هل تستطيع إيران أن تبقى القوة الإقليمية المهيمنة بعد ضربات إسرائيل لقادتها في دمشق؟
منذ 7 أكتوبر تحاول إيران تخفيف الضغط عن الساحة اللبنانية باعتبار حزب الله يعمل كوكيل لإيران في الصراع بالوكالة الذي تقوده إيران ضد الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاء أمريكا في المنطقة على رأسهم السعودية.
تأسس حزب الله منذ عام 1982 يقوم الحزب على الأيديولوجية الخمينية وولاية الفقيه، ترأس حزب الله حسن نصر الله بعد وفاة عباس الموسوي في عام 1992 من أجل جعل لبنان جزء من إيران، وفي أبرز تصريح لحسن نصر الله اعتبر أن مشروع حزب الله جعل لبنان جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه الإمام الخميني ومن بعده الإمام خامنئ.
أوعزت إيران للمليشيات العراقية التي توقفت أشهرا وعادت المجموعة التي تسمي نفسها المقاومة الإسلامية في العراق استهداف قاعدة جوية في إسرائيل، وأعلن فصيل كتائب حزب الله العراقي الموالي لإيران على لسان أبو علي العسكري التعهد بتجهيز مقاتلين أردنيين بأسلحة وقاذفات وصواريخ تكتيكية، لكن مسؤولا عراقيا استبعد حدوث هذا السيناريو من الأساس يتزامن مع مطالب احتجاجات تطالب بوقف الجسر البري الذي يغذي إسرائيل بالسلع والخضروات، في حين أكدت الحكومة أن شيئا لم يتغير منذ 25 عاما على الحدود مع دولة الاحتلال، وحركة السلع والخدمات على المعابر هي من تجار أردنيين مرتبطين بعقود مع إسرائيل، واتهم الأردن أن الاحتجاجات قرب السفارة الإسرائيلية تتم برعاية إيرانية، وجاءت بتوجيه من قيادات حماس في الخارج وتنفذ أجنحة لها في تنظيم الإخوان المسلمين غير المرخص لهم في البلاد.
تخوض إيران حروبا بالوكالة في المنطقة العربية، ونجحت في أن يكون الجهاد الإسلامي فصيل متحالف مع إيران لحقته حماس، في ظل العلاقة بين حماس وإسرائيل تعيش في أوجها الذهبي، لكن قبل طوفان الأقصى خرجت قيادات حماس من غزة بعدما رهنوا قرارهم لإيران، رغم أن إيران خذلت حماس، لكنهم يحجون إلى طهران حفاة الأقدام بقرار غير مسؤول.
لن تقبل إسرائيل أن يستمر حزب الله وهو يمتلك أسلحة متقدمة وصواريخ دقيقة ليس كما في عام 2006 عندما كانت الصواريخ التي يرسلها حزب الله غير دقيقة، رغم أن كبير مستشاري الطاقة الأميركي توصل مع حزب الله في رسم الحدود البحرية في حقل كاريش للغاز، لكن تصر إسرائيل على تطبيق حزب الله القرار الأممي 1701 في 2006 المتخذ بالإجماع القاضي بالتحرك ما بعد الليطاني، ويحل محله الجيش اللبناني، لكن حزب الله يرى أنه بتلك الخطوة بمثابة نهاية محور الممانعة والمقاومة وسيطالب اللبنانيون حزب الله بتسليم سلاحه للدولة ما يعني نهاية مشروع إيران في المنطقة.
لم يتوقف حزب الله عند هذا الحد بل أعاد تموضعه في مواقع رخوة في سوريا ولديه قواعد مهمة في جبال القلمون وفي ريف دمشق، وهو يعيق عودة اللاجئين واستعادة سوريا قرارها السيادي، لأن المعارضة لا تقبل بوجود مليشيات حزب الله في بلادهم، ما يعني تتحول سوريا إلى لبنان جديد بعدما كانت سوريا هي التي تهيمن على لبنان أصبح الآن يحدث العكس.
منذ 7 أكتوبر وإسرائيل غيرت قواعد الاشتباك بعدما كانت تستهدف مخازن الأسلحة أصبحت تستهدف قادة الحرس الثوري الإيراني وقادة حزب الله وقتلت نحو 19 رجل إيراني بينهم 5 قياديين من الخط الأول كان آخرها غارة صاروخية في 1 أبريل 2024 تدمر مبنى مجاورا للسفارة بزعم أنه يستضيف اجتماعا بين الحرس الثوري الإيراني وقادة الجهاد المسماة حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية أسفرت عن مقتل جنرالات في الحرس الثوري الإيراني على رأسهم العنيد محمد رضا زاهدي الذي أشرف على العمليات العسكرية في لبنان والأردن وسوريا والأراضي الفلسطينية، ونائبه العميد محمد هادي حاج رحيمي، والجنرال حسين أمان الله، وضباط آخرون مهدي جلالاتي، محسن صدقات، علي آغا بابائي، علي صالحي روزبهاني، حيث تعتبر هذه العملية أهم عملية اغتيال منذ أن قتلت الولايات المتحدة قائد فيلق القدس قاسم سليماني والمهندس في يناير 2020.
حملت إيران الولايات المتحدة المسؤولية حيث صرح شمخاني أن أميركا مسؤولة مباشرة سواء أكانت على علم بنية إسرائيل أو لم تكن، حيث تعيش العلاقات الإيرانية الأميركية شهر عسل بينهما، ورغم أن الولايات المتحدة أعلنت بعدم علمها بهذه الغارة، ووصف المرشد علي خامنئ بان إسرائيل وضعت نفسها في فخ لا يمكن الهروب منه، وتحدث خامنئ عن انتقام على يد رجاله أي المليشيات في المنطقة، ونواب إيرانيون يطالبون بالرد، وعبد اللهيان وزير خارجية إيران سلم سفير سويسرا رسالة احتجاج، وإسرائيل تتوقع ردا محسوبا وتستعد لتوسيع الحرب الذي كانت تحذر منه الولايات المتحدة.
من يتذكر أن فريق أمريكي فاوض الإيرانيين في 2015 للتوصل إلى اتفاق نووي مع غض أوباما الطرف عن النفوذ الإيراني في المنطقة المهم تحقيق الأمن الإسرائيلي، ما يعني أن إيران تحولت إلى قوة إقليمية، لكن السعودية رفضت هذا الاتفاق دون مشاركتها، وقادت تحالفا بعاصفة الحزم في اليمن لإخراج إيران التي تدعم ذراعها الحوثي الذي انقلب على الحكومة الشرعية وعلى الحوار والسلم الذي توصلت إليه جميع المكونات بما فيه الحوثي.
اقتنعت الولايات المتحدة بقوة السعودية الإقليمية والدولية بجانب عدد من المتغيرات التي تصب في صالح أمريكا وحليفتها إسرائيل، وسيناقش مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان صفقة ضخمة قبل عرضها على نتنياهو لتحقيق اختراق يصب في صالح الانتخابات الأميركية من أجل فوز بايدن بفرصة ثانية، تشمل التطبيع مع إسرائيل التي توقفت بعد طوفان الأقصى، ومعاهدة دفاعية بين واشنطن والرياض وفق البند الخامس في اتفاقية الناتو أي اعتداء على السعودية بمثابة اعتداء على أمريكا، بجانب دعم برنامج نووي مدني سعودي، وسبق أن زار السعودية وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في 21 مارس 2024 وصرح بأن الولايات المتحدة والسعودية حققتا تقدما جيدا في المحادثات بشأن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل دون تقديم جدول زمني لإبرام الاتفاق، حيث تضع السعودية عدة شروط للتطبيع من بينها اتفاقية دفاع مشترك مع واشنطن والحصول على دعم الولايات المتحدة لبرنامجها النووي المدني، كما أنها أكدت مطالبتها بقيام دولة فلسطينية وهو أمر جددت التأكيد عليه بعد الحرب في قطاع غزة.
صرح بايدن خلال فعالية لجمع التبرعات لحملته الانتخابية في نيويورك في نهاية مارس 2024 بأن السعوديين على استعداد للاعتراف الكامل بإسرائيل وفق أكسيوس، لكنه أكد أنه لابد أن تكون هناك خطة بشأن غزة، ويجب أن يكون هناك مسار للوصول إلى حل الدولتين، ومن أجل تحقيق ذلك أرسلت الولايات المتحدة قبل سوليفان كبير مستشاري جو بايدن لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك وكبير مستشاري الطاقة عاموس هوكشتاين، ومستشار وزارة الخارجية ديريك شوليت.
بالطبع هناك من يتخوف تحقيق هذه الصفقة لأن السعودية لا تقبل إلا بقيام دولة فلسطينية، ويجب أن تنتهي الحرب نهائيا، ونتنياهو يعتمد في حربه في غزة على شركائه في الائتلاف اليمني المتطرف، ما يعني أن الولايات المتحدة صححت بوصلتها الماضية وبدأت تعترف أن القوة الإقليمية المهيمنة السعودية وليست إيران.