أخبارثقافة و فن

مشروع تنويري متطلع لبناء مستقبل مشترك

*عبدالله العبادي

لا يجادل اثنان في كون العمل السياسي منذ الاستقلال إلى اللحظة، شابته العديد من النواقص والمشاكل الهيكلية والتنظيمية، يرجع ذلك أحيانا لمفهوم الدولة العميقة وتأثيرها على الممارسة السياسية برمتها، وأحيانا للعقليات الحزبية والقيادات المنتخبة وطريقة اشتغالها في الزمان والمكان. كلها أمور جعلت المشهد السياسي ضبابيا لعقود من الممارسة السياسية العقيمة، التي لم تنجب لحد الآن مشروعا تنمويا وطنيا واضح المعالم.

عبدالله العبادي

الحركة التصحيحية التي يجب أن تنبثق اليوم، في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها العالم، ضرورية لمواكبة التغيرات الجيوسياسية التي تعيشها المنطقة أيضا، والتحولات الكبيرة التي يمكن أن تحدث. الحركة التصحيحية يجب أن تتجاوز الإيديولوجيات المتآكلة التي لم تعد سوى تجارة الأحزاب السياسية الفاشلة، وأن تتجاوز الصراعات الانتخابية حول السلطة، بل تسعى وتهدف لترسيخ عمل سياسي واضح يهف لبناء الوطن والمواطن قبل كل شيء.

يجب أن تتحقق القطيعة التاريخية مع الريع والفساد السياسي الذي ساد لعقود وأجل كثيرا بناء المجتمع المنشود وإجهاض كل محاولات التغيير من أجل بناء مجتمع سوي. المجتمع المغربي كباقي المجتمعات العربية سادته العديد من الشعارات والأفكار منذ الاستقلال، التي لم تلاءم واقعنا ولا ضرورات مجتمعنا ولا حقائق أوضاعنا. فانتكست السياسة والعمل السياسي باشتراكية عرجاء أو رأسمالية متوحشة وصولا للإسلام السياسي بكل أشكاله، أطياف متنوعة لم يجني منها الواقع سوى تأخير حصول النهضة المجتمعية المنشودة لأنها صارت شعارات تتراشق بها الجماعات الحزبية لا غير.

الحركة التصحيحية يجب أن تخلق من واقعنا، من بيئتنا، من حقيقة وضعنا وظروف عيشنا، ولا يجب أن تكون نموذجا مستوردا لنظام سياسي نجح في مكان ما. نجاح مشروعنا رهين بمدى واقعيته وعلاقته بالأرض والتاريخ والجغرافية والهوية، رهين بمدى فهمنا للصيرورة التاريخية لمجتمعنا وثقافتنا والفعل السياسي الذي واكب هذه التغيرات، ومحاولة استنباط نقط القوة والضعف في هذا المسار ومحاولة تصحيح الهفوات والاستفادة من الأخطاء التي ارتكبت، ليكون مشروع الحركة التصحيحية واضحا ومتينا.

الحركة التصحيحية يجب أن تهزم الأنا والمصالح الضيقة، ومصالح القوى الحزبية وثقافة الفساد، لتكون تعبيرا صريحا لتطلعات الشعب وأمنيات المجتمع وتنمية للفكر والفرد وتنويرا للعقل واستثمارا في الإنسان. كم هي الضرورة ملحة اليوم لندرك حاجتنا لمشروع تنموي جاد وحقيقي يعانق بنا العالم المتحضر الحداثي التقدمي على أساس معايير أخلاقية قيميا وفكريا، ومبادئ أساسية للعمل السياسي الناضج بسواعد جديدة ودماء جديدة وطاقات وكوادر شابة من شرفاء الوطن ومن يحملون هم هذا المجتمع وهذه الرقعة الجغرافية.

تبدو هذه المبادئ أساسية لقيام المشروع الجديد، الهادف لتصحيح الوضع القائم والذي لم يعد يستحمل الحلول الترقيعية بل صار واجبا القطيعة مع الماضي وبلورة فكر جديد يتماشى ومفهوم الدولة الجديد الذي يجب أن نتبناه لتحقيق الدولة والمجتمع المأمول.

ومن ركائز المشروع النهضوي المجتمعي الجديد الذي تهدف إليه الحركة التصحيحية، قيام نظام ديمقراطي بعيدا عن الاستبداد والفساد، تحقيق حرية واسعة النطاق فيما يخص الرأي والتعبير والعمل على نشر العدالة الاجتماعية والمساواة ومحاربة الفوارق الطبقية والقضاء على كل أنماط الهشاشة.

العمل المستمر والدائم على تحقيق الدولة المواطنة التي ترعاها المؤسسات الفاعلة، لتكون دولة مواطنين منفتحة على العالم متعددة الهويات والروافد، في احترام تام للمواطن وتعزيز حقوقه وواجباته. الحركة التصحيحية يجب، إذن، أن تكون ثقافة نهضوية وتربية أخلاقية وتاريخ وعيش مشترك وانتماء حقيقي للجغرافيا وفهم جيد للتاريخ وتطلع حقيقي للمستقبل المشرق.

الحركة التصحيحية مشروع تنويري ملهم لكل الرؤى السياسية، الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع المتطلعة لبناء مستقبل مشترك تختفي فيه التعصبات المذهبية والعشائرية والهويات القاتلة والاستبداد السياسي.

**كاتب صحفي

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button