ثورة القانون على أخطبوط الفساد
بدا المغرب وهو يُنفِّذ في هدوء ثورته ضد أخطبوط الفساد، وكأنه يهيئ المنظومة القانونية إلى عملية “انسلاخ “(Ecdysis) من جلدها الذي تراكمت عليه الطفيليات المميتة لحيويته ونشاطه وإشعاعه، حيث يجد الفساد مرتعه للنمو والتحكم أكثر في مفاصل المجتمع والدولة معا، ما يحيل على الفوضى وتهديد السلم الاجتماعي.
لذلك فبعملية “الانسلاخ” هذه يتمكن المغرب وفي ظل هذا الظرف المهم والمصيري الذي تتطلع فيه المملكة إلى رفع منسوب التحديات والرهانات إلى أعلى سقف لحاقا بالدول المتقدمة وهي تقبل على استحقاقات عالمية كبيرة لا يمكن أن يسمح فيها بالخطأ.
ولذلك وجب تنظيف البيت المغربي جيدا من هؤلاء الطفيليين الفاسدين التافهين المارقين الأفاقين المنافقين الوصوليين من خلال تنفيذ عملية “الإنسلاخ” لسحبهم من ساحة المجتمع والدولة معا بدون ضجيج، رغبة أكيدة من دولة القانون في المغرب في تغيير طبقات جلدها الذي أصبح لا يتحمل أكثر توسُّع ونفوذ طبقة الفساد وعفونته التي تعكر صفو رحابة دولة القانون وعدالتها، وتحبس أنفاس مغرب الألفية الثالثة المتطلع إلى السمو والرفعة والتطور.
يفعلها المغرب الأن، كما يفعل الثعبان حينما تصل طبقة جسمه الخارجية لأقصى نمو لها مع نمو الثعبان، تبدأ مرحلة الانسلاخ الجلدي من أجل إزالة الطفيليات الفاسدة التي تستوطن جلدها القديم، وإفساح المجال لنمو جلدها الجديد في مناخ مفعم بالحياة والسلام.
كذلك، الدول التي تؤمن بعدالة القانون وتنفيذه على كل من خالفه، تسعى دائما إلى تجديد ترسانتها القانونية مع بروز الحاجة المجتمعية الملحة لذلك، والمغرب وهو يجدد من هذه المنظومة القانونية منذ استقلاله وفق ما تفرضه المستجدات وحاجة المغاربة إلى تطوير إعمال القانون وتنفيذ عدالة اجتماعية قمينة بأن تكفل الحقوق والواجبات للمواطنين على حد سواء.
وما يحدث منذ بداية العقد الثالث من الألفية الثالثة من كشف حقيقي عن شبكات الفساد وتتبع متواصل للخارجين عن القانون في المغرب، يؤكد أن المملكة المغربية شرعت فعلا في “الانسلاخ” من جلدها القديم الذي لم يعد يتحمل سطوة الفساد على جسمه المتطلع إلى أن يتنفس أكسجين مناخ يسود فيه العدل والأمن والسلام والازدهار.
وهكذا بدأت ملفات التحقيقات والمتابعات تنجز بهدوء في حق هؤلاء الطغاة الذين استعملوا كل الوسائل الغير مشروعة من أجل الاغتناء مستغلين في ذلك مواقعهم المميزة في صناعة القرار إن على المستوى المركزي أو المحلي.
واستطاعت كشافة العدالة أن تكشف عن طلاسيم أخطبوط الفساد، وهي تضع أمام القضاء الجالس والواقف ملفات خطيرة لشخصيات كانت تقرر في مصير المجتمع المغربي على مدى سنين خلت. حيث استقبل قضاء الدار البيضاء الخميس الماضي (21 دجنبرالجاري) كل من رئيس جهة الشرق بعيوي القيادي البارز في حزب الأصالة والمعاصرة وشقيقه، وسعيد الناصري رئيس فريق الوداد البيضاوي ومنتخبين ومسؤولين ومقاولين وتجار لصلتهم ببارون المخدرات المعروف باسم “المالي”، المدعو الحاج محمد بن ابراهيم، والذي يقبع بسجن مدينة الجديدة بعدما تم توقيفه في مطار الدار البيضاء سنة 2019 .
وتوبع المتهمون الذين تقرر إيداعهم صباح أمس الجمعة السجن المحلي عين السبع، المعروف بـ”عكاشة”، بالعاصمة الاقتصادية، بتهم تتعلق بالنصب، ومحاولة النصب، والتزوير في محررات رسمية واستعمالها، واصطناع اتفاقات للاتجار بالمخدرات، والتزوير في الشيكات واستعمالها، وحمل الغير على الإدلاء ببيانات عن طريق التهديد، واستغلال النفوذ.
وكان قبل هذا الملف القضائي الضخم، ملفا آخر زج به الوزير الأسبق ورئيس بلدية الفقيه بن صالح محمد مبديع سجن عكاشة بعين السبع، ومعه مجموعة من الشخصيات. غضافة إلى ملفات فساد سابقة لمنتخبين وسياسييين وموظفين.
وما يحمله ملف المجلس الأعلى للحسابات من أسماء بارزة وضعتها رئيسة المجلس العدوي رهن القضاء للبحث والتحري في حقيقتها، أكبر وأضخم سيجر العديد من هؤلاء الفاسدين إلى سجون المملكة.