أمنة برواضي في حوار مع الناقد (أسئلة الباحث العربي)
الجزء الثاني، مع الدكتور محمد ايت احمد.
أولا أرحب بكم وأشكركم على تفضلكم بالموافقة على الإجابة على أسئلتي.
من هو محمد ايت احمد. ؟
- بدايةً، أشكرك الأستاذة المُقتدرة، الكاتبة الإعلامية آمنة برواضي على روحك العلمية المُتفانية، وننوه بصنيعكم الإعلامي: في حوار مع الناقد (أسئلة الباحث العربي) الذي يُواكب الباحثين الشباب ويُثمن تجاربهم البحثية والأكاديمية والنقدية وكذا الإبداعية، ولا يفوت أن أعبر عن سروري لأكون ضمن ضيوفك للمُساهمة ولو بالقليل في تجديل المعرفة وأشكلة الرؤى واستشراف الأفق الابستيمي إبداعيا ونقديا…
بخصوص البطاقة التعريفية، أودُّ أن أُعرب أني باحث في تحليل الخطاب والسرد، أنحدر من الجنوب، من أقَاصِي جنوب المغرب؛ من إقليم طاطا، وهُناك تلقيت تربيتي ونشوئي ودراستي، وتَشجعت في المُواصلة الجامعية طالباً في شُعبة اللغة العربية وآدابها، كانت البداية من أكادير في الدراسات الجامعية العامة، وقد حَصلت بعد ذلك على الإجازة المهنية في تدريس علوم اللغة وآدابها من المدرسة العليا للأساتذة بمكناس، واستمر المَسار بعد الحصول على الماستر في الكتابات الأدبية والبيداغوجية بالمغرب من المدرسة العليا للأساتذة بالرباط، وقد تَعزز التكوين باستكمال دراسات الدكتوراه في الكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية، ومن هناك أحرزت على الشهادة تحت إشراف الدكتور الفاضل محمد بوعزة، له كامل الشكر ووافر التقدير في هذا المَقام الذي أعتبره مُتسعا للتعبير عن الامتنان كذلك.
أما مهنيا فقد تخرجت من المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بمكناس ورَاكمتُ ما يقرب الآن عقداً واحداً من التجربة المهنية في سلك التعليم الثانوي التأهيلي كمدرس للغة العربية، البداية كانت من طاطا دائماً.
طبعاً كان لهذا التكوين المتنوع أثر واضحٌ، فأسَاتذتنا الأجلاء في الجامعة المغربية، رغم كل ما يُوجد فيها ولا يَسع السياق لوصفه، فقد أمدونا بالكثير ودفعوا بنا إلى سكة البحث العلمي الجاد الرصين، وهو ما نسعى إلى الاستمرارية فيه كَجيل بَاحث صَاعد، لهذا نُحاول من جهتنا من خلال المنشورات والدراسات والمُشاركات الأكاديمية المُتنوعة تَمكين هذا الرهان بالمُقاومة وحَمل المِشعل.
وأخيراً أرجو أن أفيد بخصوص نقطة هذا السؤال دونما إطالة، وتقبلي مني أستاذتنا الفاضلة آمنة كل هذه العفوية في القول والحديث. - لكم مُشاركات في نَدوات ومُؤتمرات علمية وطنية ودولية وعدة منشورات ودراسات في مجلات علمية محكمة ومنابر الكترونية. كيف ترون مستقبل النقد مع كثرة الإصدارات الأدبية؟
- نعم سيدتي هي تَجربة أكَاديمية مُتواضعة جداً، بعضها بدأَ في مَرحلة دراسات الدكتوراه وبعضها الآخر جاء بعد ذلك، وإذا كانت قد أُتيحت لي فرصة خَوض تلك التجربة الجميلة في أكثر من سياق ومُناسبة، فأنا على أمل تَجويدها وتَطعيمها بالأفضلِ مُستقبلا ان شاء الله، وهو ما نرجوه.
في الحقيقة الأستاذة الفاضلة آمنة، بخصوص سؤالك الثاني هذا، الذي أعتبرهُ وصفاً دقيقاً لمَشهديات الثقافة اليوم، وهو مَشروع للافتحَاص وليس مُجرد سؤال، لأننا نَحتاج إلى إثباتِ الثابت والمُتغير في فَرضية هذه الإنتاجات الأدبية الغزيرة، كما نحتاج إلى إثبات افتراضات الكمي والنوعي، ولكن بانوراما الإبداع في الساحة الثقافية المغربية تحديداً لا يُمكن على أية حال أن نتوجه لها بتهمة الإكثار الزائد، بالرغم من أن النص الجيد مطلوب على وجه التساوي لوجود نقد جيد.
دعيني أقول لك أنه قد يتخاصم في هذا السؤال اثنين وهما: ناقدُ المُستقبل ومُبدع اليَوم؛ إن مُشكلتنا اليوم أستاذتي في ظل ارتباطنا كأسرى بالسوشيال ميديا وكل الوسائط والتطبيقات، هو أننا لا نقدر بكل صراحة وأمام كل هذه المؤترات تقديم الأقصى من الطاقة الإبداعية والنقدية، إن هذا الصخب الذي يُشوش على عَمليتي الإبداع والنقد الجادين، أضحى مُعظم الأكَاديميين والباحثين والمُبدعين في ظلهِ يُسارعون نحو ما يمكن أن أُسميه بالوفرة الإنتَاجية او السُّرعة الإنتاجية، وهذا راجع إلى الرغبة في مُواكبة السُّرعات التي يتحرك بها العالم السبرنطيقي، وهذا أمر مستحيل تحقيق هذا التقارب بين هاتين المسَافتين، وهنا وقع خلل، أدى إلى نتيجة مفادها أن الإصدارات الإبداعية أضحت كثيرة ولكنها ليست نوعية، وعلى الطرف الآخر كذلك ينمو نقد وفير ولكن سؤالاً مُحرجا حولَ فَعاليته وجَودته يلفُّ حول كل ما يُنتج.
كثرة الإصدارات أستاذتنا هي سيف ذو حدين كما يقال؛ في الظاهر تطمئننا عن وجود فعل ثقافي مُستقر ومُتصل ومُنقطع النظير، وعن حركية كتابةٍ وديناميةِ تفكير، ولكن في العُمق يُمكن قراءة كم الإصدارات قراءة عكسية، لأنها قد تعني أيضا حجم ما حلَّ بالنشر وسياسات النشر من استسهال، وحجم ما حل بالكتابة الوازنة من خَسارة. لم تكن هذه الأمور في الزمن القريب مُمكنة، ووجب هنا التنبيه إلى خطورة الأمر، لأن العبرة قد لا تكون بتعداد ما ننشر نحن كمبدعين أو كدور نشر، وإنما العبرة في نجاحات ما ننشره، الإشكالية الأعظَم هي المُواصلة في ذلك رغم الإخفاقات وهذا أمر نلحظه من موقعنا النقدي.
شيء آخر لعله من الضروري لفتُ الانتباه إليه، وهو أن النقد العملي والقوي والمُفعم بالنظرية، والحيوي في نتائجه وتطبيقاته هو النقد الذي يتكون في صورة ومرآة إبداع نوعي ومائز، إبداع لم يُسارع الزمن لأجل الزمن، إنما ينافي الموت لأجل الحياة؛ حياة النص، وهو ما يقع مع النصوص الخالدة.
يمكنني أن أقول لك هذا كله لا يشكل عائقا جدارياً بالمعنى الذي يصف به باشلار، إنما العَائق الذي يمكن أن يعترض وَجاهة النقد وخاصة في صُفوف النقاد الصَّاعدين، هو ما نراه اليوم مُستفحلا في الاستراتيجية النقدية في المشهد العربي والمغربي كذلك، أقصد نقد الزمالات أو نقد الصداقات، هذا يمكن وصفهُ بمشكلة عويصةٍ جداً لأن مِعيار الانتقاء في دراسات النصوص اذا استمر على هذا الحال، لن يتنبأ النقد الأدبي المغربي بمُستقبل واعدٍ ومُنصف، لأن ارتباط النقد بدائرة الزمالات الإبداعية والصداقات الأدبية ليس مؤشراً على وجود نقد ومُمارسة عَقلانية متبصرة بل هو مؤشر على تَبادُل الضمانات وامتدادِ البقاء في صُورةٍ ساخرةٍ بين الدورين؛ الناقد والمبدع.
في الختام حتى لا أكثر في مناقشة هذه الفكرة، إننا مع التصور للدرس النقدي الذي يجب أن تُمارس عليه الرقابة ويكون تحت وضع توجيهي، لدراسة الأعمال بعيدا عن أي مؤثرات أخرى من نوع آخر…أما أن يصبح النقد أداة تخدم الصناعات القرائية المُزيفة، فهذا أمر لا يتوقف فيه النقاش. ؟؟ هكذا إذن فقد أصبح نقد النقد اختصاصا ذو جدوى ليتصدى لمثل هذه المقاربات المتوارية خلف الحقيقة.
أما بخصوص الوفرة، أريد توضيح أن الوفرة الإبداعية مع النجاحات ليست عيباً، ولكن الاستمرار في مزيد من الإصدارات مَصحوبة بالإخفاقات والخيبات فهذا أمر يطرحُ أكثر من سؤال، ولكنه واقع سوق ثقافية تتداول عربيا ومغربيا… وحتى نَكبر مع الأمل ولا نشيخ مع الأسى فَمُستقبل النقد بالمغرب سَيكون بسَّاماً وسَيكون مُدهشاً، خاصة بعدَ الدفعات الجامعية للشباب الذين ناقشوا أطاريحهم ويحملون مَشاريع علمية بخطى واثقة، ونرجو ألا تتحول في المُستقبل القَريب إلى مَشاريع جَوائز، وأريد هنا أن أنهي الكلام فيما يتعلق بهذا السؤال بالرحمة على روح الإنسان عباس الجراري، أيقونة الأدب المغربي الذي ترجل عن الحياة خلال كتابتنا هذه الأسطر، فرحمه الله وغفر له.
كيف يرى الباحث محمد ايت احمد تأثير العولمة على الأدب العربي المعاصر؟ وما هي الرهانات التي يراهن عليها النقد العربي في ظل الحداثة؟
- شكراً لك على هذه الأسئلة المُحفزة الأستاذة الفاضلة آمنة، العَولمة واقعٌ نُبحر في تَجلياته صباحَ مساء، واقعٌ مَفروض ثقافياً أيضاً؛ فارتباطُ الفعل الثقافي أيا كان نوعه منذُ لحظة الفكرة والكتابة إلى لحظَة الإخراج أصبَح رهيناً بسُلطة التكنولوجيا وبَسطةِ الأدوات عَلينا، إذ لا يُمكن أن نتصف بالعدمية قائلين، أن التأثير سَلبي ويَسحب بِساط الفكر الحقيقي من تحت أقدام الكتاب والمبدعين والجامعيين، ولا يمكن أن نُبالغ أيضاً في حجمِ ما نَستفيده في هذا العَالم المُعولم، فالذي يقع أستاذتنا أشبهُ بِخطوة للأمام مُقابل خطوتين إلى الوراء، لأن الأدَب قد يُحقق طفرةً لا مَثيل لها بفضل هذا التطور التكنولوجي الضَّخم الذي يُساعد على إظهارِ هويات نصية جديدة، تَقطعُ الطريق أمام الكلاسيكيات الأجناسية؛ الأدب اليوم أصبح تفاعلياً، ديجتالياً ورَقمياً وهذه حقيقة لا يُمكن نفيها، وقد أصبح شذرياً أيضاً، ولهذا أوضح أن العولمة تأثيرها على الأدب العربي المعاصر بارزٌ، فقد سَاهمت في مُغادرة الحزانة الصفراء وشكلت بنك أدبيات جديدة، ولكننا مع كل ما نلحظُه من تَجديد، يجبُ مُقاومة هذا الاختراق الكلي، لأن الكتَاب في هيئته الكلاسيكية كَحامل مادي مثلاً، لا يمكنُ تَعويضه على أية حال بالكتاب الرقمي، أشياء كثيرة وجب أن نَحتفظ بها في عاداتنا الكتابية والقرائية، ونتنبه إلى ضرورة الحذر من أشياء أخرى كاستحواذ عالم الصورة على قالب اللغة، إذ لا يُمكن أن نَتغافل دائماً كما يؤكد اللساني روجر فاولر أن وسط الأديب هو اللغة.
أرى أن الأدب في الثقافة العربية لا يجب أن يَرتكن للحظة الماضي دائماً وبالتالي يتخلف عن الركب الحضاري الذي يتقدم بوثيرة تقنية هائلة، وبالمُوازاة يجب عليه تَحقيق مُعادلة التكنولوجيا لأجل الأدب وليس الأدب لأجل التكنولوجيا، لأن العالم التقني إما أن تستفيد منه خدمةً لما تُريده، أو تُضحي بما تُريده خدمةً للتكنولوجيا، وهذا ما وقع في النصوص التفاعلية، إذ أصبحَ حالُها صوراً مُتناقلة وخَوارزميات مُتعالقة تنقلُك من صورة إلى صورة بقليل من اللغة المَصحوبة وبكثيرٍ من التأثير الفني، وفي مثل هذه الاستحداث يَضيع الجوهر، إذ لا بد من الحِفاظ المُطلق على الدعائم الأساسية والمرتكزات الجوهرية للنص والخطاب والأدبي.
سهلت العولمة في كافة تمظهرات جوانب كثيرة من حياة الإنسان، ولكنها غزو ثقافي يجب على المُثقف العربي عامة أن يتصف ببعض الحياد والالتزام تُجاهه، وهذا مَوضوع كُتب فيه الكثير، ولكن أحاول من جهتي إضاءة بعض ما ظهر لي مُهماً في صلة العولمة بالأدب العربي المعاصر، فقد اشتغل النقاد ومنهم مغاربة مؤخراً بوثيرة محمودة على الأدب التفاعلي، ومن المُهم أن يكون من اختصاص هذا النقد تسجيل المؤاخذات أيضاً وتسجيل التوصيات.
أما المدونة الأجناسية فيجب أن تدخل في مرحلة اليقظة وتخرج من سباتها، وألا تعترف بكل الأنماط التي خرجت من رَحم السوشيال ميديا باعتبارها هويات خطابية ونصية، إذ أصبحت الشذريات والومضات والتدوينات… والعناوين كثيرة إشارات نصية وخطابية قد لا ترقى إلى مستوى اعتبارها مُنتجة أو قائمة بذاتها لتدخل إلى دفاتر المدونات الأجناسية، وهذه مسائل أيضاً في غاية الأهمية، لا يذكرها النقاد، ربما لأنها أصبحت تخدم الاستراتيجية الفنية والإبداعية للكثيرين ممن لم تعد لهم القدرة على الأداء الكتابي، أنا أعتبر من جهتي أن تقييم الظاهرة الإبداعية قبل دخولها إلى قاموس الاستعمال أضحى لازماً، لأن العولمة بحر لا شاطئ له كما يقول الإمام الشاطبي، وكلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة على حد تعبير النفري، وهنا أقول إن الرؤية إلى مفهوم الجنس الأدبي بفعل العولمة تتسع يوماً بعد يوم، ولكن هذا الاتساع يمارس تضييقاً غير مقصود على البيئة النقدية التي لا يمكن أن تكون مُنتجة في توصيف خطابات لم تصل إلى مستوى المُقاربة بالمعنى المفهومي والتطبيقي الي يستوجب امتلاك نَظرية وهَضم أدواتٍ ومَفاهيم ومُقدمات نَظرية.
إذا ثمة مشكلات في علاقة العولمة بالإبداعية العربية، ففي تدريسية الأدب العربي، فقط يمكن أن تتحقق الجدوى الرقمية بعيداً عن الأشكلة الموضوعية، فليس يخفى مثلا استعادة الشعر لحياة ظلت غائبة في بطون الكتب، بعد كل هذا التطور في التأثير الصوتي وغير ذلك، وغير خافٍ أيضاً ما تحققه كافة وسائل الميديا في تحقيق التعلم وتطوير آلياته، ونسجل هنا ضرورة المرافقة الدائمة للفعل القرائي عند الطفل وخاصة في مراحله الأولى، لأن الفعل القرائي يذوب وسط كل هذه الفنيات الخارقة التي أعطتنا حياة وسلبتنا حياة.
أما بالنسبة لرهانات النقد العربي في ظل الحداثة، قد أزعم قائلاً بأنه زمن أصبحت فيه الحاجة ماسة للنقد التفاعلي، فمنذُ وقت طويل دخلَ الإبداع إلى مرحلة الديجتالية، ولكن النقد تخلف عنه في خذه الخطوة، إلى حدود الوقت الراهن، لم نسمع بنقاد تفاعليين يستغلون الوسائط والبرمجيات والخوارزميات في التطبيقات النقدية أو في التنظير النقدي، وحتى لا تكون المسافة مُتوترة ومُتباعدة بين إبداع رقمي ونقد كلاسيكي، أصبح النقد والناقد في إلزامية جديدة تجعله يتعاطى مع النص التفاعلي بطريقة نقدية أذكى أيضاً عليها أن تكون تفاعُلية، نَعتبر هذا الأمر ليسَ سَهلاً، ولكنه ربما يكون الرؤية المُستقبلية للنقد العربي حسب وجهة نظري، ثم لدقة أكثر أصبح النقد العربي أكثر من أي مضى مجبراً على تجاوز الانفتاح اللغوي الضيق على المركزيات اللغوية فقط: انجليزية، فرنسية…وفي المقابل تطعيم التجارب النقدية بنوافذ لغات عالمية أخرى…وهذه مسألة يتحقق فيها جزء يسير، لدى بعض التجارب النقدية والأكاديمية التي تشتغل بإلحاح…
وحتى أكون مختصرا بعد كل هذا التوسع، يجب أن أقول لك الأستاذة آمنة، أن الجامعة اليوم على عاتقها توجيه مُستقبل الإبداع والنقد، من خلال التنظير للآتي وتقييم الآني، ثم من خلال تكوين المعنيين والمشتغلين في المجال على الرؤى السديدة التي تراعي تضخم عالم النت والعولمة ولكن في الآن نفسه لا تضحي بجادة الصواب في الخطابات إبداعية كانت أو نقدية…
شَاركتم في المؤتمر الدولي “أدب الطفل بين واقع الكتابة والتجنيس وآفاق التخييل والمعرفة”
هل في رأيكم ما يُكتب للطفل اليوم في مُستوى تَطلعاته خاصة مع اكتساح الإنترنيت وانغماس الطفل الكلي فيما تقدمه مُختلف المواقع؟ وما هي السبل في رأيكم لعودة هذا الطفل إلى الكتاب من جديد بعد عزوفه عنه بشكل واضح؟
- أشكرك على هذا السؤال الموضوع بعناية، فالدراسات والمَحافل العِلمية حول أدب الطفل ما زالت تَحتاج إلى المزيد لإثراء المكتبة العربية، فقد ظَهر بالمُقارنة، أن الغرب يَهتمون كثيراً بأدب الطفل وبالدراسات حَوله، وفي المقابل يقلُّ هذا الاهتمام في الثقافة العربية، وأريدُ أن أشير إلى أن المدرسة العليا للأساتذة بمكناس في شخص القائمين على المؤتمر العلمي المذكور أحسنوا صنيعا في اختيار الموضوع، وأضافوا من خلال الإصدار إضافة نوعية وقيمة للدرس المهتم بأدب الأطفال.
ألقَيتُ خِلال هذا المؤتَمر ورقةً بَحثية مَنشورة الآن حولَ التجربة القصصية للأطفال واليافعين عند الأستاذتين الفاضلتين نعيمة المدغري وحبيبة شيخ عاطف، بعنوان: تمثيل الهوية الوطنية في قصص الأطفال: قراءة في المنجز القصصي لنعيمة المدغري وحبيبة شيخ عاطف. وأود التذكير بأن الفاضلتين أستاذتين جامعيتين في المدرسة العليا للأساتذة بالرباط، بادرن لخوض تجربة الكتابة للطفل، وقد حَالفني الحظ أني أول من يُقارب تلك التجربة.
صلة بسؤالك، لابد من توضيح أن الطفل هو ثروةُ الحَاضر وعُدة المُستقبل لأي أمة تُخطط لبناء الإنسان بناءً مُتوازناً في إطار القيم الدينية والوطنية، وليسَ كل من يكتب للأطفال يُمكن أن يَسهَم في تنمية وعيهم الثقافي ويُراعي متطلبات ذلك الوعي خاصة في ظل هذا المد العولمي وفي سياق التعاطي الخطير للأطفال مع الحياة الوسائطية والتقنية، وعدم قدرة الأسرة على تدبير وترتيب كل ما يُحيط بعَالم هذا الطفل.
الكتابة للطفل ليست باليُسر الذي نَتخيله دائماً، إذ لابد إلى واعٍ بالأدب أو مُمارس للأدب، ولا يُمكن على أية حال إغفال الدور الثقافي للقصة عند الطفل إلى جانب ما يُكتب لهُ أيضاً من كُتب مصورة أو غيرها، ولكن القصة كانت دائماً تحظى من بين فنون الأدب بمكانة مُتميزة في حياة الأطفال، فهي أكثر الفنون الأدبية ملاءمة لميولهم، ومن أشدها تأثيراً في سُلوكهم، وأقواها إثارة لتفكيرهم واستثارة لعواطفهم، وهي بما تحملهُ من أفكارٍ مُتعددة، وخبرات مُتنوعة، وما تدعو إليه من قيم وتقاليد أصيلة بأسلوب غير مباشر، إنما تدفع بالطفل إلى طريق التنشئة الصحيحة وتضع اللبنات الأولى في بناء شخصيته، وتحديد هويته، لذا فإنها تعدُّ احدى الوسائل المُهمة في تكوين ثقافته، وأحد الروافد الأساسية التي تَسهم في تَنمية وعيه، وأحدَ المُمكنات الهامة التي يُمكن التصدي بها لاختراقات عالم النت، وتعزيز المُخيلة المتوازنة لدى الأطفال.
أريد أن أوضح لك بأن الكثير من الدول العربية قد اهتمت بأدب الطفل في الآونة الأخيرة لتُقاوم به ما أفَدْتِ به أستاذتنا؛ أي اكتساح الأنترنت وارتباط الطفل بالمواقع والصفحات، هي مسألة سياسات الدولة فقط، لأن الطفل في مَراحله العُمرية يُمكن تَوجيهه ويَحتاج إلى رَقابة قرائية، وفي بُلدان عربية مثل عمان والكويت والأردن والإمارات أضحى الاهتمام بأدب زائداً وذا أهمية مُطلقة في سياسات هذه البلدان، أما في المغرب ما زالت المسألة نوعاً ما مُتعثرة قليلاً، لكن هذا لا يعني الإقرار بعدم وجود بعض التقدم سواء من حيث كمية الإنتاج ونوعيته، أو من حيثُ تجديد الصلة بالمتلقي الطفل وتحديث المضامين وتقنيات النشر والتصوير والوضع الكاليغرافي وبروتوكول التوزيع والصياغة الفنية.
أعبر لك الأستاذة الفاضلة قائلاً بأن الكتابة للطفل تُشكل فعلاً تحدياً كبيرا أمام المبدع أو الأكاديمي، بما هي كتابة ومَشروط فيها أن تُلبي حاجيات الأطفال، وفي الساحة الثقافية لأدب الطفل فعلاً توجدُ القلة التي تكتب دون أن تُلبي الحاجيات الوَاسعة من هذا النوع من الأدب..
قد نَعترف بأن التربية القرائية على عائدات المكتوب للطفل وحدها لن تكون كافية لتأمين حياة طفل أمام كل ما يجده أمامه من لا محدود في عوالم الانترنت الممكنة، ولكن اقترانها بمحيط تنشئة مُرافق قد يحقق التوازن المطلوب في حيوات الأطفال، والعودة إلى الكتاب ثقافة مُشتركة تحقق للطفل حينما تتلاحم جهود المدرسة والأسرة والمحيط، وجهود السوق الثقافية التي تتداول في كتب الأطفال أيضاً… وليس المهم فقط هو الحث على الإنتاج الأدبي للطفل، ولكن الأهم أكثر هو التحفيز على نقد تقويمي يُقيم ويرى الموضوعات المقدمة للأطفال ويُحلل مردوديتها، لأن هذا النقد هو الذي سيضطلع بوظيفة التجويد أو قد يكشف اللا تلاؤم أو ينبه إلى بعض المزَالق التي قد تُنفر عوض أن تُحبب وتُرغب في فعل القراءة عند الطفل واليافع سواء بسواء…
أخيراً لأجيزَ في هذه النقطة، أرغب في القول بأن النفاذَ أيضاً إلى الطفل بكل ما يجب أن يَسترعيه هذا النفاذ من حذر ووعي بالخصوصيات السيكونمائية وغيرها، فهو حلٌّ غير بسيط قد يدفع إلى أن تكون مَشاريع غير ناجحة، لأنها قد لا تُراعي تغير الأفكار الخاصة بالطفولة، فكما تتبدل الأفكار الخاصة بالطفولة، فإن فَهم مَاهية الأشياء المُناسبة للأطفال يجب أن تُوازيه بنفس السُّرعة المُعاصرة لكشف ما يستمتع به الأطفال ويجذب ذائقتهم…
كان لكم حضور في المؤتمر الدولي “الرواية النسائية العربية، قضايا وجماليات”، فرقة البحث في الإبداع النسائي بكلية آداب تطوان، ومختبر السرديات بكلية آداب بنمسيك الدار البيضاء.
دكتور، لو سألتكم عن إصدارات المرأة المغربية مُقارنة بما أصدره الرجل ما هو جوابكم؟
- نعم سيدتي، حضرتُ أشغَال هذا المؤتمر الدولي المَاتع، وبما أن لكل حادث حديث، فأود شُكر الفُضليات سعاد الناصر وسعاد مسكين على المجهودات الأكاديمية النبيلة من داخل الصرح المعرفي العتيد بتطوان؛ فرقة البحث في الإبداع النسائي، وكل الشكر أيضاً للأصدقاء في مُختبر السرديات بكلية آداب بنمسيك وبخاصة الزميلة: سلمى براهمة، والصديق: إبراهيم أزوغ.
أولا دعيني أعبر عن احترازي المفهومي فقط من هذه التصنيفات القائمة على أسَاساتٍ حُدودية، والتي قد لا تَحتاجها مُقتضيات الكتابة؛ فقد صُنفت الكثير من الأعمال التي حُجبت هوية كاتبها أو أُطلقت باسم مستعار على أنها ذكورية والعكس صحيح، أما بخُصوص هذا المُلتقى العلمي الذي ضمَّ أسماء وازنة، ألقيتُ فيه ورقة بحثية في رواية للجوع وجوه أخرى للروائية الليبية وفاء البوعيسي بعنوان: الأنثى الثائرة والهوية الحائرة: رواية للجوع وجوه أخرى لوفاء البوعيسي من منظور سيميائي-ثقافي. وإذا عُدت إلى سؤالك أجدني حائراً لأني لا أرغب في الجواب عليه جواباً إحصائياً يَعتمد على لُغة أرقام، لأنه لن يُبلغ الحقيقة رغم نتائجه الواضحة.
الحصيلة اليوم في البورتريه الثقافي بالمغرب، أن القَلم النّسائي مُتدفق وحيوي ويَرعى نفسه في هوامِش كثيرة للحرية والانعتاق والثأر والردود واستعادة الحيوات والهويات الضائعة، ولكن ثمة مُلاحظة أرغب في الإفصاح عنها من خلالِ تأمُّلي البَسيط لمَشهد الإصدَارات النسائية، وبعدها لنا كلام وحديث فيما يخص إصدارات الآخر في سياق آخر. فالمؤسف أن الأعمَال النّسائية الأدبية اليوم ما زالت تتسيَّدُها الأسماء المعروفة وتتربعُ على عرشِها نَفسُ الأسماءِ التي كَتبت لأكثر من عقدين في المغرب. وفي نفس الوقت تتسلَّلُ بعض الأقلام النسوية لتجدَ لنفسها موطئاً ومع جدَّةِ ما تُقدمه، ولكنها لا تجد؛ ثمة إشكال قائم ولكنه يحتاج إلى تدليل: جانب منه مُرتبط بكون الأمهات الروحية للكتابة النسائية بالمغرب لا يرغبن في الاعتراف بقدوم نِساء مُبدعات قد يُنهين سيادتهن الإبداعية، وهذه بعض الإشارات فقط، المفروض ممن يلتقطها أنها أرضية لأبحاث من شأنها إثبات هذه الافتراضات… ثم جَانبٌ آخر يُفرز هذه الحَساسيات والمَزيد في الإبداع النسائي المَغربي، هو تلك الحدود الوَهمية التي تزيد الشرخ بين: الكاتبة الأكَاديمية، والكاتبة المُبدعة، لأن الضَّامن لصَلاحيات العَطاء قد لا يكون هو قيمة العَطاء في كثير من الأحايين… لهذا نرى أن المرأة المبدعة وبعدما تجاوزت حسَاسيتها التنافسية مع الإبداع الرجولي، دَخلت في تنافسية الشبيه وعُقدة التفوق.
أما والحديث عن الحركية في الإصدار، فإن الأمر طبعاً مُشرف جداً، ونرى دخول الكتابة النسائية بالمغرب مَرحلةً من التحرر الفائق، ورغم كل العوائق التي تصدُّ الكثير من الكاتبات، منها ما هو مُتعلق بالنشر، ومنها ما هو مُرتبط بسلطة الرقيب السياسي والديني خاصة، ولكن ومع هذا كله، فإن الدينامية النسوية في المغرب أصبح مُعترفاً بها عربياً، ودخولها في خطة التميُّز والاستثناء في الموضوعات والطرائق والاستراتيجيات قد أكسبها المزيد من التألق، ولكن على أية حال وفي انعدام مُعطيات رقمية مُحينة، لا يمكنني القول إلا أن وضع الإصدارات في المغرب أصبح في مرحلة من التقارُب والتساوي بين الجنسين، فبالوثيرة نفسها التي نرى بها الإصدار الرجولي، نرى بها أيضاً الإصدار النسوي، والأهم بعيداً عن نِقاشات النوع، فإن الوضع الثقافي بالبلاد قائمٌ مُتواصل وقد تعزز بمجهودات نِسائه ورِجاله.
أين يمكن تصنيف المرأة المبدعة المغربية مُقارنة بنظيرتها في الوطن العربي.؟
- هذا سؤال أعتبره غيرَ مُنفصل عن سَابقه، ولكن استقلاليتهُ سَتجعلني أُضيف بعضَ الأشياء التي أردتُ قولَها سابقاً، ولا شك أنك قد لاحَظت أني تَفاديتُ منذ الأول أن أعطي أمثلة لكتاب وكاتبات، وكان بالإمكان فعل ذلك، ولكن اعتباراً لمسألةٍ مقادُها أن ذكر اسم واحدٍ لا يَعني أنهُ يقصي لائحةً كَثيرة من الأسماء، قد لا يكون للحوار هنا مُتسع لذكرها، قد أمكنني القول إن المرأةُ المَغربية المُبدعة، في الصَّدارة، لقد لاحَظنا ما حَصدته النساء المَغربيات من تَشريف وتَكريم وجَوائز في مُناسبات ثقافية ومَحافل علمية عديدة، وهذا إنما يدل على العرفان الواضح لجُهود المرأة المغربية، إلى جَانب أيضاً ما تُقدمه النساء المغاربيات في الجزائر وليبيا وتونس، والعربيات في مصر ولبنان وعمان والكويت والعراق بشكل خاص…الإشكالية المسجلة أن معظم الوجوه النسائية المغربية، أغلبهن يشتغلنَ في إطار بحثي جامعي، ويكبُرن من داخل الدرس الجامعي، والمُصادفات النسائية اللواتي يبرزن من مُحيط إبداعي وليس جامعي، قلة منهن من يواصلنَ المَسير. وبالرغم مما نُبديه من ملاحظات بَسيطة، فإن المرأة المغربية المُبدعة أصبَحت تَرسُم لنفسها صورة ألمَعية داخل الوطن العربي وخارج القُطر العربي أيضاً، وذلك بكل وثوقية وعزم وإصرار على تحقيق كل النجاحات المستحقة.
والجَميل جدّاً أن الفعل الكتابي النسوي المغربي، لم يقتصر على الإبداع والنقد فقط، بل بَرعت الوجوه النسائية المغربية في الآونة الأخيرة في الترجمة كذلك، وأحيل هنا الى ندوة وطنية كان قد نظمها المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بمراكش بشراكة مع كلية اللغة العربية تحت عنوان: المرأة المغربية والترجمة، هذه الندوة أبانت بكل صدق قوة صاعدة للمرأة المغربية في مَجال الترجمة من وإلى العربية الذي لم تكن معهودة فيه، وكَنموذج فَقط كنتُ قد تَوقفت في ورقة علمية لي عند اسم نسائي مغربي يُعتبر الأول من نَوعه الذي قدم ترجمةً لرواية مَغربية مَكتوبة بالعربية إلى اللغة الأمازيغية بحرف تيفيناغ؛ أعني الباحثة فاطمة والعالي مُترجمة لرواية جيرترود لحسن نجمي، إن مثل هذه الموائد العلمية وغيرها، تُبين مَكامن القوة لدى المرأة المَغربية في الكتابة ككل، وهو ما يجعلنا نَعتبرها في قائمة الوجوه الفعَّالة والمُنتجة إسوة بنظيراتها في القُطر العربي كاملاً.
كيفَ تُصنفون المَشهد الثقافي المَغربي مُقارنة بباقي الدول العربية الأخرى.؟
- سأحاول هذه المرة أن أتحدث بلغة النتائج والجوائز، وسَيظهرُ الحضُور المُشرف للمغرب في حصول نقاده ومُبدعيه على مجموعةٍ من الجوائز الدولية، ثم ما يَجعلنا نؤمن بأهلية الكتابة المغربية ومصدراً للفخر والتفوق، هو هذا الشباب في مُقتبل العُمر الذي حَصد جوائز أدبية هامة، يُشارك فيها كتاب عرب كبار، وإن جاز القول فإن كل هذه الأمارات تؤكد أننا أمَام طَاقات تَستحق ان تُوصف بريادتها وحضورها المتوازن دائما، وهذا ما يضمن تجييل آفاق البحث والمعرفة، استمراراً للنهج الذي سارَ عليه السابقون…لكن الوصول إلى القمة على غرار دول توفرت لديها الإمكانيات كقطر وسلطنة عمان والبحرين والكويت…. يتوجب على الجهات المسؤولة في المغرب، وخاصة وزارة التعليم العالي ووزارة الثقافة أن تَلتفت إلى العطاء الزاخر والجيد وتثمن الإنجازات وتدفع بالبحث العلمي إلى تطوير داخلي مُجدي، لأن هو المعيار الحقيقي لتسويق صورة خارجية أفضل وأبهى وأجمل.
دكتور، هل اهتمام الجيل الجديد بالإبداع بهذا الشكل الذي يبدو عليه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، قادرٌ على أن يُعطينا في المُستقبل كُتاب ونُقاد يَحملون على عاتقهم هم الثقافة في الوطن العربي.؟
- لا يُمكن الجَزم في هذه المسألة، فما يوجد في مواقع التواصل الاجتماعي لا يُترجم دائماً للحقائق الثابتة ولا يَعكس الأهلية الأكاديمية عند الأفراد لشق طريق شاق نحو كاتب أو ناقد مُستقبلي …فالتسويق للمادة الأكاديمية والإبداعية إعلاميا عبرَ مواقع التواصل الاجتماعي، أو أذهب معك بعيداً، وأقول لك حتى تَسويق البَاحث إعلامياً لنفسه بصورة ألمعية في الصفحات، هذا أمرٌ غَير كَافٍ وليسَ ضامناً على وجود ذات ٍبَاحثة حقاً، وعلى وجود بَحثٍ علمي بالمعنى المبحوث عنه.
كل الشباب الذي يُحاول فإنه قادرٌ على أن يُعطي كَلمته في المستقبل، ولكن ليس كل من يُحاول قد يُصبح فعلاً كَاتباً وناقداً، ثم إن عطاءات الإنسان لا تبقى على إيقاع واحد، الاستمرار على إيقاع واحد يَحتاج إلى تحفيز، تَحفيزات مهنية ومُحيط سوسيو ثقافي، يؤمن بقُدرات الإنسان ويُغنيها ويحتويها، وهذا هو ما من شأنه الرفع من السمعة الثقافية الوطنية.
أما عناية الجيل الجديد بالهم الثقافي في الوطن العربي، فهذا امرٌ يشاطرهُ الجميع ممن يهتمون بالبحث العلمي ومُستجداته، ولو أن تمثله والإسهام في إضاءته من خلال الوجود الفاعل والانخراط البناء يكون بدرجات مُتفاوتة، حسب القناعات الفكرية وإيمان الأفراد بالقضايا.
بماذا يفسر الباحث محمد ايت احمد علاقة الثقافة بالفكر وأيهما أكثر تأثيرا في الآخر.؟
- يُمكنني اعتبار هذا السؤال ذا صبغة كَلاسيكية وبحثية وجدلية، وهو من الأسئلة التي كَتب فيها الفَلاسفة وأعلاَم اللغة والأدب كثيراً، وربما سَيأخذ الجواب على بَعض جَوانبه وَقتاً طوبلاً، ولكن الأهم الذي أرغب في قوله وسأكتفي به أن الثقافة هي الوعاء الحاضن للفكر، وقد يضيع الفكر دون التمثل والتجسيد الثقافي له، ومن جهة أخرى فلا يصح القول إن واحداً منهما يُنتج الآخر، بل اعتبارهما مُتلازمة ووجهان لعملة واحدة؛ فالثقافة والفكر علاقتهما وطيدة ووثيقة، إن الثقافة تُعتبر مَرجعية الفرد لتَشكُّل فِكره ورَأيه ومُعتقده، وقد تُؤدي الثقافة في زاويةٍ ما إلى التعديل أو التغيير في السُّلوكيات والأنسَاق الفكرية، إن بين الفكر والثقافة علائق مُتبادلة، وكلما استوَت العَلاقة على دَرجة من التحديد والتطابق كلما كانت الإنتاجية الفكرية والثقافية في صورة من التخليق الإنساني المنشود.
باعتباركم تزاولون مهنة التدريس، كيف ترون مستقبل التعليم العمومي بالمغرب.؟
- أنتم تعرفون الأستاذة الفاضلة واقع التعليم العمومي بالمغرب، وليس يخفى على أحد، خاصة بعد هذه الأحداث الأخيرة التي عَاشها المُجتمع المغربي كاملاً، وقد أصبحَ الجميع عارفاً بتفاصيل وأزَمات ومُشكلات قطاع التعليم والمُجتمع المدرسي بالمغرب، وقد أكون صريحاً بعض الشيء لأقول أن مجرد كونك مُدرس، ما لم تستوعب مُتغيرات المجتمع وإبدالاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من الصعب بمعزل عن هذا كله فهم المناخ التربوي والبيئة التعليمية بالمغرب، ولكن دعيني أقول لك قياساً لما جرى في هذه المرحلة الأخيرة، أن المستقبل القريب قد يكون الأفق فيه واضحاً تمام الوضوح، وقد يزيد في غُموضه وضَبابيته وهو ما لا نرغبُ فيه إطلاقاً، ونرجو من الفاعلين السياسيين في البلاد أن تكون لهم إرادة فعلية حقيقية للنهوض بقطاع التعليم المدرسي العمومي.
مُستقبل التعليم بالمغرب نسقي، يَستوجب تَعديل مجموعة من البنيات المُتداخلة والفاعلة، كتأهيل الوضع الاجتماعي والمادي للأسرة التعليمية، الاعتناء باللوجستيك والتجهيزات والبنيات التحتية للمؤسسات التعليمية، تمكين الإرادة السياسية والتدبيرية اليقظة… ونأسف إذا عبرنا عن حقيقة مفادها أن نقطة الضوء مكشوفة ولكن دائماً نراها بعيدة وستظل كذلك ما لم يتبدل المخيال السياسي المغربي وتتجدد الإرادة السياسية التي مفروض أن تَضع قَضية التعليم ضمن أولوياتها وفي مصاف اهتماماتها وهو أمر لا يحدث بالسرعة المطلوبة لمواجهة كل هذه الأعطاب…
لكم عدة دراسات منشورة؛ نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
-دراسة تقويض الطابو الذكوري “استراتيجيات الانتهاك في رواية التشهي لعالية ممدوح”، ضمن العدد 106 من المجلة الفصلية الثقافية “نزوى” الصادرة عن وزارة الاعلام بسلطنة عمان، أبريل 2021.
- دراسة “التلقي العربي للسميائيات الثقافية تأليفاً وترجمة” – عبد المجيد نوسي مثالا، ضمن المؤلف الجماعي – – “التحليل الثقافي للنصوص” منشورات مختبر السيميائيات -وتحليل الخطابات الأدبية والفنية، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، سنة 2022.
- دراسة: “تمثيل التعددية الثقافية والشتات المضطهد في رواية “من يبكي النوارس” لزهرة المنصوري”، مجلة تسليم، مركز العميد الدولي للأبحاث والدراسات، العراق، المجلد الثاني عشر، العددان الثالث والعشرون والرابع والعشرون، كانون الأول، 2022.
- دراسة ترويض الذاكرة، فداحة الحرب وسيرة الحظ والوجع.. قراءة في “ذبابة في الحساء”، مجلة ميريت الثقافية، عدد 52، أبريل 2023.
- دراسة النقل الديداكتيكي للمفاهيم السيميائية في الكتاب المدرسي (دراسة تطبيقية)، ضمن منشورات أعمال المؤتمر العلمي الدولي -(ديداكتيك اللغة العربية، تخطيط التعلمات وتدبير الأنشطة)، مجلة الديداكتيك للعلوم التربوية، سنة 2022.
-دراسة سرديات المقاومة والتحرر في ظل المواجهة الاثنية “دراسة في رواية لأني أسود لسعداء الدعاس”، محلة المعرفة للدراسات والأبحاث، العدد الثاني، يناير 2023.
-دراسة: السبق النسائي في الترجمة، فاطمة والعالي مترجمة لرواية جيرترود إلى الأمازيغية (التجربة، الممكنات والحدود)، ضمن الكتاب الجماعي، المرأة المغربية والترجمة، منشورات ركاز، الأردن، ط1، 2023. - دراسة: الهوية النسوية بين التخريب والترميم، فاعلية السرد في رواية سندريلات مسقط لهدى حمد، مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية، منشورات مركز جيل البحث العلمي، عدد 85، سبتمبر 2023.
- دراسة: التأمل الحضاري والتعدد الثقافي المقارن، مراجعات في جديد الإصدار الرحلي لعبد العزيز الراشدي (جراح المدن- من درعة إلى شيكاغو.)، مجلة رؤى، وكالة الأنباء الليبية، ليبيا، عدد 52، سنة 2023….
دكتور، ما هو المشروع النقدي الذي يشغل بالكم؟ لكم الكلمة.؟
- في الحقيقة عادةً ما يكون الانشغال البحثي والأكاديمي شائكاً، وأحياناً يُواجه الباحث رحلة من التيه، ولكن البحث التخصصي يُخرجك من عُموميات البَحث ويفرض عليك اختصاصية دقيقة، وقد يكون ما يشغل بالي في المُستقبل هو تقديم الأفضل في الدراسات والتأليف خاصة في مجال الدراسات الثقافية وما بعد الكولونيالية والنقد النسوي، ونأمل أن نفلح في ذلك في المُستقبل…
دكتور أترك لكم مساحة حرة لتتفضلوا بالحديث فيها؟
- لا يُوجد سُؤال إضافي أستاذتنا، وقد تَشرفت بِجلسة الحوار المَاتعة مَعك بخصوص تجربتي البحثية والنقدية؛ ونحن ننتقل من سؤال إلى آخر كأنه تطريز ونَسج لتأملات لن يسع المجال في المادة الحوارية للانتهاء منها، ولا يفوت انتهاءً أن أجدد خالص شكري وتقديري وامتناني لك الأستاذة الفاضلة آمنة برواضي، وتحية غالية لكل القائمين على سلسلة الناقد (أسئلة الباحث العربي)، فرصة قادمة ان شاء الله، تحياتي…