ضوء في عتمة الروح..رحلة مع بنجلون “قراءة في رواية تلك العتمة الباهرة”
إعداد: حنان الطيبي
في رواية “تلك العتمة الباهرة”، ينسج طاهر بنجلون بمهارة فنية عالية قصة ملحمية تختبر أعماق النفس البشرية، متناولا موضوع الهوية والاغتراب والأمل في خضم اليأس.
يدور العمل حول مصير شخصية تعود إلى وطنها بعد رحلة طويلة من الغربة، لتجد نفسها محاصرة بين ماضٍ مثقل بالذكريات وحاضر يفرض تحديات جديدة..، بأسلوب شاعري ووصف حي، يقدم بنجلون تأملا عميقا في كيفية تشكيل الصراعات الداخلية والخارجية للهوية الفردية، ويحول العتمة إلى لحظات باهرة من الإدراك والتحول؛ هذه الرواية دعوة للسفر في أعماق الروح الإنسانية، مليئة بالتحديات والتحولات، مقدمة بطريقة تجذب القارئ للتفكير والتأمل في معنى الحياة نفسها.
رواية “تلك العتمة الباهرة” لطاهر بنجلون تقدم محاولة جميلة في كشف النقاب عن مدى عمق أرواح شخصياتها، وذلك من خلال سرد محكم ينسج شبكة من العلاقات الإنسانية المعقدة، إذ تدور أحداث الرواية حول الصراع الداخلي والخارجي الذي يعيشه بطل القصة بعد عودته إلى المغرب، إثر تجربة الهجرة التي مر بها والتي خلفت في نفسه جروحا عميقة ومؤثرة.
بأسلوبه الأدبي الرفيع، يقوم بنجلون برسم صورة مفعمة بالحياة للتحديات التي يواجهها المهاجرون، حيث يعكس النص تجربة الاغتراب والبحث عن الذات في مواجهة الواقع القاسي، حيث يستخدم الكاتب الوصف الدقيق واللغة الشاعرية لتقديم تصوير حسي للمشاعر والأماكن، مما يجعل القارئ يغوص في أعماق الرواية ويعيش تجارب شخصياتها.
الرواية تتناول أيضا موضوعات مثل الهوية الثقافية والصراع النفسي، حيث يجد الشخصيات تتأرجح بين عالمين: الوطن الأم والمجتمع الجديد؛ هذا الصراع يخلق توترا داخليا يسبر غوره بنجلون بعمق، متناولا مسألة كيف تشكل الخبرات والذكريات هوياتنا وكيف يمكن أن تتحول العتمة إلى نور باهر يضيء دروب الحياة.
“تلك العتمة الباهرة” ليست مجرد رواية عن الهجرة، بل هي عناق للروح الإنسانية وقدرتها على التحمل والتكيف، إذ يبرز بنجلون مهارته في التعامل مع اللغة والسرد القصصي ليقدم لنا عملا يثير التفكير ويلامس القلب ويدعو القارئ للتأمل في معاني الوجود والانتماء.
في نهاية “تلك العتمة الباهرة”، يتركنا طاهر بنجلون عند مفترق طرق، حيث الضوء والظلمة يتشابكان في رقصة الحياة، ومن خلال قصته التي تنبض بالحياة، يظهر لنا أن في قلب كل تجربة مظلمة يكمن بصيص من الأمل، وأن البحث عن الذات والانتماء يمكن أن يقود إلى فجر جديد.
بلغة مفعمة بالجمال والعمق، يترك بنجلون القارئ مع التساؤلات حول معنى الهوية والتحول، داعيا إلى إعادة التفكير في العالم من حولنا وداخلنا..، “تلك العتمة الباهرة” ليست مجرد رواية، بل هي مرآة للروح البشرية، تعكس الضوء حتى في أعتم الأماكن.
حول الكاتب والرواية:
طاهر بنجلون هو كاتب مغربي بارز وفائز بجوائز عدة، وله مساهمات مهمة في الأدب الفرنكوفوني، رواية “تلك العتمة الباهرة” هي واحدة من أعماله المعروفة، وتتناول بالفعل موضوعات مثل الهوية والغربة والتجربة المعقدة للمهاجرين. بنجلون معروف بقدرته على التعبير عن التحديات الثقافية والاجتماعية التي يواجهها الأفراد في عالم معولم.