تعتبر حاضرة فاس التي تأسست سنة 808 ميلادية، مدينة إمبراطورية عريقة ترمز لتاريخ عريق ومجد تليد يوثق لحضارة مغربية عريقة تمتد حوالي ثلاثة عشر قرنا، تكتنز أمجاد وقوة الدولة المغربية.
وشكل تأسيس مدينة فاس، بما ترتب عليه من نتائج سياسية واجتماعية وعمرانية، منعطفا حاسما في تاريخ المغرب وتشكيل هويته ودولته الموحدة ، ذلك أن تأسيسها من قبل المولى إدريس الثاني كان مقترنا باتخاذها حاضرة للدولة الجديدة وبتحول في التكوين التاريخي للدولة المغربية الموحدة.
وبمجيء المرينيين، تم تمديد المدينة بإنشاء فاس الجديد بالجنوب الغربي لفاس القديم أو البالي، حيث بنوا مركزا إداريا وقصرا سلطانيا وفضاءات تجارية ومساكنا محاطة بأسوار وحصون وغيرها من الفضاءات التي كانت تشكل سدا منيعا في وجه الغزاة.
وشهدت المدينة العلمية نموا حضاريا امتد لعدة قرون حيث لا يزال النسيج الحضري لمدينة فاس وانتشارها الترابي يحملان بصمات زمنية ماضية.
وقد أضحت فاس، التي تعد أرضا للقاء والتسامح والسلام والعلم إحدى أرقى المدن الإسلامية، بإشعاعها الثقافي والعلمي، وذلك بفضل جامعة القرويين الشهيرة، ومدارسها المتعددة التي تستقبل عدد كبيرا من الطلاب والعلماء البارزين من الديانات الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام.
كما شكلت هذه المدينة الألفية، بحق، أحد النماذج الحضرية الإسلامية الأكثر تميزا والأكثر حفاظا على تراثها، والمآثر التي تزخر بها والتي تعكس مختلف الحقب من تاريخها.
داخل المدينة العتيقة لفاس، تنتشر المدارس العريقة والرياضات وفضاءات أخرى حولت إلى متاحف ومساجد. كما يزخر سوق الحنة بمستحضرات التجميل الطبيعية من صابون أسود وماء ورد وكحل، أما حي النجارين، فيتجمع فيه فنانو الخشب المهرة.
ويمثل الفخار الفن الأكثر رمزية في المدينة الإمبراطورية، وفيها تجد خزف فاس الأزرق الشهير، وهو خزف مزين ومطلي ببراعة بأيدي الحرفيين الذهبية التي تجعل من القطع الخزفية تذكارات جميلة وأواني عملية.
وتظهر في السماء عاليا مئذنة جامع القرويين، أقدم جامعة في العالم بنتها فاطمة الفهرية، كمنارة تفتح أبواب المعرفة والعلم للجميع.
وتجسدت العناية الملكية السامية بالمدينة العتيقة لفاس من خلال ترميم مجموعة من المواقع والمآثر التاريخية، بما في ذلك فنادق ” الشماعين” و”السبيطريين” و”الصطاويين” و”البركة”، التي تعتبر معالم قيمة بالنسبة لتاريخ المغرب على العموم وتاريخ الحاضرة الإدريسية على الخصوص.
كما أشرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس في إطار عناية جلالته السامية على تدشين قطب الصناعة التقليدية عين النقبي بفاس، من أجل إعطاء دفعة قوية لأوراش إعادة هيكلة قطاع الصناعة التقليدية والحفاظ على الطابع الحضاري والعريق للعاصمة الروحية للمملكة.
ولأهمية المدينة التاريخية، عملت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، على إدراج مدينة فاس ضمن قائمة التراث العالمي سنة 1981 كأول مدينة مغربية يتم وضعها في هذه القائمة.
وتعتبر مدينة فاس متحفا في الهواء الطلق، تعاقبت العصور والأجيال عليها وراكمت فيها كنوزا كثيرة، ومدينتها العتيقة هي الأقدم والأكبر في المغرب حيث تتجمع فيها كل الحرف التقليدية من دباغة ونسيج وفخار وخزف، كما تزخر شوارعها وأزقتها بروائع معمارية خالدة، وتنبض ساحاتها وأماكنها العامة بفنون الأجداد.
كما تعيش العاصمة الروحية على إيقاعاتها الخاصة التي تتجاوز الزمن، كما تحتضن مهرجانات وتظاهرات عديدة متميزة، ضمنها مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة ، ومهرجان فاس للثقافة الصوفية ، ومهرجان فنون الطبخ، والمديح والسماع، ومهرجان الملحون.