تصريح مفاجئ أحدث رجة كبرى في مراكز القرار الإقليمية و مفاجأة قوية من العيار الثقيل كان لها وقعها في مختلف العواصم الدولية هي الدعوة المغربية الصريحة للمجتمع الدولي بقبول المغرب في نادي الكبار بمقعد دائم و عضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي متكئا على حقائق تاريخية و جيوسياسية و إقتصادية و مساهمات كبيرة في عمل منظومة الأمم المتحدة و بشكل خاص الجهود الدولية للحفاظ على السلم و السلام الدوليين ، الدعوة المغربية تأتي في وقت يعرف فيه العالم مخاضا جيوسياسيا متقلبا بفعل ثقل الصراعات التي تهدد الأمن العالمي سواء في مسرح العمليات الأوروبي أو مسرح العمليات الشرق أوسطي أو مسرح بحر الصين الجنوبي أو مسرح العمليات الإفريقي بتعقيداته حيث تتصاعد المخاطر الدولية و تتنامى فرص إنفجار الوضع العسكري و السياسي إلى مستويات غير مسبوقة.
كبير ديبلوماسي المغرب في الأمم المتحدة السيد عمر هلال عبر في تصريح صحفي على هامش النسخة 12 من فعاليات المؤتمر الدولي الحوارات الأطلسية التي ينظمها أحد أرقى مراكز التفكير السياسي و مراصد التحليل الإستراتيجي في المغرب المركز الجديد لسياسات الجنوب بأن المملكة المغربية تمتلك كل المعايير والشروط التي يجب أن تتوفر عليها الدولة التي تطمح لإنتخابها أو إختيارها كعضو دائم العضوية في مجلس الأمن كالاستقرار السياسي و التاريخ الإمبراطوري الضارب جذوره في عمق التاريخ الإنساني و النظام السياسي العريق الذي يمتلك مشروعية سياسية و القوة الاقتصادية الصاعدة و التفوق العسكري الإقليمي ، إضافة إلى التوحه المغربي وفق إستراتيجية واعدة و مسؤولة للتعاون في مجال التعاون جنوب – جنوب و بشكل خاص الدول الإفريقية التي تندرج ضمن اطار رؤية ملكية استراتيجية وشاملة ، تقوم على تعزيز القدرات في ميدان التنمية المستدامة وتعزيز السلام والامن والاستقرار، ودعم التكامل الاقتصادي الجهوي والاقليمي، ضمن تعاون ثلاثي مع الشمال تجسيدا للرؤية الملكية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس والتي عكسها في خطاباته الأخيرة و من خلال زياراته المتعددة للقارة الإفريقية.
المطلب المغربي المشروع بمقعد دائم في مجلس الأمن الدولي يترجم رغبة مغربية قوية بالمساهمة الفاعلة في الحفاظ على الأمن و الإستقرار العالمي و الدفاع عن مصالح الشعوب الإفريقية و آمالها التي رغم تمثيلها النسبة الأكبر في الجمعية العامة للأمم المتحدة (28 في المئة)، تظل القارة الإفريقية التي تضم 54 دولة عاجزة عن المشاركة في أي إجراء أو إبداء رأي في القضايا التي تهمها في مجلس الأمن كونها ليست من الأعضاء دائمة العضوية خاصة أنه حوالي 70 في المئة من القرارات التي إتخذها مجلس الأمن في السنوات الأخيرة كانت متعلقة بإفريقيا .و هو ما عبر عنه السد.عمر هلال قائلا بأن “عضويّة المغرب لن تكون من أجل بلدنا فقط، بل من أجل إفريقيا، ومن أجل العالم، من أجل السلام. تاريخ المغرب العريق، الذي يمتدّ لقرون ضاربة، هو شرعية أخرى تجعله البلد الذي يستحق أن يمثل القارة الإفريقية في هذا المجلس، بعد إصلاحه”…//انتهى الإقتباس .
المطلب المغربي الواقعي يمكن تفهمه بعيدا عن العنتريات السياسية و التصريحات الإستفزازية التي ترنو لتضليل الحقائق و غض الطرف عن هزائم ديبلوماسية و سياسية كما دأبت عليه بعض الأنظمة الشمولية بفكرها البائد بل هو تجسيد قوي لإنخراط المملكة المغربية الجاد و المسؤول في الجهود الأممية لإصلاح الأمم المتحدة و بشكل خاص مجلس الأمن حيث أن مطالب الإصلاح إنطلقت منذ ستينيات القرن الماضي مع تغير المعطيات الجيوسياسية التي على أساسها تمت الدعوة لتأسيس منظمة الأمم المتحدة كضابط للسلام و التعايش العالمي في مؤتمر سان فرانسيسكو من طرف الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية بحضور 51 دولة من بينها أربع دول إفريقية هي مصر و ليبيريا و أثيوبيا و جنوب إفريقيا في غياب مئات الدول التي كانت مستعمرة من طرف الإمبرياليات الإستعمارية الكبرى حين طالبت وقتها حركة عدم الانحياز بإصلاح الأمم المتحدة، حيث تم في عام 1965 زيادة عدد الأعضاء غير الدائمين من ستة إلى عشرة أعضاء ليبلغ إجمالي أعضاء مجلس الأمن خمسة عشر عضواً بما فيها الأعضاء الخمسة دائمو العضوية ، وفي السبعينيات أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا بإعادة النظر في ميثاق الأمم المتحدة بحثا عن السبل الكفيلة بتعزيز دور المنظمة ومنحها مزيدا من الفعالية.
فكرة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي هي تطبيق لمقترحات الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت و رؤيته لطبيعة النظام العالمي الجديد ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث تم تنصيب الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي – وهم الولايات المتحدة و الإتحاد السوفياتي (روسيا) والصين وفرنسا والمملكة المتحدة – منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945 حيث تم تعيين هؤلاء الأعضاء الدائمين بناءً على سيطرة القوى الكبرى على القرار العالمي و التي لعبت دورًا حاسمًا في إنهاء المآسي الإنسانية التي عرفتها الحرب العالمية الثانية وتمثيلهم لمصالح العالم الكبيرة.
تهدف فكرة الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن إلى ضمان التوازن والاستقرار والحفاظ على السلم والأمن الدوليين. حيث يمنح الأعضاء الدائمين صلاحية النقض (الفيتو)، مما يعني أن أي قرار يتم التصويت عليه في المجلس يجب أن يحظى بتأييد جميع الأعضاء الدائمين ليتم قبوله. وهذا يعطي الأعضاء الدائمين قدرًا كبيرًا من النفوذ والقوة في صنع القرارات الدولية ، يتم تناول الفكرة بشكل مختلف من قبل الدول والمجتمع الدولي. هناك من يرى أن هذا النظام يعكس توازن القوى ويحمي مصالح الدول الكبرى، بينما يرى آخرون أنه قد يؤدي إلى تعطيل المجلس وعرقلة اتخاذ القرارات الضرورية.
نتيجة لهذه التحفظات والانتقادات، قدمت بعض الدول مقترحات لإصلاح هيكل المجلس بهدف زيادة التمثيلية والشفافية في صنع القرارات. تتضمن هذه المقترحات زيادة عدد الأعضاء الدائمين وتوزيعهم بشكل أكثر تمثيلية جغرافية، وتعزيز صلاحيات الأعضاء غير الدائمين، وتحسين آليات اتخاذ القرار في المجلس. تستمر هذه المسألة في النقاش والتفاوض في المجتمع الدولي، ولم يصل حتى الآن إلى توافق شامل بشأن إصلاح هيكل المجلس.
إجرائيا يتطلب إصلاح مجلس الأمن تعديلا على ميثاق الأمم المتحدة، الأمر الذي يتطلب بدوره تصويت ثلثي أعضاء الجمعية العامة الـ193، بالإضافة إلى موافقة جميع الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن و هو الأمر الغير مستحيل نظريا في ظل رغبة كل الأطراف الدولية القيام بإصلاحات تتناسب و تصورها للسلام العالمي و دور الأمم المتحدة في المساعدة على تحقيق التنمية المستدامة و مواجهة كل المخاطر الكبرى التي تواجه الإنسانية سواء منها الطبيعية أو البشرية و المغرب بفضل الرؤية الملكية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس فإن الديبلوماسية المغربية لديها قواعد صارمة مؤسسة لها و لايمكن بأي حال من الأحوال التغاضي عنها ؛ هي قواعد تتمثل في حماية المصالح العليا للمغرب أولا و إلتزامها بالقانون الدولي و الشرعية الدولية و إحترام الوحدة الترابية للدول و دعم جهود السلام العالمية و الإقليمية و الإنخراط الجدي و المشاركة الفعالة في كل الإتفاقيات الإطارية المتعددة الأطراف للأمم المتحدة كقضايا التنمية المستدامة و مكافحة الإرهاب الدولي و الجريمة العابرة للقارات و السلم العالمي .
بالإضافة أن الهندسة المؤسساتية للتعاون الدولي و الوضع العالمي بعد جائحة كورونا أصبح يفرض على كل دول العالم إلتزام قواعد أكثر واقعية تفرض تغليب منطق ديبلوماسية المصالح على ديبلوماسية المواقف التي أصبحت نهجا متقادما مع سقوط جدار برلين و نهاية القطبية الثنائية و بروز عالم جدي متعدد الأقطاب .
الديبلوماسية المغربية اليوم تعتمد على “إستراتيجية الفعل ” و لا تبني مواقفها على ” ردود الأفعال “، و هو ما عودتنا عليه في قضايا مصيرية إتخذت فيها مواقف صارمة بقراءة إستراتيجية و رؤية مستقبلية جد متقدمة ..
لا يمكن فصل الدعوة المغربية الصريحة للمجتمع الدولي بمقعد دائم في مجلس الأمن عن العديد من المكتسبات و الإنتصارات التي حققتها الديبلوماسية المغربية في العديد من الميادين سواء في دفاعها المستميت إلى جانب المؤسسات الإستراتيجية للدولة المغربية عن الوحدة الترابية أو نجاح نهج القنصليات في الصحراء المغربية كدليل على إجماع دولي و قاري على الحقوق المغربية الغير قابلة للتصرف و بفضله تحولت الصحراء المغربية إلى منتدى سياسي و ديبلوماسي دولي و جسر لوجيستيكي عملاق للتعاون الإقتصادي بين دول الجنوب و ممر حضاري إستراتيجي بين دول الشمال و الجنوب أو من خلال مشاركة المغرب الفاعلة في المحطات الكبرى للدييلوماسية الأممية المتعددة الأطراف كإستقبال مؤتمرات دولية في مجال مكافحة الإرهاب أو العمل المناخي أو السياسات النقدية و المالية و التنمية الإقتصادية أو المشاركة الفاعلة في صياغة سياسات أممية قوية في العديد من المجالات التي تهم الإستقرار العالمي أو الأمن الدولي .
المملكة المغربية تعتبر المقاربة المتعددة الأطراف أحد أهم الإستراتيجيات الدبلوماسية التي تهدف من خلالها إلى بناء تحالفات وعلاقات مع الجهات الفاعلة دوليا لتعزيز المصالح الاستراتيجية للمملكة و الدفاع عن الأمن القومي للمغرب في هذا السياق فقد تبنى المغرب دبلوماسية متعددة الأطراف ملتزمة ومسؤولة وإستباقية بهدف إبراز صورته على المستوى الدولي وتعزيز تأثيره في المحافل الدولية ، باعتباره دولة ذات مكانة إقليمية ودولية هامة، حيث يسعى المغرب إلى تعزيز تمثيله في هيئات صنع القرار في المنظمات الإقليمية والدولية. ويتم ذلك من خلال دعم ترشيحات المغرب لشغل مناصب مختلفة في هذه المنظمات. يهدف ذلك إلى تحقيق أعلى مستوى تمثيلي ممكن يتناسب مع الدور الذي يلعبه المغرب ومكانته في الساحتين الإقليمية والدولية لتعكس هذه الجهود التزام المغرب بالمشاركة الفعالة في المجتمع الدولي والعمل على تعزيز السلام والاستقرار العالميين، وتعزز صورة المملكة كدولة مسؤولة وملتزمة بالقضايا الدولية المشتركة.
في ظل المتغيرات الجيوسياسية الحالية فإن مطلب إصلاح مجلس الأمن يظل أحد أهم المداخل الفاعلة في لإقرار سلام حقيقي و مستدام في عالم يعج بالصراعات و الحروب و التهديدات و المخاطر العسكرية و المناخية و الإقتصادية و تمكين مجلس الأمن و من خلاله الأمم المتحدة من آليات فعالة للتدخل في الوقت المناسب بطريقة ناجعة يجعل من الواجب على كل دول العالم الأنخراط بشكل جدي في سلسلة من المناقشات البناءة في هذا الموضوع تصل إلى صياغة تفاهم مشترك يوفر الأرضية اللازمة للتوصل إلى حل توافقي يؤدي إلى إصلاح حقيقي وشامل لمجلس الأمن و ينتقل بالأمم المتحدة من عملها الحالي ” كشرطي يقدم تقاريره الخاصة بعد انتهاء الجريمة إلى إطفائي قادر على إخماد النار. ” كما قال أحد الخبراء في أحد البرامج التلفزيونية التي تناولت الموضوع. .