مرضى غزة بين المطرقة والسنديان..إما الموت بسبب القصف أو نقص الأدوية
تقرير: الطاهر زايد- غزة
يعيش سكان قطاع غزة ظروفاً قاهرة نتيجة الحرب المستمرة منذ أكثر من 6 اشهر، فهم عالقون بين خيارين كلاهما مُر، إما المؤت بفعل القصف، أو الجوع، أو الموت بسبب المرض وغياب الرعاية الصحية .
لقد دمر الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر المنظومة الصحية في قطاع غزة من خلال استهداف المستشفيات عمداً، قبل أن يقتحمها، ويقوم بإخراجها عن الخدمة نهائياً، بعد قصف وتدمير وتخريب وإجبار الأطباء والمرضى والنازحين على مغادرتها، ما ترك هؤلاء في مهب الريح، من دون مستشفيات، ومن دون أطباء، ومن دون أدوية.
الشواهد كثيرة على الانتهاكات والاعتداءات على المستشفيات تبرز فيما حصل في مستشفى الشفاء بغزة، ومجمع ناصر الطبي ومستشفى الأمل في خانيونس، حيث خلف الاحتلال دمار وخراب ومجازر ضد النازحين والمرضى والطواقم الطبية.
أرقام واحصائيات
نشر المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة في آخر إحصائية له، أرقاماً تُظهر مدى خطورة الواقع الصحي في القطاع نتيجة الحرب المستمرة، حيث اعتقلت قوات الاحتلال (310) كادراً من العاملين في القطاع الصحي في قطاع غزة، وتسبب القصف والعملية العسكرية البرية بإخراج (32) مستشفى و (53) مركزاً صحياً عن الخدمة، واستهداف (159) مؤسسة صحية.
وتشير الاحصائيات إلى أن ما يقارب 2 مليون نازح في قطاع غزة اضطروا لمغادرة منازلهم للخيام ومراكز الإيواء بسبب القصف والاجتياح البري، وأن هناك (11,000) جريح لم يتمكنوا من مغادرة قطاع غزة للعلاج “إنقاذ حياة وخطيرة”، و(10,000) مريض سرطان يواجهون الموت وبحاجة إلى علاج، وما يقارب (1,089,000) مواطناً أصيبوا بأمراض معدية، كما تم تسجيل (8,000) حالة عدوى التهابات الكبد الوبائي الفيروسي نتيجة النزوح والتكدس.
وأظهرت الإحصائيات أن (60,000) سيدة حامل مُعرّضة للخطر لعدم توفر الرعاية الصحية، و (350,000) مريض بمرض مزمن معرضون للخطر بسبب عدم إدخال الأدوية، فيما هناك (30) طفلاً فقدوا حياتهم نتيجة المجاعة وسوء التغذية.
الأوبئة والأمراض التنفسية تهدد النازحين
أكدت تقارير أممية على انتشار الأوبئة والأمراض بشكل غير مسبوق في قطاع غزة، خاصة أمراض التهاب الجهاز التنفسي الحاد والإسهال الحاد والجدري المائي والتهاب الكبد الوبائي، نتيجة عدم توافر الخدمات الصحية ووسائل النظافة الشخصية ودمار البنية التحتية للتخلص من النفايات والصرف الصحي، وعدم توافر مياه الشرب.
وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن ما يزيد على 312 ألف شخص يعانون التهاب الجهاز التنفسي الحاد في غزة، بينما يعاني أكثر من 220 ألف مريض الإسهال الحاد، أكثر من نصفهم من الأطفال دون سن الخامسة، بالإضافة إلى إصابة أكثر من 6600 حالة بالجدري المائي في القطاع، بالإضافة إلى انتشار كبير لالتهاب الكبد الوبائي.
وأوضحت المنظمة أن الزحام الشديد في الملاجئ وتعطل النظام الصحي وشبكات المياه والصرف الصحي تضيف خطراً آخر للحرب في غزة وهو الانتشار السريع للأمراض المعدية، وأن نقص الوقود أدى إلى إغلاق محطات تحلية المياه، ما زاد من خطر انتشار العدوى البكتيرية، وأدى نقص الوقود إلى تعطيل أعمال جمع النفايات، ما هيأ بيئة للانتشار السريع واسع النطاق للحشرات والقوارض التي يمكن أن تنقل الأمراض، ويواجه ما يقارب مليون ونصف مليون نازح في شتى أنحاء غزة، خطر الأمراض المعدية.
وعلى الرغم مما نصت عليه اتفاقية “جنيف” فقد تعرضت غالبية مستشفيات قطاع غزة للضرر نتيجة القصف الإسرائيلي، ما أخرج معظمها عن الخدمة حيث نصت الاتفاقية بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب في مادتها الثامنة عشرة على أنه “لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى، وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات”.
معاناة يومية للمرضى
“كل يوم بيمر بتعب أكثر، ومش قادر أتحمل الألم” هذا ما تحدث به المواطن عمر عودة المريض بالسرطان عن معاناته، وعدم تمكنه من السفر لاستكمال علاجه بالخارج، بعد انقطع عن تناول الجرعات الخاصة به منذ 7 شهور.
فيما يشكو المواطن محمد حسن النازح من مدينة غزة إلى مدينة دير البلح عدم قدرته على الحصول على علاج لعدم توفره في الصيدليات، نتيجة استمرار حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة منذ أكثر من نصف عام، الأمر الذي قلب حياته اليومية إلى جحيم ووجع لا يطاق.
أما المواطنة آمنة أحمد والتي ترقد في غرفة الكلية الصناعية بمستشفى أبو يوسف النجار برفح، تقول: “احنا تعبانين، المستشفى ما فيه أدنى مقومات للعلاج، احنا بس بننتظر متى نموت..”
واقع مرير وصعب يعيشه الغزيين جميعاً تحت وطأة حرب الإبادة الإسرائيلية، يزيد من مآسيه تفشي الأمراض والأوبئة، والمعاناة الكبيرة للمرضى نتيجة عدم توفر الأدوية والرعاية الصحية اللازمة، وعدم قدرتهم على الخروج من غزة للعلاج في الخارج، الأمر الذي يعرض حياتهم للخطر والموت، ويتركهم بين خيارات محدودة تؤدي جميعها إلى الموت، بين المطرقة والسنديان.