الأديبة أمنة برواضي في ” حوار مع الناقد ” (أسئلة الباحث العربي )
الجزء الثاني _الحلقة 27 (شغف النقد والإبداع)
مع الأديب والناقد السينمائي د . محمد اشويكة.
أولا أرحب بكم وأشكركم على تفضلكم بالموافقة على الإجابة على أسئلتي.
من هو محمد اشويكة؟
- يستعصي عَلَيَّ في الكثير من الأحيان تعريف نفسي لأنني لا أحب التصاق الكثير من الألقاب بي، أحبذ أن يتحدث منجزي في الكتابة عن ذاته سواء في مجال الجماليات البصرية أم القصة القصيرة (إبداعا وتأملا) أم في شؤون الكتابة والثقافة بشكل عام. أتمنى أن تكون الكتابة مدخلا أساسيا للجمع بين عناصر تجربتي الثقافية التي يحركها الشغف قبل كل شيء.
محمد اشويكة حاصل على الدكتورة في الفلسفة وناقد سينمائي.. الفلسفة والسينما أية علاقة؟
- تتشابك العلاقة بين السينما والفلسفة اشتباكَ الحياة بالإنسان، فكل فيلم جاد يحقق رؤية معينة للذات والآخر والعَالَم، وهو صادر عن رؤية للحياة، يتبناها مؤلفه ضمن رؤية شمولية لأعماله السينمائية، تماما كما يفعل الفيلسوف. هناك وجهات نظر رئيسية تتعلق بالفلسفة في علاقتها بالأفلام، فلا يُفهم الفيلم بوصفه موضوعا للتفكير الفلسفي إلا بقدر ما يُفهم بِعَدِّهِ وسيلة للانخراط في الفلسفة. ازدهرت المساهمات في هذا المجال منذ بداية القرن الحادي والعشرين، تزامنا مع الناقشات الفكرية حول مدى إمكانية فهم الفيلم على أنه “يمارس” الفلسفة، وذلك عوضاً عن كونه محض مصدرٍ للتوضيح أو المثال الذي نقدمه أثناء لحظات التأمل الفلسفي. هناك اعتراضات حول الموضوع، لكن أصولها تعود إلى أوجه التشابه الملحوظة بين السينما وكهف أفلاطون، بينما يعود بعضها إلى الانتقادات الأفلاطونية الأكثر عمومية حول قدرة الفنون الخيالية على كشف الحقيقة. في مقابل هذه الاعتراضات هناك بعض وجهات النظر الجريئة والمدهشة حول قدرة الفيلم على القيام بالفلسفة، ومفادها أن الكثير مما يمكن القيام به في المجال اللفظي يمكن تمثله، أيضًا، في الوسط السينمائي، فضلا عن وجود نوع مميز من التفكير السينمائي يقاوم إعادة الصياغة عن طريق اجترار المصطلحات الفلسفية التقليدية. نشير كذلك إلى وجهات النظر الأكثر اعتدالا، تلك التي ترى بأنه يمكن للفيلم الانخراط في بعض الأنشطة الفلسفية المعروفة من قبيل التجربة الفكرية مثلا كما أنها قادرة على تقديم أنواع معينة من المواد الفلسفية بشكل أفضل. عموما، أثبتت التجارب أن الأفلام السينمائية قادرة على تقديم تصورات خلاقة حول الذات والعَالَم، وهي لا تقل في الواقع عما يقدمه الفيلسوف.
ما هي في رأيكم أهم الخصائص التي تتميز بها السينما المغربية مقارنة بغيرها في باقي الدول العربية؟
- تتميز السينما المغربية عن مثيلاتها في العالم العربي بانتظام وثيرة إنتاجها الذي تدعمه الدولة على مستويات متعددة (دعم إنتاج الأفلام، دعم التظاهرات والمهرجانات السينمائية، دعم تصوير الأفلام الأجنبية بالمغرب، دعم بناء وتجديد ورقمنة القاعات السينمائية)، فضلا عن تَجَدُّدِ دماء الإبداع فيها بفضل اجتهادات أجيال مبدعيها الذين لامسوا قضايا وموضوعات معينة بطرق سينمائية مغايرة لاقت احتفاء خاصا في كبرى المحافل الدولية لاسيما بعض الأعمال التي أنجزتها المخرجات، ويمكن ذكر فيلم “كذب أبيض” الذي قاربت فيه المخرجة أسماء المدير أحداث أو انتفاضة 1984 بالدار البيضاء استنادا على حكاية عائلية، بطلها الجدة والأب والأم وبعض الجيران، وذلك وفق معالجة بصرية تجمع بين الوثائقي والدرامي، واعتماد التماثيل والمجسمات الصغيرة لاستعادة الماضي، وربطه بالحاضر والمستقبل، وفي ذلك جرأة كبيرة استندت على المحكي العائلي…
سارت السينما المغربية نحو خلق حساسيتها الخاصة التي تستند على التذويت والتجريب والتجديد على مستوى اللغة السينمائية، فضلا عن ملامستها للموضوعات ذات الحساسية الخاصة داخل المجتمع المغربي، فاتحة أفقا مغايرا داخل المغرب وخارجه بالرغم من انحسار القاعات السينمائية وتقلص الثقافة السينمائية في الفضاءات العمومية. يمكن الجزم بأن بعض التجارب السينمائية المغربية تَصُوغُ أفقا حداثيا يستدعي تمثله ضمن منظومة فكرية تساير ما يقع في مجالات بحثية تخلخل قيم الأزمة والتقليد والخرافة وتكريس الرؤية النمطية لأساليب العيش المغربية.
بصفتكم ناقدا سينمائيا ما هي السبل للوصول بالسينما المغربية إلى تطلعات المشاهد المغربي؟
- يصعب القول إن السينما المغربية لا تحقق، كليا، تطلعات المشاهد المغربي لأن أرقام مشاهدات الأفلام المغربية في القاعات السينمائية المتبقية، وتلك التي تتحقق عبر المنصات الرقمية، وتحميل الأفلام، ومتابعة ما تبثه التلفزيونات الوطنية وبعض القنوات الأجنبية، وتداول الأفلام عبر أقراص الـ”DVD” سواء بطريقة شرعية أو مقرصنة، كلها معطيات تنم عن تتبع معين، لا يمكن وصفه إلا بالمختلف لأن هناك إقبال على الأفلام الكوميدية (ولو كان بعضها لا يلبي شروط الجودة، والمعايير الفنية الخاصة بالنوع) أو تلك التي تناوش الطابوهات (الجنس مثلا).. لكن الأفلام ذات الطابع غير التجاري أي سينما المؤلف أو السينما التجريبية تظل منحسرة ومحاصرة بفعل احتكار مجال التوزيع وتحكم بعض الشركات في دواليبه حيث أنها لا توزع أو لا تغامر بترويج الأفلام ذات الطابع غير التجاري، أي تلك التي تقدم لغة سينمائية مختلفة أو لا تعتمد الوجوه المعروفة أو تتبنى الحكايات غير النمطية أو تتوفر على جرعات من الجرأة غير المرغوب فيها أخلاقيا.. وفي ذلك نوع من التقليص من فاعلية السينما المغربية التي تُرَوِّجُ أفلامها في المهرجانات والملتقيات الوطنية والدولية. وعليه، فالرهان على تكوين الجمهور مدخل أساسي لقيام الصناعة الإبداعية ببلادنا خاصة وأننا نتحدث عن سينما مدعومة ماديا من قِبَل الدولة، فلا يستقيم الدعم والجمهور لا يرى الأفلام، إنها مسألة مُحْبِطَة للمبدعين ككل.
ما هي في رأيكم أهم الخصائص التي تتميز بها السينما المغربية مقارنة بغيرها؟
- يمكن التركيز لدى بعض المخرجين على قيمة التجاوز بمعناها الشامل، تجاوز الذات عن طريق الانتقال من الازدراء إلى النقد والإثبات وتطوير الهوية، فضلا عن تطوير التجربة وتعميق البحث في الأساليب الإخراجية، وعدم السقوط في اجترار المواضيع مما أبعدهم وأبعد السينما المغربية عن التدني والرداءة (Médiocrité) التي صارت تكتسح القطاع بحثا عن أشياء خارج الفن.. وهناك حديثٌ عن تجاوز المجتمع، تُلَخِّصُهُ بعض التجارب الطليعية، موضوعا وأسلوبا، بفعل خروجها من شرنقة الجاهز والمتداول، وتطويرها للغة السينمائية.. ثم هناك تجاوز لحدود الوطن والسفر بعيدا بالأفلام عبر البحث عن الداعمين والمنتجين المشتركين بالرغم من اختلافنا عن وجهات النظر التي يفرضها هؤلاء وتتبناها الأفلام كليا أو جزئيا.. ولنا في أفلام ثلة من المخرجين مثل فوزي بنسعيدي ونبيل عيوش وأسماء المدير ومريم التوزاني وغيرهم خير مثال.
دكتور تشرفون على برنامج “صدى الإبداع” على القناة الأولى. هل كان لهذا البرنامج تأثير على اتجاهاتكم الإبداعية والنقدية؟
- جاءت تجربة الانخراط في البرنامج بعد انقطاع عن الاشتغال في التلفزيون لمدة طويلة، وهي تجربة شملت مجالات إبداعية وتقنية وفنية.. كانت كلها خلف الكاميرا، لكن تجربة المشاركة في التنشيط، فضلا عن الإعداد والتنسيق، فهي جديدة، لم أكن أرى في نفسي ذلك الشخص الذي يمكنه الوقوف يوما أمام الكاميرا لأنها بالقدر الذي تبدو فيه مرغوبة من طرف الناس، فهي تمسح ما قبلها، لاسيما في مجتمعنا الذي ينتصر للثقافة الشفاهية على حساب المكتوب، وفي زمننا هذا الذي تكتسح فيه الصورة كل شيء. شخصيا، أرتاح داخل الكتابة لأنها تخصني لوحدي، وهي مسؤولية فردية من حيث التطوير والإبداع والإخفاق أو الانحباس أما العمل التلفزيوني فهو جماعي بامتياز، تتحكم فيه توجهات عامة كثيرة بالرغم من قدرة الفرد على دمغه ببصمته الخاصة. هذا، وتظل متعةُ تقديمِ خدمةٍ ثقافيةٍ للمثقفين والمبدعين والباحثين من جهة، وللجمهور الواسع من جهة أخرى، رهان صعب، أظن أننا نجحنا فيه كفريق بالرغم من اختلاف رهانات وحساسيات وتكوين وطموح كل واحد من أعضاء الفريق.
دكتور هل استطاع النقد السينمائي مواكبة الإنتاج السينمائي؟
- لم نصل بعد إلى احترافية الناقد بالمعنى الذي يجعله متفرغا لذلك العمل مع استثناءات معدودة على رؤوس الأصابع، لا تستطيع تكسير القاعدة. تتفرق أدوار المهتمين بالكتابة عن السينما في المغرب بشكل وضاح، فمنهم من يمارس الكتابة لصالح الصحافة لأهداف كثيرة، ومنهم من يجعل موضوع السينما مجالا للبحث الأكاديمي والتأمل الفلسفي، ومنهم من تدخل ضمن هواياته التي تكمل شغفه السينيفيلي، ومنهم من يجعلها صكا تجاريا تجعله حاضرا في دواليب المنظومة.. وفي النهاية، هم قلة يعرفون بعضهم جيدا، يتعايشون ويتناقشون، استطاع بعضهم أن يكون داخل تنظيمات جمعوية أو سينيفيلية أو مؤسساتية، ومنهم من يقع خارجها بدعوى “الاستقلالية”، ولا يمكن، بموضوعية، تجاهل مجهوداتهم باستثناء المتسلطين على المجال من أولئك الذين لم يفهموا بأن الأشياء لا تقع خارج التاريخ، وأن من لم يتدرج في إتيان الشيء وتعلمه سيظل خارجه أو سيكون وقودا سرعان ما سيتحول إلى دخان.
وعليه، فالمواكبة الفعلية حاصلة، بمعنى الحرص على التتبع والمشاهدة، لكن الكتابة حولها تظل لدى الكثير من الأقلام الجادة مسؤولية، فحين يكتب النقاد الحقيقيون يعني أنهم اختاروا، والاختيار مسؤولية تقع خارج حسابات التكتلات والانتماءات والتوصيات وغيرها.
كيف يرى الناقد دور الجوائز في الإبداع بشكل عام؟ وما هو تقييمكم لها؟ وهل هناك إنصاف من وجهة نظركم طبعا؟ وهل الجوائز في رأيكم كافية لتتويج المسيرة الإبداعية؟
- لم أفكر يوما في إعداد كتاب معين قصد الترشح لجائزة من الجوائز نظرا لإيماني الشديد بأن الكتابة مسؤولية ذاتية قد لا تتناسب ظروف إنتاجها مع مواقيت ومواعيد الجوائز التي صارت لها أجندة شبيهة بمباريات كرة القدم، وصارت الأهداف الإيديولوجية – غير الأدبية – لبعضها واضحة، منها ما لا يخدم الأدب في شيء، فضلا عن أن ملابسات الموضوعية تلاحق الكثير منها.. ولكن هذا لا يمنع من كونها محفزة على الإبداع، ومشجعة على الإنتاج، وقد يكون لها دور – لو كانت لها استراتيجية أدبية فنية – في ترويج الكتاب الإبداعي والأدبي عموما.
أستاذي الفاضل لكم إصدارات عديدة في مجال القصة. أين يقف القاص المغربي اليوم عربيا؟ وكيف ترون العلاقة بين المبدع المغربي والنقد؟
- يصعب تلخيص هذا السؤال المركب الذي يُتَاخِم حدود التماس بين النقد والإبداع، لكن المقاربة في نظري تبدأ من نسيان النقد والانخراط في العملية الإبداعية التي تتطلب تحقق لحظات من الصفاء تساعد على الإتيان بنص إبداعي جديد إلى الوجود، يتحقق فيه تجاوز ما سبق ولو بجرعات طفيفة، سرعان ما تتوافق ظروف التلقي لتجعله محفوظا ومتداولا مع مرور الوقت. بمعنى أن القراءة، أقصد إقبال القراء على النصوص الإبداعية، أهم من القراءات النقدية؛ لأنها ترفع من انتعاش النص. أعتقد أن حيزا مهما من النقاش يدخل على المحك فيما يخص العلاقة بين العمل الإبداعي والمقروئية إذا ما نظرنا إلى علاقة النص بالناقد بوصفه قارئا محترفا، ستدفعه قراءته إلى إنتاج نص حول المقروء، والقارئ العادي، بوصفه قارئا متذوقا، ستقوده قراءته إلى المتعة في حد ذاتها. قد يرفض منظرو نظرية الإبداع التمييز بين الخلق والحفظ هاته، ولكنها محاولة تنسب الامتياز لكل طرف وفق غايته.
وعليه، فموقع القاص المغربي، عربيا، متميز لأنه يضيف إلى إبداعية القصة، ويرفع من منسوب التذوق القصصي، والدليل أن دُورَ نشرٍ كبرى تحتضن النصوص القصصي المغربية بما فيها المغامرة أو المغالية في التجريب، وإن كانت المتابعات النقدية شبه مفقودة للأسف.
ما علاقة محمد اشويكة القاص والمبدع بمجتمعه المغربي وبقضاياه على اختلافها وتشعبها؟
- علاقتي مزدوجة بالمحيط الذي أعيش فيه، منغمس فيه حتى النخاع، ومبتعد عنه بما يتطلبه فعل الكتابة والإبداع والنقد والتأمل، لقد صارت علاقاتي – خارج ما هو مِهَنِي وإنساني – تتقلص باستمرار، فهناك ملفات كثيرة تحتاج إلى مواجهة. أظن أن ممارسة الكتابة في خضم مجتمع مركب مثل مجتمعنا، وفي ظل ظروف عالمية مضطربة، تغري كثيرا بإحداث قطائع قصوى، وهو الأمر الذي يستدعي القدرة على خلق لحظات الكشف والانكشاف والاكتشاف، فالتغير السريع للقيم يجعل البشرية تقف على مفترق الطرق ما دام الاقتراب من الهاوية مفتوح على مصراعيه. وهنا، بالضبط، تتلخص قيمة الكتابة في تحرير النفس من الارتماء في مستقبل مضطرب: جديد مشرق ومتسامح، أو رجعي قاتم ومتوحش. ومع ذلك، يقودنا التفكير إلى كشف الحقائق ولو قادنا هذا البحث إلى الوقوف على أكثرها ابتذالا؛ إذ لن يكون هناك الكثير مما يمكن كسبه من التشاؤم المروع أو التفاؤل المطمئن.
ما الذي يؤرق الناقد؟
- أمور كثيرة تقع في دوائر القلق النقدي، فأن تمارس النقد، معناه أن تنتج تفكيرا قادرا على مراجعة مبادئ الفكر أو تأزيمها، ومناوشة الذات باستمرار، وبما أن النقد السينمائي حيوي، يتجدد مع تطور الميكانيزم السينماتوغرافي، إنتاجا وإبداعا، فهو مُطَالَبٌ لا بالمسايرة والمواكبة فقط، بل بفهم وتفسير وتأويل التجارب السينمائية، ونقد بيئاتها الفكرية والإيديولوجية، دونما السقوط في التسرع وإرضاء العواطف التي تقع في عمق التذوق الفني بمعناه العادي. أعتقد أن الناقد الحقيقي هو مثقف بالمعنى الذي تحدث عنه إدوارد سعيد، فهو صاحب القطائع، والمراجعات غير المُهَادِنَة، لا ينتمي إلى المؤسسات كي يضمن لنفسه هوامش الحرية، رُوحُهُ تمزيقية بالمعنى الذي أضفاه الروائي الروسي “تورغينيـﭫ” في روايته “الآباء والبنون” عن شخصية “بازاروﭫ”، فلا ضرورة من الصدام الفني والفكري الذي من المحتمل أن يفضي إلى إحداث مشاكل مع المؤسسات والأشخاص، وذلك ما نعيشه بالفعل في أوساطنا. تصعب مهمة الناقد، اليوم، بالنظر إلى كمية الأفلام الصادرة في شتى أنحاء المعمور، وتصاعد تدخلات الذكاء الاصطناعي في مختلف مراحل الإبداع السينمائي، ولكن الناقد المطلع على المرجعيات المُؤَسِّسَة للإبداع السينمائي، والمدارس والتيارات والاتجاهات والنظريات السينمائية والفنية يظل يقظا ومجددا، عسى أن نتجاوز الغرق في الرداءات التي صارت تطوقنا وتؤرقنا.
لكم كتاب مشترك سنة 2020 حول “صورة المرأة في السينما العربية”؟ هل لكم أن تحدثونا عن هذه التجربة؟
- يظل مجال الدراسات السينمائية النسوية (Feminism studies cinematography) محصورا في بلداننا العربية بشكل ملحوظ، ومرد ذلك إلى بنية التفكير في موضوعة المرأة، والنظر إلى كينونة المرأة، وما شملته من منظومات ذهنية بالغة الاشتباك والتعقيد، لكن السينما بوصفها فنا يفكك بنيات المجتمع عن طريق التصوير، استطاع أن يقرب صورها السلبية والإيجابية من الناس. نتحدث هنا عن هذا النوع من الدراسات التي تتراوح بين العامة والمتخصصة، ونحن نشير إلى أن الخطابات الثقافية النقدية النسوية، مدعومة بالرصيد النضالي الذي راكمته الحركة النسوية في شقها الاجتماعي والسياسي، قد شكلت بشكل حاسم صعود الدراسات السينمائية الأنجلو أمريكية في سبعينيات القرن المنصرم. في المقابل، يوفر هذا الكتاب، وسابقيه مما أصدره مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة بمصر، وترجم المهرجان الدولي لفيلم المرأة بمدينة سلا المغربية جزءه الأخير، دراسات فيلمية مهمة، وأرضية خصبة لبسط بعض ملامح الدراسات السينمائية النسوية تتجذر في الدرس الأكاديمي خارج أي تسييس. أعتقد أن كتبا كهذه من شأنها أن تشكل منعطفا أساسيا لتقريب الرؤى الخاصة والمتخصصة حول النقاشات النظرية حول التمثيل والمشاهدة والاختلاف الجنسي كي يتم استثمارها على مستوى التأثير الثقافي، خاصة وأنها تركز، أيضا، وبشكل مزدوج على النقد والإنتاج الثقافي.