بعد القول إن الإعتراف بالفضل لأهل الفضل فضيلة ، أود أن أقول إنه لا يمكن لأي سياسي أو ملاحظ أن يقول شيئا يضيفه إلى ما صرح به وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني عن واقع العلاقات المغربية – الفرنسية ، وما أصبح يسودها من تفاهم ووفاق حول كل القضايا المرتبطة بهذه العلاقات ؟ وقد جاءت تصريحات الوزير الفرنسي لترفع كل لبس أو غموض يلف أي جانب من جوانبها ، يمكن أن تثير الشكوك في سلامة وطوية المواقف الفرنسية ، خصوصا إزاء قضية الصحراء المغربية التي جعلها المغرب المنظار الذي يقيس به مواقف الدول وعلاقته بها ، وعلى ضوء تلك المواقف يبني علاقاته بها دون تحفظ ومهما تتطلب ذلك من تضحيات .
ولنا في المواقف التي إتخذها منذ سنوات قليلة إزاء ألمانيا وإسبانيا والتي ٱدت إلى تغيير مواقف الدولتين ، وبالتالي إلى تطبيع علاقاته مع حكومتيهما ج. وها نحن نرى اليوم أن فرنسا وحكومتها لم تبق مختبئة في أي منطقة من مناطق الظل للتستر وراء موقف مرتبك من قضية الصحراء المغربية ، وأعتقد أن ما صرح به السيد سيجورني سيخرجها من المنطقة الرمادية التي كان القادة الفرنسيون يعتقدون أن علاقة بلادهم مع المغرب لن تتأثر نتيجة لذلك . وأعتقد كذلك أنه لن تكون هناك عبارة أبلغ من تلك التي قالها الوزير الفرنسي ليؤكد باسم حكومته مكانة الصحراء بالنسبة للمغرب ملكا وحكومة وشعبا ، فقد قال : ” إن الصحراء تعد قضية وجود بالنسبة للمغرب ، وفرنسا تدرك ذلك ” .
ويمكن القول الأن بأن الوضع الذي أصبحت عليه العلاقات المغربية – الفرنسية هو الذي أوحى للسيد ستيفان سيجورني بأن يقول بصريح العبارة : ” إن هدفنا هو بناء شراكة تمتد للثلاثين سنة المقبلة ” . إنها النظرة المستقبلية التي أصبحت فرنسا ترنو بها إلى المغرب لبناء علاقاتها معه كبلد يشهد له الوزير الفرنسي بأنه حقق تطورا كبيرا في ظل حكم العاهل المغربي جلالة الملك محمد السادس .
ومن خلال ما قاله وصرح به السيد ستيفان سيجورني تأكد أن فرنسا تعلن اليوم بلسان وزير خارجيتها إرادتها في طي صفحة الماضي القريب الذي شابته الشكوك وساده إنعدام التفاهم ، ولذلك يقول : ” يجب أن ننظر إلى التحديات بكثير من التبصر لكي نجاري العالم الذي يتحول بسرعة ” .
وكما قال السيد ستيفان سيجورني فإن قضية الصحراء هي أبرز نقطة في زيارته للمغرب ، وقال بصريح العبارة : “وبالنسبة لمخطط الحكم الذاتي يجب على الرباط أن تعول على باريس ، وموقفها الواضح من هذا المخطط ” ، مضيفا قوله : ” أن نتقدم في موقفنا من الصحراء يعني أن نتبنى البرغماتية إزاء الملف ” . وقدم الوزير الفرنسي شهادته على واقع الصحراء المغربية فقال : ” إن هناك تطورا إجتماعيا في الأقاليم الجنوبية ، وأن المغرب قامإن بحركة تنموية مهمة في العديد من المناطق ، وإن باريس ستدعم جهوده في تنمية تلك الأقاليم . وهذا هو موقف باريس في النزاع ” .
لقد حرصت على المساهمة في تقديم هذا العرض عن الموقف الفرنسي لأعبر عن الإرتياح الشخصي الذي لا شك أنه يعم مختلف الأوساط السياسية والصحافة . وأعتقد أن الحكومة الفرنسية الحالية بعودتها إلى مساندة المغرب في قضية الصحراء ، ربطت الحاضر بالماضي ، وبالضبط عادت إلى إنصاف المغرب والمراهنة عليه على غرار ما فعلته فرنسا سنة 1975 إثر تجرؤ الجزائر على خلق نزاع الصحراء ، لقد جاء ذلك الرهان على عهد الرئيس فاليري جيسكار ديستان الذي قاوم وبعزم الضغوط التي ماستها الجزائر على عهد الرئيس الراحل هواري بومدين ، وفي ظروف كان المغرب أحوج ما يكون لمساندة تحدث ماكان المغرب في حاجة إلى وجود توازنات في القوى نظرا لمساندة المعسكر الشيوعي والإشتراكي للجزا ئر . إن ما حصل عليه الجزائريون من مساندة كان نتيجة النفوذ الذي كانت تتمتع به بلادهم التي لم يتردد زعيمها ورجال نظامها في تسخير ٱمكانياتها وما كانت تتمتع به من نفوذ سياسي ودبلوماسي على الصعيد الإقليمي والدولي ، وذلك من أجل الحيلولة دون تكريس المغرب لمكاسبه في تحريرصحرايه من الإحتلال الإسباني .
لقد كانت فرنسا من بين الدول التي تعرضت للضغط الجزائري ، والذين عاشوا أحداث تلك الفترة أو إطلعوا على تاريخها يذكرون الحملة الشرسة التي شنها الرئيس هواري بومدين على فرنسا بواسطة خطب تثير الأحقاد والضغاين التي تكونت ضد فرنسا أثناء حرب التحرير . والملاحظة أن المخابرات الجزايريةما تزال تلجأ إلى بث تلك الخطب كلما عن لها ذلك .
إن ما تحملته فرنسا من أجل المغرب يعد فضيلة أستدتها لشعبه ولنظامه . أفلا يكون من الإنصاف الإعتراف بالفضل لأهل الفضل ؟