أكلتك الديدان يا وطني، الوطن لأهله والفاسد لا وطن له
قالت الأعراب قديما، سوس الخشب منه وفيه، إذ لم تضعف أمة يوما، ولم يستبحها أعداؤها، إلا بمساعدة السوس الذي بداخلها، ومعروف أن علاج السوس ليس سهلا وليس مستحيلا، لكنه صار ضروريا في جميع بلدان عالمنا العربي والإفريقي.
بقلم عبدالله العبادي
المجتمع وبمختلف مؤسساته، مدرسة لإنتاج الأفراد، وكلما كانت هذه المؤسسات نزيهة، كلما أنتجت أفرادا بمبادئ وأخلاق عليا، كما أن درجة تقبل سلوك ما، تتعلق أساسا بدرجة انتشار هذا السلوك داخل الوسط الاجتماعي، فغالبا ما يرضخ الفرد لأخلاق العامة. فكلما اتجهت سياسة الدولة نحو الهروب لخلق العدو الوهمي الخارجي، كلما خلقت تنشئة اجتماعية تؤمن بنظرية المؤامرة حتى النخاع، فتصير بدورها جزء من المؤامرة، فسوس الخشب منه وفيه.
في عام 1970 أقرت كوبا قانوناً يمنع مواطنيها من الهجرة إلى أمريكا حتى لا تجندهم المخابرات الأمريكية، كمعارضين لكاسترو. بعد عشر سنوات، حاولت أمريكا إحراج كوبا، فأعلن جيمي كارتر أن أمريكا مفتوحة لكل الكوبيين وأنهم سوف يحصلون على مزايا عديدة. رد فيديل كاسترو بتجيهز 600 قارب بميناء هافانا وقال من يريد أن يذهب لأمريكا فليذهب، فأحتشد أكثر من 125 ألف كوبي يريدون الرحيل عن كوبا.
تفاجأت أمريكا بعدد المهاجرين الكوبيين على سواحلها، وامتنعت عن استقبالهم وتركتهم لأسابيع في البحر، وتوفي العشرات، قبل أن يتم وضعهم في ملاجئ بجزيرة كوبية محتلة. الغريب أنه وبعد خروجهم انتعش الاقتصاد الكوبي بعد فترة من الركود وحقق فائض تجاري كبير رغم الحصار، كذلك تطور قطاع التعليم والصحة في كوبا وبشكلٍ سريع، فخطب كاسترو وقال: “هؤلاء الديدان لقد كانوا أمريكيين وهم بيننا “.
في حين تعرض جيمي كارتر لانتقاد شديد بسبب غبائه، وتسبب ذلك في خسارته بالانتخابات فيما قال خلفه الرئيس رونالد ريغان: لو بقى هؤلاء المهاجرين في كوبا لسقط كاسترو. نعم في كل وطن ومجتمع توجد ديدان هم سبب خرابه ونكبته، والقضاء عليهم قضاء على الفساد المستشري بين الناس. والمقصود هنا، ليس كل مهاجر خائن، بالعكس هناك من هاجر للدراسة وهناك من هاجر لتحسين ظروف عيشه، لكن الحالة الكوبية كانت استثناء، أن تهاجر عند أكبر خصم وعدو ومن يفرض عليك الحصار، لن يفعلها إلا الديدان آنذاك.
الفساد هو الشبح الذي طالما تربص بأحلام الناس، وهو ظاهرة حاربتها كل البلدان، إلا النخب والحكومات الفاسدة فقد استطاعت تحويل الفساد من سلوك غير عادي ومنبوذ إلى ظاهرة اجتماعية عادية يتقبلها العام والخاص وتتوارثها الأجيال، بحجج واهية، حتى صار الوطن أرضا خصبة لجميع الظواهر السلبية. والفساد سلوك ناتج عن غياب للرقابة الذاتية المتمثلة في الضمير والمبادئ، وغياب الرقابة العامة والمتمثلة في القوانين التي تسهر على تطبيقها الدولة، إلا أن السلطات الفاسدة لا يمكن أن تضمن وجودها إلا في مستنقع مجتمعات فاسدة.
فالفساد نتاج وله علاقة وطيدة بالتخلف والجهل، وتساهم التنشئة الاجتماعية الغير السوية والتي يتم حقنها بأفكار سلبية وتضخيم الأنا بشكل كبير في ترسيخ القابلية للفساد. فسياسة الدولة (مثل الأسرة والمدرسة) لبنة أساسية في إنتاج إنسان فاسد داخل المجتمع، إذ تستعمل الأنظمة السياسية الفاسدة في الدول المتخلفة، شعوبها، في نشر الفساد في أدق تفاصيل الحياة، ونشر الحقد والكراهية ومعاداة الآخر لتستمر في الوجود من خلال تسليح فريق كبير من الشعب بأفكار تافهة وبدائية.