ثاني رمضان..يوم بايعت قبائل دكالة والحوز السلطان مولاي يوسف
للبيعة في المغرب عدة خصوصيات تتعلق بشروطها وطقوسها، ولعل أول هذه الشروط أن يكون هناك شغور في السلطة، وضرورة انتقالها من ملك إلى آخر، إما بسبب الموت، أو العجز أو غير ذلك.
وحينما تحصل إحدى الحالتين فإن من يسمون أهل الحل والعقد سواء من الحاشية المقربة من البلاط أو من عامة وخاصة الشعب المغربي، يبادرون إلى إعلان البيعة للسلطان الجديد الذي يحل محل السلطان المتوفى أو السلطان الذي تخلى عن الملك، وذلك وفق شروط منها أن يجتمع المبايعون ويعلنون، طواعية لا كرها، بيعتهم أمام شاهدين عدلين يقومان بتحريرها، ونظرا لحرمة المساجد فكثيرا ما كانت تتم البيعة فيها بعد قراءة خبر السلطان المتوفى أو المتنحي على المنابر، غير أنه في أحيان أخرى نجد أن البيعة بعد أن يتم الاتفاق عليها من طرف القبيلة وساستها وأعيانها وطلبتها وشرفائها وفقرائها كبيرهم وصغيرهم، يتم الإعلان عنها بواسطة البراح في الأسواق وفي أبواب القصور والمساجد.
على هذا الشكل تمت مبايعة السلطان مولاي الحسن الأول في شعبان عام 1290ﻫ/24 شتنبر 1873م من طرف قبيلة صنهاجة (إزناكن) الواقعة جنوب الأطلس الكبير الأوسط في إيالة الخليفة محمد بن محمد المزواري الأكلاوي التلواتي. ونفس الأمر حصل قبل ذلك لما بايع أهل شفشاون والأخماس السلطان مولاي عبد الرحمن بن هشام يوم 13 ربيع الثاني وخطبوا بها في المنابر.
وكذلك كان الأمر في بيعة أهل دكالة لمولاي يوسف في 2 رمضان 1330ﻫ/15 غشت 1912م، إذ تمت البيعة بالمناداة في الأسواق بأمر الباشا والحضور إلى المسجد الذي كان غاصا بالناس لتلاوة خبر تخلي السلطان مولاي عبد الحفيظ عن الملك.
ويتضح من خلال الإشارات التاريخية المتوفرة، أن يوم إعلان البيعة لم يكن يوما عاديا كباقي الأيام عند المغاربة، لأنه يؤرخ لفترة جديدة، وكانوا يعتبرونه يوما تاريخيا في حياتهم، فيجعلون منه يوم احتفال وحبور ويوما مشهودا، وهو ما حصل عقب بيعة أهل العدوتين الرباط وسلا للسلطان مولاي يوسف يوم عاشر شعبان 1330 ﻫ /25 يوليوز 1912م. حيث قام سكان المدينتين بالاحتفال باعتلائه عرش البلاد وتوليه أمرها.
وحينما قام أهل الحوز ببيعة نفس السلطان في 2 رمضان 1330ﻫ/15 غشت 1912، في المسجد وأعلن عنها بالنداء في إيالة الحوز، أخرج القائد أحمد بن عيسى المدافع، وأقيمت الأفراح بإظهار الزينة في الأسواق والحوانيت وصارت بأخبارها الركبان من المتسوقة وغيرهم.
هذا ومن الإشارات القوية للاحتفال بالسلطان المبايع أن الناس يستبشرون به خيرا ويتبركون به ويقبلونه كما فعل الوداية وأهل فاس إثر بيعة السلطان سيدي محمد بن عبد الله بمراكش ومجيئه إلى فاس مرورا بمكناس.
ومما ورد عند الناصري في الاستقصا بهذا الخصوص، أن نفس السلطان “لما قضى أربه من مكناسة ارتحل إلى فاس، ولما نزل في عساكره بالصفصافة خرج لملاقاته الوداية وأهل فاس، فهش (ابتسم) للناس وألان جانبه لهم واختلط بهم، فكانوا يطوفون به ويقبلون أطرافه، ولا يمنعهم أحد … ولما حضرت الجمعة جاء من المحلة في ترتيب حسن، وزي عجيب، فخرج أهل البلدين لرؤيته وامتلأت الأرض من العساكر والنظارة، ودخل فاسا الجديد فصلى به الجمعة، ثم جلس الفقهاء وسأل عنهم واحدا واحدا حتى عرفهم …” .
ولقد عشنا في العصر الحديث مراسيم بيعة الملك محمد السادس، بعد وفاة أبيه الملك الحسن الثاني، عشية يوم الجمعة 23 يوليوز سنة 1999م -9 ربيع الثاني عام 1420هـ، ونودي بابنه وولي عهده الأمير سيدي محمد ملكا على المغرب طبقا لأحكام الدستور وعقد البيعة الشرعية له من الأمراء والوزراء ونواب الأمة وكبار ضباط الجيش وزعماء الأحزاب السياسية وغيرهم.
وتلا وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية آنذاك السيد عبد الكبير العلوي المدغري بين يدي جلالته نص البيعة كالتالي:
“الحمد لله الذي جعل الإمامة العظمى أمنا للأمة ونعمة ورحمة، وجعل البيعة ميثاقا، والطاعة لأولي الأمر عهدا ووثاقا، فقال تعالى: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله، يد الله فوق أيديهم، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسنوتيه أجرا عظيما)، وقال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، وقال مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية”.
وإنه لما قضى الله بوفاة أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين، وإمام المسلمين في هذا البلد الأمين، جلالة الملك الحسن بن محمد بن يوسف بن الحسن قدس الله روحه وطيب ثراه، وعطر بأريج الرحمة مثواه، ولما كانت بيعته الشرعية في أعناق المغاربة جميعا من طنجة إلى الكويرة، وكانت البيعة من الشرع وهي الرابطة المقدسة التي تربط المؤمنين بأميرهم، وتوثق الصلة بين المسلمين وإمامهم، وكان فيها ضمان حقوق الراعي والرعية، وحفظ الأمانة والمسؤولية، وسيرا على المعهود في تقاليدنا الملوكية المرعية، والتي بفضلها تنتقل البيعة بولاية العهد من الملك إلى ولي عهده من بعده، فإن أصحاب السمو الأمراء وعلماء الأمة وكبار رجالات الدولة ونواب الأمة ومستشاريها ورؤساء الأحزاب السياسية وكبار ضباط القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية الموقعين أسفله، إذ يعبرون عن ألمهم بفقدانهم لرمز الأمة سليل الملوك العلويين الكرام، وواسطة عقد الأئمة العظماء الأعلام، مولانا الحسن بن مولانا محمد بن مولانا يوسف بن مولانا الحسن، ويبتهلون إلى الله جلت قدرته وتجلت عظمته أن يسكنه فسيح الجنان، ويحسن إليه أكبر الإحسان، على إخلاصه وتضحيته، وأدائه الأمانة على وجهها، ووفائه بالرسالة بأكملها، يقدمون بيعتهم الشرعية لخلفه ووارث سره صاحب الجلالة والمهابة أمير المؤمنين سيدنا محمد بن الحسن بن محمد بن يوسف بن الحسن جعل الله أيامه أيام يمن وخير وبركة وسعادة على شعبه وبلده، وحقق على يديه الكريمتين آمال هذه الأمة الوفية المتمسكة بعرشه والمتفائلة بعهده، ملتزمين بما تقتضيه البيعة من الطاعة والولاء والإخلاص في السر والعلانية والمنشط والمكره طاعة لله عز وجل، واقتداء بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، سائلين الله لأمير المؤمنين طول العمر ودوام النصر والعز والتمكين”.