تابعت بإستغراب كبير فيديو نشر على منصة حميد المهداوي يستضيف فيه رضوان الرمضاني بعد تدوينة له تهجم فيها على حميد. هذا ليس اول لقاء يجمعهما، ولا هو أول تلاسن او تراشق يقع بينهما، وهما في الاول و الاخير وجهان من مشهد إعلامي وطني له ماله وعليه ما عليه .
لكن ما أثار إنتباهي و استفزني هو النقاش حول الصحافة و مهنة الصحافة، و هو أشبه بالنقاش حول التعليم و مهنة التدريس بمناسبة إضراب الأستاذة، واعني بذلك هذه القدسية الهلامية التي يريد بعض المغاربة إضفاءها على مهن يمتهنوها، والتي تعطيهم الحق حسب إعتقادهم ان يكونوا سلطة فوق السلط.
جيل ما بعد إقرار قانون الصحافة من الجيل الجديد يبدو ان عليه ان يتوقف قليلا عند تاريخ الصحافة بالمغرب وعند الاسماء الصحفية و الإعلامية التي بصمت هذا التاريخ بمسارات نضالية ساهمت في تغيير البلاد .
إن بطاقة الصحافة مع ما شابها من خروقات هي بطاقة مهنية محضة تسلم لصاحبها إن هو توفرت فيه شروط إدارية لا علاقة لها بالفعل الصحفي من حيث هو ممارسة و موهبة و قدرة على قراءة الواقع على مدى سنوات امتعتنا اقلام مغربية وهي تكتب عبر صفحات جرائد كان يلحقها المنع بسبب ما تكتبه تلك الأقلام وما تحمله صفحاتها من افكار ومواقف .وعلى طول خارطة البلاد كان هناك مراسلون يكتبون و يغطون الأحداث و يرسلون الاخبار و القصاصات وغالبيتهم بل وكلهم مناضلوا احزاب ونقابات و رجال تعليم وعمال ومحامون. يومها لم تكن في البلاد معاهد للصحافة و لا مركز للإعلام ،ولا شعب ماستر في الاعلام ، باستثناء المعهد العالي للصحافة (1969), المحدود القدرة الاستيعابية يومها كانت الصحافة مجرد آلية من آليات النضال و الاصلاح و التغيير .
لا اعتقد ان خيرة من تحملوا مسؤولية رئاسة تحرير الجرائد الوطنية وكتاب الرأي و من قادوا نقابة الصحافة و ناضلوا من اجل خروج قانون الصحافة كان احد يسألهم عن مؤهلهم العلمي وشواهدهم ولا عن توفرهم على بطاقة لم تكن اصلا متوفرة آنذاك .
اليوم الأمر مختلف ،هناك قانون الصحافة و النشر ، ومن ضمنه قانون الحصول على البطاقة المهنية للصحافة ، وهذا لا يعني بالمطلق ان الممارسة الصحفية محصورة في ممتهني الصحافة ، و كما لا يعني ان كل حاصل على بطاقة الصحافة فهو صحفي !!!!
دعوني اوضح لكم أمرا ، بطاقة الصحافة هي بطاقة مهنية تسلم طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، ولا سيما مقتضيات القانون رقم 89.13 المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين، والقانون رقم 90.13 المتعلق بإحداث المجلس الوطني للصحافة، والمرسوم رقم 2.19.121 الصادر في 7 رجب 1440 الموافق 14 مارس 2019 بتجديد كيفيات منح بطاقة الصحافة المهنية وتجديدها.
جاءت المادة الثانية (2) من القانون الأساسي للصحافيين المهنيين لتؤكد على أنه، ” يعتبر أيضا صحافيون مهنيون كل من الرسامين والمياومين الفوتوغرافيين والمصورين بالميدان التلفزي. يدخل في حكم الصحافيين المهنيين المساعدون المباشرون في التحرير مثل المحررين المترجمين والمختزلين المحررين ومساعدي المصورين الفوتوغرافيين والمصورين بالميدان التلفزي، ماعدا وكلاء الإشهار وجميع من لا يقدمون بوجه من الوجوه إلا مساعدة عريضة في هذا المجال”.
إذا لنتفق مبدئيا ان البطاقة هي مهنية صرفة ولا تخص الصحفيين لوحدهم ،فليس كل حامل بطاقة بصحفي ،و ليس كل من لا يحمل بطاقة ليس بصحفي و لكن مؤكد ليس بصحفي مهني .
بين الصحفي والإعلامي، يختلف الكثيرون في تعريف ومعنى المفردتين، ذلك سؤال لا تنطوي الإجابة عنه على تعقيدات ولا ترتبط بفقه لغوي، وإنما بتطور وسائل الإخبار ونقل المعلومة والأساليب المستخدمة في ذلك، وكذلك بدخول اختصاصات مختلفة في عالم مهنة الصحافة أو الإعلام.
الصحفي هو الشخص الذي يمارس صناعة الخبر الصحفي إما المكتوب أو المنطوق ,حيث يقوم بجمع المعلومات وصناعة الخبر الصحفي أو الخبر الإعلامي ليتم نشره في الصحف الالكترونية ومواقعها أو إذاعته عبر التلفاز ..
في حين الاعلامي هو الشخص الذي يقدم ويذيع المعلومات سواء كان على التلفاز أو الإذاعة أو عبر السناب شات واليوتيوب أو على الهواء مباشرة أو اي وسيلة اعلامية اخرى .
فالاعلامي ليس بالضرورة صحفيا مهنيا ، لانه ببساطة لا يخضع لقانون الصحافة وليس منتسبا الى المجلس الوطني للصحافة الذي يسلم بطاقة الصحافة .
ان نتفق مع الرمضاني او نختلف فهو يعمل في مجال الاعلام ويقدم برامج حوارية ،مهنته محددة في استضافة الضيف وطرح الاسئلة او مواجهته بما يروج او يقال عنه . هذا العمل يحتاج الى موهبة في التواصل و في ضبط النفس وفي التحكم في ايقاع النقاش وحسن اختيار الاسئلة و توقيتها واهميتها ، وهذا لا يحتاج الى بطاقة مهنية من مجلس الصحافة ولا الى إجازة من اي جامعة وطنية ، ولكن مؤكد يحتاج الى فطرة و فطنة مع دراية بالقواعد الأساسية للعمل الاعلامي .
اما المهداوي فالامر مختلف تماما ، فنحن أمام شخص يفتح اللايف ويضع خلفه صورا لأشخاص و يقوم بالحديث عنهم بلا وازع ،واحيانا ينتقل من موضوع الى موضوع ويعود الى الموضوع ويقول احيانا كلاما لا يستقيم مع الكلام الذي سبقه ، وبالتالي يقدم انطباعات واحكام حول الشخص دون ان يكون حاضرا او تخول له إمكانية الدفاع عن نفسه او الرد على كلام المتكلم ، هناك جرأة في طرح المواضيع ،لكن هناك استهداف مباشر للاشخاص اكثر منه للمؤسسات .
من زاوية الاحترافية بغض النظر عن المحتوى يبدو الرمضاني متفوقا ،ربما لانه محكوم بالإطار العام للمؤسسات الإعلامية التي يطل منها والتي لها ضوابط إعلامية تستثمر قدرات الرمضاني الذاتية وفق سياسة الموقع او المنبر ، مع تسجيل ان هناك تحسن تدريجي في العمل المقدم مع مرور السنوات.
في المقابل يبدو المهداوي حرا مادام هو صاحب المنبر و هو المتكلم ولا يبدو ان حلقاته تخضع لسيناريو واضح ،لذلك نجده غارقا في الداتية ومتحدثا بمناسبة وغير مناسبة عن اعتقاله و حكاية الدبابة و ما الى ذلك .
المتابعون يعتبرون الرمضاني مخابراتيا ،و انه يخدم اجنذة المخزن و اصحاب الحال ، وآخرون يرون في المهداوي الصوت الجريئ الذي ينتقد و يهاجم بلا خوف او حسابات ،
في تقديري الشخصي ، أميل كثيرا الى متابعة بعض برامج الرمضاني لانني ارغب في الاستماع إلى ضيفه لانه هو القيمة المضافة للمشاهدة رغم ان بعض الاسماء تعكس ان مستضيفها لا يميز بين الرديئ و الجيد ،
اما المهداوي فحركاته و تصنع ملامح وجهه و كلامه الطويل عن اشخاص غائبين يشعرني بالتقزز و لا إميل الى متابعته الا نادرا ، مع تسجيل انه وفق في حلقات فيما كانت حلقات اخرى كارثية .
تواجد النوعين في المشهد الاعلامي يبدو ظاهرة صحية ، لكن ما ليس صحيا هو فتح نقاش مغلوط عن الصحافة وخلطها بمهنة الصحافة ،لان هذا يعطي الانطباع ان الصحفيين اصحاب بطاقة الصحافة يرون في انفسهم انهم وحدهم من لهم الحق في ممارسة الصحافة و الحال ان الصحيح انهم وحدهم من ينتسب الى الصحافة كمهنة .
في المحصلة ، تاريخ الصحافة ببلادنا لم يبنى بالبطاقة و شهادة الإجازة و التسجيل في الضمان الاجتماعي ، بل تاسس وتم التقعيد له برجالات و نساء من مختلف القطاعات وعلى مر السنين لم يتهمهم احد بانتحال صفة و لا غير ذلك من التهم الجاهزة .
القطاع اليوم منظم وهذا جميل ،فكل القطاعات نظمت وحكمت بتشريعات ، لكن كما نجد تجارا يحملون بطاقة مهنية نجد تجارا آخرين وهم الأغلبية بلا بطاقة مهنية وهذا لا يسقط عنهم صفة تاجر و لا يمكن اتهامهم بانتحال صفة ، وكذلك الحال للذين يلعبون مختلف الرياضات دون أن يكونوا حاملين لرخص الممارسة من الجامعات ، و هؤلاء رياضيون في فرق لا يمكن اتهام ممارسيها انهم ينتحلون صفة رياضي ، و في الفنادق و الكباريهات و في الاعراس و المناسبات مواهب غنائية تغني وتطرب ولها الحانها واجتهاداتها ،ولكنها لا تحمل بطاقة الفنان ولا احد يتهمها انها تنتحل صفة . اما الكتاب و المبدعون فهم كثر على طول خريطة الوطن لكنهم لا يحملون بطاقة اتحاد كتاب المغرب وهذا لا يعني انهم ينتحلون صفة كاتب …
الصحافة هي بداع وخلق قبل أن تكون مهنة وبطاقة و انتساب ، لذلك لا يمكنك ان تتهم اصحابها بانتحال صفةالا إذا هم مارسوا ممارسات تستوجب ترخيصا من السلطات مرتبطة بالتوفر على بطاقة الصحافة ،كاقتحام قاعات المحاكم ومسرح الجرائم و الملاعب الرياضية و القيام بتحريات حول ملفات معينة و كلها ممارسات تحتاج الى ترخيص يخصص فقط لحاملي البطاقة المهنية ، غير ذلك فكل مواطن حر في التعبير ،وتحليل الاخبار و التعليق على الاحداث و تركيبها في استطلاعات و استقراءات وغيرها من انواع واصناف الكتابة الصحفية .
فرجاء لا تحسسونا أن وجود بطاقة الصحافة في جيب مواطن مغربي تجعل منه سلطة تفوق السلطة الرابعة .
فهل تعتبرون؟
