نعم ، سبقنا بها الخليفة عمر أبن الخطاب ، الخليفة الثاني من الخلفاء الراشدين ، وهو من أقرب المقربين من الصحابة للنبي الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن الذين عاشوا عهد الرسول المشرع ، ومن الذين كانوا أقدر الناس على إدراك مقاصد الشريعة والتشريع ، سبقنا عمر الفاروق إلى إيقاف العمل بالمعلوم من الشرع بالضرورة .
وبذلك يكون عمر إبن الخطاب أقدم على الإجتهاد حتى فيما يتصل بالنص الصريح للتشريع القرأني ، وتمر القرون ويظل حكم عمر إبن الخطاب ، وهو الخليفة الذي حظي بإسم الفاروق ، وهو وصف ذو مغزى عميق ، يظل إجتهاده وحكمه معمولا به لدى أتباع المذاهب التشريعية السنية في مختلف الأقطار التي يدين أهلها بالدين الإسلامي الحنيف ، مطبقين ما قضى به على مر الأزمان والعصور.
وبدخول المغرب العصر الحديث لم يكن غائبا عن ذهن الفقهاء والمشرعين المتنورين ما فعله الخليفة عمر إبن الخطاب . وهكذا فعندما أقدم المشرعون تحت مظلة إمارة المومنين على نهج سبل التجديد الهادف إلى تجديد تشريعاته الدينية ، لم ينحرفوا عن مبادئها السامية التي ضمنت للشعب المغربي الوحدة والوئام والإنسجام ، مع تعدد وتوجهات فئاته المتنوعة الإنتساب إلى الملل والنحل واختلاف الإثنيات واللغات والقبائل .
وكما يحدث في كل الخطوات الإصلاحية فلم يكن الإختبار قد مر دون الاحتكاك مع ما خلفته عصورالجهل والظلام ، وما أنتجته من عقليات أضحت من قبيل التقاليد المرجعية التي يصعب التخلص منها وكأنها من الدين .
ويسجل التاريخ المغربي الحديث نسبيا ، تلك الحملة التكفيرية التي واجهتها الخطوات الأولى لتحرير المرأة من الجهل المفروض عليها بحكم التقاليد لا بحكم الشريعة السمحاء التي تجعل المرأة شقيقة الرجل في الأحكام .
نعم ، دخل المغرب العصر الحديث وبزعامة فئاته المتنورة التي أنجبتها الحركة الوطنية يتصدرها الجالس على عرش المملكة المغربية الشريفة المغفور له محمد الخامس ، وبدا أن الحاجة تدعو إلى أن تشمل النهضة التربوية بالتعليم والدراسة المرأة أيضا، فكان أن حقق الشعب المغربي الأنتصار على دعاة النكوص في التعامل مع قضايا المرأة .
ودائما فيما يتعلق بالمرأة ، وكأنها بالنسبة للبعض ليست عضوا فاعلا في المجتمع ، دخل المغرب بفئاته المتنورة في معركة أخرى من أجل المرأة بحلول القرن الواحد والعشرين ، في معركة حامية ودائما إنصافا لحقوقها. ودون أن يضعف ذلك من حرص أمتنا المغربية على التشبث بالشريعة الإسلامية ، رأى أن الحاجة أو بالأحرى أن الضرورة تبيح حتى المحظورة ، كما تقول القاعدة التي تعد بمثابة تشريع ، ليصبح العمل والتقيد بالبعض مما يوصف بالمعلوم من الشرع غير ملائم لما جد وما طرأ على حياة المسلمين وما ينظم مجتمعاتهم ، فيضطرإلى التخلي عن الأحكام القطعية ، ويعوضها أحيانا بأحكام وضعية ، ربما تذهب إلى مخالفة مقتضيات التشريعات الفقهية المستنبطة من نصوص القرأن أو السنة .
وكم هي الأحكام التي ألغيت أو تم تغييرها أم التخلي عنها . وإنه لمن مهازل القدر أن التاريخ سجل على فقهاء النكوص وقوفهم للدفاع وبشراسة أحيانا عن إحكام إستنبطوها من التقاليد التي سادت في عهد الجهل والظلام ، وهو عهد عانى منه الشعب المغربي الأمرين وفوت عليه محاولات قيادته خصوصا على عهد السلطان مولاي الحسن الأول ، تدارك ما كان عليه المغرب من تأخر .وقد شاء القدر وبحكة من الله العلي القدير وبعطف منه سبحانه وتعالى أن لا تفقد الأمة المغربية شخصيتها في ظروف عصيبة ، وأن تحتفظ بكيانها المستقل رغم ضعف الدولة وما أصابها من وهن ، ولقد كان الضامن لذلك وجود العرش العلوي الضامن لدوام الكيان المغربي .
فبماذا يمكن أن نصف الفقهاء الذين عبأوا الرأي العام المغربي بدعوة الدفاع عن الإسلام إن لم نصفهم بفقهاء النكوص في معركتهم ضد مخطط الوزيرالسعدي ، ذلك الرجل الذي دفعه إيمانه بحقوق المرأة ، فاقترح مخططا يرمي إلى مضاعفة إسهام المرأة في معركة التنمية وتبنته الحكومة في مطلع هذا القرن ، فسقط المخطط ولم تسقط الإرادة في الجهود الرامية إلى النهوض بالمرأة المغربية ولم تثبط العزائم ، فحدث بعد ذلك أن إنتصرت الجهود المبذولة في تحسين ظروف الحياة أمامها بإحداث مدونة الأسرة التي تعد من المأثرات التي تميز بها عهد جلالة الملك محمد السادس ، وما أكثرها من مأثرات هذا الملك المصلح والباني شملت مختلف ميادين الحياة في المملكة على عهده الزاخر بالعطاء.
وإذ نحن اليوم على أهبة خطوة جديدة لإنصاف المرأة المغربية في حقوقها كاملة لتكون بحق شقيقة الرجل في الأحكام ، ينبري عدد من فقهاء النكوص الحضاري لخوض معركة أخرى مستدفة المرأة من جديد .
ولن يعدم المدافعون عن إنصافها ما يعزز مواقفهم ، ولن يعدموا الشجاعة لتقديم ما لديهم من حجج ، منها ما يرجع إلى الأحداث التاريخية ، ومنها ما يستمد مبرراته مما يتقيد به المغرب من مواثيق دولية ما لم تمس هذه المواثيق بأسس قيام الدولة وحقوقها الثابتة .
وكما قلت في مستهل المقال ، فقد سبقنا بها الخليفة عمر إبن الخطاب ، ولن يحول كل ما حدث دون تحقيق النهوض بأمتنا المغربية، وحتى عن طريق مراجعة النصوص الشرعية . وإقتداء بما أقدم عليه الفاروق عمر قد نلجأ إلى إيقاف العمل بالمعلوم من الشرع بالضرورة .