وإذ يحدثنا الصديق عبد الحميد الجماهيري عن نزوله ضيفا على فرع الإتحاد الإشتراكي في مدينة بنجرير ، وبالتالي ضيفا على المناضلين من سكانها ، وإذ يحدثنا أيضا الصديق محمد بوخزار عن طعم النضال السياسي في يوم الأحد بهذه المدينة ، فقد دفعني ذلك إلى الحديث عن إرتباطي العاطفي بهذه المدينة التي كنت قد إعتدت التوقف فيها بدافع صلة الرحم مع أخت فاضلة لي كتب لأسرتها أن تقيم بها وأن تنجب بها ذرية طيبة ، فكان وضع المدينة كما يبدولي حينئذ يبعث على الشفقة ، لما كانت عليه قبل عدة عقود من تأخريبدو من أسواقها وأحيائها ، ومن مظاهرالفقرعلى البعض من سكانها ٠ ولقد شاء القدرأن يجود عليها الزمن بمن يرفع من شأنها لتصبح بنجرير تتباهى بما حظيت به من عناية مولوية لجعلها منارة للمعرفة ، ويتباهى معها أهلها باحتضانهم المدينة الخضراء التي يشع منها نورالعلوم والمعرفة مع ما يصاحب ذلك من تقدم وازدهارعلى يد من قيدهم الله لخدمتها
ترجع بي الذكريات مع مدينة بنجريرإلى حوالي منتصف السبعينات عندما كنت من الصحفيين الذين رافقوا الموكب الملكي لتغطية تدشين إستغلال منجم الفوسفاط القريب من مدينة بنجريرعلى يد المرحوم الملك الحسن الثاني بالإضافة إلى وضع الجر الأساسي لتشييد ميناء الجرف الأصفر والبناية الأولى لمطار محمد الخامس ٠ والظاهرأننا وغيرنا لم نكن نتوقع أن إستغلال هذا المنجم الفوسفاطي سيوحي لمن سيتولى أمر قيادة أمتنا بعد أختار الله لجواره والده رحمة الله عليه ، بأن يكون لمدينة بنجريرالنصيب الأوفر مما يدره المنجم من عائدات .
وهكذا وفي السنوات الأولى من عهد جلالة الملك محمد السادس كنّا شهودا على الإعلان عما ينتظر مدينة بنجرير من مشاريع ستنجز ضمن مخطط رصدت له مبالغ ضخمة ، لترفع عن المدينة ما كانت تشكو منه من مظاهر التأخر والخصاص لترقى إلى وصفها بالمدينة المتحضرة ، لكننا لم نكن نتوقع أن تقفز مدينة بنجرير لتصبح صرحا ومنارة للعلم والمعرفة تشع بنورها على الوطن بأنشاء جامعة محمد السادس متعددة التقنيات ، وأن تلحق بها منشآت ومعاهد متخصصة لتتكون من كل ذلك حاضرة علمية أريد لها أن تحمل إسم المدينة الخضراء ، وأن تمتد رقعتها على مساحة واسعة تناهز ألف هكتار، وتضم إلى جانب بنايات الجامعة ومرافقها ، معاهد متخصصة جعلتها بحق مدينة جامعية على غرار سابقتها مدينة العرفان التي تعتز العاصمة الرباط باحتضانها.
ربما كنت الكاتب الصحفي الأول الذي تحدث منذ حوالي ست سنوات عن المدينة الخضراء وما تحتضنه من معاهد ، وعلى رأسها جامعة محمد السادس التي استطاعت في ظرف وجيز نسبيا يتجاوز بقليل عقدا من الزمن ، أن ينتشر إشعاعها المعرفي وما أنجزه رجالها ونساؤها من بحوث علمية ، وربما من إختراعات ، ساهموا بها في الميادين الصناعية والفلاحية مع القطاعات الإقتصادية تجاوز مفعولها تراب الوطن ليمتد إلى خارجه عن طريق التعاون مع الأوساط الجامعية في كثير من جهات العالم ، وبالأخص في إفريقيا ، وما أرويه هنا هو نتيجة ما تجتزنه الذاكرة عن تتبعي للمسار الذي عرفته المدينة الخضراء ، وهي تتوسع وتتطور لتصبح حصنا من حصون المعرفة يحق لوطننا وللمواطنين أن يفتخروا بوجوده على ترابهم .
ولدي ما يحمل على الإعتقاد بأن التكفل بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات قد أوكل إلى المكتب الشريف للفوسفاط الذي يتوفر على الإمكانيات المالية الضرورية ، وكان ذلك بمثابة مهمة أوكلت إليه لاستثمار عائدات مناجم الفوسفاط في النهوض بالمناطق التي توجد فيها ، وهي سنة تم فرضها على هذه المؤسسة الوطنية العتيدة التي تتمتع باستقلال ذاتي في تدبير شؤونها ، ومن المناطق التي إستفادت أيضا من هذا الوضع إلى جانب بنجرير ، مدينة خريبكة التي شهدت إنشاء مدرسة للتلاميذ المتميزين لإعدادهم للإلتحاق بالمعاهد العليا التي تتطلب التفوق في الإمتحانات المؤهلة للدراسة الجامعية الهندسية ، على غرار مثيلتها التي أنشئت في المدينة الخضراء لتستوعب حوالي ثلاثة آلاف تلميذ يستفيدون من النظام الداخلي
لم تعد بنجرير كما عهدتها في الخمسينات من القرن الماضي قرية صغيرة تضم مقهي يرتاده من يختار التوقف لأخذ كأس نبيذ مع من يرتادها من الدرك الفرنسيين ، إلى جانب مقهى أخرى لأهل البلد يرتادها كذلك المسافرون إلى مراكش أو العائدون منها لأخذ فنجان قهوة أو كأس شاي ، وكذلك لم تعد بنجرير مدينة تتوق لترقى فقط بما أنشأته من أسواق إلى مدينة متواضعة ، بل شاءت لها إرادة جلالة الملك محمد السادس أن تكون في عهده الزاهر حاضرة تفتخر بمدينتها الخضراء التي ألحقت بها ، وتعتزبترقيتها إلى مدينة جامعية على غرارالمدن التي تحمل هذا الوصف النبيل في مختلف أصقاع العالم ٠