مهرجان بني عمار يواجه انقراض الحرف المحلية بتكريم المهرة من صناعها
تصر جمعية إقلاع للتنمية المتكاملة على تداول عملة العرفان في مختلف دورات مهرجان بني عمار الذي بلغ عامه دورته الـ 13، من أجل مكافأة البررة من أبناء القرية الهادئة والتاريخية الذين أسدوا خدمات جليلة للأرض والساكنة. واختارت الجمعية المنظمة للمهرجان تكريم أصحاب المهارات والحرف المحلية، وذلك في مواجهة خطر الانقراض الذي يهددها في محاولة لإنقاذها والتعريف بها للأجيال الجديدة، والوقوف على مدى أهمية تعلمها والحفاظ عليها وتشجيعهم على تعلمها وممارستها.
برنامج التكريم المميز للحرفيين المهرة من أصحاب المهن الأصيلة والعتيقة، تضمن أربعة معلمين، ويتعلق الامر بكل من المعلم محمد مزيان في الحدادة، المعلم عزوز الطويبي في صناعة الدوم، والمعلم محمد قويسم في الطهي التقليدي للخبز، والمعلم علي الفلوس في مشروع إنقاذ الأشجار المثمرة المحلية.
ويقف المعلم علي الفلوس شامخا مثل الأشجار التي يسهر منذ سنتين على رعايتها من خلال مشتل لإنقاذ الأشجار المثمرة المحلية المهددة بالانقراض، تحت رعاية جمعية إقلاع للتنمية المتكاملة، حيث يتم توزيعها على الفلاحين مجانا لتشجيع عملية غرسها من جديد، كما سيتم إدماج نماذج منها كجوائز للفائزين في مسابقات المهرجان، وكهدايا للمكرمين.
ويعتبر المعلم علي الفلوس، فلاح جمعوي يناضل منذ أزيد من سنتين من أجل إنقاذ الشجرة المثمرة المحلية التي أصبحت مهددة بالانقراض، بعد أن تعرضت إلى انخفاض مهول في عددها بسبب الرعي والحطب والشيخوخة. أكثر من 12 نوع محلي من أشجار التين ذي الجودة العالية بالإضافة إلى أشجار الخروب والبرقوق والتوت والزيتون… التي استطاع استنباتها وإعداد العشرات من مشاتلها، وتشجيع الفلاحين على غرسها ورعايتها من أجل تعويض ما ضاع منها في القصبة ومحيطها.
أما المعلم عزوز الطويبي، فهو من بين القلائل الذين قاوموا مسلسل اندثار صناعة الدوم التي كانت جزءا من المشهد العام للحياة في قصبة بني عمار وعنصرا أساسيا في صناعتها التقليدية العريقة والمرتبط بالفلاحة بشكل أساسي. قبل أن تجتاح المكننة القطاع، وتدفع بكل الحرف المرتبطة به إلى الهامش حيث يعاني من الموت البطيء، لولا وجود أمثال المعلم عزوز الذي يحاول ما استطاع الاستمرار في ممارسة هذه الصناعة التقليدية الأصيلة والحفاظ عليها كما ستلاحظون في معارض المهرجان.
بالنسبة للمعلم محمد قويسم، فإن فرنه التقليدي بحي سيد العابد، هو الوحيد الذي بقي صامدا من بين ثلاث أفران في أحياء أخرى من القصبة كانت تقوم بطهي الخبز للسكان، ولا زال يسهر عليه رغم انخفاض الإقبال على الفرن التقليدي بسبب انتشار الأفران المنزلية التي تشتغل بالغاز. ليبقى المعلم قويسم شاهدا على تاريخ وذاكرة الحركية الاجتماعية النشيطة بالقصبة وتقاليد ومظاهر احتفالية عمارية، خصوصا في المناسبات الدينية كشهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى، حيث كانت هذه الأفران تتحول الى خلية نحل تعمل ليل نهار لطهي الحلويات في أجواء ممتعة ترتبط بطفولة جيلنا الهاربة والأجيال التي سبقتها، وهي العناصر التراثية الاجتماعية التي افتقدتها القصبة للأسف الشديد.
خاتمة التكريمات مسك حرفة الحدادة التقليدية، وتتمثل في المعلم محمد مزيان، الذي بدوره يعتبر واحدا ممن حافظوا على هذه الحرفة التي كانت قصبة بني عمار تتوفر فيها على ثلاث محلات ارتبط ازدهارها بازدهار القطاع الفلاحي التقليدي، حيث كانت تلبي حاجيات الفلاحين في صناعة “سكك” المحارث الخشبية، وصفائح الحمير وغيرها من الأدوات المستعملة من فؤوس ومناجل وسكاكين، ويعتبر المعلم محمد مزيان من الشباب القليلين الذين تشبثوا بحرفة آبائهم بين عدد محدود من الحرفيين الذين ظلوا مرتبطين بالحدادة التقليدية، ويقاومون اكتساح الآلة للقطاع الفلاحي بالقصبة والمنطقة وتراجع الطلب على صناعته.