبح لغيرك ، او اصبح بين يدي غيرك الى أجل او حين او الى الأبد . وهناك التعلق المستحيل ،حين تفتح لنفسك حق ان تهوى و ترغب و تتمنى و تريد ما ليس واقعيا ولا ممكن التحقق .
ورغم تقدمنا في العمر لازلنا نعيب على الطفل تعلقه بلعبة ،او برغبة خروج مع الاب ،او بحضن الام في فراش الزوجية ، لكننا نكتشف أن ذلك التعلق الطفولي لا يغادرنا ،بل يبقى مسكونا بين ضلوعنا ،كلما كبرنا و تعاشرنا وعشنا و تواصلنا كلما زاد سلوك التعلق بأمر او بإمرئ…فهل هذا معناه اننا من المفروض علينا التحكم في هذا التعلق و عقلنته و جعله واقعيا ؟في تقديري ، إن كان امرا بين يديك و اصبح لغيرك ولازلت متعلقا به ،فقد يكون وفاء منك مقابل خدلان من الطرف الآخر ، لكنه تعلق بوعي ، فلا تحاول انتزاعه من غيرك ولكن تعيش على ذكراه ،فيكون تعلقك بالذكريات اكثر من تعلقك بالشخص نفسه او الأمر ذاته .
و إذا كان أمرا خططت له و فشلت وعاودت الكرة اكثر من مرة ولم تصل إليه ، يصبح التعلق مع مرور الوقت تعلقا بالرغبة في الوصول إليه اكثر من الرغبة فيه .والعكس ايضا ، فأمر ألفت الحصول عليه ككأس بطولة ،او إمتياز عمل ،أو خدمة عمومية او خاصة ، و أصبح أمرا مألوفا لديك و تعلقت به ، لكن فجأة او حسب الظروف استعصى الحصول عليه ، هنا ينتابك شعور بالحرمان من امر تعلقت به رغم انه ليس ملكك.
التعلق لا يكون مخططا له مسبقا ،ولا هو نتاج عملية حسابية يكون فيها رقم اثنان نتيجة لعملية واحد زائد واحد ، التعلق هو نتيجة تراكم و عشرة و معاشرة ، هو نتيجة التحام وانسجام ، هو حالة نفسية تعكس الرضى عن الشيئ عكس النفور منه وتركه .
فهل التعلق دائم و مسترسل ،؟ ام متقطع وظرفي ؟يقولون ان القريب من العين قريب من القلب ،وانك كلما خلقت مسافة بعد وابتعاد عن كل ما تعلقت به وإلا ومنحت نفسك فرصة فك لهفة التعلق و شغفها وتحولها الى مجرد ذكرى جميلة تستعيدها في كل مرة ،لكنك حتما لن تنساها لانها محفورة في ذاكرتك .
نحن امام مفهوم يتعمد الناس ربطه بالعلاقة بين ذكر وانثى ،لكن التعلق كما ورد في فقرات سابقة يكون إتجاه أمر او إمرئ ، يبدو ان أبسط مثال يمكن ان يعكس دلالات التعلق في ابهى صورها ،هو التعلق بالصلاة ، فتصبح في حياتك عادة يومية ما إن ينقطع حبل وصالها وتنقطع عنها إلا وأحسست بشعور العاشق البعيد عن معشوقته ،شعور الأم المفارقة لصغيرها …ويبقى أصعب أشكال التعلق ،ان تتعلق بمن لا يريدك او لا يحس بك ،او لا يعيرك إعتبارا ، أو حتى لا يعرف بوجودك ،كتعلق الشباب بالمشاهير .
التعلق حالة نفسية يمكن علاجها ،لكن آثارها تبقى محفورة في الذاكرة و في القلب و في الوجدان .نعم تنقطع كل الروابط ،لكن خيطا رفيعا لا ينقطع هو ما يجعل التعلق لا يموت ،و هذا الخيط لا احد يعرف اين يبدأ ولا أين ينتهي ، ولأنه مجهول فهو يغذي و ينمي التعلق ولو كان تعلقا “بالحبال الدايبة” على حد قول إخواننا المصريين .
التعلق بامر مستحيل تحققه او بإمرئ يستحيل وصاله هو وفاء ، وحفظ للذاكرة ، لذلك أحسنوا خاتمة ارتباطاتكم، ليس لتتركوا خط الرجعة ،ولكن ليكون لطعم التعلق بعد الفراق حلاوة لا يقرأ خباياها إلا من داق القرب و البعاد .فهل تعتبرون ؟