موجات نزوح أفريقية تبتلع الجنوب الليبي
مراقبون يحذرون من هرب السكان الأصليين وضرب التركيبة الديموغرافية للبلاد
الحدث الإفريقي – أندبندنت
لم يخف سياسيون ليبيون ثقل أزمة النازحين الأفارقة والسودانيين على بلادهم باعتبارها في ظل الانقسامات السياسية والانفلات الأمني ما يسهل الطريق على المهاجرين غير النظاميين والنازحين للاستيلاء على قرى ومدن الجنوب الليبي.
ربما لا تخشى ليبيا، البلد الذي لا يزال يئن من ويلات الحرب، موجات نزوح اللاجئين التي تتدفق عليها بقدر قلقها من المكونات العرقية الجديدة التي تتشكل على أراضيها، مما يهدد بابتلاع مدن الجنوب تحديداً.
وقالت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان إن “عدد النازحين القادمين من السودان إلى جنوب ليبيا بلغ 40 ألف لاجئ، 25 في المئة منهم أطفال دون سن الـ 15 سنة، و15 في المئة من النساء و10 في المئة من كبار السن والعجزة و12 في المئة من المرضى، بينما عاد اثنان في المئة فقط طواعية إلى السودان”.
وأكدت المؤسسة الحقوقية في بيان لها أن “الأعداد لا تزال غير ثابتة وآخذة في التصاعد بسبب استمرار حال النزوح من السودان إلى مدينة الكفرة، باعتبارها أقرب نقطة حدودية بين البلدين”.
ودعا الفريق الحقوقي السلطات الليبية المتخصصة وعلى رأسها وزارة الخارجية والتعاون الدولي ومفوضية المجتمع المدني إلى العمل بشكل عاجل على التنسيق مع المنظمات الدولية والوكالات الأممية التي لوحظ غيابها بسبب عدم منحها التصاريح الضرورية للقيام بعملها الإنساني والإغاثي، للتخفيف من حجم المعاناة الإنسانية التي يمر بها النازحون السودانيون، ومن وطأة الأزمة الإنسانية الملقاة على عاتق بلدية الكفرة والسلطات الليبية.
وعرف السودان حربا أهلية منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، إذ أكدت الأمم المتحدة نزوح أكثر من 7 ملايين سوداني منذ ديسمبر (كانون الأول) 2023 إلى دول الجوار، بما فيها مدينة الكفرة الليبية.
المكون العرقي
ولم يخف سياسيون ليبيون ثقل أزمة النازحين السودانيين على بلادهم باعتبارها هي الأخرى تعاني الانقسامات السياسية والانفلات الأمني، وهو ما من شأنه أن يسهل الطريق على المهاجرين غير النظاميين والنازحين للاستيلاء على عدد من قرى ومدن الجنوب الليبي، وبخاصة منطقة تازربو وأم الأرانب التي تعاني فراغاً سكانياً نتيجة نزوح السكان الليبيين الأصليين بسب عدم توافر الخدمات الأساس، وانتشار العصابات الأجنبية.
ويخشى المراقبون حدوث تغيير ديموغرافي في الجنوب الليبي ربما يصل إلى فقدانه تماماً إذا ما استمر الحال على هذه الوتيرة، وفق حديث عضو مجلس الدولة الاستشاري سعد بن شرادة لـ “اندبندنت عربية” الذي أكد أن بحوزته إحصاءات تشير إلى أن عدد المهاجرين غير النظاميين الأفارقة يتجاوز 2.5 مليون في ليبيا، يتركزون أكثر في مناطق الجنوب.
وقال ابن شرادة إن الوجود العرقي المتمثل في مكون “التبو والطوارق” سهل وصول عدد آخر من بني عرقهم إلى ليبيا من دول مختلفة، موضحاً أن عدد مكون التبو مثلاً قبل عام 2012 كان لا يتجاوز 8 آلاف نسمة، بينما اليوم يوجد في البلاد ما يزيد على 100 ألف تباوي إضافة إلى الطوارق، وأسهمت المكونات العرقية هذه في تمدد أبناء جلدتهم.
أزمة أخرى
وأكد عضو مجلس الدولة الاستشاري أن نازحي السودان في الجنوب الشرقي الليبي أثقل كاهل الدولة الليبية، ولا سيما في ظل غياب دور منظمة الهجرة الدولية، مما سيخلف ضرراً بالمناطق المتاخمة للجارة الجنوبية، وتحديداً في “تازربو والكفرة”، وهي مدن في الأساس تعاني ضعف البنية التحية الصالحة للعيش.وتابع أن ليبيا لا تزال بدورها في مرحلة اللادولة، وهو ما من شأنه أن يساعد في إحداث تغيير ديموغرافي، ولا سيما أن الدول المحيطة بها، وبخاصة من الجهة الجنوبية، تتوافر على تعداد سكاني كبير وموارد اقتصادية ضعيفة وعلى رأسها السودان وتشاد والنيجر، مما دفع سكانها إلى النزوح نحو مدن وقرى الجنوب الليبي وتحديداً منطقة أم الأرانب التي تلقب بالمثلث الإستراتيجي نظراً إلى قربها من تشاد والنيجر وحوض مرزق النفطي.
فقدان الجنوب
وحذر عضو مجلس الدولة من فقدان الجنوب الليبي الذي من المتوقع أن يسقط في يدي المهاجرين غير النظاميين والنازحين، بخاصة وأنه يتوافر على أراضي زراعية عذراء وموائد مائية جوفية وثروات منجمية.
ونبّه سعد بن شرادة إلى وجود مخطط دولي لنقل المهاجرين غير النظاميين والنازحين نحو الجنوب الليبي الذي يمتلك مساحة شاسعة، إذ تسعى بعض الدول الغربية من بينها فرنسا لتفريغ حمل المهاجرين والنازحين نحو الجنوب الليبي الذي سيصبح وعاءً لهؤلاء.
واعتبر أن الحل الحقيقي لإنقاذ ليبيا من فك التغيرات الديموغرافية هو إجراء الدولة الليبية انتخابات وطنية تنهي المراحل الانتقالية لتذهب سريعاً نحو توحيد الأجهزة الأمنية وتفعيل جهاز الحدود البرية بصفة استعجالية.
وذكر أن ليبيا مستقبلاً لن تجد الجنوب ولا سكان ليبيين فيه، لأن معظمهم هاجروا إلى الشمال خوفاً من الإجرام الذي يحدث في هذه المناطق، إذ سبق وقتل تنظيم “داعش” الإرهابي رجال منطقة أم الأرانب مما دفع سكانها إلى النزوح، مذكراً أن منطقة جنوب العاصمة طرابلس وحدها تضم 100 ألف مهجر ليبي من الجنوب فقط.
معالجة استعجالية
من جانبه رأى عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الليبي علي التكبالي أن خطر التغيرات الديموغرافية ليس بالجديد، باعتباره أطل برأسه منذ اندلاع الثورة عام 2011، موضحاً أن وجود الجنسيات الأجنبية بصفة غير قانونية في الجنوب سيغير تضاريسه الديموغرافية.
وأكد التكبالي أنه مع وصول 40 ألف سوداني فسيكون هناك تغير عميق، ولا سيما في ظل وجود بعض المسلحين التشاديين الذين يعملون على طرد الليبيين من مدينة القطرون وأم الأرانب ومرزق الغنية بالنفط.
ودعا عضو لجنة مجلس الأمن القومي في البرلمان إلى معالجة الأمر عاجلاً، بخاصة أن العصابات الأجنبية التي دخل أفرادها تحت غطاء النزوح باتت تسكن الجنوب بقوة السلاح، منبهاً إلى أن ما حدث في مدينة مرزق والقطرون سيمتد إلى بقية مدن وقرى الجنوب الليبيين، وتحديداً منطقة أم الأرانب الإستراتيجية.
وتعاني ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011 من انهيار أمني وفشل سياسي حال دون الذهاب إلى تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتزامنة، مما أسهم في تغذية نيران العنف في ظل تفاقم الصراع بين القطب الغربي الذي يقوده رئيس حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة والقطب الشرقي الذي تشرف عليه حكومة أسامة حماد المكلفة من البرلمان والمدعومة من قائد قوات الشرق خليفة حفتر، وأدى إلى ثغرات أمنية استغلتها المجموعات الأفريقية للتغلغل في مدن الجنوب.