قراءة عاشقة في سيرة الناقد عيسى الداودي للاديب مولاي الحسن بنسيدي علي
بقلم: الأديب الأستاذ مولاي الحسن بنسيدي علي
…مستعينا بالله ومستفتحا بما خالجني من خاطرة لم أُعد لها نظما ولا وزنا وأنا في طريقي إلى هذا الجمع المبارك و أقول في حقه: يا عيسى غدوت مَزهوا في بستان العمر تنثر الورد والبشر ابتسامة ترش المحبة عطرا وتقرأ في بطن الظلمة كنبي الله يونس سبحانك اللهم عيسى خبرني عن وٍرْد الفجر ورسم القوافي ونظم الشعر تماهت الحروف واينعت القصيدة في حضرتك وتكربمك المستحق عيدٌ وانت فيه العيدفيا خلي أدعو لك في صلاتي بطول العمر باليمن ..وبالخيرهذا الإنسان الرائع ـ رافقت مسيرته الأدبية لأكثر من عقدين من الزمن نهلت من أدبه، وكثيرا ما استمعت إليه وحضرت ندواتٍه في المجالس يشدني شغف الإصغاء إليه وتشاء الأقدار أن أحظى برفقة الاخ الدودي في تسيير جمعية ملتقى الفن والإبداع بالناظور والتي ذاع صيتها داخل الوطن وخارجه والتي أتشرف برئاستها في رحاب أمراء الحرف والكلمة المعبرة والقصيدةٍ والدراساتٍ النقديةٍ الراقية، و عملنا على تدوين سيرة المبدعين كل في مجاله وما الدكتور عيسى إلا واحد منهم فأخصه بقراءة عاشقة أرجو أن ترقى إلى ذائقة القارئ ،وأستعين بالله وأقول :حسبت أنني سأمر مر الكرام على مجموعة من قراءات الدكتور عيسى وقد لا تأخذ مني زمنا لقراءتها أو التمعن فيها حتى إذا ما انتهيت منها وضعتها على الرف لأرجع إليها بعد مدة قد تطول أو تقصر ولكن الأمر هاته المرة يختلف عن سابقه؛ وجدت نفسي أدك برأس سباتي على وسط نظارتي الغليظة لأدقق في الحروف والكلمات وأتلمس موضعي لأجلس متمعنا في بيان المعنى وروعة الأسلوب تتملكني نشوة القراءة ولم يعد استعجالي للمرور عابرا خفيف المقام، بل كأنه دفءُ الموقدٍ في ليلة باردة، وهي مجموعة مما كتب لي ولغيري من الشعراء والقصاصين والكتاب على اختلاف مشاربهم وقد وجدت فيها سمو كبرياءٍ صاحبها وعزة نفس عالية، وهو يدعم مسيرة المثقفين ويشجعهم على البدل والعطاء ويحثهم على مواصلة مسيرتهم الإبداعية على حساب صحته ووقته يحضر الملتقيات ويناظر ويدقق في المصطلحات ويرسم معالم دراسات نقدية حديثة تعطي للمتلقي لذة القراءة وعن مفهوما.
يقول الدكتور اسماعيل كرك:ليس هناك شك في أن للقراءة لذّةً لا يوجد سبب يدعو لإنكارها أو تغييبها، وعلى الرغم من أن الكثيرين يتذرعون بأن هذه اللّذةَ حكرٌ على النُخبويين، فما يزال هناك، حسب ما جاء في كتابه «لذة النص» يتحدث رولان بارت عن أقانيم ثلاثة تشكِّل الطريق التي تقود إلى اللذة وهي: مفهوم النص ومفهوم الكتابة ومفهوم القارئ، لكنْ ربما يكون ما توصَّلَ إليه بارت ليس جديداً بكل معنى الكلمة مقارنةً بما ورد في بعض المراجع العربية كنظرية النظم عند الجرجاني، والملامح النقدية عند القرجاني وابن الأثير الموصلي، لكنَّ الجديد الذي يقدمه بارت هو إعادة قراءة معنى النص “انتهى” وهذا ما أجده عند الدكتور عيسى الدودي وهو يخرج النص المشتغل عليه مما يكتنفه من غموض إلى وضوح الرؤيا فيعيد له حياة جديدة بكتابة تسعف القارئ، ولتقريبه من رؤية كاتب النص الأصلي وإحساسه باللذة الممتعة وهذا لن يتأتى إلا لناقد متمرس بحجم الدكتور عيسى الدودي .
الحق أقول إنه سفر ممتع مع ربان رحلتنا الناقد الأديب الدكتور عيسى و تستعصي الكلمات والمفردات لتتجمع في إطار تحليل دقيق لدراسات نقدية متينة البناء عميقة المعنى؛حتى ننهل من مشاربها أكثر من رشفات ونسقى منها بما فيه كفاية، فنتذوق عذوبة طعمها ونغوص في شخصية الدكتور عيسى الدودي، وننقب في جب معارفه لنستخرج كنوزه ونفائسه، وهذا ما اعتمدناه؛ ونحن نسبر جمال المعاني وروعة البيان في كتاباته التي لطالما شدت إليها القارئ، وصفق لها بإعجاب وعانقت الصدور وبالوقوف على تحليل الدكتور عيسى الدودي في تقديماته الدواوين الشعرية للشعراء فإنه لا يكتفي بالنظرة السريعة وإنما يدقق في تفصيل عناصر اللغة من استعارة وكناية و تحليل الخطاب وفي الصور الداخلية والخارجية وفي الأسلوب لا يترك كبيرة ولا صغيرة إلا ودقق وحقق فيها وهذا دأب كبار النقاد يقول الدكتور الناقد نورالدين اعراب الطريسي:في كتابه الاستعارة في الخطاب الشعري.. إن الشاعر لا يتفاعل مع اللغة إلا في مرحلة ثانية.
ولكن تفاعله الاولي يتم مع معطيات وعناصر التجربة الشعرية في الوجود التي تسبق تفاعله مع عناصر اللغة وهذا الأمر هو ما أثبتته وبينته الدراسات النقدية التي أتت بعد البنيوية. مثل السيميائيين ونقاد الدلالة وتحليل الخطاب.
وهذا التيار النقدي أسهم بدور بارز في تنظير تصورنا للاستعارة كصورة شعرية و من نظرتنا إلى عمل وفاعلية الصور الشعرية المختلفة باعتبارها عناصر وجودية تفاعلية قبل أن تكون عناصر تنتمي إلى مجال اللغة الشعرية “انتهى” فعلى من يأتي دور هذه القراءة العاشقة ومن يكون عريس هذا اللقاء وندرج بعضا من سيرته كما توصلنا بها من مراجع مختلفة إنه:عسى الدودي من مواليد 1973 ببلدة فرخانة التابعة لإقليم الناظور حاصل على شهادة الدكتوراه في الأدب الأندلسي والإجازة في الادب الاسباني قضى ربع قرن في سلك التعليم الثانوي وأستاذ زائر في الكلية المتعددة التخصصات بالناظور لمدة ست سنوات، كما قضى تسع سنوات من العمل في المعهد الاسباني بالناظور له عدة مؤلفات ركز فيها بالأساس على الأدب المقارن والدراسات الأندلسية وقضايا التسامح بين الثقافات والحضارات .
ومن مؤلفاته فضاءات الأدب المقارن والنص والنص الآخر وكتاب انطلوجيا القصة القصيرة جدا باشتراك مع الدكتور جميل حمداوي كما وضع مقدمات لعدة أعمال إبداعية وأدبية لكوكبة من الأدباء منهم تقديم ديوان انكسار في قوس قزح للشاعر عبد الحق الحسيني وديوان زجلي جذبة المداح للزجال والكاتب مولاي الحسن بنسيدي عليوتقديم رواية تلايت ماس للروائي محمد بودشيشو ديوان شعري من بروج الذاكرة للمبدع سعيد الجيراري وتقديم شعري صهيل الفرسان للأديب محمد مهداوي وتقديم كتاب الذرائعية في أعمال محمد مهداوي للكاتب عبد الرحمان الصوفي وشارك بأعماله في المركز العالمي للدراسات العربية والفلسفية والتاريخية بباريز إلى جانب الدكتور يحيى الشيخ وصفوة من الأدباء على اختلاف جنسياتهم وهو عضو اتحاد الكتاب بالمغرب. هذا نزر من كثير مما قدمه للمشهد الثقافي وقد نتناوله في قراءة مستفيضة لاحقا إن شاء الله.ومما شدني إليه ونحن نجوب ربوع الوطن مشاركين في الملتقيات سعة صدره.
كان رفيق رحلتي إلى كثير من المدن منها تارجيست ووجدة وابركان والرباط والدار البيضاء وتطوان ومدن أخرى وفي كل رحلة كنت أرى فيه ذلك الإنسان اللبق والمتواضع يترك أثرا طيبا في من يجالسه يرخي السمع للأدباء ويفيد حين يتحدث وقد مكنته دراسته المزدوجة بالاضافه إلى النهل من معين الأدب الإسباني والأدب العربي بالإضافة إلى معرفته بالتراث الأمازيغي قديمه وحديثه.وندرج ما تفضل به الدكتور محمد أبو أسامة دخيسي إذ يقول : في أطروحته لنيل الدكتوراه في الأدب العربي في موضوع: الشعر المغربي المعاصر بين ثبات الدلالة وتحولاتها والتي أشرف عليها الدكتور مصطفى سلوي وما ذكره في هذا المجال ينطبق في نظري على التحليل النقدي، إذ يقول فضيلته:من الواضح أن كل توجه يضبط العملية الإبداعية، إنما يكون دافعا قويا لجعل المبدع في منأى عن أي اعتباطية. ويوجهه إلى تبني رؤية نقدية قوية، تحمل من المعاني الدلالات الأدبية، ومن الجماليات ما يُوَلٍد فيها الصور البديعة.”انتهى” أرجو أن أكون قد ساهمت ولو بقدر يسير في إضاءة شمعة من شموع الناقد والأديب الصديق والأخ الدكتور عيسى الدودي؛ ولو كان لي من الوقت ما يكفي وصحتي تسعفني، لما وقفت عند هذا الحد.
وأعتذر إن قصرت والعفو من كرام القوم مقبول .