قراءات نقدية في خمسة إصدارات للجمعية المغربية للباحثين في الرحلة
بقلم/ عبد الرحمن الشاوي
نظمت جمعية تياترو الهدهد بمدينة برشيد في ثاني حلقات برنامجها الثقافي والفكري للموسم الجاري، لقاء ثقافيا حول خمسة من إصدارات الجمعية المغربية للباحثين في الرحلة، وهي: الرحلة الأندلسية الفيشية لمحمد الحجوي تحقيق وتقديم المبارك الغروسي، المغرب الآسر لبوشعيب الساوري وأيام ببروكسيل لبوشعيب عطران، ومثل لقلاق لعبد المالك المومني، وشهر في الأندلس لمراد الخطيبي، وذلك يوم السبت 13 يناير 2024، في الساعة الثالثة والنصف، بالخزانة الوسائطية ببرشيد. سيّر أشغاله الأستاذ عفيف نصر الدين.
في بداية هذا اللقاء قدم الأستاذ بوشعيب الساوري رئيس الجمعية المغربية للباحثين في الرحلة كلمة عبر فيها عن شكره لجمعية تياترو الهدهد ببرشيد على جهودها في تحريك النشاط الثقافي بالمدينة، وكشف عن مشروع الجمعية المغربية للباحثين في الرحلة المتمثل في النهوض بالنص الرحلي دراسة وتحقيقا وترجمة وتأليفا، وعبّر عن اعتزازه بتمكن الجمعية، في ثلاث سنوات من اشتغالها، من نشر أربعة عشر كتابا، وتنظيمها لأزيد من خمسين لقاء في العديد من المدن المغربية (الدار البيضاء، طنجة، تطوان، الرباط، الصويرة، الرشيدية) بتعاون مع جمعيات ومختبرات علمية.
في مداخلة الأستاذ سالم الفائدة تناول رحلة “مثل لقلاق سائح في مدن أوربية” لعبد المالك المومني من خلال مداخلة بعنوان ” صورة الأنا في الرحلة إلى الآخر” تتبع فيها محطات سفر وتنقل الكاتب عبر عدد من المدن الفرنسية والبلجيكية والألمانية والاستونية والإسبانية، وقد توقف الباحث عند اللحظات التي عبرت عن وعي الرحالة بالذات في سياق لقائه بالآخر، مبينا كيف شكل المكان جسرا للحديث عن الوطن وشجونه وهمومه ومظاهر التخلف التي يغرق فيها المواطن. وقد أكد في سياق قراءة هذه الرحلة التي تكشف الوعي الشقي للمثقف الحالم بالتغيير، فقد ظل الرحالة طيلة مراحل الرحلة مسكونا بالوطن أكثر من افتتانه بالفردوس الأوربي.
فيما قرأ الأستاذ محمد رشيد اكديرة “الرحلة الأندلسية الفيشية” لمحمد بن الحسن الحجوي الثعالبي مركزا على سياقها التاريخي والسياسي المرتبط بالحماية الفرنسية والإسبانية على المغرب (1912). وقد افتتح قراءته من خلال عتبة العنوان الذي جاء بمثابة إحالة تراثية، سلفية-إصلاحية. فيما تناول كاتب الرحلة على مستوى المتن مسألتيْ التخلف والإصلاح حسب الأستاذ اكديرة. معتبراً نص “الرحلة الأندلسية الفيشية” يتأسس على الاعتزاز بالحضارة العربية- الإسلامية وتمجيدها، مع مقارنة بين آثار وماضي هذه الحضارة وبين واقعها خلال عهد الحماية. كما ركز على أن رحلة الحجوي مليئة بالمعارف والمعطيات والتصويبات. وقد اختتم الأستاذ اكديرة مداخلته باعتبار النص بنيةً أو نواةً كبرى، تجد تجلياتها وتمظهراتها في مؤلفات محمد بن الحسن الحجوي باعتباره شاهدا على تحولات المرحلة.
أما الأستاذ طارق الهامل فقد قدّم نص بوشعيب عطران الموسوم بـ”أيام ببروكسيل” وأكد أن الكاتب يأخذنا في رحلة إلى قلب أوروبا النابض عاصمة بلجيكا والاتحاد الأوروبي، مقدما لمعالمها بالوصف والتعريف، ومستجليا تاريخها الذي يعد سرا من أسرار عظمتها ورقيها. ومسلحا بالمقارنة الإيجابية بين الهنا والهناك، لعل الهنا يمتح من أسباب النجاح والتطور هناك، ومعبرا عن انبهاره الكبير بهذا البلد الأوروبي متعدد الأعراق والثقافات.
وقدّم الأستاذ إدريس النعيمي ورقة حول كتاب “المغرب الآسر” لبوشعيب الساوري الذي تناول فيه قصص عن أسرى أوربيين ساقتهم ظروف الأسر إلى المغرب. وأكد أن الساوري أرخ لوجود هؤلاء الأسرى خلال فترة طويلة امتدت من القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر وقسم كتابه إلى نوعين من الأسرى:
-أسرى الرغبة الذين قاموا برحلات نحو المغرب بمحض إرادتهم كالمغامر الإسباني رافييل.
_أسرى الاكراه: وهم الذي سقطوا في الأسر بالصدفة وتحت ظروف حرب أو احتجاز سفنهم بالبحر.
وقدّم لنماذج من النوعين، وتوقف عند مسألة تمثل هؤلاء الأسرى للمغرب والمغاربة من خلال عدة أسرى، كالإنجليزي لامبيير والهولندية تير ميتلن والفرنسي جاك فول والإسباني رافييل، ودور المركزية الدينية في اشتغال تلك التمثلات.
الورقة الأخيرة كانت للأستاذ محمد الورداشي رام فيها الإجابة عن سؤالين: كيف يتجلى الذاتي في الرحلة؟ وما مظاهر تفاعله مع الآخر؟ وذلك برصد تجليات الذات في النص الرحلي “شهر في الأندلس” للكاتب المغربي مراد الخطيبي، وتفاعل هذه الذات مع قيم الآخر، ونظرته لقيم الذات وتصوراتها. وقد سعى في قراءته إلى تتبع العلاقة الجدلية والتفاعلية التي تجمع بين الذات والآخر في النص الرحلي قيد القراءة، وتحديد الصور التي تحملها الذات عن نفسها وعن آخرها، ونظرة هذا الآخر لنفسه ولذات الرحالة.
وفي ختام هذه اللقاء فتح نقاش حول خصوصية النص الرحلي وما يطرحه من أسئلة حول مسألة التجنيس وانفتاحه على مجموعة من الحقول المعرفية وقيمته وجدواه