أمنة برواضي في حوار “مع الناقد “(أسئلة الباحث العربي )
الحلقة 17 الجزء الثاني. مع الأستاذ الباحث محمد امحيندات.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أولا أرحب بكم وأشكركم على تفضلكم بالموافقة على الإجابة على أسئلتي
ليكن أول سؤال:
- من هو محمد امحيندات؟
- الشكر موجه لكم أستاذة أمنة على مجهوداتكم النيرة للإعلاء من شأن الثقافة والإبداع في عصر عمت فيه التفاهة، وتفشى فيه الخمول والكسل.
محمد امحيندات شخص شغوف بالأدب، ومتعطش للإبداع منذ نعومة أظافره، ولدت في مدينة صغيرة اسمها أكنول شرق المغرب عام 1996، فيها نشأت وتربيت على التأمل في جبالها الراسية وطبيعتها الخلابة الساحرة.
حاصل على شهادة الماستر في السميولسانيات وتحليل الخطاب وباحث بسلك الدكتوراه تخصص اللسانيات العربية المقارنة.
أعمل أستاذا للغة العربية للناطقين بغيرها في المعهد العربي الأمريكي للدراسات اللغوية بمدينة مكناس. مهتم بكتابة الشعر ، وفائز بالعديد من المسابقات الوطنية والدولية، ومشارك في العديد من الأمسيات والمحافل الشعرية الوطنية والدولية، ولي مخطوط ديوان جاهز للطبع.
صحيح لا زلت في أول الطريق لكن خطواتك ثابتة، وهناك عزيمة قوية ماذا يمكنك أن تقول لنا عن مسيرتك الإبداعية؟
- صراحة الحديث عن مسيرتي المتواضعة جدا يجعلني أستحضر تلك الدهشة الأولى التي طالما اعترتني وأنا أنظر لكل ما يحيط بي بعين منفلتة صوب الطبيعة والوجود، أجدني حائرا في أحايين كثيرة وتائها تارة ثانية، تربيت في محيط شبه منعزل جعلني مهووسا بالطبيعة والوجود مرفوقا بالصمت التام، كانت هذه البواعث الأولى التي اكتشفت عبرها دهشتي الأولى، بعدها تحولت النظرة المرفوقة بالصمت إلى محاولات أولى أعبر بها عن ما يختلج دواخلي، ويكسر صمتي الدفين الذي طالما كان مرافقي وأنيس وحدتي الأول.
هناك وجدت ذاتي المنفلتة من العالم الكائن إلى العالم الممكن، ركزت بعدها على إخراج ما يكنته دواخلي للوجود في أسطر مشتتة تحتاج إعادة الترتيب والصقل، جاءت بعدها مرحلة تحول آخر كان فيها لسلطة اللغة نصيب الأسد، ولعلها ليومنا هذا هي التي تعبر عن ما تسمح به حدودها، أما نصيب الصمت فقد تركت فراغه للآخر ليسهم بدوره في إتمامه. هذه هي تجربتي باختصار.
لا زلتم في بداية مشواركم الإبداعي، وقد كلل بعدة نجاحات. ترى هل واجهتكم صعوبات وعراقيل؟
- إن أعظم صعوبة قد تواجه أي شخص بدأ في بناء مشواره الإبداعي هي خيبات الأمل التي يتلقاها من قارئ لا يعطي للنص نصيبه من الاهتمام، وكلنا ندرك مكانة الشعر بين الأمس واليوم في ظل الثورة الرقمية التي أشعلت فتيل الكسل فينا وقتلت فينا حاسة التذوق الذي ارتبط بالأسماء أكثر من النص للأسف. فضلا عن عدم إتاحة فرص حقيقية للشباب المبدع ليبصم بصمته في محيطه الاجتماعي، ويصقل تجربته الإبداعية ويطورها. لذلك، أجد أن الشعراء الشباب لم تتح لهم الفرص الكافية للتعبير عن ما يكتنه دواخلهم، ولإبراز ما تجود به قريحتهم، وهذا يعود بطبيعة الحال للقارئ أولا الذي يجب ألا يقتصر، في نظري، على أمجاد الماضي وأن ينفتح على المستقبل الإبداعي الذي يبصمه الكثير من الشعراء الشباب الذين يعملون جاهدا على تطوير أنفسهم، ولا يمكن أن نتحدث عن التطور من دون تلقي.
لكم حضور في الساحة الثقافية وعضو بمجموعة من المواقع الالكترونية: – مدير نشر مجلة امتداد للثقافة والفن بمدينة تازة المغرب. – عضو بمبادرة غلمان الأدب المصرية، صنف الشعر (مصر). – عضو بالرابطة الموريتانية للأدب والثقافة (موريتانيا). – عضو بأكاديمية الفينيق للأدب العربي (الأردن). – عضو بالعديد من المدونات الإلكترونية الثقافية الوطنية والدولية. كيف يمكن التوفيق بين التحضير لرسالة الدكتوراه، وما تشرفون عليه من خلال عضويتكم في العديد من المدونات السالفة الذكر وبين الإبداع ؟
- صراحة هذا يطرح تحديا حقيقيا بالفعل، أول تحدٍ هو تخصصي العلمي الدقيق والبعيد كل البعد عن مساري الإبداعي الذي يجعلني دوما بين مطرقة لغة إبداعية منسابة وسندان لغة تقنية علمية دقيقة. أضف إلى ذلك تحدي الموازنة بين العمل والإبداع. لكن بالرغم من كل ما سلف ذكره أجد دوما في الإبداع ذلك الملاذ الآمن الذي يأخذني من عالم ضغوطات الحياة وهمومها إلى عالم رحب يتجاوز ما هو كائن إلى ما هو ممكن.
سؤال مرتبط بما سبق، ماذا تضيف لكم العضوية في مثل هذه المدونات الإلكترونية؟
- أكيد، فهي تجعلني أنفتح على أصوات شعرية بارزة في الوطن العربي، فضلا عن إتاحة فرص ثمينة لتطوير كتابتي والاستفادة من آراء ونصائح شعراء كبار لهم تجربة مميزة ومسار إبداعي حافل، كل هذا يحفزني على تطوير نفسي وقدراتي والاستفادة من ملاحظاتهم ونصائحهم التي تسهم في تطوير مساري الإبداعي للأحسن.
أستاذي الفاضل أحرزت أعمالكم الإبداعية على مراتب مشرفة:
- المرتبة الأولى في المسابقة الوطنية “شغف الكتابة” صنف الشعر المنظمة من قبل “جمعية رواد للتغيير للتنمية والثقافة” في إطار النسخة الثانية للمعرض الجهوي للكتاب المستعمل، بدعم من وزارة الثقافة وبشراكة مع جماعة وجدة، سنة 2021.
- فائز بالمرتبة الأولى في المسابقة الأدبية الوطنية التي قام بتنظيمها “منتدى الإبداع” بالمغرب صنف الشعر سنة 2021.
- فائز بالمرتبة الأولى في المسابقة الشعرية الدولية “دروب القلم” المنظمة في باريس من طرف المجمع الدولي للآداب والفنون البصرية والمنظمة الدولية للثقافة والتنمية وحوار الحضارات سنة 2021.
- فائز بالرتبة الثالثة في المسابقة الدولية الشعرية الشبابية العربية المنظمة في تونس من قبل المركب الثقافي محمد الجموسي والمقهى الأدبي عبد الرزاق نزار. سنة 2021.
- مؤهل للقائمة الطويلة للمسابقة الشعرية الدولية “تلك الأشعار” المنظمة في الصين من طرف موقع تلك الكتب. سنة 2021.
- فائز بالمرتبة الأولى في المسابقة الشعرية “تجارب شعرية”، المنظمة من طرف المديرية الإقليمية للثقافة بتازة، سنة 2023.
- حدثنا عن وقع هذا الفوز؟ وكيف يكون شعوركم وأنتم ترون ثمار مجهوداتكم؟ وهل لهذا الفوز دافع للمزيد من العطاء؟
- أولا، المشاركة في المسابقات الشعرية تجعلك تكتشف ذاتك من جديد، وتعرف قيمة ما تقدمه للساحة الإبداعية، بالإضافة إلى الاستفادة من آراء لجان التحكيم، وملاحظاتهم التي تساعد لا محالة في التطور والتقدم للأحسن دائما.
أكيد أن الفوز له طعم مختلف يحفزك على العمل والاجتهاد، ويطمئنك بأنك تخطو بخطوات ثابتة نحو الأحسن والأفضل، هذا يجعلك بالتأكيد تتطلع للأحسن دوما وتجتهد أكثر لتظهر في أبهى صورة مستقبلا، ولتبصم على مستقبل إبداعي واعد.
لذلك، المسابقات تحفزني كثيرا وتطمئنني، وأيضا تحملني مسؤولية ليست باليسيرة لتطوير نفسي وكتاباتي مستقبلا.
هل في رأيكم الجوائز كافية لتتويج المسيرة الإبداعية والنقدية للأديب والناقد؟
- أكيد ليست كافية؛ لأنها تعرفك بمكانتك الإبداعية في الساحة الأدبية فقط، وتفتح لك آفاقا جديدة للعمل والاجتهاد. وهذا يعني أن التتويج الحقيقي للمسيرة الإبداعية لأي شاعر أو أديب يتجلى في عمله الدؤوب على تطوير نفسه، والانفتاح على محيطه الثقافي والاجتماعي لأجل بناء تجربة مميزة تعطيه بصمة خاصة تميزه عن غيره من المبدعين. هذا هو التتويج الحقيقي في نظري.
كيف يرى المبدع محمد امحيندات مشاركة الشباب في الحقل الثقافي؟ وهل من السهل أن يضع قدمه على الطريق الصحيح في ظل غياب النقد والتوجيه؟
- لقد أشرت لهذا في معرض حديثي عن التحديات التي تواجهني. صراحة أرى أن إقبال الشباب على الحقل الثقافي ممتاز، لكن المشكل الذي نواجهه هو مشكل الانفتاح؛ بمعنى، هل فعلا تتاح الفرصة لهؤلاء الشباب المقبلين على هذا العالم الرحب؟ وهل هناك فعلا امتداد لتجربتهم هذه؟ والأهم من كل هذا كله، هل هناك فعلا وعي نقدي يوجههم للطريق الذي يطمحون إلى سلكه؟ كل هذا أكيد سيكون مستحيلا من دون توجيه وإرشاد حكيم يُخلق من خلال ربط الماضي بالحاضر، وتقديم نقد بناء غير مبني على أحكام قبلية من جهة، ولا مجال فيه للمجاملة من جهة ثانية.
هل اهتمام الجيل الجديد بالإبداع بهذا الشكل الذي يبدو عليه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، قادر على أن يعطينا في المستقبل كتاب ونقاد يحملون على عاتقهم هم الثقافة في الوطن العربي؟
- أن تحمل لواء الثقافة في الوطن العربي على عاتقك مهمة ليست باليسيرة. أكيد، هذا يحتاج لجهد وعمل وكد، وهو ما لا يتاح من خلال مواقع التواصل الاجتماعي في غالب الأحيان للأسف. ففي هذه المواقع يمكن للجميع أن يصبحوا مبدعين في رمشة عين؛ لأنه في نظري هذه المواقع مبنية على الإيهام والابتذال وتسود فيها العشوائية، والحال أن المبدع الحقيقي هو من يضع نفسه أمام هاجسين؛ هاجس الإبداع المبني على قوانين نقدية صارمة لا مجال لتجاوزها، وهاجس التجربة المبنية على رؤيا واضحة للقارئ والمبدع. وهذا في أغلب الأحيان لا نجده متاحا إلا لدى القليل من رواد هذه المواقع. لذلك، أرى أن مواقع التواصل تخدم المبدع الذي يكون واعيا بهذه القناعات، وإلا فلا مجال للحديث عن نهضة ثقافية حقيقية إن بقينا على هذا الحال.
كيف يرى المبدع محمد امحيندات العلاقة بين المبدع العربي والنقد؟
- أراها علاقة مضطربة قليلا تحتاج لإعادة النظر من جديد، كون النقد هو المحدد الرئيسي للإبداع، ومن دونه لا يمكننا أن نتحدث عن إبداع حقيقي؛ لأن الهدف الأسمى للنقد هو وضع شروط دقيقة تحدد المعنى الحقيقي للإبداع وشروطه قبل الحديث عن قراءته وتلقيه. لذلك، أرى أنه من الأهمية بمكان إعادة النظر في هذه العلاقة وأخذها بعين الاعتبار إذا أردنا بناء مستقبل إبداعي رصين.