أخبارتقارير وملفات

من بابل..رحلة السحر عبر العصور..كيف ظهر على وجه الأرض وكيف تعامل البشر معه؟!

إعداد: حنان الطيبي

عبر أروقة التاريخ وممرات الزمان، يقف السحر شامخا في غموض كحجر زاوية في الثقافة الإنسانية، محفورا بعمق في نسيج حياتنا الروحية والمادية. من الطقوس القديمة التي كانت تجرى على ضوء القمر في غابات موحشة، إلى الكلمات السرية التي كانت تهمس في أزقة المدن القديمة، يعد السحر رحلة عبر الأزمان والثقافات، تنقلنا إلى عالم مليء بالغموض والإثارة.
لطالما كان السحر يستخدم لفهم ما هو خفي، للتأثير في الأحداث والسيطرة على قوى الطبيعة، ولكن أيضا كان مصدر إلهام للفنون والأدب. في هذه الرحلة الفريدة، سنكشف النقاب عن تاريخ السحر والسحرة، مستكشفين كيف شكلت هذه الممارسات العالم من حولنا وكيف تستخدم حتى يومنا هذا. استعدوا للغوص في عالم الأسرار الخفية، حيث الحقيقة أغرب من الخيال، وحيث كل تعويذة وطقس يروي قصة الإنسان في سعيه الأبدي نحو المعرفة والقوة وربما الخلود!

تاريخ السحر والسحرة هو رحلة مثيرة عبر الزمان والمكان، تأخذنا إلى عوالم مليئة بالأسرار والعجائب، منذ فجر الحضارة، لعبت الممارسات السحرية دورا محوريا في تشكيل المعتقدات والطقوس الدينية للشعوب المختلفة، وتختلف طرق السحر وأهدافه من ثقافة إلى أخرى، لكنها جميعا تشترك في الرغبة بفهم العالم الغيبي والتأثير عليه.

في مصر القديمة، كان السحر جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية، حيث استخدمه الكهنة لحماية الفراعنة وضمان الخصوبة والنجاح في الحياة الآخرة؛ كان كتاب الموتى، وهو مجموعة من النصوص الجنائزية، يحتوي على تعاويذ سحرية مصممة لمساعدة الأموات على عبور العالم الآخر بأمان.

في أوروبا الوسطى، خلال العصور الوسطى وعصر النهضة، ارتبط السحر ارتباطا وثيقا بالخوف والاضطهاد، حيث أدت محاكمات الساحرات والصيد المحموم للسحرة إلى مقتل الآلاف، غالبيتهم من النساء. كان ينظر إلى السحر على أنه تمرد ضد النظام الطبيعي، مما يهدد النظام الاجتماعي والديني.

في الأمريكتين، قبل الاستعمار وبعده، كان للشامانية والممارسات السحرية أهمية كبيرة في الثقافات الأصلية. كان الشامانون يتوسطون بين العالم الروحي والمادي، يشفون المرضى، ويتنبأون بالمستقبل، ويحمون قبائلهم من الأرواح الشريرة.

في آسيا، تشكل السحر والتعويذات جزءا من العديد من التقاليد الروحية والدينية. ففي الهند، يعتقد أن بعض اليوجيين والسادهوس يمتلكون قوى خارقة تمكنهم من أداء المعجزات. اما في الصين، تستخدم الفنغ شوي والطاوية كوسائل للتناغم مع الطاقات الكونية والتأثير عليها.

في العصر الحديث، شهد السحر تحولا كبيرا، حيث أصبح ينظر إليه بشكل متزايد على أنه جزء من التراث الثقافي والفني. الويكا وغيرها من حركات العصر الجديد تعيد تصور السحر كوسيلة للتنوير الروحي والتواصل مع الطبيعة. وتستمر الممارسات السحرية في جذب الأفراد الباحثين عن معنى أعمق في الحياة، مما يشير إلى أن السحر سيظل جزءا لا يتجزأ من البحث الإنساني عن الفهم والتأثير في العالم من حولنا.

ماذا أخبرنا القرآن عن بداية السحر في الأرض؟:
“ واتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ” (البقرة: 102).

هذه الآية تؤرخ لكيف ومتى ظهر السحر على وجه الأرض، إذ تشير إلى أن الناس في بابل تبعوا ما كانت تتلوه الشياطين على عهد ملك سليمان، مؤكدة أن سليمان لم يكفر بل الشياطين هي التي كفرت بتعليم الناس السحر. وتذكر الآية كذلك أن هاروت وماروت لم يعلما أحدا حتى يقولا له بأنهما فتنة، محذرين الناس من الكفر. وعلى الرغم من ذلك، تعلم الناس منهما السحر الذي يفرق بين الزوج وزوجته، مع التأكيد على أن هذا الضرر لا يقع إلا بإذن الله

قصة هاروت وماروت هي واحدة من القصص الفريدة ضمن التقاليد الإسلامية التي تتطرق إلى بدايات السحر. تذكر هذه القصة في القرآن الكريم، في سورة البقرة، لكن دون تفاصيل مفصلة عن الأسباب والظروف. القصة، كما تروى في التفاسير والأحاديث، تحكي عن ملكين من الملائكة هما هاروت وماروت، أُرسلا إلى الأرض لاختبار الناس.

وفقا لبعض الروايات، كان هاروت وماروت يعترضان على تصرفات البشر على الأرض، معتبرين أنهم لو كانا في مكانهم لعبدوا الله بشكل أفضل. فأراد الله أن يظهر لهما تحديات الحياة الدنيوية وضعف البشر، فأُرسلا إلى الأرض في صورة بشرية ووضعا تحت الاختبار.

أُعطي هاروت وماروت القدرة على تعليم الناس السحر في بابل، لكنهما حذرا الناس من أنهما مجرد اختبار وأن تعلم السحر وممارسته يعد كفرا وفتنة… الهدف من هذا الاختبار كان تعليم البشر الفرق بين الخير والشر وإعطائهم الاختيار الحر في اتباع طريق الحق أو الانحراف نحو الباطل.

السحر، كما يشير إليه القرآن في هذا السياق، ليس مجرد خدع أو ألعاب بصرية، بل هو ممارسات تهدف إلى التأثير في الطبيعة والناس وفي نفوسهم ومشاعرهم، بطرق خفية وغالبا لأغراض شريرة، مثل التفريق بين الزوج وزوجته، وهذا يعتبر النوع الوحيد من السحر الذي اعترف به القرآن من بين كل أنواع الأسحار، ألا وهو سحر التفريق، وطبعا هذه الممارسات محرمة في الإسلام لأنها تعتمد على الاتصال بالجن والشياطين وتستلزم الكفر بالله والتعدي على حرية الآخرين وإرادتهم.

قصة هاروت وماروت هي إذن، ضمن الأسرارالإسلامية، تذكير بأهمية الإيمان والطاعة لله وتحذير من الانجراف وراء السحر والشعوذة التي تعد من أعمال الفتنة والضلال.

وهكذا، نجد أنفسنا في نهاية رحلتنا المثيرة عبر أزمنة وأمكنة السحر والسحرة، ان هذا العالم بمثابة مجال غامض اكتنفه الإنسان بالأسرار والدهشة عبر العصور. من أعماق الحضارات القديمة إلى مشارف العصر الحديث، ظل السحر ينبض بالحياة، متجددا ومتحولا، لكنه دوما يحمل ذات الجوهر – البحث الأبدي عن القوة، الحكمة، والتواصل مع العالم الأكبر من حولنا.

في الأساطير والطقوس، في الخوف والإعجاب، نجد أن السحر لم يكن مجرد هروب من الواقع، بل كان وسيلة لفهمه وربما، في بعض الأحيان، لتحويل مجراه. مع تقدم العلم والتكنولوجيا، قد يظن البعض أن عصر السحر قد ولّى، لكن الحقيقة تقول عكس ذلك. السحر، بأشكاله المتجددة، لا يزال يلهم الباحثين فيه والمحاربين له في ذات الوقت، يثري الثقافات ويتنوع بتنوعها، ويفتح الأبواب أمام الأسرار الكونية العظمى.

كما النجوم التي تضيء سماء الليل الحالكة، تلمع قصص السحر والسحرة، مذكرة إيانا بأن في قلب كل واحد منا يكمن الفضول والرغبة في استكشاف المجهول. ربما السحر، في جوهره الأعمق، ليس إلا تجليا لرغبتنا الجامحة في تجاوز حدود واقعنا، للتواصل مع شيء أكبر من أنفسنا، شيء يمس الروح ويحرك العقل. وفي هذا السعي، لا يزال السحر يحمل وعده الأزلي بالاكتشاف والتحول، دعوة مفتوحة لكل من يجرؤ على النظر خلف الستار واستكشاف أعماق الوجود. ودخول عالم الابتلاءات، فإن كان مسحورا صاحب الصبر وغاص في اعماق نفسه ليكتشفها حتى يصبح من العارفين بالله، وإن كان ساحرا صاحب الشياطين وعاهدهم حتى تصبح رقبته ملك هواهم، فلا هو منفك منهم ولا هو يملك من نفسه شيء إلا روحه المصفدة بداخل جسده.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button