أمنة برواضي في حوار”مع الناقد” (أسئلة الباحث العربي)
الجزء الثاني (الحلقة 18) مع الناقد والأديب والفنان التشكيلي عبد المجيد بطالي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أولا أرحب بكم وأشكركم على تفضلكم بالموافقة على الإجابة عن أسئلتي.
ليكن أول سؤال: من هو عبد المجيد بطالي؟
- سعيد جدا باستضافتكم لي في هذا اللقاء الأدبي والثقافي الشيق، ممتن لكم جدا بهذه الالتفاتة الطيبة لمحاورتي حول بعض القضايا الإبداعية، التي أثارت اهتمام الكتّاب والنقاد على السواء في مجالات الفكر والثقافة والأدب عموما.
عبد المجيد بطالي، ناسك في محراب الكتابة، مقيم في مملكة القراءة، أمتطي صهوتيْهِما لأعرج نحو معالم الجمال، أتطلع إلى آفاق الإبداع اللامتناهية، طالبا المزيد من قَطْر العلم، باحثا بين دروب المعرفة والبيان.
عبد المجيد بطالي مواطن مغربي من مواليد مدينة الدار البيضاء، أستاذ اللغة العربية (متقاعد)، أديب وناقد وفنان تشكيلي… عشقت الإبداع منذ طفولتي الأولى وأنا لازلت في مرحلتيْ الابتدائية والإعدادية من التمدرس.. ثم ما لبث هذا الفعل الإبداعي يتطور مع الزمن، خصوصا وقد شجعني عليه أساتذتي المحترمين الذين درسوني في هذه المراحل المتقدمة.. وتفاصيل أخرى تتعلق بمساري الإبداعي يضيق المجال هنا للحديث عنها.
صدرَ لي في الشعر، ثلاثة دواوين شعرية هي، (رواء الروح – في ظلال سدرة الوجد – معارج الإشراق) ومجموعة في القصة القصيرة جدا بعنوان، (جداريات بألوان البوح)، وأربعة كتب في النقد وهي، (النص المشتعل وتوهج المعنى في جزأين، وخطاب الومضة القصصية.. والبنية والدلالة في الخطاب السردي..)
أستاذي الكريم لكم عدة إصدارات في النقد منها: – (النص المشتعل وتوهج المعنى.. قراءة نقدية تأويلية في شعر د. أحمد مفدي) الجزء الأول. – (خطاب الومضة القصصية) التصور والإنجاز دراسة تشريحية، الجزء الأول – (البنية والدلالة في الخطاب السردي – قراءات في القصة القصيرة جدا) – (النص المشتعل وتوهج المعنى – موسوعية المنهل وكونية الرؤيا في شعر د. أحمد مفدي) كما لكم أعمال أخرى مشتركة.
من موقعكم كناقد كيف ترون مستقبل النقد مع كثرة الإصدارات الأدبية؟
- صحيح أن هناك إصدارات أو إنتاجا أدبيا أكثر، مقارنة مع إنتاج الخطاب النقدي، ومن هنا يمكن إعادة طرح السؤال على هذا المنوال، هل النقد يساير الحركة الإبداعية ومن ثم تأطيرها؟
لا غرو إذا قلنا: إن كثيرا من الدراسات النقدية لا ترقى إلى الفعل النقدي، ولا تسمو إلى القراءة الفاحصة المرتكزة على ضوابط النقد الممسّكة بعرى الرؤية والمنهج وآليات التأويل، والمسلحة برؤيا أعمق في البعد التفسيري للظواهر الأدبية المعتمدة على تشرب الناقد لشمولية المعرفة بالمناهج المتعددة، (فلسفية ومعرفية وبنيوية وتفكيكية وتأويلية وسيميائية… وغيرها) ومن هنا يمكن القول إنه على الناقد أن يسعى إلى الوقوف على أرضية صلبة سليمة في التعاطي مع النص الأدبي، وسبر أغواره وكشف أسراره دون المساس بخِلقته الإبداعية والأدبية، أو إضاعة متعته الجمالية، حتى يتحقق في الساحة الأدبية إنتاج أدبي جيّد يرقى بلغتنا العربية إلى العالمية.. فليس كل ناقد قادرًا على تفسير وتأويل النصوص الأدبية، ما لم يكن خبيرًا بأدوات اشتغاله.
أستاذي الكريم ما هي المواصفات التي يجب توفرها في العمل الإبداعي ليجد صداه عند النقاد؟
- الإبداع سابق على النقد وشرط في وجوده وجدّته. فكلما شقّ الإبداع طريقا ونهجا معينا يجد استحسانا من المتلقين، كلما اتبعه جمهور النقد بالملاحظة والتدقيق بناء على مقارنة نقدية من نوع معين. فالإبداع أحيانا يسبق نبض الواقع والمتلقين، ويأتيك من المستقبل بقبس من أنوار الفرادة والتميز، قد تفهم في حينها أو قد تحتاج إلى وقت وزمن معين حتى تستبين وتتضح معالمها بين جمهور المتلقين والنقاد معا. ومن ثم وجب على العملية النقدية المؤطرة منهجيا أن تصاحب العملية الإبداعية التي تكتمل معالمها بإنتاج النص الأدبي، لتقوم برصد جوانبه المتعددة من أجل التحليل والتفسير والتأويل والنقد والتقويم.. غير أن الإبداع الحق لا يلتفت إلى الخلف بل يصوب بوصلته نحو الأفق والمستقبل البعيد.
- كيف يرى الأديب والناقد عبد المجيد بطالي تأثير العولمة على الأدب العربي المعاصر؟ وما هي الرهانات التي يراهن عليها النقد العربي في ظل الحداثة؟
- لا شك أن للعولمة تأثير على مجالات الحياة الإنسانية عموما وعلى الأدب خصوصا، وأمام هذه الحال كان لابد للأدب العربي المعاصر أن يتأقلم مع حركية أمواج العولمة، وتحولات الحياة الثقافية، وألا يتأثر بها سلبيا. وأن يكون الأديب فطنا في اتخاذ المواقف السليمة تجاه إكراهات تقلبات الواقع وسيرورة الحياة، وما تمليه عليه حتميات العالم الجديد من قضايا وقيم مجتمعية حديثة. فالأديب المعاصر الحاذق هو من يساير الحداثة فيما هو إيجابي نافع للإنسانية دون إغفال لقيمه الاجتماعية وتراثه وهويته ووطنيته وتقاليده..، فهو الكفيل لإيصال رسالته الهادفة، ناصعة نقية للعالم على ضوء ما ينتجه من نصوص أدبية وغيرها.
أما ما يراهن عليه النقد العربي في ظل الحداثة، فإنه لا يسعني إلا أن أقول: إن أخوف ما يخاف عليه اليوم هو ظاهرة تكنولوجيا الإعلاميات التي قد تئدُ النقد أو تصيب الناقد العربي بجلطة قلم لا قبل له بها، أو قد يجهز عليه الذكاء الاصطناعي بخيله ورجله، ولا يصبح حينها (للنقد البشري) جدوى أو معنى خصوصا وأن الذكاء الآلي استحوذ على كل الميادين.
لكم إصدارات في الشعر والقصة نذكر على سبيل المثال لا الحصر: (رواء الروح) – (في ظلال سدرة الوجد) – (معارج الإشراق) دواوين شعر. (جداريات بألوان البوح) مجموعة قصص قصير جدا.
كيف للناقد أن يزاوج بين النقد والإبداع، وهل يكون النقد حاضرا أثناء الإبداع؟
- أعتقد أن العلاقة جدلية بين (الناقد المبدع، والمبدع الناقد).. لكن المبدع حينما يكون في محراب الإبداع، تكلمه الأحاسيس؛ وتنطقه الهواجس، تغمره بردة العواطف فتنطق ذاتيته بما تحس وتشعر؛ فيعبر من خلال ذلك عن آلامه وآماله، ويترجم أفراحه وأتراحه، فيكتب كل ما يجول بخاطره نصوصا إبداعية قد تكون شعرا أو سردا أو غير ذلك، خالعا جبة الناقد.. فلا يكون المبدع حالة الإبداع ناقدا، أو مستحضرا للنقد، وإلا سيشوش على العملية الإبداعية، فيخرجها عن ولادتها الطبيعية، أو يحولها عن مسارها الفني والأدبي والجمالي.. وقد يسبب موتا لزهرة الإبداع في مهدها.. ومن هنا يختلف تماما عن وجوده أمام مشرحة النقد، فيكون الناقد مبدعا وليس العكس، لأن الناقد حينما يشتغل بالنقد فهو يبدع، والنقد إبداع على إبداع، والنقد يتغذى على الإبداع باعتباره مادته التي بها يثبت وجوده في علاقة جدلية متنامية.. ومن هنا يتبين أن للإبداع حدودا ومواصفات وسمات التي بها تتحقق الأدبية وتتوطد الإبداعية، كما أن للنقد علامات ومعايير ومناهج وآليات يشتغل بها على الإبداع ليتحقق للنص الأدبي وجوده ويستقيم عوده ويسمو بها كيانه.. وعليه فإن الأديب في مجاله أديب يبدع نصوصه وينشّئها كيف يشاء على سجيته، إذْ هي مرآة لأحاسيسه وعواطفه؛ وترجمة لواقعه وحياته من خلال ما يسطره.. والناقد في مجاله ناقد رصين في تعامله مع المادة الإبداعية التي بين يديه بعيدا عن صاحبها/ مبدعها، وإلا سقط الناقد في الالتباس والشك، والهيمنة الذاتية التي تزيغه عن دوره الفاعل في الحقل الأدبي الذي من أجله وجد ليبني ويؤطر ويؤسس.. أدبا إنسانيا يسعى نحو الإجادة والأفضلية، ويسمو إلى الآداب الإنسانية والكونية.
حصلتم على العديد من الجوائز سواء داخل الوطن او خارجه تقديرا لدوركم في إثراء الحركة الثقافية في الوطن العربي. - ماذا تمثل الجوائز للأديب والناقد عبد المجيد بطالي؟ وهل الجوائز في رأيكم كافية لتتويج المسيرة الإبداعية والنقدية؟
- أجل، ولمَ لا يكون الإنسان طموحا في نيل الجوائز، أو المراتب المشرفة لإبداعه، فهي محفز معنوي يدفع بالمبدع إلى التقدم خطوات، لتجويد عمله وتحسينه، فإذا وجد المبدع تشجيعا من الناشر، إلى القارئ مرورا بالتوزيع والنقاد والجمعيات الداعمة للإبداع، وكل من يحتضن العمل الإبداعي بالاهتمام، والنقد والدراسة، والتشجيع على طباعته وتقريبه من القارئ، فلا يسعه إلا أن يبذل كل ما في وسعه، لنيل الحظوة الأدبية، وشرف الإبداع. ومن ثم تتويج مسيرته الإبداعية والفنية والنقدية وغيرها
لكم لوحات تشكيلية بالصباغة المائية / (كواش) وأخرى بالحبر الأسود الجاف حظيت بالنشر على أغلفة أعمال أديبات وأدباء. إلى ماذا يعزو عبد المجيد بطالي هذا التنوع في الإبداع؟
- يُنسبُ هذا التنوع في الإبداع أو يؤول إلى ما تضافر من عوامل في تشكيل أو تكوين شخصيتي الإبداعية، وأخص منها بالذكر شخص أبي – رحمه الله – الذي كان يحضّني على القراءة والمثابرة عليها منذ نعومة أظافري، وقد كانت بداياتي الأولى لقرظ الشعر في مرحلة دراستي الإعدادية حيث كان يشجعني أستاذ اللغة العربية على خوض تجربة الكتابة الشعرية، لكن سرعان ما خبت هذه الموهبة، لتنبعث مكانها من جديد موهبة (فن الرسم) التي كان قد غرسها في أعماقي منذ المرحلة الابتدائية أستاذي الرائع (محمد مرزاق)، الذي كان يكلفني بإنجاز لوحات فنية على ورق أبيض مقوى بألوان الشمع الزاهية أو بأقلام اللبد. وكان يوظف هذه اللوحات في دروس (المحادثة) في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، أو ما يعرف اليوم بـ (الدرس اللغوي الشفوي)، واستمرت علاقتي بالكتابة عموما وعودة التعاطي مع الشعر على وجه الخصوص، في مرحلتي الجامعية حيث بدأت تجربتي الشعرية تخرج من شرنقتها، لترسم طريقها نحو النور بخطى متئدة وثابتة متأثرا في ذلك بما تلقيناه عن المدارس الشعرية، سواء التقليدية منها أو الحداثية، فقرأت لشعراء العصر الجاهلي، والعصر الإسلامي والأموي والعباسي والأندلسي كما قرأت لشعراء التجديد (نازك الملائكة…) وشعراء الحداثة أمثال (بدر شاكر السياب، وأمل دنقل..) والقائمة طويلة.. أما ما يتعلق بمجال النقد والتعاطي معه فقد كان وراءها بالدرجة الأولى، البحث الذي تقدمت به لنيل الإجازة في الأدب العربي سنة 1986 من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وأيضا متابعتي للدراسة في السلك الأول من الدراسات المعمقة بجامعة محمد الخامس بالرباط، تخصص أدب أندلسي، لكن لا نغفل عوامل أخرى في تطوير شخصيتي الإبداعية ووضعها على محك الواقع، وتتجلى في التجارب الحياتية المختلفة بشكل مستمر، الشيء الذي ساهم بشكل أو بآخر في غزارة كتاباتي الإبداعية والنقدية على حد سواء.
باعتباركم زاولتم مهنة التدريس كيف ترون مستقبل التعليم العمومي بالمغرب؟
- مقارنة بمراحل التعليم في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وبالنظر إلى النتائج المبهرة التي حققها على أرضية الواقع وعلى المستوى الطلائعي للتعلم آنذاك، يتبين أن هناك خللا ما في المنظومة التعليمية ككل، أحدث تراجعا على مستوى نتائج التعلمات وعلى مستوى العطاء التعلّمي للمتعلم، وتمثل ذلك خصوصا في الكم الهائل من البرامج المقررة في التدريس، هذا الكم الذي أثقل كاهل التلاميذ فأفقدهم خاصية الاستيعاب المعرفي الذي أدى إلى تشتت ذهنية المتعلم، أمام تعدد المناهج وتبدل الطرق التعليمية التي أربك تنزيلها عملية التواصل بين الأستاذ والتلميذ، مما ساهم في ضعف النتائج المرجوة.
في السابق قبل تسعينيات القرن الماضي كان التعليم العمومي في الصدارة، وكان يضرب المثل بالمدرسة العمومية في برامجها وطرق تدريسها وأطرها التربوية التي كان همّها الأول التربية ثم التعليم، التربية على قيم المواطنة وغيرها.. كانت مواد المقررات الدراسية لا تعتمد على الكم، لكنها أولت أهمية للكيف الذي يلامس امتداده الواقع الاجتماعي والتربوي والوطني والقيمي.. فتخرج بذلك جيل قادر على تحمل المسؤولية المنوطة به، يعرف ما له وما عليه، قادر على مواجهة إكراهات الواقع والحياة.. وعليه أرى أن مستقبل التعليم بالمغرب رهين بإعادة النظر في المنظومة التعليمة من زوايا متعددة وشاملة، وبتكاثف الجهود المخلصة لهذا الوطن على تطوير البرامج وتيسيرها للمتعلمين قصد الاستفادة منها بالطرق المثلى للتحصيل الدراسي، والتركيز على الرسالة التربوية والتعليمية الهادفة دون الإيغال في كثرة المقررات. فالعبرة بالقليل المفيد خير من الكثير الذي يرهق عقل المتعلم، خصوصا في مراحله الابتدائية والإعدادية.
من موقعكم كأديب وناقد ما هي في تصوركم الشروط التي تساعد على إرساء نهضة أدبية وثقافية شاملة؟
- لإرساء نهضة أدبية وثقافية شاملة لابد أولا من تجديد نظرتنا للأدب في علاقته بالمعارف الأخرى المتعددة، في شمولية وتكاملية وليس من زاوية واحدة.. منعزلا في ركن ركين، فما تمليه اليوم تحولات الحياة العامة سوسيوثقافيا، وسوسيولوجيا، وأنثربولوجيا يفرض علينا بقوة مسايرة متطلبات العصر والحداثة، فيحدث بذلك تجديد وإضافات وتأثيرات على مستويات الحياة الفكرية والثقافية والاجتماعية وغيرها.. والأدب والثقافة والإبداع عموما يتأثر بهذه الإحداثيات المختلفة كباقي جوانب الحياة العامة.. لذلك لا محيد لنا عن التفكير في النهوض بمجالات الثقافة المتعددة والفكر ومدارسه برؤيا نهضوية استشرافية لمتطلبات الحاضر ومستقبله الحداثي المختلف.. ولا يتحقق ذلك إلا ضمن شروط موضوعية وأخرى ذاتية نذكر منها، التشجيع على خلق منتديات أدبية وثقافية داخل المؤسسات التعليمية وأخرى بالجامعات على صعيد التخصصات المختلفة، وفي المكتبات الجامعية لترسيخ قيم القراءة ثم القراءة، كفعل يومي باعتبارها الهدف الأسمى للحصول على المعارف والتي هي أساس كل تقدم حضاري واجتماعي وإنساني وكوني شامل.
بماذا تفسر علاقة الثقافة بالفكر وأيهما أكثر تأثيرا في الآخر؟
- يمكن إعادة طرح السؤال إشكاليا كالتالي: ما الذي يحدّد الآخر؟ هل الثقافة هي التي تؤثر في الفكر أم أن الفكر هو الذي ينتج الثقافة؟ إشكال فلسفي وفكري يحتاج منا إلى شرح مطول وهو طبعا موضوع تضاربت فيه الآراء لاختلافات في التصورات.
لكن أقول: أن الفكر من التفكر، وإعمال النظر والتدبر فيما يبدع العقل الإنساني، وينتجه من مواضيع في مجالات العلم والمعرفة والتأمل الفلسفي والتنظيري. وما إلى ذلك.
أما الثقافة فهي تقوم أو تتولى القيام بتوزيع ما أنتجه الفكر من علوم ومعارف وفنون وتاريخ وتقنيات إلكترونية حديثة وغيرها، وكلاهما (الثقافة والفكر) يسيران جدليا في خط متواز، لبناء الإنسان والسلوك والحضارة والتاريخ والمجتمع وكل ما له علاقة بهذا الكائن البشري، الذي وهبه الله العقل للتفكر والتدبر والتأمل.
نعم وإذا تأملنا في قولة الفيلسوف ديكارت (أنا أفكر إذن أنا موجود) يتضح لك أهمية الفكر على الثقافة، إذ أن أمة لا تفكر ولا تعمل على استخدام عقلها وبلورة نشاطاته الذهنية، أمة غير موجودة على حدّ تعبير ديكارت، وبالتالي فهي لا تنتج ثقافة تؤهلها إلى مصاف الأمم الراقية.
ويمكن القول بأن الثقافة تؤثر في الفكر؛ إذا كان الكائن البشري غريبا عن بيئته التي ولد فيها، وهنا تستثمر العادات والتقاليد محفزاتها لإقحام الفكر الغريب عنها ضمن بوتقتها، وبهذا يقع الفكر في حالة ما يصطلح عليه بــ (الاستلاب) وهي عملية اجترار وتكرار وتقليد لمنتوج ثقافة مستهلكة.
هناك التباس حاصل بين القصة القصيرة جدا والومضة القصصية عند بعض الكتاب، كيف تفسرون ذلك؟
- لا أعتقد أن هناك التباس بينهما عند من يبدعون في القصة القصيرة جدا أو في الومضة القصصية من المغاربة، وقد قرأت لبعض منهم قصصهم القصيرة جدا. فالمسار الأجناسي لهذا الصنف الأدبي واضح جدا، غير أن أسلوب الكتابة والتعامل مع تكوين النص إبداعيا، وبنائه بناء قصصيا يختلف من واحد لآخر، وهذا أمر بديهي جدا، وذلك لاختلاف الثقافة والفكر والمشارب والتوجهات للكاتب، لكنك تجدهم يسيرون على خط الالتزام بقواعد الكتابة في هذا الصنف الأدبي (القصة القصيرة جدا) وخاصة منها: (الحكائية والتكثيف والإضمار والمفارقة والإدهاش أو ما يسمى بتكسير أفق المتلقي).
كما أن للومضة القصصية أركانها المعروفة التي يتوجب على المبدع للومضة الالتزام بها، إذ تقوم القصة الومضة هي الأخرى طبعا على مجموعة مرتكزات أساسية، والتي بها يتم البناء المتكامل لهذا الخطاب السردي الحكائي الوامض، ومنها العنوان/ العتبة، والاختزال/ التكثيف، والمفارقة، والإدهاش، والإيحاء، والمباغتة. ويبقى الالتباس حاصلا عند بعض إخواننا في المشرق بين هذين الجنسين فيعتبر البعض منهم القصة القصيرة جدا، ومضة قصصية، بل منهم من لا يعترف بالومضة إطلاقا مع أننا أشرنا إلى أن هذا الجنس الأدبي يمتح جذوره من التاريخ والثقافة العربية في عهود زمنية قديمة.
غير أنّ الأمر لا يزال لم يحسم نهائيا وهو اختلاف قائم كنتيجة لاختلاف بين الكُتّاب في الأفكار والآراء والتصورات. - قد يكون هناك سؤال أو أكثر تودون الخوض فيه والإجابة عنه، ولكنني لم أتطرق له، أرجو أن تضعوا السؤال وتتفضلوا بالإجابة عنه؟
شكرا لكم أستاذي الفاضل، وفقكم الله في مسيرتكم
في الأخير أشكركم أديبتنا الأستاذة الفاضلة: “أمينة برواضي” على الاستضافة الكريمة، وعلى هذه المحاورة الشيقة، والتي أتمنى أن أكون قد قدمت من خلالها صورة واضحة عن شخصي وعن مجموع التساؤلات المطروحة حول قضايا إبداعية وثقافية متنوعة.