بقلم/ مصطفى الفن
ما يجري اليوم داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من “انحراف” ومن “انفلات” تجاوز ربما كل التوقعات..وهو “انفلات” وصل ربما إلى ما هو أخطر من “السرقة الموصوفة” للمال العام وتوزيعه على الأبناء عبر فبركة مكاتب دراسات وهمية وعبر التبليغ عن وقائع يعلم إدريس جيدا بعدم وقوعها..
كما أن هذا “الانفلات” الحاصل داخل الاتحاد لم يعد عرضيا أو طارئا استثنائيا لسبب من الأسباب..هذا “الانفلات” أصبح “منهجيا” وفيه ربما حتى “القصد الجنائي” للتمثيل بجثة حزب ارتبط تاريخه بتاريخ المغرب وأنجب زعماء ووطنيين ومناضلين كبارا..ثم إن إدريس نفسه لم يعد اليوم “خطرا” على الاتحاد فقط..إدريس أصبح “خطرا” حتى على نفسه وعلى أبنائه أيضا..
وكم هو واهم إذا كان ادريس يعتقد مثل بوصوف أنه أسدى خدمات للدولة وأنه فوق المساءلة في هذه القضية التي توفرت فيها ربما كل أركان الجريمة..وأقصد هنا قضية إنجاز 23 دراسة في 23 يوما بدون علم مؤسسات الحزب..بل إن إدريس أدلى بتصريحات متناقضة في هذه القضية..وقد تناقض إدريس مع نفسه فقط ليقلل من مفعول هذه الفضيحة التي أطلقت آخر رصاصة على الحزب وشلت حركته ورسمت له صورة قاتمة ومسيئة لمناضليه ولتضحياتهم الجسام..
نعم إن الأمر بهذا البعد المأساوي الذي يفرض على جميع الاتحاديين ألا يتحدثوا أبدًا عن تخليق الحياة السياسية ما لم يطووا صفحة أسوأ “كاذب أول” في تاريخ الاتحاد..وقد ظهر هذا التناقض عندما قال إدريس، في البداية عقب انفجار الفضيحة، إنه أعطى أموال الدراسات التي تقارب 200 مليون سنتيم إلى مكتب ابنه..لكن إدريس عاد فيما بعد وقال أمام المكتب السياسي للاتحاد إن أموال الدراسات أدى بها ما تبقى من فواتير ظلت عالقة منذ المؤتمر الأخير للحزب.
إذن ماذا نسمي هذا إذا لم يكن الأمر أشبه بالضحك على الناس وباستحمار الناس وبالتشويش على ما بذلته الدولة وعلى ما بذله رأس الدولة شخصيا من مجهودات في معركة التخليق؟وليس سرا أن إدريس جعل من عائلته الصغيرة ومن أبنائه ومن بناته “سادة” الاتحاد و”قادة” الفريق البرلماني وأصحاب فنادق وأصحاب رأي وأصحاب امتيازات وأصحاب مناصب عليا.
حصل كل هذا وبطريقة ريعية وغير شفافة وضدا على قيم الحزب وضدا على مبادئ الحزب وضدا على مشروع الحزب..طبعا هذا إذا ما افترضنا أننا لا زلنا أمام حزب سياسي مع إدريس الذي لا زال إلى اليوم يقدم نفسه ك”مبعوث جهة ما” لحزب القوات الشعبية.
كما أن بعض الاتحاديين لم يعودوا يترددون في القول إن الإجراء الاستعجالي المطلوب اليوم ليس هو إنقاذ الحزب..الحزب يمكنه أن ينتظر..الإجراء الاستعجالي المطلوب اليوم، في نظر هؤلاء الاتحاديين، وهو ضرورة إنقاذ إدريس من نفسه قبل أي شيء آخر وقبل فوات الأوان..لماذا؟لأن الرجل تحول إلى “انتحاري” ولم يعد يتحرك كرئيس للاتحاد بقدر ما أصبح يتحرك كما لو أنه يحيي ويميت و”يتاجر في البشر” و”يتاجر في الاتحاديين”.
وأنا هنا لا أبالغ لأن أجهزة الحزب ومؤسسات الحزب، في عهد إدريس، لم تعد منشغلة بأي نقاش سياسي وبأي فكرة نبيلة وبأي مشروع سياسي وبأي قضية من قضايا الوطن.. إدريس مشغول ليل نهار بشيء واحد لا ثاني له وهو العمل على تسجيل الاتحاد باسمه وباسم أبنائه في المحافظة العقارية والباقي تفاصيل صغيرة..لكن كيف ذلك؟يقع هذا من خلال توزيع الوعود الوهمية على بعض مناضلي الحزب، الحالمين بالتزكيات الانتخابية والحالمين بالترشح للمسؤوليات الانتدابية والحالمين بالشغل وبالعيش الكريم وبالترقي الاجتماعي..
حصل هذا حتى هذا أن اتحاديا، يتحمل حاليا مسؤولية العضوية في هيئة من هيئات الحكامة بتعويض شهري محترم جدا جدا، قال كلاما في مدح إدريس يكاد يجعلنا أمام “عبودية” لغير الله..ودعوني أنقل لكم هنا بأمانة مضمون هذا الكلام حتى وإن كنت أشعر ببعض الارتباك من هول هذا الذي أسمع:”إدريس هو ليس في مقام والدي فقط..إدريس هو أيضا، بالنسبة إلي، في مقام الله”..أولسنا هنا، والحالة هذه، أمام وضع “استعبادي” هو ربما أقرب إلى سوق للنخاسة وربما أمام ما يشبه بيع وشراء للذمم في حق أناس ولدوا أحرارا وينبغي أن يظلوا كذلك؟.
صحيح أن بعض العقلاء داخل الاتحاد وحتى من خارج الاتحاد حذروا من هذه “العبودية” الجديدة التي تهدد بنيان حزب عريق انتهي بيد “قاطع طريق”..لكن يبدو أن كل أصوات العقل لا تجد لها آذانا صاغية حتى لا أقول إن هذه الأصوات سرعان ما تتعرض إلى القصف وإلى التشكيك وربما إلى الغدر والتخوين.
وطبيعي أن يقع هذا في حزب سياسي تآكلت هويته ومرجعيته وما عاد يشبه نفسه خاصة في هذه العشر سنوات الاخيرة..بل طبيعي أن يقع هذا في مكتب سياسي فيه هذا الذي يدعى بلقشور.. وفيه ممثل عن سيدي بوزيد.. وفيه آخرون تلاحقهم تهم ثقيله وربما مهددون بالسجن.. وفيه أيضا أكثر من 50 عضوا ليس فيهم ربما سوى 10 اتحاديين حقيقيين لا غير.