في كل مرة وأنا أتابع موقف الإعلام الفرنسي خاصة عبر وكالته من القضايا الدولية، أتأكد انه لا وجود لصحافة مستقلة تقوم قصاصاتها على تحرير الحقيقة المطلقة.
بعيدا عن ضوابط المهنة و أخلاقياتها، فإن وكالة الأنباء الفرنسية تصدر أخبارها نحو الدول التابعة للغتها، بدقة تراعي مصالح الدولة الفرنسية، و تخدم أجندتها الاستعمارية التي ما زالت حاضرة في بعض بقاع العالم، خاصة في فضاء القارة السمراء حيث دولا من إفريقيا ما زالت تعاني من الفعل الاستعماري بلون آخر و بصورة مكشوفة لمن له المعرفة بالشأن السياسي الدولي و القدرة على قراءة الأوضاع و كشف النوايا التي تؤكد مواصلة فرنسا مسار برنامجها الاستعماري و هي تكيل بمكيالين في إعلان مواقفها من أحداث دولية أخرى بشكل يوازي مصالحها.
تغيير ملامح الحقيقة
وحتى ولو كان الأمر لا يعنيها وبعيدا عنها جغرافيا أو سياسيا، فإنها تدخل على الخط فور شعورها بكونه يمس بمصالحها بطريقة أو بأخرى، فلا تتردد في توظيف ” لوبيها الإعلامي “ المشكل في وكالة أنباءها لتؤسس لحملة دعاية، الحقيقة الوحيدة فيها هو كونها تهدف إلى تغيير الحقيقة، فتحول المتهم إلى ضحية وعلى يد أخبارها الحرام يرتدي لباس الحلال.
الأمثلة كثيرة في هذا الباب، لكني اكتفي بأحداث أذربيجان وأرمينيا ومسلسل الاستعمار الذي طال إقليم قره باغ “كرباخ” على يد الجيش الأرميني لفترة زمنية تجاوزت ثلاث عقود، هذا الاستعمار الذي حسمت في طرده 40 يوما من حرب دموية غير مسبوقة في المنطقة، أكده اتفاق ثلاثي، أرميني أذري روسي، لكن الحقيقة التي سهل على الجميع قراءة مضامينها، أن الاتفاق حل في واقع الأمر كوثيقة استسلام وقّعتها أرمينيا مرغمة، بعدما استنفدت كل الخيارات الأخرى، لتنتهي الحرب تاركة وراءها آثارا تحزن الجبال و مأساة إنسانية ما زالت المقابر الجماعية التي يتم اكتشافها شاهدة عليها.
قصة الخنازير بالمساجد
السفر في مهمة إعلامية لأذربيجان منحني نصف الحقيقة، و اللقاءات العديدة التي جمعتني بمسؤولين رفيعي المستوى و خبراء في قطاع الإعلام و الصحافة، منحتني النصف الآخر من الحقيقة، أما زيارتي لعدد من مدن و مواقع إقليم قره باغ ، و ما لمسته في شوارعها الصامتة و منازلها التي لحقها الدمار ، منها المهدمة كليا، و منشآتها الثقافية التي لم يتبقى منها إلا زوايا قليلة، و جبالها الشامخة بتواضع روحي ، مكنتني من سماع صوت الحقيقة، و أيضا ما حدثتني به مقابر الشهداء المتواجدة في عمق الدمار، و المساجد التي لم تكن الخنازير التي استولت على أركانها أن تغتصب
قدسيتها وتسحب منها هويتها الإسلامية، كان كافيا لملامسة حجم الآلام والمعاناة التي لحقت المنطقة وشعبها، أطفالا و شبابا و شيوخا، نساء و رجالا، كل هذا الذي وثقته بالصورة و الصوت وقع في أسفل رسالة سفري تاركا بصمة تؤكد الحقيقة.
التاريخ يحرر سطوره بشوشا
وبقدر ما عدت مطمئنا على مستقبل إقليم قره باغ ومدنه وقراه، أذكر منها شوشا، عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي، ومدينة أغدام حيث التطور قادم، لما هو قائم من تدشين و انطلاق أوراش بناء متطورة، ومن برامج إصلاح وإعادة تعمير، فإني أضم صوتي لكل من يطالب بضرورة العمل على دعم الإعلام المحلي لكل دولة تؤمن بأن الواقع حقيقة واحدة، حتى تكتمل الأدوات للوقوف عليها دون تأثيرات خارجية من صنع زاوية بارعة في فبركة الأخبار لخدمة أجندتها.
وهنا أعود للديك الإعلامي الفرنسي المتلون حسب طبيعة الظروف، والذي يسير وفق هذا الاتجاه لإعلان وجه يعادي من كان ضحية احتلال واستعمار وخراب وإبادة جماعية، فقط لأن مصالحه مرتبطة بوجود نسبة هامة ومؤثرة، من المواطنين من جنسية البلد الذي كان سببا في الأحداث المأساوية بكل تفاصيلها، بين أحضان مجتمعه.
وكل هذا يجعل البرنامج الإعلامي للوكالة الفرنسية، يعتمد ترويج أخبار تجد للأسف مكانتها في العديد من الصحف والمواقع الإعلامية لدول مختلفة، حيث غالبا ما يكون فيه الصحفي فقط أداة نشر في غياب إمكانيات التأكد من صحة الخبر وفي غياب إمكانياته الذاتية التي تخول له البحث والتحقيق عبر زوايا أخرى متاحة لها المصداقية والقدرة على جعله يقف على الحقيقة.