الجزء الثاني – الحلقة 28 مع الأديب والناقد: منذر يحيى عيسى من سوريا.
من هو منذر يحيى عيسى ؟
- ببساطة مطلقة شخص وجد نفسه منذ الطفولة الأولى في مجالس الكبار، في بيئة ريفية حيث تقع قريتي(ديرحياش) على هضبة تطل مباشرة على البحر المتوسط .
شغلتني المعرفة و الاطلاع والبحث عن كل جديد؛ نشأت في الريف؛ ومصادر المعرفة محدودة جداً في منتصف الخمسينات من القرن العشرين؛ فكانت الطبيعة الشغل الأساسي والتي كانت تطرح أسئلة جديدة بدلاً من إيجاد اجوبة!.
نشأت في عائلة لها طابع ديني؛ وبالتالي اهتمامات معرفية ودينية؛ فتوفرت لديها كتب هي مصادر المعرفة؛ حيث زيّن البيت بمكتبة تحوي دواوين الشعر، وكتب التاريخ
وكتب مخطوطة لها طابع صوفي، فاستهواني عالم الكتاب حتى أتقنت القراءة وبدأت الغوص في عوالم أكبر من مقدرتي العقلية؛ وشكل ذلك تحديا كبيرا بالنسبة لي؛ دفعني لملازمة الكتاب وحرماني من أجواء الطفولة، وألعابها ومشاركة مجالس الكبار؛ وسهراتهم وقراءاتهم المتنوعة؛ عانيت من مشكلة عدم تكيفي مع محتويات المناهج حيث كنت أشعر بأنها لا تلبي رغبتي المعرفية.
في المرحلة الإبتدائية قمت بإصدار مجلة حائط أسميتها: (الشعلة)، على مدى ثلاث سنوات كنت أخططها و ألونها و أكتب كل زواياها، وللتنويع أكتب أسماء الزملاء دون أن يشاركوا.
كانت مشكلتي محاولة إشراك زملائي بما أقرأه و أطلع عليه، ولكن للأسف لم أفلح رغم إعارتهم كتب لها قيمتها الأدبية والتاريخية، وأغلبها من الطبعة الأولى.
لم يكن التفوق هدفاً وإنما المعرفة هي الغاية.
في المرحلة الإعدادية تطورت المعارف التي نحصل عليها، ولكن الخيال وتطواف العالم كان هو المسيطر.
في المرحلة الثانوية انتقلت إلى مدينة (طرطوس)، وكانت هذه النقلة ما يشبه صدمة لطفل في الرابعة عشر حيث المدرسة الثانوية من كل مناطق المحافظة؛ وفيها عملت خلال دراستي في اتحاد الطلبة، وبدأ الوعي الوطني والقومي يتبلور مع العمل الجماعي والاجتماعي وخدمة الآخرين.
بعدها كانت المحطة التالية في /جامعة دمشق- كلية العلوم/, مع أن الهدف كان هو دراسة اللغة الانجليزية ولم يحصل ذلك بسبب قرارات وزارية، فكانت العلوم الكيميائية والطبيعية هرباً من الدراسة الهندسية.
في الجامعة فتحت أبواب واسعة للمعارف والمعلومات، وحاولت التزود بالكثير منها و استهوتني الكيمياء وتركيب العناصر، و روابطها والنتائج الحاصلة في تفاعلاتها؛ وقد قدر لنا أستاذة في الجامعة يرقون إلى مستوى علماء في اختصاصاتهم المتنوعة وفي سويتهم الأدبية والعمل السياسي القيادي الذي ارتقوا سدته.
في تجربتي الأدبية من الطبيعي وانا أقرأ شعراً وقصة ورواية أن تكون لي محاولات مبكرة، وقد بقيت حبيسة الورق مع محاولات نشر في مجلات وصحف وكان معلمي الأول والذي شجعني وأخذ بيدي هو والدي /الشيخ يحيى عيسى / رحمه الله، لقد كان شاعراً وله مجموعة شعرية مطبوعة بعنوان (بوح الوفاء).
استمرت محاولات الكتابة وكانت بدايتها خواطر ثم شعرا تقليدياً
نفرت منه ووجدت نفسي في قصيدة النثر العالم الأرحب للتعبير وأصبحت لي بصمة واضحة بها في سوريا وفق رأي النقاد.
تخرجت من جامعة دمشق حاملاً بكالوريوس في الكيمياء الحيوية، ولأن علم النفس والدراسات التربوية والنفسية هي جزء من قراءاتي حصلت على دبلوم في التربية وعلم النفس بتفوق.
وكانت المرحلة الأخرى و هي العمل في التربية والتدريس والإدارة التربوية لمدى عشرين عاما متواصلة.
شاءت الظروف أن يتم نقلي إلى مجال عمل آخر مخالف تماماً لطبيعة دراستي وعملي التربوي وهي (الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش) ذات العمل الرقابي القانوني.
فكان لابدّ من إعادة تأهيل ذاتي لهذا العمل، ودراسة القوانين والأنظمة والأحكام الإدارية في كافة جهات الدولة.
بقيت في هذا العمل عشرين عاماً أخرى، والحمد لله كانت مسيرة ناجحة جداً، وكنت منافسا شديداً لحملة الإجازات في القانون، وربما الرغبة ومحاولة إثبات الذات هي الحافز؛ دون أن يطغى ذلك على الجانب الأدبي والإبداعي وملازمة الكتاب والغوص في نفائس الإبداعات الأدبية ومتابعتها.
وبعد نشر ثلاث مجموعات شعرية انتسبت إلى /اتحاد الكتاب العرب/ وتتالت الإصدارات والنشاطات الأدبية والفكرية.
كان هذا مختصراً لهذه المسيرة.
عملتم في حقل التربية والإدارة فترة؛ كما انتقلتم بعدها إلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش حتى التقاعد.
كيف حال التعليم في سوريا ؟ وماذا عن اهتمام الجيل الجديد بالإبداع؟
- تولي الدولة السورية على طول المراحل التاريخية منذ الإستقلال للمناهج التربوية الدور الأساسي في العملية التعليمية، وأستطيع أن أجزم بأن هناك قامات تربوية كبيرة تساهم في وضع المناهج؛ والتي تعرضت إلى تغيير متكرر منذ الإستقلال حتى الآن نجحت في أغلب الأحيان وتعثرت مرات أخرى رغم ذلك فهذه المناهج قد أهلت طلابا سوريين تفوقوا وأبدعوا في كل جامعات العالم؛ وهذا مؤشر على تأسيس سليم وقوي.
التعليم في سورية الآن ليس بخير وبصراحة سببه الحرب الهمجية التي شنت على البلد خلال العقد المنصرم مما أدى إلى تدمير البنية التحتية وتقطيع أوصال الوطن وسيطرة العصابات الإرهابية على بعض المناطق وفرضها لمناهج متخلفة عن روح العصر، وعن الروح الوطنية والقومية.
من خلال عملي التدريسي رأيت وتابعت الكثير من المواهب الشابة التي بدأت تخط طريقها في درب الإبداع بكل ثقة ومقدرة، وأصبح لها بصمتها وبعضهم أصبحوا زملاء لنا في اتحاد الكتاب العرب وهذا أمر مفرح جدآ.
بعد تولي عملي في رئاسة /فرع طرطوس لاتحاد الكتاب العرب/، وبتوجيه من رئاسة الاتحاد بدأنا مسيرة رعاية المواهب الشابة منذ المرحلة الإبتدائية وحتى الثانوية والجامعة وقد تشكلت نوادي للشباب لرعاية مواهبهم والنشر لهم في دوريات الاتحاد.
وكذلك إقامة المسابقات على مستوى الفرع، أو على مستوى الاتحاد في سورية.
أشير إلى أن الحرب رغم ما تركته من آثار مدمرة على البنية التحتية والحالة النفسية إلا أن وضع جيل الشباب يوحي بالطمأنينة؛ فالحرب خلقت منهم شباباً حريصون على بناء الوطن والتسلح بالمعرفة والعلم.
صدرت لكم الكتب التالية:
1 – رايات سوداء لها شكل الفرح/شعر.
2 – الدهول في مدار الياسمين /شعر.
3 – تحولات القلب/شعر
4 – حالات لعصف القصيدة/شعر.
5 – عابر إلى ضفة أخرى/شعر.
6 – لا توقظوها …حالمة /شعر.
7 – وحيدا ستمضي /شعر. وهي المجموعة الفائزة بجائزة الشعر نبض الحياة دورة عبد الجبار الفياض عام 2022م.
8- بارقات تومض في المرايا /شعر.
- كيف للناقد أن يزاوج بين النقد والإبداع؟وهل يكون النقد حاضراً أثناء الإبداع ؟
- من الصعب علي أن أصنف نفسي ناقداً ؛ بالتراكم المعرفي وغزارة الإطلاع؛ بدأت بكتابات ودراسات أخذت شكلاً نقدياً، وقد عرف النقد لغة : بأنه التمييز بين الصحيح والزائف من العملات النقدية.
أما النقد اصطلاحا فهو دراسة الأعمال الأدبية (شعرا ونثرا) والكشف عن عناصر الإبداع والجمال؛ أو الرداءة والقوة أو الضعف ثم إصدار الحكم النقدي.
ولا يغيب عنا أن للنقد الأدبي الحديث صلة واسعة مع العلوم الإنسانية الأخرى؛ وللنقد وعلم النقد طبيعة تختلف عن العلوم التجريبية ذات النتائج المحددة؛ ونتائج النقد ليست واحدة رغم أن المناهج والأسس واحدة، وهي مجموعة عمليات عقلية تحتاج إلى تأمل عميق للعمل الأدبي بهدف تقويم هذا العمل .
والناقد يحتاج لمجموعة بنى فكرية؛ وقوانين جامعة تحدد نقاط الاتصال بين آرائهم عن المعارف الجمالية ومن ثم الإنطلاق للكشف عن مواطن الجمال والتميز في العمل الأدبي؛ ثم يتم إصدار الحكم.
يشار إلى أن للنقد مناهج
(الاجتماعي النفسي التفكيكي- البنيوي)
في محاولاتي النقدية تشدني اللغة وجزالتها وسلامتها وحيوية مفرداتها.
كما أبحر في المضمون الاجتماعي للعمل الأدبي وتقاطعه مع القيم والمبادئ الأخلاقية ومدى اقترابها من الحقيقة والواقع بتعبير آخر، صدق هذا المضمون وواقعيته أو مردوده إذا ما كان متخيلا!
ومدى الأثر الذي يتركه عند القارئ ، ومدى مساهمته في بناء منظومة أخلاقية نافعة للمجتمعات البشرية.
كما أحاول توظيف معارفي في علم النفس والسلوك البشري في قراءة النصوص، وبالتالي سبر أغوار النفس البشرية ومكوناتها وانعكاس ذلك على السلوك، و أرى أن هذا المنهج النفسي يمكنه الكشف وكذلك تحديد أثر الشعر في النفس الإنسانية وتداخل ذلك مع الجوانب الاجتماعية، ولابدّ من التذكير بأن هذا النمط من النقد يستوحي أدواته من نظرية التحليل النفسي لمؤسسها فرويد.
وفي كثير من الأحيان أمارس النقد الانطباعي وذلك بتدوين قراءة وفق تأثير الانطباعات السريعة التي أحصل عليها بعد قراءتي لنص، وقد يخضع ذلك للمزاج الخاص، ولكن قد تكون النتيجة عدم موضوعية هذه القراءة والتي لا تستند إلى أحكام مسبقة ولا لمصطلحات محددة مسبقاً.
و أرى أن الناقد يجب أن يكون على دراية بزمن كتابة النص الإبداعي، ويدرك أن معايير الجمال تختلف من عصر لآخر.
أمارس النقد أثناء كتابتي لنصوصي وعندما لا يناسب ذائقتي وخبرتي
في مجالات الإبداع قد أسقطه، وأتنصل منه، وبالتالي من يمتلك روحاً نقدية قد تظهر في أغلب نصوصه الإبداعية، وبالتالي يعتبر الأمر لصالح العمل الإبداعي.
ماهي علاقة المبدع منذر يحيى عيسى بوطنه العربي، والسوري على وجه التحديد و بقضاياه على اختلافها وتشعبها؟.
- نحن جيل خمسينات القرن العشرين جيل التحولات الكبرى، والجيل الذي ولد بعد تحرر بلادنا من الاستعمار وبداية النهوض القومي والفكر العروبي.
عشنا فرحة الشعب بالوحدة مع مصر والتضامن مع ثورة الجزائر ونضال الشعوب في كل دول العالم للاستقلال، وتعاطفنا معها وهتفنا تضامنا معها، وتبقى قضية فلسطين هي المحور وما زالت.
أنا مرتبط بالمكان وقد أتجذر فيه كأني نبات يبذر في التربة، أعتبر أن للأمكنة ذاكرتها، قريتي مكان ولادتي أشجارها بيوتها المتقاربة التي تنشد الدفء من بعضها وتقتل وحشة الزمن بتجاورها، سيطرت بشكل كبير وواضح على جميع منجزاتي الأدبية، وماتزال ذاكرتي تعود إليها إلى حواكيرها ووديانها، جبالها، نباتاتها البرية، طيورها، وأصوات الحيوانات فيها، صيفها الجميل، شتائها غزير المطر، وجوه الناس، أصواتهم سطوة الموت، ورحيل الأحبة، أفراحها القليلة.
أنا مرتبط بهذا المكان وهو صورة مصغرة عن كل سوريا، وأرتبط بذاكرتي في كل مكان زرته في سوريا ويشغل حيزاً من أيام وسنوات عبرت.
وهناك ارتباط مع الوطن العربي؛ لأن الفكر السائد لدينا هو فكر قومي؛ تفاعلنا مع كل أحداث الدول العربية وكأننا من مواطني كل الدول وقد ساعدت المناهج الدراسية في تعميق هذا الشعور نعرف الجغرافيا والتاريخ، وأنماط العادات والتقاليد، وخصوصاً دول المغرب العربي وتحديداً تونس التي يربطنا بها عراقة التاريخ و ( اليسار ) خير شاهد وقرطاج وشجرة الزيتون والبحر المتوسط وحتى تشابه الوجوه، عشنا مع
/عمر المختار /في ليبيا وكان عبد القادر الجزائري في دمشق هو جزء من تاريخ سورية وثورة المليون شهيد.
ناهيك عن مصر ودولة الوحدة، التي كانت نواة حلم كبير ما زلنا نحمل شعاره ونناضل لتحقيقه بقواسم وعوامل مشتركة، وسنبقى نغني (بلاد العرب أوطاني من الشام لبغداد).
كتبت عن أعمالكم العديد من الدراسات من نقاد أبرزهم:
- علوان السلمان/العراق.
- رائد محمد الحواري/فلسطين.
- د.ريمان عاشور/الأردن.
- د.عبير خالد يحيى/مصر(كتاب مستقل لم يصدر بعد).
- أحمد علي هلال/فلسطين
- حمدي مخلف الحديثي/العراق (دراسة متكاملة في كتاب لم يصدر بعد).
- د. مرشدة جاويش/سورية
- د.أحمد علي محمد/سورية.
- هشام صيام /مصر
- عصام ترشحاني /فلسطين.
- أحلام غانم /سورية.
- حبيب الابراهيم /سورية.
- حيان الحسن /سورية.
- د. وليد مشوح/سورية.
- سيف الدين الراعي /سورية.
- د. نزار بريك هنيدي /سورية.
- محمد حديفي /سورية.
-حسين حموي/سورية. - عبد القادر الحصيني /سورية.
- عصام يوسف حسن/سورية.
- الراحل عماد جنيدي/سورية.
وغيرهم الكثير..الكثير
هل يمكن القول أن النقد أنصفكم؟
- من وجهة نظري أرى أن للنقد أهمية كبيرة في التعاطي مع المنجزات الأدبية، فهو يعمل كضابط لإيقاع العمل من خلال التقويم، والإشارة إلى مواطن الجمال، وكذلك الإشارة إلى العثرات وما يسيء إلى النص.
أقول: إن النقد هام جداً لمتابعة قصيدة النثر تحديداً التي بدأت تفرض نفسها على المشهد الإبداعي، وهي ماتزال في طور التجريب للوصول إلى امتلاك حيوية إبداعية تضعها في حديقة الشعر والإبداع.
كثيرون يضايقهم النقد ويرفضون إخضاع منتجهم للنقد، لكن بالنسبة لي تسعدني جدآ القراءات النقدية لمنجزاتي، وأرى فيها ولادة جديدة لنصوصي، لا بل أرى فيها كساء جميلا يستر عري النصوص، ويكملها للوصول إلى المتلقي بالشكل اللائق ، وهذا واجب المبدع والناقد معا.
لا أذيع سرا إذا قلت: أنني أسعى بكل جهدي لأضع نصوصي تحت مقصلة النقد، وإعجابي بالقراءات النقدية وكأنها أوسمة على صدر نصوصي.
كما لا أذيع سراً إن قلت: أنني أمرر نصوصي قبل نشرها إلى أكثر من قارئ من زملائي في مجال الشعر، وتكون الملاحظات المسجلة محل ترحيب واعمل بها.
أغلب القراءات النقدية أنصفتني وأفرحتني، وستكون في منجز مطبوع مستقبلاً سعيا للتوثيق وتكريماً للنقاد.
بالمناسبة أتوجه بالشكر اللامحدود لكل النقاد الذين وردت أسماؤهم ولغيرهم ممن لم يرد حيث أني مدين لهم بالفضل وهم شركائي فيما أنجز.
ماهي الإضافات التي يقدمها النقد للمبدع والعمل الإبداعي ؟
- أنا وغيري ممن يخوضون في بحر الإبداع، لا يفكرون بما يكتبون فتأتي الأفكار متداعية عفو الخاطر، بولادة طبيعية، حاملة سماتها الخاصة وبراءتها ودهشتها، وقد تترافق هذه العفوية مع هنات يقوم النقد بإبرازها والإشارة إليها.
كما أن الكثير من الأفكار ، وما بين السطور والكلمات، يراها الناقد كمراقب من بعيد ويشير إليها، وقد لا تكون ضمن حسابات صاحب المنجز، وهذا غوص في بنية النص كالباحث عن اللألئ، أو كمن يبحث في التربة عن كنوز محفوظة.
للتربية الأولى للمبدع وجذوره الفكرية والثقافية دور كبير في ما يبدع دون أن يدري، و دون أن يتكلف هذا الأمر، ولأن بدايات قراءتي كانت في الصوفية والفلسفة، رأى الكثير من النقاد أن للنزعة الصوفية الدور البارز في أغلب منجزي الأدبي، وقد رأت الناقدة الذرائعية/ د. عبير خالد يحيى/، أن هذه النزعة هي السمة الغالبة في كل ما أكتب وهي تعدّ كتاباً قادماً حول النزعة الصوفية في منجزي الإبداعي.
حقيقة أنا لا أتكلف ذلك ولكنه يأتي عفوا وأنا مستمر بهذا الطريق.
حيث لعب النقد هنا دورا تعزيزاً لهذا الخط الذي أتبعه وأسير عليه عفواً ودون قصد.
أستاذي الكريم ما هي المواصفات التي يجب أن يتمتع بها النقاد؟
- بداية أذكر بعض المواصفات التي يجب أن يتمتع بها الناقد، ومن أبرزها صفة التقصي والإبداع عارفاً بأسرار العصر الذي كتب فيه العمل الإبداعي والأفكار السائدة ويجب أن يتخلى عن التأثيرات الشخصية، مالكاً لفهم واسع للغة المنجز وبنيته، عارفاً بموسيقى الكلمات ومعانيها وأصواتها قادرا على التحليل والتركيب، وأن يكون شمولي الثقافة، منفتحا على كافة المدارس دون تعصب لمدرسته ضد أخرى و إلا فلا يحق له أن يلعب دور الحكم.
كذلك حال النصوص الإبداعية التي تجذب الناقد، فلا بد لها من لغة سليمة وكلمات عميقة الدلالات ذات موسيقا تناسب المنجز الشعري، والجمل الإيقاعية آلتي تحمل موسيقاها بذاتها، إضافة إلى المضمون الفكري المحمول على هذه اللغة، كذلك لا بد من تمتعها برؤيوية تستطيع أن تكشف بعض أستار المستقبل وهنا يظهر دور الشعر جلياً.
كما أن النصوص التي تحفل ولادتها بخلق دهشة لدى القارئ جديرة بأن تلاقي ترحيباً لدى النقاد لإبراز بواطن الجمال وما يظهر منه للإشارة إليها، رغم وضوحه يحتاج كثيراً لمن يوضحه ويظهره، وهذه مهمة الناقد. لابدّ من تمتعه برؤيوية تستطيع أن تكشف بعض أستار المستقبل وهنا يظهر دور الشعر جلياً.
كما أن النصوص التي تحفل ولادتها بخلق دهشة لدى القارئ جديرة بأن تلاقي ترحيباً لدى النقاد لإبراز بواطن الجمال وما يظهر منه للإشارة إليها، رغم وضوحه يحتاج كثيراً لمن يوضحه ويظهره وهذه مهمة الناقد.
تكتبون في النقد والدراسات والقضايا الادبية والفكرية، صدرت لكم العديد منها نذكر على سبيل المثال لا الحصر :
نديم محمد شاعر الألم والكبرياء /دراسة/. نديم محمد الشاعر المتمرد.
_اوراق الوداع.
من موقعكم كناقد كيف ترون مستقبل النقد في الوطن العربي مع كثرة الاصدارات الأدبية؟
- أكرر واعيد التأكيد بأنني لست ناقداً محترفاً، فأنا لي ما يمكن أن أسميه مشاغبات نقدية قد ترقى إلى مستوى الدراسات النقديه أو تقاربها، وهي محاولات وتجريب في هذا المجال حيث أن ما أكتبه من منجز إبداعي يصنف في حقل الشعر، ورغم ما صدر لي حتى الآن من مجموعات شعرية قاربت العشر، اعتبر نفسي في طور التجريب وأراها محاولات للتجديف في هذا اليم الكبير.
كما أنني أقدم دراسات في مجالات عدة /بيئية- تربوية – فكرية/أرجو أن تضيف شيئا يمكن أن يسهم في بناء منظومة علمية فكرية تتكامل مع ما يقدم على الصعيد المحلي و الوطني.
وأعود للقول إن النقد يجب أن يواكب المنجزات الأدبية مع غزارتها وتنوعها وبالتالي لا بد للناقد من تفرغ كامل للعمل النقدي كي لا يكون النقد انتقائيا ومزاجيا وخاضعا للعلاقات الشخصية وكما نسميها في وسطنا الأدبي (الشللية).
النقد يمكن أن يشكل رافعة للإبداع الأدبي ودافعاً للمزيد من الإبداع، وقد يخلق حركة فكرية حوارية بين الناقد والمبدع وجمهور القراء مما يسهم في إغناء الجو الثقافي والفكري.
واكب النقد الإبداع منذ بداية الإبداع قديماً واستمر مرافقاً له ولكن ليس بالتوازي وإنما وكما أرى لم يجاريه خطوة بخطوة ربما يكون السبب غزارة ما ينتج من جهة، ومن جهة أخرى عدم تفرغ النقاد للعمل النقدي البحت فالكثير منهم قد يبدعون في مجالات أخرى.
هناك ثغرة في العمل النقدي، وهي التركيز بشكل كبير على الأسماء الأدبية اللامعة ومتابعة منجزاتها، وإهمال ما تبقى، وقد يكون ذلك محاولة من الناقد للبحث عن الشهرة المستمدة من شهرة المبدع وتقاسم ذلك معه.
لا إبداع يمكن أن يأخذ دوره في الحياة الثقافية بمعزل عن النقد، فالماء ماء ولكن منه العذب الفرات. ومنه الأجاج ومنه الملوث، ولا بدّ من تفريقه بواسطة التحليل المخبري ليقدم للإنسان شراباً سائغا.
والنقد هنا يلعب دور التحليل المخبري الذي يؤكد سلامة وسلاسة ما يكتب ويبدع، ويقدم للمتلقي (القارىء) بالشكل المناسب.
كأديب وناقد، ماهي في تصوركم الشروط التي تساعد على إرساء نهضة أدبية وثقافية شاملة؟
- وفق رؤيتي فإن هناك أسس ثابتة للنهضة الأدبية والثقافية تبرز بشكل أساسي في التركيز على التعليم في جميع مراحله، من الأساسية وحتى الجامعة.
وإحياء اللغة العربية، وإنشاء جيل متعلق بهذه اللغة من خلال إبراز جماليات هذه اللغة ويمكن للمعاجم بكافة أشكالها والتي تستوعب مفردات هذه اللغة وإيضاح المفردات الجديدة المتداولة، والتي وفدت من لغات أخرى، خصوصا مصطلحات العلم و التقنية الحديثة، وإدخال وسائل تعليمية حديثة أكثر نجاعة وكل هذه الأمور مرتبطة بالمناهج الدراسية ومواكبتها لروح العصر.
وفيما يتعلق بالأدب لا بدّ من الانفتاح على كافة صنوف الإبداع التي لم تعد تقتصر على الشعر و القصة التي ظهرت مؤخراً، بل لابدّ من استيعاب مفردات دخلت من لغات اخرى كبعض المدارس الشعرية (الشعر التمثيلي – الملحمي – الحر – التفعيلة) كما لابدّ من اعتماد الترجمة كطريقة هامة للتعرف على آداب الشعوب الأخرى.
إن التعامل مع الحداثة في كل صفوف الأدب يحتاج إلى عقل منفتح وطريقة تفكير.
ففي كل حالات التجديد نجد من يعارض بشدة ومن يوافق ومن يقف بين بين كما حصل في قصيدة التفعيلة وكما يحدث حالياً وما زال مستمراً بالتعاطي مع قصيدة النثر منذ ستينات القرن الماضي، وبالتالي أرى أن تفاعل هذه الآراء يمكن أن يخلق حراكاً ثقافياً و فكرياً يصب في مصلحة الأدب والفكر ويكون النقد الحكم في كل ما ينجز ويطرح على الذائقة الأدبية.
هي معركة الحياة الدائمة بين ما هو قديم وما هو حديث وستستمر المعركة مع استمرار الحياة، وفي النهاية سيثبت الأدب الجيد مكانته في الساحة الأدبية.
أين يقف المبدع السوري اليوم خاصة بعد الأحداث التي عرفتها البلاد مقارنة بباقي المبدعين العرب؟
- للأسف فإن الأحداث التي عصفت ببعض البلدان العربية تحت مسمى (الربيع العربي) والذي لم يكن ربيعاً ولم يجلب لهذه الشعوب سوى الدمار والقتل والكثير من الدماء
وكان لسورية النصيب الأكبر من هذا الخراب و الدمار وقد انقسم المبدعون السوريون بين من وقف مع الدولة الوطنية معارضاً هذا الخراب المجاني ،. ومتألماً على مصير بلاده وما آلت إليه الأمور فجاء إبداعه لمصلحة الوطن ووحدة ترابه و الحفاظ عليها.
وهناك قسم آخر ركب موجة ما يسمى الثورة ظلماً وتحت إغراء المادة التي بذلت ووفدت من خارج الحدود فآثروا الهرب إلى دول اخرى وبدأ إنتاجهم الفكري والأدبي يصب في تيار التحريض على الدولة والنظام، والتشجيع على التخريب وقتل أفراد الجيش والشعب وتدمير البنى التحتية التي قامت بعرق وجهد الشعب معاكسين بذلك أبسط واجبات المثقف والأمانة التي يحملها على عاتقه حتى وصلت الأمور ببعضهم إلى الانقلاب من أقصى اليسار إلى أقصى التفكير الظلامي والذي لا يؤمن بالوطن ولا بالمواطنة.
قسم ثالث بقي في المنطقة الرمادية طويلاً حتى اتضحت الأمور و سياقها وبالتالي فقد لعب دوراً سلبياً لا فائدة ترتجى منه، والدليل على ذلك أن ما أنجز ونشر في مجال القصة والشعر خارج سورية يفوق بعشرات أضعاف ما نشر في الداخل.
لن أدخل في أسباب هذه المواقف فلكل أديب ومبدع رؤيته وظروفه الخاصة وهذا ليس تبريراً، فلا مساومة على أمن الوطن وسلامة حدوده.
إن ما حصل في سوريا من حصار ودمار وتواجد لجيوش أجنبية وعصابات مسلحة مارست الإجرام بشكل لا يمكن تصوره وما تبعه من قتل ودمار وتجويع وسرقة لثروات البلد، يجعل كل ذي عقل يدرك أنه لا بدّ من الوقوف مع الوطن والحفاظ على وحدة أراضيه.
والسؤال المطروح الآن:
أين هذه الفصائل الجهادية كما تدعي من جرائم إسرائيل في فلسطين ؟.
وأين هم من دماء أطفال ونساء غزة؟
وأين شيوخ الإفتاء؟
لابد من الإشارة إلى الموقف المشرف للكثير من المبدعين العرب في الكثير من البلدان والذين أشاروا إلى جرائم العصابات المسلحة في سوريا وكانوا مع وحدة التراب السوري ومع الدولة السورية، وذلك من منطلق شعورهم القومي والعروبي.
تم تكريمكم من عدة جهات وكان آخرها تكريم من اتحاد الكتاب العرب عام ٢٠٢٠م كما فزتم بجائزة الشعر نبض الحياة دورة الشاعر عبد الجبار الفياض عام ٢٠٢٢م ماذا تمثل الجوائز والتكريمات للمبدع منذر يحيى عيسى؟
وهل تعتبر كافية لتتويج المسيرة الإبداعية والنقدية للأدب والناقد؟
- لا أنكر أبدا بأن كل تكريم وكلمة ثناء واستحسان لما يكتب أو ينشر يشكل مصدر سعادة لي ولكل اديب ومبدع؛ فأنا أرى أن بداخلنا أطفالا تفرح بالهدايا وكل صنوف العطاء.
يشكل التكريم حافزاً للإبداع والسعي. نحو التميز والعطاء ومضاعفاته ولكن برأيي يجب أن لا يكون ذلك هدفا ويتم البحث عنه بالنسبة لي ان قراءة نقدية تبرز مواطن الجمال في ما أنجز يعتبر تكريماً.
لم أسع مطلقاً إلى تكريم، ولم أشارك أو أحاول المشاركة في مسابقات أدبية لكن عنوان المسابقة التي أعلنت في العراق وهي حصراً لقصيدة النثر دفعني للمشاركة، وذلك لقلة المسابقات التي تستهدف قصيدة النثر وقد سرّني الفوز، وهو يشكل وفق علم النفس ما يسمى (التعزيز) الذي يدفع للنجاح وإغناء المسيرة الأدبية.
ماهي الصعاب والعراقيل التي واجهتكم خلال مسيرتهم الإبداعية والنقدية ؟
وكيف تواصلون الكتابة في ظل هذه العراقيل؟
- أصر على تكرار مقولة أنني لست ناقداً محترفاً، في هذا المجال الذي أكتب فيه، فإن مقالاتي و دراساتي في مجال النقد لاقت استحساناً عند القراء والنقاد مما دفعني للإستمرار في هذا المجال ولا صعوبات تذكر في هذا المجال مطلقاً.
الكتابة النقدية تعزز المعرفة والذخيرة العلمية وتدفعك لمحاولة الغوص في النصوص وقراءتها بعمق ودقة.
أما في مجال الإبداع وخصوصاً قصيدة النثر فقد عانيت من صعوبات أبرزها عدم تقبل قصيدة النثر من شريحة واسعة جماهيرياً وعلى المستوى الإبداعي؛ لأن قصيدة النثر ليست منبرية فهي تكتب لتقرأ وليس لتلقى.
وهي بالتالي تفتقد الحالة الجماهيرية كما واجهت صعوبة في أن يكون منجزي يتداول في الوسط المحيط لعدم قبول هذا النمط.
وكان الحل هو الصبر والدأب والاستمرار بالكتابة مراهناً على المستقبل وعلى أن هذا النمط من الإبداع سيفرض نفسه على المشهد الإبداعي.
ساعدني في ذلك عدد من النقاد الذين شكلوا دافعاً لي للإستمرار ، واعتبر أن آرائهم ورؤيتهم صائبة وخصوصاً من راى لي بصمة وخطاً واضحاً في قصيدة النثر، وبأن ما أكتبه يشكل إضافة مهمة لقصيدة النثر في سوريا.
لم أجد صعوبة مطلقاً فيما يتعلق بالنشر وخصوصاً الجهات الرسمية (اتحاد الكتاب العرب – وزارة الثقافة – الصحف الوطنية)
كما أنني أشر حالياً في مجلات على مستوى الوطن العربي لها حضورها الفكري والثقافي (الشارقة _ الرافد) وغيرها كثير.
ولا يخفى الدور الكبير للنشر في تعزيز العمل الإبداعي والفكري وهذا أعتبره تكريما.
ضمنت أعمالكم في :
- ١_ رسالة دكتوراه في النقد الادبي في جامعة المستنصرية في العراق للدكتورة /آسيا يوسف/
- ١_ رسالة دكتوراه للدكتورة /غيداء يونس/حول الرموز وتجلياتها في الشعر العربي المعاصر في سوريا الربع الأول من القرن الحادي والعشرين جامعة البعث في حمص – سوريا.
- هذه البحوث والدراسات التي تناولت أعمالكم هل لكم أن تحدثونا عن إحساسكم بما وصلت إليه أعمالكم؟
- _ هذه الدراسات النقدية المتضمنة في رسالتي دكتوراة لإنتاجي الأدبي يشكل مصدر سعادة وفخر ، وأدركت حينها أنني أسير في طريق الإبداع الذي لاقى قبولاً عند الدارسين وطلاب الدراسات العليا وهذا مؤشر على استحسان نقاد سيكون لهم بصمة في مجال النقد.
- حيث تناولت الدكتورة/ آسيا يوسف/ في أطروحتها الرمز ودلالته في القصيدة العربية المعاصرة وكيف قمت باستخدام الرمز، حيث رأت في نصوصي أن عددا منها مفتوحة على دلالات عميقة تخيلنا إلى المعاني الروحية، ورأت أيضا في الكثير من النصوص توظيفا للأسطورة بشكل أعطى للنص روحا خاصة.
- كما أشارت الدكتورة /غيداء يونس/ استحضارا للرموز الدينية (سيدنا يوسف – آدم وحواء – الشجرة – جلجامش – شهرزاد – مريم العذراء – سيدنا موسى).
- _ كما نوهت إلى استخدام الشاعر لأسماء أمكنة لها وضعها التاريخي والحضاري والتي تمتلك طبيعة جميلة.
- ولاحظت أنه بعد اختيار الرمز في تشكيل الصورة الشعرية لا ينفصل عادة عن سائر أفكار القصيدة، وإنما تظل أصداؤه تتجاوب في أنحاء القصيدة مؤكدة لشيء ما.
- فليس اختيار الرمز تعسفياً أو اعتباطياً وإنما تدعو إليه ضرورة نفسية وفق رؤية الناقد /عز الدين اسماعيل/.
- الواقع إن تضمين نصوصي في رسائل دكتوراه قد أعطاني دفعا للإستمرار في دروب الإبداع مع شكري للغاليتين /د. آسيا يوسف و د. غيداء يونس/.
كيف يرى الأديب والناقد منذر يحيى عيسى تأثير العولمة على الأدب العربي المعاصر ؟
وما هي الرهانات التي يراهن عليها النقد العربي في ظل الحداثة؟
- العولمة أو الكوكبة كما يحلو للبعض تسميتها هي إزالة كل الحدود والحواجز التي تقف أمام المعارف والثقافات ومجالات الإبداع.
وهنا ينتفي دور الرقابة مهما اشتدت وتتمكن المعارف من تجاوزها بفضل شبكة الإنترنت التي جعلت الكوكب قرية صغيرة وقد رأى الناقد والشاعر العراقي /محمد صابر عبيد/ أن هناك ارتباطاً استراتيجياً ومنهجياً وثيقاً بين الحداثة و العولمة على مستوى النظرية الأدبية بكافة أشكالها يلاحظ تأثير العولمة في النصوص الشعرية والروائية والقصصية، حيث دخلت مفاهيم جديدة و حديثة اندحرت أمامها المفاهيم الكلاسيكية، وهذا ما يسهل انتشارها عن طريق النشر والترجمة وتقبلها في كافة الأرجاء.
إن الأدب الحديث وبتأثير العولمة قام بتفجير طاقات اللغة وقد ابتعد عن لغة القواميس إلى لغة يمكن تفهمها و قبولها.
كما أفسح المجال لاستخدام مصطلحات علمية وتقنية في سياق هذا الأدب، وهذا ما أسهم بظهور تيارات جديدة في المنجز الأدبي/قصيدة النثر وقصيدة الومضة أو النثيرة وكذلك القصة القصيرة جداً وهي الأكثر تأثرا بالحداثة.
إن وسائل الإتصال الاجتماعي وأبرزها/الفيسبوك/ساهم في انتشار المنجزات الأدبية المختلفة في كل أرجاء الكوكب وهذا تأثير واضح للعولمة.
وهذا لا يعني جودة كل ما ينشر، ولكن يمكنني القول: إن هذا الكم الهائل سيفرز نوعاً جيداً هو الذي سيبقى أما الغث منه فسيزول تحت مطرقة ذائقة القارئ وسيكون الزمن كفيلاً بإزالة أثاره.
السؤال: هل أثرت العولمة على فكرة المنجزات والرؤية المستقبلية والراهنة وما تأثير ذلك بالنهاية على السلوك؟
إن قصيدة النثر بأشكالها الحالية وقد تجاوزت القوالب الكلاسيكية (وزن وقافية والبلاغة) منطلقة إلى أفاق أكثر رحابة وخارج إطار القيود واقتربت بمفرداتها من لغة الناس مستجيبة لمنطق العصر وتجلياته، ومقتربة من حياة الناس وهمومهم اليومية.
فالعولمة أخيراً فرضت نفسها على المنجز الأدبي العربي المعاصر وبرأيي أن ذلك يسهم في الانفتاح على ثقافات العالم، بدلاً من التقوقع والانزواء واجترار أفكار وآداب الماضي، في محاولة للاقتراب من حياة الناس ومقاربة معاناتهم ومسايرة طموحاتهم، وهذه المهمة الأساسية للأدب.
استاذي الفاضل قد يكون هناك سؤال أو أكثر تودون الخوض فيه ولكني لم أتطرق له أرجو أن تضعوا السؤال وتتفضلوا بالإجابة عنه،
- خطر لي سؤال: ما هو تأثير التربية الأسرية والاجتماعية والقيم الدينية والمفاهيم السائدة على المبدع وما ينجز؟
- عليه أجيب أن التربية الأسرية الأولى وفق المعتقدات الدينية والمفاهيم الاجتماعية يمكن أن تشكل قيداً يقف بوجه المبدع ويحد من إبداعه وانطلاقته بسبب رقابة المجتمع من جهة ورقابة داخلية فرضتها قيود تقليدية يصعب كسرها وتجاوزها.
فالكثير من النوازع والهواجس الداخلية يصعب التعبير عنها لتعارضها مع التربية الخاصة، وهذه الظاهرة منتشرة في الشرق العربي بتأثير التيارات الدينية وسطوتها، على عكس ما هو قائم في المغرب العربي الأكثر انطلاقا وقدرة على التعبير.
في الختام أشكر الأديبة
/أمينة برواضي/ على هذا الحوار الذي فجر الكثير من القضايا المهمة على الصعيد الشخصي، وعلى صعيد الإبداع، متمنياً لها الصحة والسعادة، ودوام الإبداع.