المنطقة تمر بإعادة تشكيل محورها السعودية
( اليمن نقطة تماس استراتيجية للسعودية وللقوى الإقليمية والدولية)
يقع اليمن في الحديقة المجاورة للسعودية، ويمتلك 2500 كيلو متر سواحل ساحلية منها 442 كيلو متر على البحر الأحمر، تمتلك 183 جزيرة موزعة في أربعة أرخبيلات رئيسية، يضم أرخبيل البحر الأحمر 151 جزيرة، وأرخبيل خليج عدن 20 جزيرة، وأرخبيل البحر العربي 5 جزر، وأرخبيل سقطرة في المحيط الهندي 7 جزر، فيما تمتلك السعودية 1285 جزيرة منها 1150 جزيرة تقع على سواحل البحر الأحمر الذي يبلغ طوله 1811 كم، و610 كم على الساحل الشرقي.
بقلم الدكتور عبدالحفيظ محبوب
بالطبع تشغل السعودية أربعة أخماس شبه الجزيرة العربية بمساحة تقدر 2.250.000 كيلو متر مربع، ما يعني أن اليمن تاريخيا كان هناك صراع عليه، فعانى من الاحتلال الفارسي لمدة 1500 عاما، ونحو 500 عاما من الاحتلال الحبشي، ونحو 300 عاما من الهيمنة العثمانية، وبعد توحيد الملك عبد العزيز مناطق المملكة، بدأ اهتمامه باليمن منذ عام 1920 لتأمين حدوده من جانب، وإقامة علاقات متينة بينه وبين اليمن، خصوصا وأن اليمن بموقعه الاستراتيجي يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي ويطل على مضيق باب المندب، ففي عام 2019 عبر المهاجرون الأفارقة عبر اليمن نحو 138 ألف 92 في المائة كانت وجهتم السعودية مقارنة ب110 ألف عبروا البحر المتوسط إلى أوروبا.
تاريخيا منذ التواجد البريطاني في منطقة الخليج، فعندما ضم الملك عبد العزيز الحجاز في 1924 ووحد البلاد اتجهت إيران بدعم بريطانيا إلى ضم الأهواز في 1925 من اجل خلق توازن إقليمي، ويتابع الغرب وبشكل خاص الولايات المتحدة التي ورثت المنطقة من بريطانيا أنهم يرون أن هناك صراع تاريخي بين السنة والشيعة وأن جذوره تعود لمرحلة مبكرة من تاريخ الإسلام لابد من إحيائه بعد إيصال الخميني إلى الحكم في إيران من أجل أن يتنافسان على الزعامة الإسلامية ( فيما السعودية ترعي الحرمين الشريفين وقبلة لجميع المسلمين بكل مذاهبهم ) وتوظيف هذا الانقسام للهيمنة على المنطقة، عندها أدركت السعودية أن إيران ولاية الفقيه تود التحكم في مضيق هرمز وباب المندب عبر الهيمنة على اليمن، فعلاقة ايران بالحوثي منذ عام 1980 من أجل دعم الحوثي كذراع إيراني في اليمن، وأقامت الولايات المتحدة علاقة مع الحوثيين منذ عام 2004 بحجة محاربة القاعدة والاستعانة بالحوثيين.
كان يود أوباما توازنا مع ايران، لكن أتى ترمب وحاول إرضاء السعودية للحفاظ على مصالح أمريكا في المنطقة، لكن الاستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة لا تتعلق بمجئ رئيس أمريكي، وكانت تتخوف السعودية من أن يتحول اليمن إلى عراق آخر تعبث فيه إيران بدعم الولايات المتحدة تحت حجج استمالة إيران من أجل التوصل إلى اتفاق نووي.
دخل اليمن أتون مرحلة صراع لأن المؤتمر بقيادة علي عبد الله صالح الذي تمت إقالته وفق المبادرة الخليجية في منتصف 2011 في زمن الثورات العربية التي ضربت المنطقة العربية والتي كانت ككرة الثلج تتدحرج في المناطق الهشة وتسليم مهامه للرئيس عبده هادي، لكن أراد علي عبد الله صالح الوصول إلى الرئاسة مرة أخرى عبر التحالف القاتل مع الحوثي، وعندما طلب من اليمنيين الانتفاض ضد الحوثي والتحالف مع السعودية تم التخلص منه في 4 ديسمبر 2017، كذلك أرادت جبهة الإصلاح الشراكة مع الحوثيين في حكم اليمن، فسلم اليمنيون صنعاء للحوثيين أيضا نكاية بالسعودية، وكره تيار الإصلاح الإخواني بالإمارات التي حاربت تيار الإخوان في المنطقة.
في إطار ترتيبات أمنية بين السعودية وسلطنة عمان والحوثيين بغية التوصل إلى معالم محددة لخارطة طريق تتوافق عليها الأطراف اليمنية تمهيدا للشروع في البحث عن حل سياسي مقبول وشامل ودائم للصراع اليمني نتج عنه ظهور قادة عسكريين إلى جانب كبير مفاوضي الحوثيين محمد عبد السلام فليته حلال لقائهم بوزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان آل سعود كمقدمة تفضي إلى مرحلة تالية من العلاقات مع الحوثيين ضمن الكيان السياسي المأمول لليمن المجاور، جعل بعض أطراف الشرعية تتذمر مما تسميه بخذلان التحالف لها مقابل استمرار الدعم الإيراني للحوثيين بأشكال مختلفة، لكن لا يهمهم الأثمان التي تحملتها السعودية نتيجة خزلان أطراف يمنية مكنت الحوثيين من احتلال صنعاء، واقتحام الجنوب وعدن ولولا السعودية والإمارات لاستطاع الحوثيين التوسع أكثر من المناطق التي يسيطرون عليها.
هذا إلى جانب أن المجتمع الدولي أوقف التحالف من تحرير الحديدة عام 2018 واستبدله باتفاق استكهولم في ديسمبر 2018، وفي نفس السنة شكلت السعودية تحالف الدول المتشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن من أجل حماية مداخل البحر الأحمر، لكنه لم يرضي الناتو هذا الاتفاق ومحاولة حصول موسكو على قاعدة لوجستية في بورتسودان، أدخل السودان في أتون حرب أهلية، كذلك في اليمن تم تشكيل مجلس قيادة رئاسي بديلا عن السابق هو الآخر يعوزه الانسجام والتكامل بين مكوناته.
ملامح المشهد السياسي السابق تغير بعد طوفان الأقصى أعاقت إغلاق ملف الصراع اليمني من أجل تفرغ السعودية للملف الاقتصادي الإقليمي الذي تقوده، وبعدما استجابت السعودية لتوصية الولايات المتحدة في دمج الحوثيين في المؤسسات اليمنية، لكن حذرت السعودية أمريكا أن الحوثيين أداة إيرانية خبيثة في اليمن هدفهم السيطرة على مضيق باب المندب بجانب مضيق هرمز للتحكم في الممرات البحرية في المنطقة التي تصل عبر قناة السويس بالبحر الأبيض المتوسط، لتشكيل حزام أمني عبر أذرع إيرانية لمحاصرة السعودية والعرب يخدم الأهداف الإيرانية في طهران، وتم تهريب الأسلحة للحوثيين عبر ظفار كانت تتجه إلى الصومال ثم تعود عبر قوارب صيد إلى الحوثيين مخالف للقرار الأممي 2216، ويتم تدريب الحوثيين في جزر دهلك التي تسيطر عليها إيران في أرتيريا ثم يعودون إلى صنعاء في فترة مبكرة قبل استيلاء الحوثيين على صنعاء.
وبحجة الدفاع عن غزة يقوم الحوثيون بضرب السفن المتجهة إلى إسرائيل، وهنا بدأت مرحلة مسرحية بطلها الولايات المتحدة والكومبارس الحوثيون، بالطبع استثمرت الولايات المتحدة ضربات الحوثيين لعسكرة البحر الأحمر خصوصا أن تجارتها أغلبها عبر المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، بينما أغلب تجارة الصين تمر عبر مضيق باب المندب، وهناك ملفات عديدة بين الولايات المتحدة والصين تحالف الصين مع موسكو، والصراع في ملف تايوان، وملف التجارة، والتكنولوجيا التقنية، والنزاع على النفوذين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث تود الولايات المتحدة تحالف دولي يشترك في محاربة الحوثيين لتقاسم التكاليف خصوصا بعدما رفضت السعودية والإمارات ومصر الاشتراك في هذا التحالف.
نتج عن هذه الضربات غرق سفينة روبيمار التي ترفع علم بليز وتديرها شركة لبنانية تعرضت لهجوم في 19 فبراير 2024 قرب جزيرة حنيش وهي تحمل مواد سامة، ورفضت أي دولة سحبها حتى لا تتضرر سواحلها، وتبعد حنيش 130 كيلو متر عن الحديدة، وعن ميناء الخوخة 64 التابعة لتعز، نتج عنها تأثر اقتصاد اليمن المعتمد على الصيد، خصوصا تأثر حياة الصيادين بسبب تلوث الأسماك في الشواطئ اليمنية.
يحاول الحوثيون ان يتعاملوا كدولة وليس كجماعة انقلابية، ومحاولة عقد الصفقات مع الشركات ولكنها رفضت، وتود أمريكا استدراج الحوثيين بعد تدمير الرادارات، فأصبحت ضربات الحوثيين عمياء تستهدف سفن غير المستهدفة، وحتى الان تقوم أمريكا بضربات وقائية، ولم تقم بضربات تستهدف أهداف قوية، خصوصا تجاه القيادات الحوثية، لأنها لا تود القيام بمثل تلك الضربات بمفردها، بل تود تحالف دولي لتتوزع تلك الدماء على المجتمع الدولي، وفي نفس الوقت تنتظر توقف حرب غزة لتقوم بمثل هذا الاستهداف اذا استمرت الهجمات الحوثية، خصوصا وأنها في سنة انتخابية، وهي تود إصلاح سمعتها بعد دعم إسرائيل الأعمى واستخدام الفيتو ضد وقف فوري للنار، فهي الآن ترسل المساعدات جوا في غزة، خصوصا في قوانين الولايات المتحدة أنه لا توجد مقايضة مع الإرهاب لأنه سيعطي الإرهابيون في أنحاء العالم جرأة على الاقتداء بإرهاب الحوثيين.
أعلن الحوثيون بعد هذه المسرحية بأنهم انتصروا أتى ذلك في لقاء عبد الملك العجري مع مجلة ذي أتلنتيك أوضح أن سلطة عبد الملك الحوثي سلطة غير قابلة للنقاش بعد التسوية، ويمثل السلطة العليا، وعند مقارنة عبد الملك العجري عبد الملك الحوثي بحسن نصر الله اعتبر أن عبد الملك الحوثي أعلى سلطة من حسن نصر الله، واعتبره أنه أقوى وأكبر وهو نظير خامنئ في إيران.
تدرك الأطراف اليمنية أن الحوثيين جماعة اقصائية تسعى لحكم اليمن وتستنسخ ولاية الفقيه عبر ما يسمى ( المشروع القراني ) صدمت الأطراف اليمنية وعلى رأسهم جبهة الإصلاح التي خاب ظنها بعدما كانوا يأملون في تامين موقع لهم في حكم اليمن مستقبلا عبر المشاركة في التسوية على حساب بقية الأطراف التي هي الأخرى قدمت تنازلات من أجل الوصول إلى حل سياسي دائم، وذهب وفد من جبهة الإصلاح إلى طهران للوقوف على حقيقة الحوثيين وأنها لن ترضى إلا بشراكة حقيقية، وترفض تفرد الحوثيين بالمرحلة المقبلة.
يبدو أن المنطقة تمر بإعادة تشكيل محورها السعودية، خصوصا في أن الولايات المتحدة تدرس خطة تدريب اليمنيين للقضاء على الحوثيين وتحرير صنعاء خصوصا بعد تخلي إيران عن حماس والحوثيين حيث من المرات القليلة التي تتفق فيها الصين وروسيا مع الولايات المتحدة، جميعهم نددوا بهجمات الحوثي، سيكنون هدفا ضروريا مشروعا للمواجهة لإجبارهم على التوقف، وربما حتى إسقاط حكمهم في صنعاء وشمال اليمن، هذا يتوافق مع سياسة واشنطن تطهير البحر الأحمر من النفوذ الإيراني والروسي، الذي سبق وأجهضت مشروع قاعدة إيران العسكرية في السودان، وفي نفس الوقت تم إجراء تدريب عسكري مشترك بين إيران وروسيا والولايات المتحدة في الهند.
فقوات صالح اشترطت مواصلة القتال بعد دعمها بالسلاح نيابة عما كانت تنوي القيام به السعودية في الماضي، بينما اليوم لن تشترك السعودية بعدما وقعت اتفاقية مصالحة مع إيران عبر بكين، وكذلك توصلت السعودية إلى اتفاق مع الحوثيين عبر تامين حدودها وهي وسيط بينها وبين بقية الأطراف اليمنية، ولم يعتد الحوثيين على السعودية، وهناك مبعوثين في اليمن أممي ومبعوث أمريكي، خصوصا ان أمريكا حريصة على تحقيق الممر الهندي الإسرائيلي الأوروبي برعاية سعودية الذي ينافس الممر والطريق الصيني بعد إقامة الدولة الفلسطينية الذي تصر عليه السعودية، وفي نفس الوقت إنهاء التهديدات التي تهدد هذا الطريق.