قد نختلف على أوصاف الغرب، لكن نتفق على عدوانيته ومركزيته، التدخل المباشر والغير المباشر في شتى بقاع العالم ومند عقود. أسلوب الغرب تكرر في العديد من الأزمنة والجغرافيات، وينم عن إنسانية بطريقتهم الغربية، إنسانية العنف والفوضى والصراعات.
ما يقع في غزة يشبه إلى حد كبير ما وقع في مناطق مختلفة، من فيتنام وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، بأياد غربية، كانت ولا تزال تعبث بكل شيء. في منتصف الستينات، سنة 1965، وضع الرئيس الأمريكي ليندون جونسون، عينيه على جزر بالمحيط الهندي من أجل استغلالها كقاعدة عسكرية، تكون عين أمريكا على إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا. مجموعة جزر تسمى تشاجوس، تابعة لدولة جزر موريس، والتي كانت خاضعة للاستعمار البريطاني. هذه الأخيرة قبلت استقلال موريشيوس، شرط التخلي عن هذا الأرخبيل مقابل ملايين الجنيهات الإسترليني.
أجَّرت أرض تشاجوس لأمريكا لمدة خمسين سنة، خلال اتفاق سري، قابلة للتمديد لعشرين سنة إضافية مقابل تزويد بريطانيا بغواصات بولاريس الأمريكية بخصم 14 مليون جنيه استرليني من قيمة الغواصات. فالأرخبيل يسكنه مواطنون أصليون، فكيف تم التخلص منهم؟ وأكيد سيعارضون الوجود العسكري الأجنبي على أراضيهم، هنا تبدأ قصة التهجير والتطهير، كما يروي ذلك الكاتب الصحافي الأسترالي جون بليجر في كتابه “الحرية في المرة القادمة”.
ففي سنة 1968، بدأت واحدة من أكبر جرائم التطهير العرقي بشاعة في التاريخ، برعاية أمريكية بريطانية، فقد أمرا الأميرال الأمريكي جريثام والسير البريطاني كريتباتش بتطهير الأرض وترحيل السكان بهدوء عبر سفن بريطانية، لكن السكان الأصليون رفضوا. من هنا بدأت عملية التخويف، كان المحتل يعرف جيدا علاقة التشاجوسيين بكلابهم، فأشعلوا مواقد كبيرة وبدأوا بشوي الكلاب حية أمام أصحابها، ومن يعترض يشوى إلى جانب الكلاب.
ساد الخوف والذعر سكان الأرخبيل، المغلوب على أمرهم، وتم حرق بيوتهم ليتركوا في العراء، ومنعوا عنهم الغذاء والماء، وإخلاء المكان من كل خيراته الحيوانية، مات حوالي 400 شخص جوعا، فاستسلموا للقوي وقبلوا بشروط بريطانيا العظمى القوية.
استقلوا قوارب المحتل، ومن كان مريضا لقي حتفه في البحر، ومن وصل لدولة موريشيوس منع من الحصول على الجنسية فعاش لاجئا هناك، انتهى الأمر بالكثير منهم للانتحار أو التشرد. هكذا كانت قصة قوم كانوا يعيشون في أرضهم كرماء فأبيدوا لتنعم أمريكا بقاعدة عسكرية سمتها دييكو كارسيا، انطلق منها سرب المقاتلات التي دكت العراق وأفغانستان في بداية القرن الجديد.
لم تلق المأساة الكثير من الاهتمام الإعلامي، وحين اكتشف سرها، ما كان على الغرب إلا أن يحاول تصحيح مسار التاريخ، فكان الحل تقديم مساعدات لما تبقى من شعب تشاجوس، فنقل بعضهم لبريطانيا وتم أخد صور مع أطفالهم ليظهر الغرب بصورة المنقذ، ومسؤولياته الأخلاقية. نعم تم تمريرها بوصفها عملية إنقاد للتشاجوسيين من أفارقة موريشيوس، إنه الغرب الغريب.
اليوم بغزة، تورط السكان في حرب قدرة غير متكافئة، والغرب يقف مساندا للاحتلال، لكن الرئيس الأمريكي يذكرنا بأنه شدد على الاحتلال بعدم قتل المدنيين، وأنه مساند للفلسطينيين الأبرياء، رغم إيقاف مساعدات الأونروا. الغرب يبيد ويهجر ويقتل، وفي الأخير سيحتفي بالناجين ويذكرهم أنه بجانبهم ولن يتخلى عنهم. نفس الأسلوب، وبطرق مختلفة والنتيجة واحدة.
الغرب يعلن الحرب على كل شعب يعارض مصالحه، ولا قيمة لأحد أمام مصالحه الكبرى، يجيد الإبادة والاستئصال، ولا يرحم من يقاومه. لغته القدرة الحرب ثم الحرب باسم الحضارة والانسانية وحقوق الأنسان والمواثيق الدولية.
قضية تشاجوس ليست الأولى وغزة ليست الأخيرة، فالغرب لن يتوقف …