قراءة عاشقة في نصوص قصصية للكاتبة زلفى أشهبون
بقلم/ الكاتب والروائي مولاي الحسن بنسيدي علي
ما كنت لأغفل عن قراءة ما كتبت زهرة الناظور ولا أبالي به؛ بل جعلته مسك الختام لأتطيب به وأرش منه على القارئ الحصيف العاشق لجمال الحرف لم يكن اهتمامي بكتابتها عن طريق الصدفة وإنما من خلال العمل الجمعوي والثقافي وحضور هذه الزهرة الجميلة في الملتقيات قاصة وشاعرة ومنظمة تتربع منصة الخطابة محاطة بألمع الأدباء وهي في سنها الشبابي بوجه يشع نضارة وبين حاجبيها خيوط الحزم تسير الجلسات بجدية وضبط، توزع الكلمات ورودا بابتسامتها المعهودة ذكرها الدكتور مصطفى سلوي في كتابه مقاربة النص في الجزء الثاني ضمن نماذج الكتابة النسائية في القصة القصيرة.
وكان لي الشرف أن استعرضت أثناء توقيع هذا الكتاب بمدينة تطوان بمداخلة نقدية في مقاربة النص ونص المقاربة وكان لزهرة الناظور إشارة في هذه الدراسة عرفتها من خلال أعمالها وعلى مدار أكثر من عقد من الزمن وأنا أتابع مسيرتها وإصرارها على النهوض بالفعل الثقافي في مدينتها الناظور التي أسست بها جمعية أسمتها رابطة الكتاب شباب الريف إلى جانب صفوة من الشباب المتحمس ومن بينهم الإعلامي والفتوغرافي الشاعر والقاص محمد الخالدي فشكلا ثنائيا يغبطهم كثير ممن هم في سنهما على هذه العلاقة الأخوية والصادقة، فكانت انطلاقتهما شعلة وهاجة وحافزا لجمعيات شبابية للانخراط والمشاركة في الفعل الثقافي.
ولم يقتصر ذلك على هذه الفئة العمرية بل تعداه إلى الرواد من داخل الإقليم والجهة ومن الوطن وخارجه فعقدوا لقاءات ومهرجانات وبشهادة الجميع كانت ناجحة فمن تكون هاته الشابة القاصة والشاعرة والتي شغلت عقول الأدباء فكتبوا عنها ولها وسنتناول بعضا من اصداراتها في قراءتنا العاشقة.
إنها زلفة أشهبون من مدينة الناظور محاسبة تخطت عتبة الأرقام والمعاملات والحاسوب والاقتصاد إلى الأدب فصارت كما أرادت، وعقدت العزم على أن تصبح أديبةوهذه نبدة موجزة من سيرتها وإصداراتها كما وجدتها.
الاسم زلفى أشهبون- قاصة و شاعرة- محاسبة في القطاع الخاص- مدونة في منابر اخبارية الكترونية- من مواليد 06 ديسمبر 1983 بالناظور – مجازة في التدبير المحاسباتي والمالي من جامعة محمد الأول بوجدة.- حاصلة على دبلوم البرمجة المعلوماتية.وعلى شهادة الماستر في الاقتصاد من جامعة محمد الخامس بالرباط الإصدارات السردية في القصة القصيرة جدا:* شاركت بومضات قصصية في ثلاث أعداد من المجلة المصرية “سنا الومضة” الالكترونية 2013 و2014/* أصدرت لها مجموعة من النصوص القصصية في إصدار جماعي بعنوان ” أنامل ريفية “. سنة 2014 أصدرت مجموعتها القصصية الخاصة سنة 2015 بعنوان جذاريات”.
الإصدارات الشعرية:
* شاركت سنة 2017 بقصائدها في الديوان الجماعي “في رحاب القصيد” *ديوان “همس المرايا” تفتقت مداركها على ذلك منذ نعومة أظافرها عشقت الحرف وعالم القصة والشعر والرواية غزلت الكلمات لتشكل منها نسيجا “سندسيا” يشد الألباب وتعشقه الأنفس فجاءت باكورتها الأولى في القصة القصيرة التي عنونتها بجذاريات تناولها النقاد بالدراسة والباحثون بالتقديم والطلبة بوضع أطاريح جامعية لها و نرى ما وجده غيرنا من استفاء نصوص المجموعة إلى المتعارف عليه عند رواد القصة القصيرة جدا.
ويعرّف الأستاذ محمد مينو هذا النوع الأدبي الحديث بما يأتي:” القصّة القصيرة جدًّا حدث خاطف لبوسُهُ لغة شعريّة مرهفة وعنصره الدّهشة والمصادفة والمفاجأة والمفارقة، وهي قصٌّ مختزلٌ وامضٌ يحوّل عناصر القصّة من شخصيّات، وأحداث، وزمان ومكان إلى مجرّد أطياف ويستمدّ مشروعيّته من أشكال القصِّ القديم كالنّادرة والطّرفوالنّكتة “انتهى” أنظر أوراق ثقافية اللبنانية.
كان لها حضور في المهرجان العربي للقصة القصيرة جدا، الذي كان يشرف عليه الدكتور جميل حمداوي (والذي يرجع له الفضل إلى جانب صفوة من الكتاب والنقاد في إقامة مهرجان القصة القصيرة جدا أمثال القاص ميمون حيرش والدكتور جمال الدين خضيري والدكتور نورالدين أعراب الطريسي والدكتور فريد معيطشو والدكتور نورالدين الفيلالي والدكتور امحمد أمحور وآخرون ونعرض إلى بعض نماذج مما نثرَت من أزهار وأجد أن الكاتبة حريصة على ترتيب خصائص القصة القصيرة جدا كما يوصي بها روادها ومنها الصيغة التي تتخذ عندها أشكالا قد نجده – بصيغة المتكلم “لسان الكاتب ” وبصيغة الغائب الراوي ثم الفكرة والتي من خلالها يظهر إطار الرؤية – والحبكة والتي تتضمن موضوع القصة وحل العقدة ونهاية القصة.وإن إقدام الكاتبة على تفكيك نسيج نصوصها لتربك القارئ فينشد إليها ويتابعها ويحل لغزها فإن ذلك يبين بوضوح رحابة صدر الكاتبة وسعة اطلاعها على مفهوم القصة وتعريفاتها وشروطها وخصائصها .
وقد وقفت بدوري على ذلك فيما وجدته وكما ذكره فضيلة الدكتور حسين المناصرة، الذي يرى أنها -أي القصة القصيرة جدا- «الكتابة العليا إلى حد ما في المجال السردي، … وأن كتابتها قد تبدو أصعب من الرواية التي تتسع لعالم شاسع من اللغات والأصوات والأحداث، وأصعب من القصة القصيرة التي قد تقبل التطويل والاستطراد والحوارات.
أما القصة القصيرة جداً فهي خلاصة لتجربة سردية لا بد وأن يسبقها باع طويل في كتابة كل من الرواية والقصة القصيرة أو إحداهما على الأقل، بحيث تغدو هذه الكتابة ذات آلية جمالية، مركزها المغامرة والتجريب وفق رؤى إبداعية متمكنة وأصيلة في فن السرد، لا رؤى مبتدئة ومستسهلة لهذه “الكتابة الإبداعية أو غيرها “انتهى”ومن نماذج ما كتبت القاصة زلفى أشهون نعرض بعضها والتي تعطي انطباعا سارا وممتعا للقارئ وقد تناولها بعض المهتمين والباحثين، ومن هذه النصوص القصصية . “الوريث”* دلف من نافذة المطبخ، تحسّس المنطقة كلها: لا يوجد أحد؛ تصرف بحرّية أهل البيت..
في إحدى الزوايا الواسعة كانت تجدّد النّداء الخفيّ.. مدّ يده ليسكتها؛ رفعت صوتهاالحمدلله الذي وهب لي على الكبر رفيقا.*يقول القاص ميمون حيرش في برنامج العرين الذي يخصصه لمحاورة الأدباء عن أسلوب زلفى أشهبون ونهجها في الكتابة في نصوصها زخم من المواقف الإنسانية، وإلى جانب «المظلوم» تركن، تحمل قلمها الفياض، تنتصب أمام الورقة البيضاء، ولا تعترف بعلامة “قف ” أمام خدمة “الإنسان ” سواء في مجال الإعلام، أو القصة، الشعر، أو..، كلما قرأتُ لها خرجتُ بانطباع أثير: “إنها ريفية طالعة من بحر أزرق سبحت فيه جداتنا الأصيلات ” انتهى”تضع في تركيبتها القصصية قفلا وتمسك بمفتاحه يتسلمه المتلقي بكثير من الإمتاع والدهشة كما هو الحال في القصة الثانية.
جزاءكانت تستهويه حكايا الناس..يُعيد صياغتها حسب كل مجلس،لم ينتبه لأظافره النحاسية التي نمت بسرعة..فاضت دموع ندمه،أراد مسحها.. خمش وجهه.إن العلاقة بين الجنسين من ذكر وأنثى حاضرة في قصص الكاتبة وما يكتنفها من حب وسخط وتمرد وخيانة ووفاء وسيعرضها الناقد عبد الرحيم التدلاوي بقوله الموضوع الواقعي الاجتماعي؛ ضاغطا على قصيصات أضمومة أشهبون ؛ حيث تلفيها تسلط ضياء كاشفة على جملة من اختلالات المجتمع وظواهره وتفاعلاته وعلاقاته، مع تسجيل حضور لافت لعلاقة الأنثى بالذكر، التي لا تستقر على حال ؛ فإذا هي تتأرجح بين الوفاء وعدمه، وإذا هي تنثر بطبيعة نظرة أحد الطرفين إلى الآخر -إنتهى-
في مجموعاتها القصصية تركز الكاتبة على الواقع فترسم له لوحة طبق الأصل من غير تجميل، بجرأة وأحيانا تتخذ من أحداث عاشتها موضوعا فترفعه إلى القارئ ولو كانت بين يدي المجموعات القصصية للقاصة زلفى أشهبون لكانت قراءتي هاته أوسع تحليلا وأكتفي بما وجدته من نصوص لها في مواقع التواصل الاجتماعي ومن روائعها مايلي: .
فن ثامنعلى غير عادته، وقف يتأمل البياض .. وضع الريشة بين أصبعيه، يغمسها في الخليط تارة، وينفخ دخان السيجارة تارة أخرى ..عينان نائ..فم كالعنقود.. بشرة سمراء، وشعر مضفور على الجهتين ..بلُ أصبعه بريقه ليضع أثر عقد يحمل بروش التوقيع ..بدأ في ترتيب اللؤلؤات من الرقبة .. بابتسامة لامعة أوقع الثامنة على الصدر.. صفعته كف مبتورة ..!س: ماذا تفعل هنا ؟ج: اعد اصدقائي س: وكم العدد حتى الآن ؟ ج: رنة وقطرتان ..حافي القدمين، رثي الثياب.. هربا من عائلتهما..وقفا أمام حاوية كبير .. بحث هو عن قطعة خبز وقطرات نبيذ.وقفت خلفه خائفة من الليلة أيضا. اقتربت منه، وقالت تحت الطلب كسرت كل الألوان وعلبة الفراشات المتآكلة فوق الطاولة لا مساحة لغيرها علبة واحدة تكفي،كحل عين وأحمر الشفاه وإطار صورة فارغة ..
على الجذار الطيني أتفقد شققاته القديمة،أرقعها بأصبعي على مهل ارتبها بظل العيون النائمة لتبدو كعروس تلقي ليل الجفون في كف رحلة عمر قاتمةوالخاتمة، ابتسامة لوحة شاردة .. حقائب أنثى ونوارس تحت الطلب عائدة تهمس بالشروخ ..تكفي قبلة اعتذار واحدة …
هذه الأضمومة القصصية وكأنها قصيدة نثرية بصور شعرية ذات جمالية ومعزوفة غنائية بجرسها الموسيقي إذا حذف منها بعض الفواصل ونقاط الاسترسال وهذا النهج هو ما ميز الكتابة برقي حرف وأسلوب يختلف عن كثير من كاتبات القصة لتقتحم زلفى أشهبون غمار القصة النسائية ويحق للدكتور مصطفى سلوي المتخصص في هذا النوع من التحليل أن يذكرها بما يليق بأيقونة الناظور في دراسة لمجموعتها القصصية بقوله :اسطاعت زلفى أشهون في ظرف قصير من الزمن أن تتأهل لإصدار مجموعات تضم بين دفتيها من أجمل ما كتب في جنس القصة القصيرة جدا، إضافة نوعية بارزة في ( ربيرتوار) هذا الجنس الأدبي الحديث الوجود .
ولم تذخر زلفى أشهبون جهدا في أن تكون في مستوى غيرها من القاصات اللواتي أبدعنا في كتابة القصة القصيرة جدا؛ ولذلك وجدتها تتألق أيما تألق وهي تختار موضوعات قصصها واللغة الني تكتب بها والتقنيات التي لابد من توظيفها التوظيف الحسن. ويمكن القول بأن زلفى أشهبون من أكثر القاصات استافدة من تجارب الساردات المغربيات اللواتي سبقنها إلى الكتابة في هذا لنوع الأدبي؛ لذلك خرج إبداعها غير مشوب بكثير من الملاحظات .. -إنتهى-فأصبح لها موطئ قدم إلى جانب قاصات شرَّفت مدينة الناظور أمثال آمنة برواضي، سمية البوغافرية، فاطمة بوزيان، رامية نجيمة، نجاة قيشو، – وزهرة هذه القراءة- زلفى شهبون وأسماء أخريات جئن بعدهن .وصفوة القول ما ذكره الدكتور نور الدين أعراب الطريسي في مداخلته في المهرجان السادس للقصة القصيرة جدا بالمركب الثقافي من تنظيم جمعية جسور؛ والذي حضره صفوة من كتاب القصة القصيرة جدا والمرموقين، ومنهم على سبيل المثال ممن نحتفظ باسمه من الدول العربيةشريف عابدين من مصرحنون مجيد الساعدي، من العراقجمعة الفاخري من ليبيارقية هجرس من الجزائروجمعة شنب من الاردن فاطمة وهيدي من مصر وكانت مشاركة الدكتور الطريسي بمثابة نصيحة وتشجيع لكل من يستهويه مجال كتابة القصة القصيرة جدا والتي لقيت إقبالا وترحيبا أخذ بها كثير من كتاب هذا الجنس الأدبي ولأهميتها أضعها مسك الختام فذكر في تعريفه لهذا الجنس الأدبي:القصة القصيرة جدا شكل أدبي جديد يختزل بنية الحكاية والمحكي بأكمله وليس، الحدث فقط. وبعبارة أخرى يتعرض المتن الحكائي في القصة القصيرة جدا إلى عملية اختصار شديدة واقتصاد في الكلم والعبارة واللفظ. لصالح المعنى في بعض الأحيان. ولكن ليس لصالح المعنى والمحتوى والمضمون. في كثير من الأحيان -مع الأسف- وهذا هو العطب والخلل الذي ينبغي على كاتب هذاالنوع الأدبي الجديد. أن يتجاوزه. إذ مهما كان المبنى مختزلا ومختصرا إلى ابعد الحدود لايمكن أن يكون على حساب المعنى ودلالة المحكي. بشكل عام. أضف إلى ذلك أن هذا الاختزال والاقتصاد لايقتصر على المعجم القصصي ولغته الموظفة وما نسميه أيضا الحدث أو أحداث القصة. بل يشمل أيضا البنية الفنية والشكلية في عمومها وكليتها من شخصيات ومكان وزمان ووصف وسرد وحوار… الخ.
وهذا هو التحدي الأكبر. في نظري. الذي يجب على القصة القصيرة جدا وكتابها أن يتغلبوا عليه. ويبرهنوا على قدرتهم الإبداعية والأدبية في تجاوزه نحو كتابة أدبية وحكائية متوازنه لاتضحي بالمعنى والمضمون والمحتوى لصالح تجريب شكل مختزل ومقتصد في الكتابة القصصية “إنتهى”والكاتبة شدت أزرها بسعة اطلاعها وانفتاحها على هذا الجنس الأدبي واستفادت أيضا مما وقفت عليه في كتابات الٱخرين فكان لها التميز. وألتقي مع القاصة زلفى أشهبون في كتابة أخرى لأستعرض جانبا من قصائدها الشعرية الجميلة، إن شاء الله.وأدعو القارئ إلى تنسم شدى عطر زهرة الآس أيقونة الناظور . .