مصطفى بوريابة /
بدأ الاستعمار الاسباني للمغرب مطلع القرن 20، حيث تم تقسيم الأراضي المغربية بين فرنسا في الوسط وإسبانيا في الشمال والجنوب، وعرفت الأقاليم الصحراوية منذ ذلك التاريخ أحداثا تاريخيةمهمة، لازالت تبعاتها مستمرة إقليميا وقاريا في منطقة شمال أفريقيا .
ففي سنة 1884 أعلنت إسبانيا منطقة وادي الذهب والمنطقة المتاخمة لها تحت حمايتها، و لم تتمكن من السيطرة على المناطق الداخلية إلا بعد مرور 50عاما، وفي سنة 1905 اتفقت اسبانيا وفرنسا على تقسيم الاراضي الصحراوية و الموريتانية بينهما في سرية تامة.
وبعد هذا الاتفاق بسنة واحدة وبالضبط سنة 1906 سيجتمع الشيخ ماء العينين ومعه وفود الصحراء وموريتانيا بالسلطان المغربي مولاي عبد العزيز بن الحسن الأول, قبل سقوط “أطار” عاصمة منطقة أدرار في الشمال الموريتاني بيد الفرنسيين سنة 1909 بقيادة العقيد غورو وتقدمه نحو “مراكش ، وتمركز القوات الاسبانية بشواطئ الصحراء قبل أن يغادر الشيخ “ماء العينين” السمارة متجها شمالا نحو تيزنيت سنة 1910.
وفي سنة 1913 ستبدأ فرنسا القضاء عاى المقاومين بمدينة “السمارة” تحت قيادة المقدم “موراي”, وبعدها بسبع سنوات بدأ التنسيق الفرنسي الاسباني سنة 1920 من أجل القضاء على المقاومة المغربية المسلحة، لكن هذا التنسيق واجهته المقاومة بالسلاح الى أن أعلن عن عودة الملك محمد الخامس المنفي خارج المملكة.
وشكلت العودة الشرعية لجلالة المغفور له محمد الخامس إلى أرض الوطن، يوم 16 نونبر 1955، فتحا مبينا ونبراسا منيرا للكفاح الوطني الذي تعددت صوره وتلاحقت أطواره في مواجهة الوجود الاستعماري منذ 1912، إذ شكلت أروع صور الوطنية الصادقة، التي بذل من أجلها الملك والشعب سويا الغالي والنفيس في سبيل عزة الوطن وكرامته والدفاع عن ثوابته ومقدساته.
وانطلقت عمليات جيش التحرير سنة 1956 بجنوب المغرب ضد الإسبان والفرنسيين داخل الصحراء المغربية وموريتانيا والتي ستنجح في تحرير السمارة وبئر آنْزَرَانْ وآوَسْرَدْ بالصحراء ووصولها إلى آدرار بالشمال الموريتاني سنة 1957، وبعد هذا النجاح الباهر لجيش التحرير، ستعقد اسبانيا وفرنسا اتفاقا دفاعيا لمواجهة نشاط جيش التحرير بالصحراء.
وكانت فرنسا وإسبانيا بعد هذا الاتفاق تنتظر تراجع جيش التحرير عن المقاومة، لكنه خيب ظنها وتوغل في عدد كبير من المناطق الصحراوية سنة 1958، وبعد هذا التوغل بدأت عملية “المكنسة “وهو اسم أطلقته فرنسا واسبانيا على هجوم مشترك قامتا به للقضاء على جيش التحريح المغربي بالصحراء.
ظهور الجبهة الشعبية لتحرير واد الذهب والساقية الحمراء “البوليزاريو”سنة 1973
وقبل أن يطلب المغرب الاستشارة من محكمة العدل الدولة( 8 يوليوز 1974)و وتقديمه الوثائق المتعلقة بالرأي الاستشاري (1975)،حذر قبل ذلك ملك المغرب “محمد الخامس ” الجـنرال فرانكـو” من اتخـاذ مبـادرات انفراديـة بشـأن مسـتقبل الصحـراء المغربيـة (5يوليوز 1974).
وأعلنت محكمت العدل الدولية في 16 أكتوبر 1975عـن رأيهـا الاستشـاري الذي يؤكـد وجـود روابـط البيعـة بـين المغـرب والقبائـل الصحراويـة. وفي نفس السنة سيعلن الملك الحسن الثاني عن تنظيم تنظيــم “مسـيرة شــعبية ســلمية لتحريــر الصحــراء بمشــاركة 350 ألــف متطــوع ومتطوعــة مــن جميــع أنحــاء المغرب ومشاركين من عدة دول أخرى”.
ودعا مجلس الامن الدولي بتاريخ ‘(6 نونبر 1975) المغــرب وإســبانيا إلى إجــراء مفاوضــات بينهمــا وفقـا لقـراره 380 المتزامن مع انطـلاق المسـيرة الخضـراء في اتجــاه الصحــراء المغربيــة المســتعمرة.
وبعد بضعة أيام من دعوة مجلس الأمن وانطلاق المسيرة الخضراء، صادقت الجمعية العامة و الجماعة الصحراوية على اتفاقية مدريد لانهاء الاحتلال الاسباني للصحراء المغربية(14 نونبر 1975). ورفض مؤتمــر القمــة الإفريقــية الثالــث عشــر الذي انعد بجزيـرة “موريـس” طلـب الاعـتراف بما يسـمى بــ “جبهـة البوليزاريــو” كحركــة تحريــر(5 يوليوز1976), ورغم انعقاد بعض المؤتمرات الافريفية لم تتخذ أي قرار في موضوع الصحراء المغربية .
14 غشت 1979 سكان واد الذهب يجددون البيعة للملك الحسن الثاني
14 يونيو 1980 تقـدم المغرب بطلـب إلى الأمـين العـام لمنظمـة الوحـدة الافريقيـة يوضـح فيـه عـدم إمكانيـة إقحـام مـا يسـمى بـ (الجمهوريـة الصحراويـة) طبقـا للمسـطرة العاديـة، وذلـك لعـدم توفرهـا علـى مكونـات الدولـة، وعليـه فقـد طلـب المغرب تحكيـم مقتضيـات المادة 27 من الميثاق التي تنص عليه، وفي نفس السنة عقدت منظمــة الوحــدة الافريقيــة مؤتمرهــا الســابع عـشـر ب “فريتــاون “عاصمــة “سـيراليون”, وخـلال المناقشـات، اشـتد النـزاع حـول قبـول عضويـة الجمهوريـة الوهميــة، وقــرر المؤتمرون إعطــاء جميــع الســلطات للجنــة الحكـمـاء قصــد تهييئ تقريـر حـول مشـكل الصحـراء، تقدمـه للمؤتمر المقبـل.
في المؤتمـر الثامـن عـشر لمنظمـة الوحـدة الافريقيـة بنـيروبي عاصمة كينيـا، يعلن “الحسن الثاني ” أن المغـرب نـزولا منـه عنـد رغبـة إخوانـه الأفارقـة، يقبـل بتنظيـم اسـتفتاء في أقاليمـه الجنوبيـة.
وتمت المصادقـة بالإجماع عـلى اقتـراح المغـرب، وتحولـت بذلـك «لجنـة الحكـماء» إلى «لجنـة المتابعـة»، مهمتهــا تهييئ المســطرة الخاصــة بوقــف إطـلاق النــار،وتنظيــم اســتفتاء في الصحـراء المغربيـة، وستجتمع هذه اللجنة بنـيروبي لمناقشـة المسـطرة المتعلقـة بوقـف إطلاق النـار ، وإجـراء الاسـتفتاء في الصحـراء المغربيـة(1981).
في العام 1982 نفس اللجنــة تصــادق عـلـى مســطرة وقــف إطلاق النـار وتنظيـم الاسـتفتاء, وتسـند تحديـد تاريخهـا إلى رئيـس المنظمـة، وستنسحب 19 دولـة إفريقيـة مـن الـدورة 38 لـوزراء خارجيـة منظمـة الوحـدة الافريقيـة المنعقـدة “بأديـس أبابـا” احتجاجـا علـى محاولـة الأمـين العـام إقحـام مـا يسـمى بــ «الجمهوريـة الصحراويـة» في حظـرة المنظمـة.
وكان الحسن الثاني، قد أكد أمـام الـدورة 38 للجمعيـة العامـة للأمـم المتحـدة التـزام المغـرب بإجـراء اسـتفتاء في الأقاليـم الصحراويـة وقبـول نتائجـه كيفـا كانـت سنة 1983، قبل أن ينسحب المغــرب مــن منظمــة الوحــدة الافريقيــة، بعــد أن تــم إقحــام «الجمهوريــة الوهميــة» في حظـيـرة المنظمــة بتاريخ 12 نونبر 1984 .
في سنة 1988 ستبدأ محاولات الامم المتحدة والوحدة الافريقية من أجل حل لقضية الصحراء وتعيين مبعوث الامين العام للامم المتحدة المكلف بقضية الصحراء والاتفاق على خطة سلام بين الطرفيين في الصحراء .
و في سنة 1990 تمت المصادقة بالإجماع على مخطط التسوية بالقرار “90/658” من قبل مجلس الأمن الدولي. وخرج مجلس الأمن بقراره رقم 690 يحث على تشكيل بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء المغربية “مينورسو”.
إعلان وقف إطلاق النار في الصحراء
وفي 16شتنبر 1991من نفس السنة، تم إعلان وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو تحت رعاية الأمم المتحدة. وسيطرأ تغيير طفيف نوعا ما على هذه القضية مع بداية سنة 2002 بإعلان الملك محمد السادس على أن أي مشروع استفتاء “متجاوز” و “غير قابل للتطبيق. وسيقدم المغرب في 11 أبريل 2007 مشروع مبادرة “الحكم الذاتي “تحت سيادة المملكة المغربية .
بعد 30سنة عن انسحابه سيعود المغرب بتاريخ 30 يناير 2016 إلى منظمة الاتحاد الإفريقي , وفي نفس السنة ستتغير قيادة الجبهة بعد وفاة “عبد العزيز المراكشي ” وخلفه في القيادة’ابراهبم غالي” .وفي 16 غشت من نفس السنة ستعرف منطقة “الكركارات” توترا بين جبهة البوليساريو والمغرب، والبعثة الأممية (المينورسو) تتدخل لمنع المواجهات, والطرفان يسحبان قواتهما بعد دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. وتم تمشيط منطقة عبور التجارة الدولية بالكركرات بحنكة عالية من طرف الجيش المغربي.
وفي أكتوبر من نفس السنة. ناشطون صحراويون ينهجون سياسية قطاع الطرق ويغلقون المعبر الدولي الحدودي الكركرات الذي افتتحه المغرب سنة 2002 لإيصال صادراته إلى أسواق غرب إفريقيا عبر الأراضي الموريتانية، و اعلان المغرب إقامة حزام أمني وتمديد الجدار الرملي لتأمين تنقل الأشخاص ونقل السلع عبر معبر الكركرات الحدودي، وجبهة البوليساريو تعلن انتهاء وقف إطلاق النار والعودة إلى حمل السلاح.
وقبل نهاية سنة 2020 التي تزامنت مع التحضيرات الانتخابية في أمريكا, وقبل أن يغادر الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” البيت الأبيض يوافق على الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، تلاه لاعتراف الاسباني قبل أيام بأهمية الحكم الذاتي ومصداقيته، بعد خلاف وصل إلى قطع العلاقات المغربية الاسبانية لعدة شهور .