(الإجماع) المثير، ولكنه السائد،حول (الصهيونية) كعدو رئيس، غريب من جهتين:
1- توحيد المتناقضين حوله، من المجمع الصناعي المدني الأمريكي، إلى اليهود التوراتيين إلى عموم الليبراليين واليسار في العالم، إلى الإسلاميين والقوميين العرب، هذا مع أن:
2- الصهيونية، لم تعد حاكمة في فلسطين المحتلة،بل إن الصهاينة هنالك يتظاهرون منذ عام في الشوارع، ضد تهويد إدارة(الدولة) الإسرائيلية وتعطيل مبدأ(معقولية) القرارات التشريعية،وهو المرجع الضامن الوحيد للصهيونية،باعتبارها مكونا شارطا، من مكونات الكيان اليهودية.
لقد مثلت الأطروحة “الصهيونية”، رهانا رأسماليا حداثيا (مدنيا،علمانيا وديمقراطيا) لحل، متوهم، للمسالة اليهودية في أوربا ما بعد الثورة الفرنسية، ولو تم تجميع اليهود في أرض خلاء حقا،لانفجر كيانهم المصطنع، دون عواقب تدميرية على شعب وأمة (عربيين) بل و على العالم ، كما هو حاصل حاليا، وذلك لان الرأسمالية الأوربية حينئذ، أضحت لاحقا، توسعية واستعمارية، فأعادت توظيف إيديولوجيا “الصهيونية” لا فقط للتخلص من منافس تجاري قوي، لأنه عولمي ومحتكر لجزء من الشعب(الطوائف اليهودية) وتجميعه في(وطن) مصطنع، بل وإحلاله بديلا في وطن شعب آخر (الفلسطينيين)، بعد طرده منه، والتحكم الشامل وغير المباشر (استعمار جديد) في أمة عربية متجذرة في التاريخ، وطامحة للوحدة، ولديها مؤهلات منافسة للرأسماليات الغربية؟!
لقد تحولت الرأسماليات الغربية راهنا من الاستعمار إلى التوحش، من التعمير إلى التخريب،من الانسانوية إلى الحيوانية، من المدنية إلى الغابوية، من الثقافة إلى الفلكلور، من العقلانية إلى الغرائزية، من الوحدة إلى التجزئة والتفكيك من الأسرة إلى المثلية، من المحبة والحب إلى الكراهية والحقد، من حب الحياة والأمن والسلام،إلى العنف والانتحار والعدوان والحروب بجميع أنواعها ومستوياتها( (أهلية، حدودية، دينية، إقليمية واحتمال أن تنتهي عالمية) لولا تعقل وصبر الدول الصاعدة(الاشتراكية والرأسمالية الوطنية).
هذه اللحظة في تاريخ نهايات الرأسمالية،لا تلتقي ولا تتقاطع،لا مع اليهودية التوراتية، ولا بالأحرى مع الصهيونية، بل مع المسيحية الإنجيلية الصهيونية أولا، ومع اليهودية التلمودية، ثانيا فضلا عن المجمع الصناعي العسكري الأمريكي،وأداته المفكرة والمدبرة(cia)
هؤلاء اليوم ،هم الاعدى علينا وعلى البشرية جمعاء،بمن فيها شعوبهم أيضا، والطوائف اليهودية جميعا،بمن فيهم المهجرين والموظفين منهم مرتزقة عدوان في فلسطين المحتلة، فلماذا إذن لا يتم استهداف المرمى الرأسمالي الامبريالي الربوي والمتوحش، وعلى رأسه (و،م،ا) ويتم عن قصد وإصرار التركيز على “الصهيونية”، أو على ضحاياها “اليهود”؟ لاشك أن خطاب التغليط و الإعلام الرأسمالي الامبريالي،هو من يقف خلف ذلك،ولكنه ايضا يجد تجاوبا واستعدادا من قبل:
1- البعد العنصري في (الوعي العرقي) للقومية؟ 2- الإسلام المتهود(بالإسرائيليات المعاصرة) المدافع عن العولمة، بديلا ونقيضا للوطنية، المعادية لجميع أشكال الاستعمار والاستتباع والداعي إلى الدولة (الدينية) بدل المدنية الديمقراطية(الجديدة،لا الليبرالية) وهو ما يفسر، وحده وجزئيا،عداءه للصهيونية، التي تدعو إلى علمانية إدارة الدولة؟ولكنها فشلت وهمشت من قبل التيار التلمودي(اعتقال بن غوريون/اغتيال رابين/اعتقال اولمرت…).
إن اليهودية المحرفة (التلمودية) ،هي أيضا من يرفض أطروحة (التطبيع) الأمريكية-الأوربية (المجمع الصناعي المدني) وتوابعه (الصهيونية+البورجوازية الليبرالية العربية،وضمنها الفلسطينية+ اليسار الليبرالي العربي، (ومأساة هذا التيار الوازن،انه يتبنى وعيا ،انتهى أجله) فكيف يصلح خارجه (الغرب) ،وقد أضحت الليبرالية ، في موطنها الأصلي،متوحشة؟!
خطاب معاداة الصهيونية اليوم أضحى متخلفا ومتجاوز مقارنة إلى العدو الألد الامبريالية الأمريكية(cia) والانجيلية – الصهيونية/ و اليهودية- التلمودية/ ومشيخات الخليج وتركيـــــــا/ وعصابــــات الإرهاب المتديــــــن/ ( الدواعش)/ والطابور6 في الأمصار العربية/ والنزوعات القبلية والطائفية الانعزالية وحتى الانفصالية (الأكراد مثلا).
إن الانحراف التلمودي،هو انبعاث،متجدد لما قبل التاريخ في التاريخ، الغابة في المدينة، الفولكلور في الثقافة… وهي معركة قديمة ووسيطة وحديثة، بدأها السيد المسيح،وتمكنت دولة بيزنطة من تحريف دعوته الإصلاحية، إلى وثنية جديدة،أضحى معها هو نفسه ( الاها ) بالنسبة لأولئك اليهود الذين حررهم من تجار الدين (الأحبار) من معتقل (الملاح)غير أنهم اعتقلوا في (معابد) وثنية تحولت إلى( كنائس) وتحول سدنتها إلى رهبان؟ ثم كانت محاولات الرسول محمد(ص) دون طائل، وبعدها ابن ميمون(الرشدي) وسبينوزا(التنويري) ثم الفيلسوف الحداثي – الإصلاحي العظيم(ماندلسون) وذلك قبل إستراتيجية قائد التحديث في العالم الحديث الإمبراطور العظيم(نابليون)وذلك باعتباره اليهود (قومية) وبالتالي دمجهم في مسار تأسيس الدول القومية المدنية البورجوازية،بديلا عن الدولة الدينية الإقطاعية، التي قامت الثورة الفرنسية المجيدة،لأجل تجاوزها والقضاء عليها، هذا الرهان النابليوني،هو أصل ومرجعية الأطروحة الصهيونية،التي فشلت،بل وشبعت موتا سريريا ،ومع ذلك يصر (البعض)على حفر قبرها والطعن في جثمانها،عوض مواجهة صريحة للعدو الأحق بالمواجهة: تخلفا في الوعي،أو طمعا في التحالف معه والاستتباع له،أو فقط تنفيذا لمخططاته واسترزاقا من صناديقه، كما هو حال الإسلام الرأسمالي الربوي العميل،نظير (الخنزيرة)التي لم تتكلف حتى يومه، بتبرئة (ذمتها) من كون نسبة الرأسمال اليهودي فيها يتجاوز51% ؟! فضلا عن خطر (الإمارات) الوثني والعميل رأسا للأطماع التوسعية الهندوسية؟!
لقد تأكد انه لا سبيل لإصلاح اليهودية،ومن تم تحرير اليهود والإنسانية جمعاء من شرور التأويل التلمودي لأساطيرها ،سوى بالعودة إلى أصولها السليمة في الدين القويم ،والذي هو الفطرة(صحف إبراهيم وموسى) ،ولا تنازلات فكرية أو تدبيرية انتقالية وسياسية معها ،بل فقط المواجهة الشاملة والجذرية معها،وذلك باعتبارها ايديولوجية ربا وعنصرية وتوحش،لا دينا، الصهيونية،أضحت لدى الكثيرين (الحائط القصير) الذي يسهل القفز عليه،مسوغا ومبررا لعدم تحمل مسؤولية مواجهة ومقاومة العدو الحقيقي خلفها والذي هو الامبريالية الغربية.
إن التحديد الدقيق، وفي كل مرحلة تاريخية وسياسية للعدو الرئيسي فيها، هو شرط لازم لنجاح النضال المقاوم لأخطارها وتهديداتها الإستراتيجية. وإن التركيز على الجزء الصهيوني في المواجهة، قد يوظف تمويها وتغطية على الكل الرأسمالي الربوي والامبريالي العولمي والمتوحش.
إنه لايستقيم، بل يستحيل أن تكون مناهضا لإسرائيل والصهيونية وأن تكون في ذات الوقت غافلا ومسالما للحلف الأطلسي وللاستعمار الأمريكي ؟!.
وإنه لمثير الإحراق الطقوسي لعلم الكيان الصهيوني المرتزقة والامتناع عن الإحراق الرمزي لعلم سيده الأمريكي.
إن التناقضات في صفوف الرجعيات، تعتبر ثانوية، مقارنة إلى تناقضنا الرئيسي معها جميعا؟
وكما أنه لايتصور عقلا وواقعا ، أن يكون المناضل (ديمقراطيا) حقا وصدقا، إذا لم يكن أولا ومنطلقا وطنيا (لا مواطنا فقط)، فإنه لا يمكن لمناضل أن يكون قوميا أو يساريا أو إسلاميا، وهو عديم الوطنية (عدمي) بل وأحيانا معادي لها.
إن شعار المرحلة السياسي اليوم هو: تاكتيكيا: وقف العدوان وتحرير الأسرى وإعادة بناء غزة واستراتيجيا: تحرير الوطن العربي من قواعد الأطلسي.
والخلاصة: إن الاختلاف التدافعي أو الصراعي بين مكونات الأمة العربية اليوم، هو بين رؤيتين أو استراتيجيتين :
- عولمية، ذات دوافع إيديولوجية وتلوينات سياسية متعددة ( ليبرالية – يسروية/إسلامية وفولكلورية- قبلية) تناهض الصهيونية خارجيا وما تسميه الاستبداد والفساد داخليا، وتدعو إلى نهضة ديمقراطية ليبرالية- تشاركية (=حكامة)
- وطنية وديمقراطية (جديدة) تناهض الاستعمار (الأطلسي) والرجعية والصهيونية خارجيا، وتدعو إلى التحرر منه وإلى الوحدة القومية سبيلا للتقدم نحو الاشتراكية.