المفكر المدجن والمثقف المستقر
مشكلتنا اليوم، هي غياب المثقف المنتج للثقافة، المنتج للمشاريع الفكرية، لصالح وجوه تافهة تتصدر المشهد، وتقود النقاش العام، وهي خاوية الوفاض من أي مضمون فكري وأخلاقي. كائنات كرتونية، صاروا يشكلون خطرا حقيقيا على القيم والمبادئ والوجود الإنساني.
بقلم / عبدالله العبادي
في خضم هذه العاصفة من اللامنطق، ومن اللايقين، يظهر أن المثقف الحقيقي في طريقه للانقراض بسبب سطوة اشباه المثقفين، ومدعي الفكر، الذين يؤتتون المشهد العام بدون مهنية ولا مصداقية، على الرغم من أن الثقافة عالية الجودة تتطلب بالضرورة مثقفين رفيعي المستوى حتى لا تتعرض للبؤس، بسبب اندفاع مدعي الفهم لميادينها الفكرية والأكاديمية وممارسة التفاهة في التعاطي مع الشأن العام..
وحين نمارس حقنا السوسيولوجي في التساؤل وحقنا الإعلامي في البحث، يرعبنا هاجسين عميقين، الأول غياب البوصلة الفكرية اليوم، والثاني إشكالية انحصار العمل المؤسسي.
سؤالين بالغي الاهمية، اذا ما اردنا تشخيص المرض الفكري المعاصر، الذي صار إما خادما للامبريالية والمصالح الدولية، متمثلا في مراكز ابحاث كما هو الحال بالغرب، أو تحول المثقف في باقي البلدان إلى موظف في مؤسسة بحثية بعيدا عن الواقع وبعيدا عن الإعلام وغير معني بالعراك السائر يوميا بالمجتمع.
فالدول اتجهت، في منحى تسطيح صورة المثقف، تقزيم القدوة، ضرب التعليم، وتسطيح المفاهيم والأعمال الفكرية، وغيرها من المشاريع الثقافية، وفي المقابل دعم المغنيين ونجوم كرة القدم باعتبارهم موديل ونماذج يحتذى بها والاعتماد عليهم في تشكيل وعي الشعوب، وهنا الطامة الكبرى. فتكون النتيجة مجتمعات بمفاهيم سطحية، بلا وعي ولا ذاكرة ولا عقل نقدي.
المجتمعات اليوم، بحاجة لمثقفين يمتلكون الرؤية الواضحة، والاهتمام بالقضايا العامة، وامتلاك الأسئلة والحلول للقضايا العالقة. إذ يجب تطوير الحياة الثقافية في المجتمع ككل، نحن بحاجة إلى مناظرات فكرية على درجة عالية من الجودة في المؤسسات الثقافية والمدارس والجامعات، وفتح نقاشات عمومية، بكل جرأة ومسؤولية، فالمفكرون أناس يحملون إمكانات معرفية مهمة، يجب استثمارها بشكل كبير.
فالمثقف، ببساطة، معناه، أن ينخرط اجتماعيا في محيطه، في بيئته، أن يحاول التغيير نحو الافضل، وأن يمارس حقه الفكري، فهو يعيش من أجل الأفكار ويجب أن يؤثر في مجتمعه، والانخراط في المسؤولية المجتمعية واتخاذ المواقف اللازمة.