في الصميم

الوطن هو ألا يحدث كل هذا !

يجمع مفهوم الوطن، العوامل الجغرافية والفلسفية والدينية والسوسيولوجية والقانونية، إنه المكان الذي يولد وينشأ فيه الإنسان، حيث التجارب المبكرة للتنشئة الاجتماعية تشكل البداية لتكوين الشخصية والهوية.

بقلم/ عبدالله العبادي

في ظروف خاصة، يضطر البعض لمغادرة الوطن اختيارا، ليعيشوا في مكان آخر، ويشعروا أحيانا بأن موطنهم في مكانين، ثم يتحدث المرء عن هوية مختلطة. وقد يضطر الإنسان في ظل ظروف اقتصادية ومجتمعية معقدة وقاسية، إلى المغادرة تحت الإكراه، يكون من الصعب تطوير إحساس جديد بوطن غير موطنه، لكن من الممكن أن يشعر بالراحة والأمان، وهو الشعور بالانتماء إلى المجتمع.

الوطن هو جواب على سؤال الانتماء، وفقا لهذا، فإن الدولة والشعب، في أي بقعة جغرافية، تتكون من عضوية الأشخاص الذين يتحملون بناءً على النظرة العامة للظروف الفعلية المسؤولية المتبادلة، تجمعهم الخصائص الموضوعية للحياة المشتركة، ومن ثم تعد الأرض والنسب والتاريخ والدين والارتباط السياسي، أحد مصادر الهوية الوطنية.

لقد كتب الفلاسفة والشعراء عن الوطن، تحت عناوين حب الأوطان والهويات المختلفة، والتعايش، لكن لسخرية القدر أن كل واحد منهم يدفع لمسايرة أيديولوجيته وأحاسيسه، قد يصطف داخل الضمير مع المعتقدات الأخرى كالدينية والفكرية وليس التشبت بها بالضرورة.

في كثير من الأحيان، يكون المختلفون عرقيا ودينيا، إخوان في علاقتهم بالوطن، لهذا الأخير مقياس شبيه بتلك المقاييس التي تخضع له المشاعر الإنسانية، مقاييس تتفق على المبادئ الكبرى وتختلف عن تفاصيل دقيقة وبسيطة، وسواء كانت كبيرة أو صغيرة لا أحد منا يعلم سوى بعض الجزئيات بينما نترك الباقي للمجهول، هل كان بالإمكان اختبار الوطنية والهوية قبل اليوم؟

ربما يكون الجواب نعم ويحتمل الخطأ، وقد يكون لا ويحتمل الصواب، نعم حينما تتعرض قضايا الأمة لتهديدات كهجوم أو اعتداء، يخرج الناس للقيام بواجباتهم الوطنية، لكن الدفاع عن المصالح باسم الوطن قد يحتمل جزء من الخطأ، حالات الامبريالية الاستعمارية .

في جانب أخر، رواية لحديث الرسول حول مكة “ما أطيبَك من بلدٍ وما أحبَّك إليَّ ولولا أن قومي أخرجوني منك، ما سكنتُ غيرَك..” يجادل طروحات هؤلاء بل وأكد القرآن ذلك لمنع المسلمين من مجتمعات الاستبداد والطغيان الذي ينهك الإنسان. “قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا” ولدفع الناس لاحتواء الاستبداد وليس شرعنته باسم الدين كما يراه البعض.

في عالم متحول رقميا وبشكل كبير، يخضع الوطن لتشوهات كثيرة وتعريفات مختلفة في إعلام صار خارج السيطرة بامتلاك الجميع لوسائل التعبير. لكن يبقى حب الأوطان من الأيمان، إنه الملاذ والأمان والسكينة، لكنه في نفس الوقت وفي أحيان كثيرة معاناة وضجيج لا يتوقف، في شعر محمود درويش نجد هذا التناقض الكبير داخل الوطن نفسه:

عام يذهب وآخر يأتي وكل شيء فيك يزداد سوءا يا وطني

ليس وطني دائما على حق ولكني لا استطيع أن أمارس حقا حقيقيا إلا في وطني.

“ليست هناك درجات في الوطنية ولا في الخيانة، فإما وطنيا أو خائنا” انتهى الكلام

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button