أمنة برواضي في حوار”مع الناقد”(أسئلة الباحث العربي)
الجزء الثاني-الحلقة 20 مع المبدع والناقد عبد الغفور مغوار
بداية أود أن تعرف القراء من هو عبد الغفور مغوار؟
- بداية أشكر الأستاذة آمنة برواضي على الاهتمام، أرحب باعتزاز بالمبادرة الطيبة المباركة، وسأجيب عن أسئلة “الباحث العربي” بكل موضوعية وبصدق، وكلي عرفان بفضلك أستاذة للفرصة الثمينة التي هيأت لي ليتعرف عني المتتبعون الأفاضل، الأخوات والإخوان الكرام الذين أعتز وأفخر بصداقتهم.
لا أحب كلمة “أنا”، ولكن للضرورة أقول بعدها: شخص متواضع رأس مالي الأخلاق والمبادئ الطيبة التي تربيت عليها، مخلص لها، غيور على عروبتي وديني، مهتم بالمجال الثقافي بل مقبل بنهم على النهل من بحور المعرفة بكل أصنافها، عملا بالأمر الرباني “اقرأ”. شغوف بالأدب والفلسفة. دراستي في مرحلة الثانوي كانت علمية، ورغم ذلك كنت مهتما بالمجال الأدبي، ولعل الشعر الجاهلي هو من جذبني لمحبة الشعر ومحاولة كتابته في سن متقدمة. كان حلمي قبل التحاقي بالجامعة أن أدرس السينما بروسيا، فلم تمش الأمور كما كنت أتمنى لظروف خاصة، فالتحقت بكلية الآداب لميولي الشديد للمجال الأدبي، وبما أن مستواي في اللغة الفرنسية كان أحسن من مستواي في اللغة العربية آنذاك، فضلت اللغة الفرنسية وآدابها. فكانت فرصة للتبحر في الميدان الأدبي والانفتاح على مدارسه العالمية الشامخة. لم ينحصر تكويني في المجال الأدبي فقط، ولكن، مع ظهور الأنترنيت استطعت بفضل الله الحصول على شواهد في مجالات متعددة من تربية وعلم النفس وإعلاميات وغيره، وما أوتيت من العلم إلا قليلا فاللهم زدنا بسطة في العلم. لا زلت أكون نفسي، لإيماني الراسخ بأن آفة العلم النسيان …
أستاذ اللغة الفرنسية، ولكم اهتمام باللغة العربية وخاصة ما يتعلق بنقد النصوص الشعرية والسردية هل لكم أن تحدثونا عن هذا العشق للأدب والنقد أستاذي الفاضل؟
- العشق للأدب والنقد هو شغف ينبع من قلبي، فاللغة العربية وقدرتها على التعبير والتعمق تجعلها لغةً مدهشةً لا يمكن إيجاد مثيلا لها، ومحبتي لها سببه كتاب الله وحرصي على قراءته فهو الكتاب الذي نهلت منه الكثير، وأحفظ منه ما تيسر، ثم الأدب الجاهلي الذي فتح بصيرتي على الأدب بشكل أعمق، هذا كان قبل مزاولة مهنة التدريس. تحليل النصوص الأدبية والسردية منحني فرصة لفهم أعمق للثقافات والفكر البشري، وليس العربي فقط، والفضل في ذلك لمحبتي للفلسفة التي قادتني لاكتساب وسائل التحليل والتدقيق، فابتليت بهواية النقد أو القراءة التحليلية، لأن لدي حساسة من هذين المصطلحين “النقد” و “الناقد”، فكثيرا ما يرى الناقد على أنه أفضل من المبدع، أو أعلم منه وهذا خاطئ تماما؛ فبدل “الناقد” أفضل مصطلح “المحلل”. فعشقي للأدب هو نفس عشقي للتحليل الأدبي، فلما أتناول أي نص بالقراءة فقراءتي تكون بتعمق وتدقيق إذا استحق النص ذلك طبعا.
كيف يرى عبد الغفور مغوار العلاقة بين الإبداع والنقد ؟
- أرى أن العلاقة بين الإبداع والنقد علاقة إذا صح التعبير تأثيرية تأثرية بالغة، فلولا الأدب لما كان النقد، ولولا النقد لما ازدهر الأدب. إن الإبداع يقود إلى إنتاج الأعمال الفنية والأدبية، ومن جانبه يقدم النقد التحليل والتقييم لهذه الأعمال ويساهم في توجيهها للنمو والتطور، وليس هذا فقط، فليس النقد نقدا إذا لم يخدم النص والقارئ والمبدع على حد سواء.
أستاذي الفاضل لكم اهتمام بالمسرح والسيناريو والرسم ..
سؤالي يخص المسرح؛ لا يختلف اثنان في كون المسرح أب الفنون، وسيد العلوم، في رأيكم هل ما نشاهده اليوم من مسرح قادر على تأصيل المسرح المغربي والعربي بلغته وذوقه وموضوعه … وقادر على التحدي ومواجهة زمن العولمة؟
- من المؤسف أن نرى أن الواقع الثقافي عامة والمسرحي بخاصة في تدهور السائر إلى الانحطاط. هذه حقيقة لا غبار عليها. المسرحيون الرواد أبدعوا وجعلوا المتلقي يحب المسرح. فالمفروض أن المسرح كوسيلة فنية وثقافية باستطاعته إبراز الهوية والثقافة الوطنية بطريقة فريدة، بإمكان المسرح المغربي والعربي أن يساهم في تعزيز الثقافة المحلية ومواجهة التحديات العالمية، ولكن هناك تقصير، نظرا لانتشار الملاهي والتفاهات، فالمسرح كأداة ترفيهية تثقيفية تعليمية أصبح في الهامش. فتحدي المسرح اليوم في عصر العولمة يكمن من إيجاد توازن بين المحافظة على الهوية الثقافية والتعبير عن التجديد والتطور. أجل، يمكن للمسرح المغربي والعربي باللغة والمضمون أن يكون وسيلة فعّالة لتعزيز الهوية الثقافية في هذا العصر العولمي والمحافظة عليها لو أعطي للمسرح ما يعطى لكرة القدم من أهمية مادية وإعلامية، ولسنا أبدا ضد هذه الرياضة.
سؤال مرتبط بما سبق، نعلم أن المسرح وجود حضاري، وفعل إنساني يساعد على تنمية شخصية الفرد وتنمية قدراته المعرفية والجسدية… لماذا لا يكون المسرح مادة تدرس في المستويات التعليمية، وتعطى له الأهمية كباقي المواد الأخرى؟
- هو لا يدرس بالموضوعية التي يستحق. ربما في مستويات دنيا من التعليم، يدرج مكون المسرح لا كمادة ضمن أنشطة الترفيه التي لا تأخذ حيزا كافيا من الزمن الدراسي. التقصير حاصل نظرا للسياسات التعليمية التي أقول عنها، وأتحمل مسؤولية ما أقول، سياسات فاشلة عن قصد. فالمسرح مربي والقصد خلق أجيال فاقدة للهوية. فسياسات التعليم والتربية يمكن أن تلعب دوراً حاسمًا في تعزيز الوعي الثقافي والأدبي وليس المسرحي فحسب. كذلك توفير مناهج تعليمية تشمل الثقافة والفنون والأدب بشكل شامل يمكن أن يساهم في تحفيز الشباب وتشجيعهم على اكتشاف الجوانب الثقافية المتنوعة والإقبال على المسرح. لماذا لا يحصل هذا في حين تكرم التفاهة في المقابل؟ هذا سؤال يفرض نفسه، والجواب عنه بما سبق.
تهتمون بإحياء أمسيات شعرية، ولكم مشاركات في ملتقيات للقصة القصيرة … أستاذي الفاضل كيف تقيمون المشهد الثقافي المغربي مقارنة بباقي الدول العربية الأخرى؟
- ليست الدول العربية أفضل حالا من المغرب، لأن المشهد الثقافي العربي عامة في تدهور لحساب التفاهات المتجذرة والمستفحلة، فما إن يتم استئصالها ستعود للثقافة مكانتها. التنافس على الملاهي ووسائل الترفيه المختلفة يصرف انتباه الشباب عن الاهتمام بالثقافة والأدب والفنون. إلى جانب ذلك، ضعف المناهج التعليمية في التركيز على الثقافة والتراث الفني يمكن أن يسهم في تقليل الوعي الثقافي والانخراط في تظاهراته. كثيرا ما حضرت ملتقيات ثقافية، الحضور فيها يكون عادة باهتا جدا، والحاضرون شيبة، والشباب كثيرا ما يكون غائبا.
هل اهتمام الجيل الجديد بالإبداع بهذا الشكل الذي يبدو عليه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، قادر على أن يعطينا في المستقبل كتاب ونقاد يحملون على عاتقهم هم الثقافة في الوطن العربي؟
- باختصار، الإنترنت بوسائله في التواصل الاجتماعي يشكل منافساً قوياً للثقافة والنقد التقليدي. الجيل الجديد يحتاج إلى إيجاد توازن بين التسلية الرقمية والاهتمام بالثقافة والإبداع. لا أظن أن سنرى مع انتشار الملاهي الرخيصة ” أبا القاسم الشابي” آخر، أو غيره من الأدباء الشباب الذين خلدهم التاريخ. الشباب اليوم مدمنو محتويات “تيك توك” و”يوتيوب” وغيرهما، والمؤسف أن المهتمين بالثقافة الرقمية قلة.
كيف يرى الأديب والناقد تأثير العولمة على الأدب العربي المعاصر؟ وما هي الرهانات التي يراهن عليها النقد العربي في ظل الحداثة؟
- تأثير العولمة على الأدب العربي المعاصر تأثير قوي، أولا العولمة مكنت من وصول المعلومة بسرعة وأقل تكلفة، لكن هذه العولمة نفسها جعلت عالم الأنترنيت يعج بالمحتويات اللاتربوية واللاتثقيفية إن لم نقل اللاأخلاقية، وهذا الذي أضر بالاهتمام بالأدب العربي والعالمي على حد سواء. والتحديات الحديثة للنقد تتمثل في استيعاب هذا التأثير والتعامل معه بطريقة تساهم في التطور الثقافي. وحسب منظوري الشخصي، يتطلب من النقد أن يتأقلم مع التغيرات الثقافية والتكنولوجية ويكثف حضوره في العالم الافتراضي. فالرهانات تتعلق بالقدرة على تقديم تحليلات ونقد بنّاء يساعد على التطور الثقافي ويشجع عليه.
كيف يرى عبد الغفور مغوار مشاركة الشباب في الحقل الثقافي؟ وهل من السهل أن يضع قدمه على الطريق الصحيح في ظل غياب النقد والتوجيه؟
- أرى، كما قلت، أن انتشار التفاهة والملاهي على مواقع التواصل الاجتماعي يشكل تحديا كبيرا أمام مشاركة الشباب في الحقل الثقافي. فالمواقع الاجتماعية تقدم للمستخدمين محتوى سهل الاستهلاك وغير متطلب للتفكير، مما قد يصرف انتباه الشباب عن الأنشطة الثقافية الأكثر تعقيدا. وهذا بالضبط ما جعل مشاركة الشباب في الحقل الثقافي لا ترقى للمستوى المطلوب، والشباب اليوم يحتاجون إلى دعم وتوجيه من النقاد والمثقفين الأكبر سناً لكي يستمروا في تطوير قدراتهم ومواجهة التحديات. ولكن في ظل غياب النقد والتوجيه، قد يكون من الصعب على الشباب أن يضع قدمه على الطريق الصحيح. النقد يساعد الشباب على تقييم أعمالهم، ومعرفة نقاط قوتها وضعفها. أما التوجيه، فيساعد الشباب على فهم الثقافة وتاريخها، واكتساب المهارات اللازمة للإبداع.
لذلك، من المهم أن توفر المؤسسات الثقافية والتربوية فرصا للشباب للمشاركة في النقد والتوجيه.
كيف ترون النشر الإلكتروني مقارنة بالنشر الورقي؟ وهل في اعتقادكم ان زمن الورق ولى؟
- لا أحد ينكر على أن النشر الإلكتروني يقدم مساحات جديدة لانتشار الثقافة والأدب. لكن النشر الورقي لا يزال له مكانته وقيمته في تاريخ الثقافة العربية، المشكل هو التكلفة وضعف الاقبال على المنشورات الثقافية الورقية.
مع ذلك، من المرجح أن يستمر النشر الإلكتروني في النمو في السنوات القادمة، ومن المرجح أيضا أن يصبح النشر الإلكتروني أكثر شيوعًا مع انخفاض تكاليف الإنتاج وزيادة عدد الأشخاص الذين يستخدمون الإنترنت.
ويعتمد اختيار النشر الورقي أو الإلكتروني على تفضيلات القارئ. بعض القراء يفضلون تجربة القراءة التقليدية للورق، بينما يفضل البعض الآخر سهولة الوصول والراحة التي يوفرها النشر الإلكتروني. والمشكل يكمن في أين هو القارئ بالصورة التي كان عليها قديما؟
باعتباركم تزاولون مهنة التدريس كيف ترون مستقبل التعليم العمومي بالمغرب؟
- سؤال شائك جدا، وجاء في فترة متأججة، نظرا لغليان الساحة التعليمية ضد إصلاحات أقل ما يقال عنها تراجعية بل تخريبية. فهذه الإصلاحات تؤدي إلى تراجع جودة التعليم، وزيادة الانقسام بين التلاميذ من مختلف المناطق والخلفيات الاجتماعية والثقافية لفائدة التعليم الخصوصي المتغول. إن السياسة المعتمدة هو دفع عجلة التعليم العمومي عامة إلى الهاوية. فمستقبل التعليم العمومي في المغرب رهين بتطوير شامل للمناهج التعليمية وباستخدام موسع للتكنولوجيا لتحسين جودة التعليم وتمكين الطلاب من التدرج في التكوين اللائق.
وإذا استمرت هذه الإصلاحات التراجعية، فإن مستقبل التعليم العمومي بالمغرب سيكون غامضا. وسيواجه العديد من المشاكل، مثل: - ارتفاع معدلات الأمية.
- انخفاض معدلات التحصيل الدراسي.
- زيادة البطالة.
- ارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية.