إنّ ما يحدث في حياتنا اليومية، وما نراه أمام أعيننا، من أشكال التدين المظهري، قد يحيلنا إلى العديد من الأسئلة الجوهرية، حول تمظهرات التدين والموضة السائدة اليوم من لباس ومفاهيم أيضا. كما أن الاستعمال المتكرر لكلمة الشرعي والحلال صارت أكثر تعبيرا عن أمور عديدة وتخفي أمورا عديدة. ما يحصل لدى الأفراد اليوم انتقل لرغبات الجماعة والمجتمع، حيث استطاع اللاوعي الجمعي التحايل على الممارسة الدينية الحقة، عبر خطط تخفي الرغبات المحضورة وتحتال على الفعل الديني الحقيقي.
فالعلامة التجارية لحلال أو شرعي، استثمرت بشكل كبير حتى غابت كل الأسئلة المنطقية والضمانات الصحية والبيئية وحتى الأخلاقية للمنتوج. ربما الراحة النفسية التي يحدثها استعمال المفاهيم، حتى لو كانت نظريا فقط بعيدا عن التطبيق الفعلي في أمور كثيرة متعلقة بأخلاقيات الحياة العامة. فالدين انتقل من مستوى، الممارسة الحقيقية بين العبد وخالقه، وصار استثمار لدى البعض لإعطاء صورة مشرفة مظهريا ولو مؤقتا.
عند النظر في مظاهر التدين سنجد أننا أمام تشوهات عديدة لحقت بالتدين الحقيقي، فنحن أمام، تدينٍ شكليٍ وتدينٍ منافقٍ وتدينٍ مرَضي يحمل صاحبه نفسا حاقدة وأخلاقا شريرة. وحين نركز على البيئة التي أنتجت هذه النماذج، والثقافة الاجتماعية التي تشجعها اليوم، تتداخل جذور هذا المشكل بين الاجتماعي والفكري والعلمي.
فعلى المستوى الاجتماعي، نلاحظ غلبة الموروث الاجتماعي على الموروث الديني الحقيقي، كما أننا لم نحظَ بشكل كاف بتجديد ديني ينفض الغبار عن جوهر الدين، بحيث أن المعايير الاجتماعية الجديدة/القديمة هي المهيمنة، وهي التي طوعت المخيال الديني الاجتماعي لصالحها، حتى صارت ثقافة دينية لابد منها، فالناس في مجتمعنا تتعايش مع قيم الدين الحق جنبا إلى جنب مع التطبيع النفسي والاجتماعي للكذب والغش وغياب النزاهة والأمانة وانتشار الخبث بين الأفراد.
حتى اولئك الذين من المفروض أن يقدموا بين يدي الناس الحلول والطرق التي يجب اتباعها، زاوج الكثير منهم بين المال والدعوة والشهرة، وغابت الأسئلة حول البرامج والسياسيات الاجتماعية والمناهج الدينية المتبعة.
فغياب هذه الاستراتيجيات الفعالة في مجتمعات تتأرجح بين مفاهيم كثيرة، الدولة الدينية والإسلامية وجماعات الإسلام السياسي، والرقات الجدد، والدعاة والمصلحون، أدخلنا في العديد من التناقضات الجمة. فكان الرهان مجتمعيا على الإسلام السياسي في بعض البلدان خصوصا بعد الخراب العربي، سريعا ما انكشف المستور وتبين بأن الأمر سياسي أكثر منه ديني.
كما كان الرهان أيضا على إمكانية ترويض اللاوعي الجمعي في مجتمعنا، طالما صار قادرا على توفير أقنعة المشروعية على بعض الممارسات المحضورة، والتي لا يقبلها نظام الرقابة الديني. وهنا نمارس أليات خداع الذات، أو التمويه المكشوف للفعل الديني والممارسات الأخلاقية بشعارات وأسماء كثيرة، استعملت كغطاء لفعل محضور.
فالمصالحة مع الذات ثم مع الدين كفيلة بشفاء مجتمعاتنا من مرض متزامنة الأصالة والحداثة، هنا تكمن وظيفة المصلحين الدينيين والاجتماعيين الواعون بالمسؤولية الأخلاقية الملقاة على عاتقهم لتحرير المجتمع من موروثات وقيم ومفاهيم شادة.
كل الممارسات اليومية للناس صادقة وتنطلق من دوافع لاواعية ومتضادة، إن الخداع الأخلاقي الذي نعيشه اليوم مع أنفسنا، مسألة نفسية تتعلق بمستويات الوعي والقصد والإرادة، إنها ورطة صحية تتعلق بمستويات اللاوعي الجمعي، وتعبير صريح عن مرض حضاري كبير.