أخبارالرئيسيةثقافة و فن

الفنان المصري مصطفى محمود: قطاع الموسيقى يحتضر.. ويا ليت زمن التسعينات يعود

أعدته: حنان الطيبي

يعتبر قطاع الموسيقى والفن والأغاني من أهم المجالات التي تعكس الهوية الثقافية والتطورات الفنية على مر العصور، إذ يشكل الفن والموسيقى جزءا حيويا من حياتنا اليومية بل وتكاد تكون توثيقا تاريخيا لأهم الأحداث السياسية والثقافية والاجتماعية وحتى الرياضية في شتى الحقب الزمانية، فتجد لكل حدث قصة ولكل قصة أغنية، وبشكل كبير يساهم الفن في التعريف بثقافة الشعوب وحضاراتهم كما أنه يقدم نوعيات مختلفة تترجم من خلالها عقليات المجتمعات وعاداتهم وتقاليدهم عبر إيقاع موسيقي او كلمات اغنية كمرآة تعكس أحداثا بعينها..، وعموما فنحن ها هنا نتحدث عن الفن بشكله العام وصوره المختلفة سواء كان نحتا او رسما او مسرحا او سنيما..، إلا أن الجانب الموسيقي من الفن بألحانه وتوزيعاته وغنائه هو ما يلبي موضوعنا هذا، حيث تنفرد كل أغنية وكل فنان بقصته الفريدة وتأثيره الجمالي على مشاعر وتجارب الجمهور، فقد يقول لك أحدهم بعد سماع أغنية ما:( هذه الأغنية تحكي قصتي بالضبط!), فتخلق عبثا بذلك علاقة جدلية وطيدة بين الفنان والجمهور في صورة تكاملية لا يستغني احد الطرفين فيها عن الآخر.

في هذا السياق، سنقوم باستكشاف كيف تطورت الموسيقى وصناعتها من التسعينيات إلى العصر الحديث، مسلطين الضوء على التحديات التي يواجهها القطاع الموسيقي وكذا الإصلاحات التي من المفروض السعي لتحقيقها. .

ستتيح لنا هذه الرحلة الإستكشافية، التعرف على كيف يتفاعل الفن مع التحولات الاجتماعية والثقافية، وكيف يتسلل الابتكار إلى أروقة قطاع الموسيقى لتشكل واحة جديدة من الإمكانيات والتحديات.

في التسعينيات، كانت الموسيقى تشهد تنوعا كبيرا مع ظهور أنماط موسيقية متنوعة مثل البوب، الروك والهيب هوب، والموسيقى الراقصة، حيث كانت الآلات الموسيقية التقليدية مهمة، وكان لديها تأثير قوي على صنع الألبومات.

أما في العصر الحديث، فقد جعلت تكنولوجيا الإنتاج الموسيقي تشهد تطورا كبيرا وتحديات اكبر، مما أدى إلى استخدام أوسع للأدوات الرقمية والبرمجة، لاسيما عندما ظهرت تيارات جديدة مثل الموسيقى الإلكترونية والتصوير الصوتي، مع توسع الفرص للفنانين المستقلين لنشر أعمالهم عبر الإنترنت.

الفنان مصطفى محمود عازف بيانو

في مجال الفن، شهد العصر الحديث تنوعا في الأساليب والتقنيات، حيث أصبحت التكنولوجيا جزءا لا يتجزأ من الفن المعاصر، بحيث ظهرت صيحات مثل الفن الرقمي والتفاعلي، وتوسعت المفاهيم الفنية لتشمل التعبير عبر وسائط متعددة والفنون الرقمية.

بشكل عام، يظهر الفن والموسيقى في العصر الحديث تأثير التطور التكنولوجي والتغيرات الاجتماعية والثقافية التي حدثت على مر السنين..، ومع تطور العصور، فقد شهدت الموسيقى والفن تحولات هامة، مما أدى إلى تشكيل لوحة متنوعة من التجارب الفنية والموسيقية مع اختلافات في الشكل والمضمون بما سببته العصرنة والسرعة في الأداء والتلقي على السواء، متأثرة بتطور العقلية الفنية بين الفنان المبدع والجمهور المتلقي، لذلك كان ولابد ان يستدعي هذا التطوير مواجهة تحديات عديدة طارحة معها تساؤلات عميقة حول مستقبل الفن والموسيقى في مجتمعنا الحديث.

وفي حوار ل”الحدث الإفريقي “مع الفنان المصري المخضرم مصطفى محمود، عازف بيانو وموزع ألحان، حول أهم التأثيرات الإيجابية والسلبية على القطاع الفني الموسيقي بين الفترة التسعينية إلى عصرنا الحالي، يقول مصطفى:( في عصر الابتكار التكنولوجي وتطور الوسائط الرقمية، يتجه قطاع الموسيقى نحو تحولات جذرية وتحديات فريدة من نوعها، إذ تشهد الصناعة الموسيقية تغيرات ملموسة في طرق توزيع واستهلاك الموسيقى، مما يفرض على الفنانين وشركات الإنتاج الابتكار والتكيف مع ضرورة الإبداع وتقديم ما يهذب ذوق الجمهور.. لذلك فالتطور في قطاع الموسيقى يحمل معه السهولة في الاشتغال كما يحمل معه المسؤولية في تقديم المنتج سواء كان كلمات او ألحان او غيره، مما يصنف في باب السهل الممتنع.. وهذا من جانب، اما مسألة تأثير التكنولوجيا على إنتاج وتوزيع الموسيقى، فربما وسع ذلك من دور الفنان في خلق تجارب فريدة للمستمعين وسهل عليه مهمته.. إلا أن هناك مجموعة من التحديات تبقى عالقة في الجانب الآخر ..!).

وفي سياق الحديث مع مصطفى محمود، أفاد الفنان المصري أنه في العصر الحديث، يواجه قطاع الموسيقى العديد من التحديات والإكراهات، من بينها: التكنولوجيا والقرصنة: انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات المشاركة في الموسيقى قد زاد من تسرب الموسيقى وتبادلها بشكل غير قانوني، مما يؤدي إلى فقدان للإيرادات للفنانين وشركات الإنتاج.

التغيرات في نماذج الأعمال: التحولات في طرق توزيع واستهلاك الموسيقى مع تسارع التقنيات تجعل التكيف ضروريا، وهذا قد يكون تحديا للفنانين وشركات الإنتاج التقليدية.

قلة الإيرادات من التسجيلات: مع انخفاض مبيعات الألبومات بسبب التدفق المستمر للمحتوى عبر الإنترنت، يعتمد العديد من الفنانين على الجولات والأداء المباشر لزيادة إيراداتهم.

تحديات حقوق الملكية الفكرية: الصعوبات في حماية حقوق الملكية الفكرية للفنانين في بيئة رقمية، حيث يصعب التحكم في انتشار الموسيقى واستخدامها بطرق غير قانونية.

التنافس الشديد: زيادة عدد الفنانين والمنصات الموسيقية تجعل البقاء والتألق في هذا السوق تحديا صعبا خصوصا انه يتم اختيار او اكتشاف مواهب قد يكون لديها صوتا جميلا لكنها بعيدة جدا عن التربية الفنية واصولها التي يجب ان تزرع في الفنان منذ نعومة أظافره..

تأثير جائحة كوفيد-19: أدى تأثير الجائحة إلى إلغاء الحفلات والجولات الموسيقية، مما أثر سلبا على الدخل المباشر للفنانين ووضعياتهم المادية..
تلك التحديات، يؤكد ذات المتحدث، تعكس تطور الصناعة الموسيقية وتشدد على أهمية الابتكار والتكيف للفنانين وشركات الإنتاج لمواكبة التغيرات في البيئة الرقمية والسوق الموسيقي.

هذا وفي إطار التصدي للتحديات السابقة الذكر والتي تواجه قطاع الموسيقى في العصر الحديث، يرى مصطفى محمود ان زمن الفن الجميل من حقبة التسعينيات وربما ما قبلها، من الصعب عودته او حتى تكراره، فقد كانت عرفت تلك الحقبة بعمالقة الفن ممن تركوا لنا “الخالدات”، والتي تكاد تكون مثل المعلقات السبع من حيث القيمة الفنية والإبداعية والأدبية، وإلا لما سميت كذلك، لأنها بكل بساطة ظلت خالدة جيلا بعد جيل، وذلك لأنها تتوفر على كل مقومات النجاح الفعلي والفني من حيث سمو الكلمات ونقاء الألحان وصدق الاحساس والمشاعر..،وليس كالأغاني الآنية التي أصبحت تستهلك في الساحة الفنية كما “الوجبات السريعة”, سريعة الإنجاز ثقيلة الهضم, وقد يكون لها تأثير سلبي على الصحة الفنية للجسم الفني والجمهور على السواء!…
اما بالنسبة للإصلاحات والتطورات التي قد تسعى الصناعة الموسيقية إلى تحقيقها، فيستطرد مصطفى قائلا: (من الممكن إنقاذ القطاع الموسيقي من “الاحتضار”عبر عدة خطوات إصلاحية مثل:
حسن استغلال التكنولوجيا والابتكار، وذلك باستخدام التكنولوجيا في إيجاد طرق جديدة لتوزيع وتسويق الموسيقى، بما في ذلك تطبيقات البث والمنصات الرقمية، مما يوفر فرصا جديدة للفنانين للتواصل مع جماهيرهم.

نماذج الأعمال المبتكرة، وذلك عبر تطوير نماذج الأعمال لتوفير مصادر إيرادات مستدامة، مثل تكنولوجيا البلوك تشين والعقود الذكية التي تحسن توزيع الأرباح بين الفنانين والمنتجين.

تشجيع الاستماع القانوني: توجيه الجهود نحو تعزيز ثقافة الدفع عند الاستماع للموسيقى من خلال دعم الخدمات المشروعة للبث وتحفيز الجماهير لدفع مقابل الاستماع.

تفعيل الحفلات عبر الإنترنت: استكشاف الفرص المتاحة في تنظيم حفلات موسيقية عبر الإنترنت والتفاعل مع الجماهير الرقمية.

تعزيز حقوق الملكية الفكرية: تعزيز الجهود لحماية حقوق الملكية الفكرية ومكافحة القرصنة من خلال التشريعات والتقنيات الحديثة.

الابتكار في تجربة الجماهير: تطوير تجارب جديدة للمستمعين، مثل الواقع الافتراضي وتقنيات التفاعل لجعل تجربة الاستماع أكثر إثارة.

تلك الإصلاحات, يقول مصطفى محمود، تسعى إلى تحسين بيئة صناعة الموسيقى وتعزيز استدامتها في وجه التحديات الحديثة وتغيرات السوق.. مع الإبقاء على القيمة الجوهرية للفن.. فالفن هو رمز للحرية، بل هو الحرية بذاتها، لأنه وسيلة للتعبير والتحرير، تحرير الكلمات وتحرير المشاعر وتمرير الخطابات وتحرير الحماس وتحرير كل ما هو قيم ونبيل من سجون الظلام وقيود الخذلان، فحتى الحروب تدق فيها الطبول لتأجيج حماس المحاربين وقذف الرعب في قلب العدو، لذلك فالموسيقى تحرر وتأسر في الوقت نفسه، تحرر المشاعر وتأسر القلوب، ولن يتم ذلك حتى يتحرر الفن، ولن يتحرر الفن إلا إذا طفت قيمته الإنسانية على قيمته الربحية والاستثمارية..ففي ظل التغيرات السريعة، يبقى الفنانون ورواد الصناعة ملهمين لتكوين أصوات مستقبلية ترافق تطورات المجتمع والتكنولوجيا.. إلا أن قطاع الموسيقى، برغم تحدياته، يعيش حقبة جديدة من الإبداع والتنوع، لا سيما إذا تم تنقيحه ببعض الإصلاحات السريعة.
واختم قولي بما قاله “بول مكارتني” في إحدى المناسبات: “الفن هو الحرية، الفن هو أن تكون قادرا على فعل ما تشاء”.

في ختام هذه الرحلة المثيرة في عالم الموسيقى من التسعينيات إلى العصر الحديث، ندرك بوضوح كيف تشكلت قصة فن الأصوات والإيقاعات على يد فنانين قادة في عالم الموسيقى وصناع موهوبين.. وبالرغم من تحديات الابتكار والتكنولوجيا، إلا أن الموسيقى تظل جسرا فنيا يربط الماضي بالحاضر والمستقبل معا، ولغة عالمية لا تحتاج إلى القراءة من الظاهر بقدر ما تحتاج إلى فوضى من الإحساس والمشاعر.. إنها اللغة التي تعبر كل الحدود وتجمع بين الثقافات وتروي كل قصص البشر على اختلاف اجناسهم والسنتهم.. فالموسيقى ليست مجرد نغمات وكلمات، بل هي تعبير عن الروح الإنسانية وترجمة لتجاربنا المشتركة، لأنه ببساطة لكل واحد منا قصة يحكيها عنه لحن او أغنية!.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button